العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ

توازن المصالح والاصطلاحات بيـــن «رب» العمل وحقوق الإنسان

إلغاء نظام الكفيل

منذ مطلع السبعينات ومع الطفرة الاقتصادية التي شهدتها الدول الخليجية تقاطر آلاف العمال على هذه الدول الغنية هربا من مستوى الأجور التي يتقاضونها في بلدانهم الأصلية في محاولة منهم لتحسين أوضاعهم المعيشية ومساعدة أسرهم, ما خلق نوعا من الفوضى في سوق العمل الخليجية. ولتنظيم سوق العمل اضطر ت الحكومات الخليجية لابتداع نظام الكفيل وهو المعمول به حاليا في هذه الدول فقط من دون جميع دول العالم.

إن هذا النظام الذي ضبط سوق العمل لفترة ما بدأ يواجه الكثير من الانتقادات سواء على المستوى المحلي أو على المستوى العالمي, فعلى المستوى المحلي يرجع عدد من المختصين الكثير من أمراض سوق العمل كالبطالة وتدني مستوى الأجور وظروف العمل غير اللائقة إلى هذا النظام, فيما يواجه الكثير من الانتقادات على المستوى الدولي سواء من الدول المصدرة للعمالة أو المنظمات العمالية والحقوقية بسبب تعارضه مع المبادئ العامة لحقوق الإنسان وتعتبره أحد أشكال الرق في الوقت الحاضر.

في هذه الندوة التي استضفنا خلالها المدير التنفيذي لغرفة تجارة وصناعة البحرين أحمد نجم والأمين العام المساعد للعلاقات العربية والدولية بالاتحاد العام لنقابات عمال البحرين عبدالله حسين إلى جانب مدير العلاقات العامة والشئون السياسية بهيئة تنظيم سوق العمل صلاح أحمد والباحثين الاقتصاديين حسين المهدي وعبدالله جناحي سنطرح خلالها الآثار الإيجابية والسلبية لنظام الكفيل وإمكان تعديل هذا النظام بما يتوافق مع مصالح أصحاب العمل من جهة والعمالة الوافدة والوطنية من جهة أخرى.

وفيما يأتي نص الندوة:

* كيف تقرأ سوق العمل البحرينية من حيث حجم العمالة ومستوى الأجور ونسبة العمالة الأجنبية مقارنة بالعمالة البحرينية؟

- حسين المهدي: إن تركيبة سوق العمل في البحرين تركيبة يمكن أن يقال عنها إنها تركيبة عجيبة, وهناك تشوهات كبيرة في هذه السوق, فمنطقة الخليج هي المنطقة الوحيدة في العالم التي فيها العنصر الوافد هو العنصر الغالب في سوق العمل, كما أن الوافدين يزدادون سنة بعد أخرى مقارنة بالخليجيين عددا ونسبة وتناسبا.

ولو أخذنا دراسة «مكنزي» لإصلاح سوق العمل في البحرين لوجدنا أن الدراسة توضح أنه خلال السنوات من 2003 وحتى 2013 حتى يستطيع اقتصاد البحرين أن يحافظ على النمو الجيد الذي هو في حدود 5 في المئة يجب أن يخلق 10 آلاف وظيفة سنويا، بمعنى أن يخلق 100 ألف وظيفة خلال العشر سنوات, على رغم أن اقتصاد البحرين استطاع أن يخلق خلال السنوات الأربع الماضية 50 ألف فرصة عمل, ولكن للأسف فإن غالبية هذه الوظائف ذهبت لغير البحرينيين، ويمكن هنا الاستشهاد بتصريح لسمو ولي العهد الذي بين فيه أن من بين كل عشر وظائف جديدة تخلقها سوق العمل البحرينية تذهب ثماني منها إلى العمالة الوافدة.

وبحسب الأرقام الرسمية الخاصة بالمؤشرات الاقتصادية في البحرين فإنه وحتى الربع الأول من العام الجاري هناك 381 ألف عامل يعملون في القطاع الخاص والقطاع الحكومي وهذا يعتبر رقما متقدما جدا بالنسبة إلى عدد السكان مع ملاحظة أن البحرين استطاعت خلال السنوات الخمس الماضية أن ترفع مساهمة القوى العاملة من 34 في المئة من عدد السكان إلى 53 في المئة وذلك ما يتماشى مع المقاييس العالمية التي هي في حدود 50 في المئة.

نسبة العمالة الوافدة

كما أن نسبة النمو تتجاوز 18 في المئة سنويا، وهذه المؤشرات إذا أخذناها من ناحية إيجابية فإنها توضح أن السكان سواء من البحرينيين أو الوافدين يساهمون بشكل كبير في سوق العمل باعتبارهم أيدي عاملة.

وفيما يخص توزيع العمالة فإن القطاع الخاص يستحوذ على نسبة كبيرة جدا من الأيدي العاملة؛ فمن بين 381 ألف عامل يعملون في البحرين هناك 342 ألف عامل يعملون في القطاع الخاص وذلك ما يشكل 90 في المئة تقريبا من مجمل الأيدي العاملة.

وعند التفصيل في هذه الأرقام فإنه للأسف أن عدد البحرينيين العاملين في القطاع الخاص تتناقص نسبتهم سنويا؛ ففي العام 2002 كانت نسبتهم في القطاع الخاص تصل إلى 30 في المئة، فيما تصل الآن إلى 20 في المئة تقريبا. وهذه إحدى التشوهات التي تعاني منها سوق العمل في البحرين، فالقيمة المضافة إلى إجمالي العاملين يجب أن تكون في جانب المواطنين، بينما الذي يحدث الآن العكس؛ فقد ارتفعت نسبة العاملين غير البحرينيين خلال السنوات الخمس الماضية من 70 في المئة إلى 80 في المئة وأتوقع أن تزداد هذه النسبة تدريجيا مع مرور الوقت.

إن هذه الأرقام تؤكد أن أي تغييرات أو تعديلات في نظام الكفيل ستؤثر مباشرة على سوق العمل في البحرين وعلى أصحاب الأعمال ما سيؤثر على مستوى الأجور وغيرها من الأمور المتصلة بالسوق.

إن ما يمكن استنتاجه من هذه الأرقام هو أن اقتصاد البحرين اقتصاد نشط يستطيع توفير فرص عمل متزايدة، وهو اقتصاد قوي يوظف أكثر من 50 في المئة من عدد السكان، ولكن من ناحية أخرى فإن هذا الاقتصاد يذهب في اتجاه توظيف العمالة الوافدة.

* لكي تكون الصورة أكثر وضوحا، هل هناك أرقام محددة لنسبة البطالة من البحرينيين؟

- حسين المهدي: إن الأرقام الرسمية تتحدث عن 5 أو 6 في المئة في حين يتحدث البنك الدولي عن 15 في المئة.

* توضح الأرقام أن اقتصاد البحرين اقتصاد نشط يمكنه أن يخلق المزيد من فرص العمل، ولكن فرص العمل هذه تذهب لغير البحرينيين كما أن غالبيتها ذات مستويات أجور منخفضة, كيف تفسرون ذلك في غرفة تجارة وصناعة البحرين؟

لا وجود لقانون «الكفيل»

- أحمد نجم: أولا أحب أن أذكّر بنقطة فيما يختص بتسمية نظام الكفيل، هل هذه التسمية صحيحة؟ بمعنى هل هناك تشريع أو قانون في البحرين يسمى «قانون الكفيل»؟ ثم من أوجد هذا القانون؟ هل هو نظام الإقامة أو التأشيرة، أم أن عقد العمل هو من أوجد ذلك؟

من خلال مطالعاتي أعتقد أنه لا يوجد في البحرين نظام متكامل يسمى نظام الكفيل، كما لا يوجد في منطقة مجلس التعاون نظام بحكم التشريع القانوني له مداخل وأدوات ومخارج يسمى نظام الكفيل, إنما يمكن أن تكون الطفرة الاقتصادية وخصوصا مع مطلع السبعينات هي التي أوجدت الحاجة إلى قوة عاملة أجنبية التي بدورها أوجدت بالتالي الحاجة إلى نوع من العرف بما يسمى الكفيل.

من ناحية أخرى، ما هي الكفالة بحد ذاتها؟ فهناك الكثير من أنواع الكفالات، فقد تكون كفالة بنكية أو كفالة مصرفية وقد تكون الكفالة بمعنى الرعاية.

وكان في ذلك الوقت من صالح العامل أن يكون مكفولا؛ لأنه سيأتي إلى البلد وفرصة العمل مكفولة له وأجره مضمون وخلال مدة معينة يضمن له كفيله عددا من الحقوق. كانت فرص العمل التي توفرها السوق وخصوصا في القطاع الخاص تقدم صاحب العمل فيها؛ ما يكفل إلى العامل أن يكون له نصيب من هذه الوظائف الموجودة؛ فنظام الكفالة في ذلك الوقت, وأنا هنا لا أتكلم عن تقييد حرية العامل في الانتقال, ولكن أتكلم عن نظام الكفالة الذي أوجد الحق للعامل الأجنبي أن يكون له نصيب من الطفرة في الوظائف والأجور سواء أكانت هذه الأجور متدنية أم غير متدنية، والأجر الذي يقبل به العامل وخصوصا إذا ما قيس بمستوى الأجر في بلده الأصلي, ولذلك أقول إن نظام الكفيل كان مكسبا للعامل الأجنبي.

* ولكنك إلى حد الآن لم تجبني بشأن السؤال عن مستوى الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص في الوقت الحالي؟

- أحمد نجم: إن العمالة الوافدة تعمل في قطاعات مختلفة وعلى رغم أن حسين المهدي ذكر لنا بعض الأرقام، فإنه لم يوضح القطاعات التي تولد هذه الفرص, فمثلا عند الحديث عن قطاع البناء والتشييد فإنه يحجم عنه العامل البحريني. القطاع الخاص عموما باستثناء عدد من القطاعات كقطاع التأمين والقطاع المصرفي قد يكون ليس جاذبا للعامل البحريني، وذلك بسبب الفوارق والمميزات التي يحصل عليها العاملون في القطاع الحكومي, الآن الناس تتحدث عن الزيادة في الأجور في القطاع العام، إن البحرينيين دائما يفضلون القطاع العام لأنه يضمن له مستوى من المعيشة ومزايا تقاعدية واستقرارا وظيفيا لا يحصل عليها في القطاع الخاص.

قطاع البناء والعمالة الأجنبية

إن قطاع البناء والتشييد في الفترة الماضية هو أكثر قطاع شهد نموا كبيرا، وعلى رغم أنه يستقطب عمالة كبيرة إلا أنه وبحسب الظروف الحالية والأجور المعروضة لا يشجع المواطن البحريني للانخراط فيه، ولذلك تتولد الحاجة إلى استقدام أيدٍ عاملة وافدة، ما يعني أن عددا كبيرا من فرص العمل المتوافرة تذهب إلى العمالة الوافدة.

* هل تتفق مع الرأي القائل إن نظام الكفيل وجد للحفاظ على مصالح العمالة الوافدة؟

- عبدالله حسين: إنني أختلف مع ما طرحه أحمد نجم بشأن مفهوم الكفيل وتعريف الكفالة, ولنتحدث على المستوى العملي وكيف تجري الأمور. فصاحب العمل يكفل للعامل أن «يعمل لديه ويكون بحوزته وثائق سفر العامل، كما يكون العامل تحت سلطة صاحب العمل «وبالتالي فإن مثل هذه الأمور ومن الجانب الإنساني تتعارض مع حقوق الإنسان بالدرجة الأساسية؛ فالعامل سواء كان أجنبيا أم مواطنا هو في النهاية إنسان، وبالتالي يجب أن ننظر إلى هذه المسألة من هذا المنظار، ولذلك عندما وضعت المواثيق الدولية ووضعت منظمات العمل الدولية اتفاقاتها أوضحت أنه عندما يحوز صاحب العمل وثائق سفر العامل فإن العامل لا يتمكّن من التنقل داخل البلد من وظيفة إلى أخرى، كما أنه لا يتمكّن من التنقل من بلد إلى آخر، وصاحب العمل من الممكن أن يفرض شروطا تتجاوز القانون ولا يمكن للعامل أن يعارض هذه الشروط، كما أنه ليس للعامل خيار ترك العمل لدى صاحب العمل»، ولذلك تضمنت الكثير من اتفاقات منظمة العمل الدولية تحريم عمل السخرة الذي يتضمنه نظام الكفيل بما به من شروط مجحفة بحق العامل، كما أن الكثير من المنظمات الدولية اعتبرت نظام الكفيل أحد أشكال السخرة والرّق.

ويعتبر نظام الكفيل أحد أشكال الرّق التي حضرتها المواثيق الدولية وخصوصا الاتفاق التكميلي لإبطال الرّق وتجارته والأعراف والممارسات الشبيهة بالرّق التي تم اعتمادها بقرار من المجلس الاقتصادي والاجتماعي بهيئة الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 1956، ودخل في حيز التنفيذ في أبريل/ نيسان 1957، إذ اعتبرت العبودية في المادة الأولى أنها «حال أو وضع أي شخص ملزم بالعرف أو القانون أو عن طريق الاتفاق بأن يعيش ويعمل على أرض شخص آخر وأن يقدم خدمات معينة لهذا الشخص بعوض أو بلا عوض ودون أن يملك حرية تغيير وضعه» وبالتالي أتت هذه المبادئ لتؤكد مسألة حقوق الإنسان.

تفضيل العامل الأجنبي

إننا نرى في البحرين أن هناك فرصا للنمو. إن هناك المزيد من فرص العمل للعمالة الأجنبية؛ إذ إن اصطحاب العمل يفضلون توظيف العامل الأجنبي على حساب المواطن البحريني, و أؤكد ما قاله حسين المهدي من أن هناك تشوها في سوق العمل لدينا، فلا يمكن أن نتحدث عن بلد مثل البحرين حجم العمالة فيها 381 ألف عامل تكون نسبة العمالة فيها أكثر من 80 في المئة وفي ظل وجود مواطنين عاطلين عن العمل. ولنأخذ نسبة العمالة الأجنبية في جميع أنحاء العالم فإن كانت نسبة العمالة المهاجرة في الدول المتقدمة تتعدى العشرة في المئة فإنهم يعتبرونها نسبة عالية جدا فما بالنا في البحرين بحجم عدد سكانها ومساحتها الصغيرة أن تكون نسبة العمالة الوافدة فيها تتعدى 80 في المئة.

لقد حذرنا منذ العام 1990 من أن هناك مواد في وثيقة الأمم المتحدة بشأن العمالة المهاجرة تضغط باتجاه إعطاء حقوق متزايدة للعمالة المهاجرة، ولكن للأسف فإن دولنا لم تعِ ذلك, وعلى رغم من أن مواد الوثيقة تعتبر أن حقوق العمال يجب أن تكون من دون تمييز بين العمالة المهاجرة والعمالة الوطنية, ونحن في الاتحاد العام لعمال البحرين نقف مع هذا التوجه، إلا أن بعض المواد تشكل خطورة على دولنا كتوطين العمالة المهاجرة، وذلك ما حذر منه وزير العمل مجيد العلوي أخيرا؛ إذ يمكن في المستقبل القريب أن تضغط المنظمات الدولية في هذا الاتجاه لإعطاء المزيد من الحقوق المادية والاجتماعية وحتى السياسية للعمالة الوافدة.

* يمكن أن يكون ذلك بسبب كبر حجم العمالة الوافدة لدينا التي تصل نسبتها إلى 80 في المئة من مجمل العمالة, ولكن دعنا نعود إلى مشروع إصلاح سوق العمل, فإن دراسة «مكنزي» طرحت عددا من الحلول لإصلاح سوق العمل في البحرين ومن هذه الحلول رفع كلفة العامل الأجنبي, وتدريب العامل البحريني لكي يكون هو المفضل لدى أصحاب الأعمال إلى جانب إلغاء نظام الكفيل مقابل إلغاء نسبة البحرنة المفروضة على مؤسسات القطاع الخاص. فهل لدى هيئة تنظيم سوق العمل تصورات عن إلغاء نظام الكفيل أو تعديله على الأقل؟

- صلاح أحمد: أعتقد أن نظام الكفيل هو أحد سبل العلاج المبكر لتنظيم سوق العمل في ظل جاذبية المنطقة بعد صعود أسعار النفط للكثير من العمالة الأجنبية التي أقبلت على المنطقة بشكل كبير, وقد وضع هذا العلاج لكي يكون منصفا للجانبين (صاحب العمل والعامل) ولكي لا يستغل العامل, كما روعي في هذا النظام أن يكون إنسانيا قدر المستطاع لكي لا تتهم المنطقة بأنها تستخدم وسائل غير صحيحة لتنمية اقتصادها. ولكني أظن أن التحول الأخير في الخطاب العالمي بشأن الاستخدام غير الإنساني للبشر وخصوصا في مواقع العمل, ولذلك تحول نظام الكفيل الآن إلى نوع من الازدراء بوصفه أحد أنواع السخرة، وهذا التحول أدى إلى أن ينظر إلى الكفيل وكأنه يملك العامل، وذلك ما هو مطروح الآن على المستوى الثقافي والإعلامي، كما وجهت التهم إلى الدول التي يتبع فيها هذا النظام على رغم أن المنظمات العالمية كانت تعرف بوجود مثل هذا النظام منذ البداية.

وعن السؤال الخاص بدراسة «مكنزي» الهادفة لإصلاح سوق العمل, ففعلا هناك تشوهات كبيرة في سوق العمل البحرينية ويجب إصلاحها بوسائل متقدمة وقد طرحت الدراسة الحلول.

نظام الكفالة والعاطلون عن العمل

الدراسة أوضحت أنه إذا استمر الحال على ما هو عليه فإن عدد العاطلين البحرينيين سيصل إلى 100 ألف عاطل عن العمل بحلول العام 2013, ولذلك أصبحت لدينا موازنة بين أن نكون إنسانيين مع العمالة الوافدة وبين خطورة وجود 100 ألف عاطل, ولذلك أعتقد بأن طرح رفع الرسوم إلى جانب إصلاحات مبكرة لإلغاء نظام الكفيل تصب في رغبة منح المنافسة على فرص العمل التي يخلقها الاقتصاد المحلي، وهذه المعادلة لا يمكن أن تتحقق إلا عبر وسائل علمية يقبل بها الواقع, فـ «مكنزي» تطرح الموضوع من ناحية علمية بحتة وبشكل نظري. أما على الصعيد العملي فهيئة تنظيم سوق العمل وعبر تغييرات جذرية في القانون طرحت في مجلس النواب تحول الدور الرامي إلى تطبيق النظرية التي طرحتها «مكنزي» إلى مقترح لسياسات من شأنها إيصال المجتمع إلى حال من الأحوال التي يستطيع فيها البحريني المنافسة في سوق العمل بشروط عادلة بمعنى إن كانت كلفة العامل البحريني مساوية لكلفة العامل الوافد فذلك يعني أنه قد تحقق أحد الشروط التي تجعل من منافسة البحريني ممكنة وبعد ذلك حرية انتقال العمالة الوافدة من صاحب عمل إلى آخر؛ فجميع الدراسات وليست دراسة «مكنزي» فقط أكدت أن احد أهم ما يميز العامل الأجنبي هو أنه شبه ملك لصاحب العمل إلا في حالات هروب العامل من صاحب العمل.

* إذا أنت تتفق مع ما طرحه عبدالله حسين من أن نظام الكفيل يشبه نظام السخرة؟

- إن ما أطرحه هو أن الدراسات تؤكد أن عملية الولاء للعامل الأجنبي من خلال ارتباطه بنظام الكفالة جعله مميزا عن العامل البحريني الذي يمتلك الحرية الكاملة في الانتقال من صاحب عمل إلى آخر من غير شروط أو قيود, ولكن بحسب تصور هيئة تنظيم سوق العمل فإنه لا يمكن التعامل مع هذه المسألة إلى عن طريق الدراسة العملية وليس عن طريق التنظير، بمعنى أنه يجب على الهيئة أن تقترح الحلول وتقوم باستشارة جميع أصحاب الشأن بما فيهم غرفة تجارة وصناعة البحرين والاتحاد العام لعمال البحرين للخروج بنتيجة يقترحها على مجلس الوزراء وبعد ذلك يقوم المجلس باتخاذ القرار، وهذه الآلية الرسمية للإصلاحات ولكن يجب أن تنبع الإصلاحات من قناعة؛ إذ إن السوق البحرينية لها اعتباراتها, فلا يمكن إلغاء نظام الكفيل من دون استشارة المعنيين بالأمر على سبيل المثال. ومع ذلك أظن أن عملية إصلاح نظام الكفيل واردة شئنا ذلك أم أبينا.

* في ظل متطلبات إصلاح سوق العمل البحرينية والضغوط من قبل الدول المصدرة للعمالة والمنظمات الدولية بإلغاء نظام الكفيل, هل لدى غرفة التجارة تصور أو مقترحات عملية للوفاء بهذه المتطلبات من حيث تعديل النظام؟

- أحمد نجم: المشكلة أنه لا يوجد قانون أو نظام للكفيل ولنرجع إلى قانون الأجانب والإقامة لسنة 1965 والذي يورد «في حالة رغبة الأجنبي في العمل أو الاستمرار في العمل في البحرين أن يطلب من صاحب العمل إيداع مبلغ كالمذكور أعلاه أو تقديم تعهد إلى مدير الهجرة بدفع النفقات التي تكبدتها حكومة البحرين في تسفير الأجنبي» ولذلك نرى أن نظام الكفالة في ذلك الوقت فرصة للعامل الأجنبي وكان من ضمن الإيجابيات التي تحسب للعامل الأجنبي إذ يتوجب على صاحب العمل أن يوجد له فرصة عمل وأن يصرف له راتبا شهريا وأن يوجد له سكنا وأن يعطيه حصة من الوظائف المتوافرة في منطقة الخليج, الكفالة أيضا من الجهة الرسمية أو من جهة السلطة كانت مطلوبة إذ كيف سيتم تسفير العامل الأجنبي ولذلك كانت المادة تطلب من صاحب العمل أن يودع مبلغا معينا لذلك, إذا الكفالة جاءت من مفهوم إيداع هذا المبلغ لضمان تسفير العامل في حال حصول أي طارئ , إنما لا يوجد نظام متكامل للكفالة.

الآن هناك انتقادات شديدة لمفهوم الكفيل من قبل المنظمات الدولية بسبب بعض الممارسات الخاطئة من قبل بعض أصحاب الأعمال.

ولنأتي إلى العمالة المنزلية أو خدم المنازل إن كان نظام الكفيل يسمى بالسخرة فإني اسأل الإخوان في اتحاد النقابات ماذا يسمون العمالة المنزلية أليس هو أسوأ من الكفيل فهل نسمي ذلك بالرق وهل هم يمارسون الرق في منازلهم فلماذا نطلق مثل هذه التسميات على أصحاب الأعمال وننسى أنفسنا ونحن نمارس النظام نفسه في منازلنا, القضية الآن ليست بسخرة وليست برق, فنحن كشعب بحريني نعامل الناس بخلق وحقوق كما أن نظامنا القضائي نظام عادل ويفتح جميع الأبواب للعامل الأجنبي للتقدم بأي شكوى ضد صاحب العمل إذ إن بعض العمال يهربون من صاحب العمل ويقيمون دعوى قضائية عليه ويحصلون على رواتبهم كاملة حتى وقت هروبهم , وهذه قضايا معروفة وليس على لساني فقط وإنما أتى ذلك على لسان رئيس مجلس النواب.

حرية الانتقال من كفيل لآخر

الآن نحن نتكلم ليس عن نظام الكفالة وإنما عن حرية انتقال العمالة من عمل إلى آخر وبالتالي من كفيل إلى كفيل آخر وبذلك ستظل الكفالة موجودة.

إن القانون أعطى العامل حرية الانتقال من عمل لآخر وبحسب القرار رقم 21 لسنة 2001 فإنه «يجوز إجراء التحويل المحلي للعامل الأجنبي لصاحب عمل آخر يرغب في استخدامه وبموافقة صاحب العمل الأصلي كما يجوز إجراء التحويل المحلي للعامل الأجنبي بغير موافقة صاحب العمل في حال انتهاء عقد العمل أو انتهاء إقامته أو انتهاء العمل الذي استقدم من أجله أو نتيجة لإنهاء أعمال المنشأة أو تصفيتها أو إغلاقها نهائيا أو إذا تأخر صاحب العمل في دفع أجر العامل». أليست هذه حقوق للعامل الأجنبي في الانتقال, كما أتى قانون تنظيم سوق العمل في المادة 25 منه وأعطى الحق للعامل الأجنبي في الانتقال من صاحب عمل إلى صاحب عمل آخر.

* إذا أنتم في جميع الأحوال مع بقاء نظام الكفيل؟

- لسنا نحن, فهذا اشتراط على صاحب العمل فالحكومة لن تعطي ترخيصا لجلب أي عامل دون وجود كفيل, الآن هيئة تنظيم سوق العمل لن تصدر أي ترخيص إلا إذا كان صاحب العمل يتحمل مسئولية العامل, المشكلة في حرية انتقال العامل من دون قيود إلى صاحب عمل آخر, ووجهة نظر الغرفة إذا كانت هناك حقوق إلى العامل أليس من الأوجب أن تكون هناك أيضا حقوق لصاحب العمل الذي يدفع مصاريف كثيرة ليأتي بالعامل الأجنبي من الخارج والذي يقضي أكثر من ثلاثة أشهر في البحث عن العامل المناسب وخصوصا العمال ذوي المهارات الفنية وينتظر لمدة شهرين حتى يصل إلى البلد فهل يعقل أن يصل اليوم وينتقل إلى صاحب عمل آخر في الغد؟ وماذا سيحدث للمشروعات التي ينفذها؟ نحن في الغرفة نؤكد أننا مع حرية الانتقال ولكن مع ضمان حقوق صاحب العمل كما تضمن حقوق العامل في العقد.

عندما تقدمنا بتعديلاتنا على المشروع الذي قدمته الحكومة لمجلس النواب والذي أثار الكثير من النقاشات بشأن خطورة انتقال العامل منذ وصوله إلى البلد وفي مضبطة إحدى الجلسات يؤكد المستشار القانوني لمجلس التنمية الاقتصادية أنه «فيما يتعلق بحق انتقال العامل الأجنبي المطبق الآن هو أن هناك قرارا من وزير العمل ونوافقكم عليه, الآن في مشروع هيئة تنظيم سوق العمل هناك نص ينص على أن يتم ذلك من دون الإخلال بالحقوق والالتزامات المقررة وفق أحكام القانون فما يتم الاتفاق عليه بين الطرفين بموجب العقد هو ملزم, إضافة إلى أي التزامات أخرى ينص عليها القانون» فإذا أراد العامل أن ينتقل هناك العقد, فالقانون البحريني أجاز ذلك ولكن هناك التزامات تعاقدية مع صاحب العمل.

تعامل الحكومات مع سوق العمل

* كيف تطورت القوانين الخاصة بنظام الكفيل منذ السبعينات وحتى الآن؟

- عبد الله جناحي: يمكن أن نغطي هذا الموضوع من خلال كيفية تعامل الحكومات الخليجية مع سوق العمل والذي أفرز ما سمي بنظام الكفالة, فمنذ مطلع السبعينات مع الطفرة النفطية واشتداد الطلب على العملة الأجنبية برزت الكثير من الدراسات كما أكد الكثير من الخبراء سواء من منظمة العمل الدولية أو الأمم المتحدة أو «الإسكوا» أن المنطقة ستواجه مشكلات كبيرة نتيجة للتغيير الديمغرافي ويجب وضع حلول من الآن, للأسف فإن الحكومات الخليجية كانت تتعامل بآلية إدارة الأزمة وليس حل الأزمة ما أدى إلى تفاقم المشكلات وازدياد عدد العمالة الأجنبية لدرجة انه توجد الآن أصوات وعلى مستويات عالية في دول الخليج وصلت إلى قناعات بأنه لا يمكن إعادة التوازن في الوضع السكاني أو الديمغرافي ولذلك يجب أن نصل إلى عقد اجتماعي نعطي فيه كامل الحقوق للعمالة الأجنبية مساوية لحقوق المواطنين, وهنا الخطورة إذ إن البعض وصل إلى درجة اليأس في إعادة التوازن بين نسبة العمالة الأجنبية في سوق العمل حتى أن أحد المستشارين لولي عهد إحدى الدول الخليجية صرح بأن كل الحلول التي وضعت منذ 30 سنة قد فشلت في إعادة التوازن ولذلك فإنه قد آن الأوان لتغيير العقد الاجتماعي.

الاهتمام الجدي بهذه المشكلة بدأ منذ مطلع الألفية الجديدة, فقبل ذلك كانت الدول الخليجية تتحسس من استخدام مصطلح العمالة المهاجرة وحتى من إعداد دراسات عن واقع العمالة الأجنبية ونسبتها في سوق العمل, ويمكن أن تكون قمة مجلس التعاون التي عقدت في البحرين كانت البداية الجادة للاهتمام بهذه المشكلة على صعيد القيادة العليا عندما طرحت ورقة البحرين عن أهمية الوضع في الاعتبار بخطورة العمالة الأجنبية على التغيير الديمغرافي وفي ضوء ذلك عقد وزراء العمل في دول المجلس اجتماعا تم فيه طرح موضوع إعادة النظر في نظام الكفالة.

الوضع الآن هو منزلة بين المنزلتين, فليس ما يطرح الآن هو تحرير العامل ولكن انتقال العمالة, ما يعني أننا لحد الآن لم نصل إلى مرحلة يمكن فيها للعامل أن يحصل على تأشيرة دخول تصدرها الحكومة من دون وجود الكفيل وأن تكون علاقته بصاحب العمل محكومة بعقد العمل ويمكن أن ينتقل من رب عمل لآخر وفق عقد العمل. الآن الدول الخليجية ونتيجة للضغوطات وبرامج إصلاح سوق العمل في مرحلة انتقالية, فمسألة انتقال العمالة الأجنبية موجودة في البحرين وتنظمها المادة 25 من قانون العمل التي تتضمن أيضا حماية واضحة لأصحاب العمل كما أن هناك قرارات مشابهة في المملكة العربية السعودية وفي الكويت وسلطنة عمان والإمارات وحتى دولة قطر التي كانت متحفظة على ذلك في البداية ثم رأت ضرورة إيجاد مثل هذه القرارات.

اتفاقات التجارة الحرة

عندما ندرس هذه القرارات نكتشف أن بعضها توجد فيها إيجابيات كان من المفترض أن تأخذ بها حكومة البحرين حينما تم صوغ قانون تنظيم سوق العمل, فمثلا في السعودية والإمارات هناك شروط من بينها أنه لا يمكن لصاحب العمل أن يقبل بانتقال العامل الأجنبي إذا كان هناك طلب محلي على هذه الوظيفة وذلك يعني وجود مراعاة لعملية إحلال المواطنين وألا يترك للعامل الأجنبي أن ينتقل بحرية كما وضعت قيودا أيضا فيما يخص عدد مرات الانتقال بحسب مؤهلات العامل، فالعامل الأجنبي الذي يحمل شهادة الدكتوراه يستطيع أن ينتقل من صاحب عمل لآخر لثلاث مرات فقط

والذي يحمل شهادة الماجستير يستطيع أن ينتقل لمرتين فقط والبكالوريوس لمرة واحدة. وهذه القيود تراعي وضع سوق العمل وحماية العمالة المحلية أثناء هذه النقلة وبالتالي من الممكن أن تكون هناك منافسة بين أصحاب العمل للحصول على الكادر الأجنبي من خلال رفع الأجور.

المسألة المهمة الأخرى هي أن دول التعاون ملتزمة بمجموعة من الاتفاقات المتعلقة باتفاق التجارة العالمية الحرة وآخر جولة من جولات منظمة التجارة تمت فيها مناقشة حرية انتقال العمالة من خلال الشرط الرابع الخاص بحرية الخدمات, الآن كل حكومات الخليج ترفض الموافقة على هذا الشرط الذي يمكن من خلاله أن تقوم الشركات الأجنبية وخصوصا في قطاع التعليم والصحة والمال والتأمين أن تأتي بعمالتها ما سيوجد مشكلة كفالة هذه العمالة ومن هو المسئول عنهم وأي قانون ينطبق عليهم , ولذلك قامت الدول الخليجية بوضع عدد من الشروط منها السماح لهذه الشركات بجلب مديريها والمختصين فقط أو تحديد مدة معينة لبقاء عمالتها, وهذه القيود والشروط هي الآن في طور المفاوضات وهذه نقطة مهمة حتى لأصحاب العمل. الحكومات الخليجية دخلت في اتفاقات تجارية وهي تتعرض الآن لضغوط من أجل حرية سوق العمل بما في ذلك حرية انتقال الشركات بعمالتها للمنطقة, وفي حين أن لدينا أسواقا ضعيفة وستفتح لشركات كبيرة فإنه من الصعوبة منافسة هذه الشركات إن لم يكن هناك على الأقل توافق وطني لحماية صناعاتنا وعمالتنا الوطنية.

الوضع الحقوقي

الموضوع الآخر هو موضوع حقوقي بمعنى أن الاتفاقات التي تناقش عمليات السخرة والرق لا تقتصر في الوقت الراهن على اتفاقات منظمة العمل الدولية بل إن هناك اتفاقات في الأمم المتحدة لحماية العمالة المهاجرة، ففي الوقت الحاضر هناك اتفاق يتم طرحه ومن الممكن أن يكون من الاتفاقات الأساسية التي يجب أن تتابع سنويا وهو اتفاق حماية العمالة المهاجرة وجميع أفراد أسرهم وهذا الاتفاق من الخطورة بحيث يطرح مفهوم مساواة العاملين الأجانب حتى الذين دخلوا منهم بطريقة غير شرعية بالمواطنين, نحن لدينا وضع ديمغرافي مشوه ومثل هذه الاتفاقات التي تعطي الحقوق للعمالة الأجنبية في التعليم والصحة والإسكان وبعضها تعطي حقوقا ثقافية وجزئيا حقوق سياسية, الكثير من الخبراء في الأسواق المشوهة مثل أسواق دول الخليج التي بها عمالة بنسبة كبيرة لا يمكن تحقيق أي نجاح في حال إلغاء نظام الكفيل بشكل كامل إذا لم يتم إصلاح سوق العمل فعليا، ففي ظل هذا التشوه وفي ظل عدم التوازن في سوق العمل ووجود أكثر من سوق عمل داخل السوق فإن أي تحرير كامل لن يحقق أي نجاح لذلك أعتقد أنه من الأهمية أن لا تضع هيئة إصلاح سوق العمل كل همها في قضية إصلاح نظام الكفالة ولكن يجب أن تركز في الكثير من المهمات الملقاة على عاتقها والتي من أهمها تقليل نسبة العمالة الأجنبية وأن تصل نسبة هذه العمالة إلى المستوى الدولي الذي يتراوح ما بين 10 و12 في المئة من إجمالي القوى العاملة.

- عبد الله حسين: فيما يتعلق بتشوه السوق أحب أن أذكر أنه تم إغراق السوق بعمالة أجنبية حتى في ظل عدم وجود فرص عمل حقيقية لها, ان الكثير ممن يسمون بـ «الفري فيزا» يدفع بهم كفلاؤهم إلى سوق العمل بعد أن يتم الانتهاء من المشروع الذي تم استقدامهم من أجل إنشائه وبدل أن تصرف لهم تذاكر سفر لإرجاعهم لأوطانهم يتم دفعهم إلى السوق كما أن الكثير منهم يأتون عن طريق كفلاء ليست لديهم فرص عمل حقيقية وإنما يتم تحصيل مبالغ مالية معينة منهم ومن ثم يتركون ولذلك فإنه يوجد كم هائل من العمالة الوافدة إلى سوق العمل في البحرين ليس بحاجة لها كما أن هناك كما هائلا من العاطلين في أوساط العمالة الأجنبية في البلد ما أثر بشكل سلبي على قيمة الأجور.

تشوهات كثيرة

- حسين المهدي: إن التشوهات التي نعاني منها هي أكبر من تشوهات سوق العمل إذ إن هناك تشوهات في اتفاقاتنا الدولية, فحن وقعنا اتفاق التجارة الحرة في العام 1994 والمنظمة أعطتنا عشر سنوات من أجل تحسين أوضاعنا لكي نتماشى مع نصوص الاتفاقات وهذه العشر سنوات قد انتهت في العام 2004. من ضمن هذه الاتفاقات حرية تدفق الأيدي العاملة بمعنى إلغاء نظام الكفيل في العام 2005, وكذلك حرية تدفق رؤوس الأموال وإلغاء جميع أنواع الحماية الاقتصادية. الأمر الآخر هو ما يخص التركيبة الديمغرافية فلأول مرة أجد دولة تزداد فيها نسبة نمو الوافدين بأكثر من نسبة النمو للمواطنين، فحسب الأرقام الرسمية فإن نسبة النمو للعمالة الوافدة تصل إلى 2.7 في المئة سنويا في حين تزداد نسبة النمو للمواطنين بنسبة 2.3 في المئة سنويا, التشوه الثالث هو أن أعداد العمالة الوافدة في القطاع الخاص يصل الى271 ألف عامل في حين أن العمالة البحرينية في حدود 70 ألفا فقط.

ولنرجع إلى نسبة الزيادة في أعداد العمالة الأجنبية خلال الخمس سنوات الماضية فقد ازداد عدد العمالة الأجنبية من 138 في العام 2002 إلى 271 ألف عامل ما يعني أن 133 ألف وظيفة عمل ذهبت للعمالة الوافدة خلال هذه السنوات, ولنفترض أن نصف هذه الوظائف ذهبت لقطاع الإنشاءات غير المرغوبة من البحرينيين ليبقى لدينا أكثر من 66 ألف وظيفة في القطاعات الأخرى في حين أن عدد البحرينيين الجدد الداخلين إلى سوق العمل لم يزد على 16 ألف مواطن خلال الخمس سنوات الماضية إذ ارتفع عدد العاملين البحرينيين من 58 ألف عامل إلى 72 ألفا.

المسألة الأخرى هي الانتقائية، ففي حين طرحت دراسة مكنزي إصلاح الاقتصاد وإصلاح سوق العمل وإصلاح التعليم والتدريب فقد تم البدء في إصلاح الحلقة الضعيفة في هذه الثلاثية وهي سوق العمل في حين كان يجب البدء في الإصلاح الاقتصادي إذ إننا مرتبطون باتفاقات دولية تحتم علينا ذلك.

وآخر تشوه يحضرني الآن هو التشوه في الأجور والرواتب التي انخفض متوسطها من 221 في 2002 إلى 210 في نهاية 2006 ما يعني أننا نتحدث عن انخفاض بنسبة 10 في المئة في الأجور والرواتب في القطاع الخاص في الوقت الذي ازداد فيه متوسط الرواتب في القطاع الحكومي من 600 دينار إلى 700 دينار في الفترة نفسها وفي مقابل ذلك ارتفعت الأسعار خلال السنوات الماضية بما يقدر بـ 15 في المئة، فعمال البحرين هم أفقر الآن بـ 25 في المئة مقارنة بالعام 2002.

* كيف تردون على بعض الاقتصاديين الذين ينادون بالابتعاد عن العمالة الرخيصة ويقولون إن القطاع الخاص لا يمكنه الاستمرار في الاعتماد على هذه العمالة التي وصفوها بـ «البقرة الحلوب» إلى الأبد في ظل التطورات المحلية والعالمية؟

- أحمد نجم: عندما تناولنا مشروع إصلاح سوق العمل فإن من أولى الأولويات التي طرحناها هي القضاء على العمالة السائبة وإزالة هذا التشوه من السوق، فجميع الاستبانات التي طرحتها الغرفة تؤكد أن أصحاب الأعمال يشجعون توظيف العمالة البحرينية وليس لدينا أية مشكلة بوصفنا قطاعا خاصا في توظيف العامل البحