العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ

إصلاحات سوق العمل بين تحسين المعيشة واضطراد الغلاء

التجّار ينذرون بزيادة الأسعار والحكومة تبشر بالوظائف

قد تبدو الصورة متناقضة بين الاتهامات التي يطلقها بعض رجال الأعمال ومؤسسات القطاع الخاص بأن إصلاحات سوق العمل وزيادة الرسوم المفروضة على استجلاب وتشغيل الأيدي العاملة الأجنبية في البحرين قد تضرّ باستقرار أسعار الخدمات والمنتجات والسلع والبحرين عموما، ومن بين أهداف الحكومة من هذه الإصلاحات خفض معدلات البطالة وزيادة الأجور التي قد تقود إلى تحسين مستوى المعيشة في البلاد التي تتزايد فيها مستويات التضخم.

تفاقم مشكلة البطالة وتدني الأجور يفاقم من تدهور مستوى المعيشة، ولعلّ مستوى الأجور وتوافر الوظائف يعد من أهم المؤشرات لقياس الرفاهية بالإضافة إلى انخفاض معدلات البطالة.

وتعاني البحرين أكثر من غيرها في دول مجلس التعاون من مشكلة تدني الأجور وارتفاع نسب البطالة حتى بين حملة الشهادات الجامعية، وإذا كانت الحكومة ترى في فرض رسوم على تشغيل العمالة الأجنبية ومحاولة رفع كلفة تشغيل الأجنبي لجعل البحريني الخيار المفضل لأصحاب العمل فإن القطاع الخاص يرى أن الغالبية العظمى من الأجانب يعملون في مهن قد لا يقبل البحريني العمل فيها.

في المقابل، يرى العاطلون أنفسهم أن ضعف الأجور المقدمة من قبل القطاع الخاص لا تشجّع البحرينيين على العمل في الوظائف المعروضة عليهم والتي قد تكون في كثير من الأحيان مهن تتطلب جهدا بدنياَ ومقدرة على تحمل درجات الحرارة العالية.

وإذا كانت زيادة معدلات الأجور بنسب التضخم نفسها أو الزيادة التي تطرأ على الأسعار ستكون صمام أمان للحفاظ على مستوى المعيشة فإن الأرقام الرسمية توضح التطّور الضّئيل وربما المعدوم لمستوى الأجور الذي قد لا يحاكي الأسعار المتضخمة التي وصلت إليها بعض المنتجات والخدمات. ولعل أهمّها العقارات التي زادت أسعارها بنسب جنونية وصلت إلى 300 في المئة.

وتظهر الأرقام أن متوسط أجور جميع موظفي وعمال القطاع الخاص في الربع الأول من العام الجاري بلغ 224 دينارا، فيما بلغ المتوسط للبحرينيين تحديدا 448 دينارا، والرقم الأخير قد لا يعجب الكثير من البحرينيين وقد لا يرونه رقما صادقا. أما عن نسب الزيادة في أجور القطاع الخاص 6 في المئة في الربع الأول من العام الجاري فيما كانت النسبة في الربع الرابع من العام الماضي هي تراجع في الأجور بنسبة 1.4 في المئة. ويبدو موظفي القطاع العام أحسن حالا، لكن ذلك لا يعني أنهم لا يعانون من المشكلة نفسها وهي قلّة الأجور مقابلة غلاء المعيشة.

ويرى مراقبون أن غالبية فرص العمل التي يولّدها الاقتصاد البحريني تذهب إلى الأجانب نتيجة طبيعية للمساحة الواسعة التي تركت للقطاع الخاص لتفضل العامل الأجنبي نتيجة أجره الأدنى ولتحقيق أعلى معدلات أرباح على حساب تشغيل البحرينيين الذي لا يحصلون سوى على قدر بسيط من هذه الفرص.

والسؤال الذي يدور الآن، هو هل بإمكان الحكومة تحقيق المعادلة بين زيادة الرسوم وتشغيل المزيد من الشباب وتحسين الأجور. أصحاب الأعمال يرون أن رفع الرسوم لن يضرّ سوى البحريني نفسه وأنه سيكون هناك استمرار في تشغيل الأجانب فيما اقترحوا أن تستبعد بعض المهن من زيادة الرسوم ومنها قطاع المقاولات الذي يعد من أكبر مشغلي العمالة الأجنبية في البلاد، إذ يرون أن البحرينيين لن يفضّلوا أبدا العمل في هذا القطاع، فيما يعد قطاع البناء حيوي لاقتصاد الدولة بل ويلعب دورا في توفير الإسكان لجميع المواطنين بأسعار مقبولة كما يرون، وإذا زادت هذه الرسوم فإن أسعار العقارات قد تشهد مزيدا من الارتفاع الذي لن يكون في صالح المواطن.

الأمر قد لا يقتصر على ارتفاع أسعار كلف تشييد المنازل والمشروعات، بل حتى فيما يتعلق بالغذاء، فهذا هو الرئيس التنفيذي لغرفة تجارة وصناعة البحرين أحمد نجم الذي يعبر عن خشية واعتقاد القطاع الخاص بأن أسعار مواد الأغذية وسلة غذاء المواطن - المرتفعة أسعارها أصلا - قد تشهد مزيدا من الارتفاع في أسعارها، وهو الأمر الذي حقا لا يريد المواطن سماعه، فربما ظلّ صامتا عن ارتفاع أسعار العقارات التي لم يكن له فيها ناقة ولا جمل، لكنه تأكيدا لن يصمت عن التهديد الذي قد يصيب قوت يومه وهذا ما دلّ عليه الاحتجاج الشعبي العارم على غلاء المواد الغذائية في الفترة الأخيرة.

ويقول نجم: «إن الغرفة ترى أن السلع والمواد الغذائية مترشحة لأن تكون عرضة لارتفاع متوقع بسبب الزيادة المنتظرة في رسوم العمل؛ ما يفاقم حدة ظاهرة الغلاء التي تبذل الحكومة حاليا جهودا حيثية لمواجهتها واحتوائها».

ويشدّد نجم على ضرورة ألا يكون حلّ أية مشكلة على حساب مشكلة أخرى موجودة أصلا وهي مشكلة ارتفاع الأسعار. كما يضيف: «إن توقيت زيادة رسوم العمل غير مناسب بكل المقاييس، وخصوصا إذا نظرنا إلى الأعباء المالية الجديدة التي سيتكبدها أصحاب الأعمال في مختلف القطاعات سواء التي تشمل رسوم التعطل عن العمل، أو رسوم التأمينات الاجتماعية بالإضافة إلى ما هو متوقع من رسوم على التأمين الصحي للأجانب، وزيادة تعرفة الكهرباء على المنشآت الصناعية ومنها بطبيعة الحال مصانع المواد الغذائية».

من جهة أخرى، يشير في تناوله العوامل الخارجية المؤثرة على ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية إلى عدم خفاء هذه العوامل وما لها من تأثير، ولكن زيادة وتوقيت رسوم العمل سيضاعفان حجم وحِدَّة معاناة المواطن الذي يشكو حاليا من غلاء المعيشة؛ لأن أية زيادة في كلفة الإنتاج والاستيراد ستكون لها تبعاتها على المستهلك.

نجم لم يتحدث فقط عن ارتفاع في الأسعار بل تحدث عن شلّ قدرة القطاع الخاص عن التوسع وتوليد مزيد من الوظائف، إذ قال: «مما يؤسف له أن وجهة نظر القطاع الخاص لم تؤخذ، وإذا كان هذا القطاع يعوّل عليه في خلق مزيد من فرص العمل في الفترة المقبلة، فإنه يخشى أن تكون الأعباء المالية الجديدة التي سيتحمّلها هذا القطاع نتيجة الرسوم سببا في تراجع هذه الفرص؛ لأنه لن يكون بمقدرة الكثير من منشآت القطاع الخاص وخصوصا في قطاعي الأغذية والأدوية التوسع بما يولّد فرص عمل».

وفيما ترسم الحكومة صورة وردية متفائلة من نتائج مشروع إصلاح سوق العمل وتعديل رسوم تشغيل الأجانب، يصبغ بالمقابل بعض رجال الأعمال والتجار هذا المشروع صبغة سوداء قاتمة يلفها القلق على مصير أعمالهم ويطالبون بإجراء تعديلات على هذا المشروع الذي يبدو أن الحكومة قدمت تنازلات كثيرة على ما تم اقتراحه أصلا في بدايته. ويقول رجال أعمال وبعض الاقتصاديين إن إصلاح التعليم ورفع قدرة البحريني على المنافسة للحصول على الوظائف من خلال التعليم والتدريب قد يكون هو ما يتوجب البدء فيه قبل الحديث عن زيادة الرسوم على العمال الأجانب، وهذا ما يعبر عنه الرئيس التنفيذي للغرفة الذي استذكر تجاوب أصحاب الأعمال مع مشروع إصلاح سوق العمل، ونبّه إلى أن هذا التجاوب كان مقرونا بعناصرَ إصلاحية واجبة ومتلازمة أهمّها الإصلاح في نظامي التعليم والتدريب لتحسين مخرجاتهما بما يتلاءم مع هدف جَعْل البحريني الخيار المفضل للتوظيف بما يفترض أن يمنحه هذا الإصلاح من مهارات وخبرات ودينامكية وتأهيل.

العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً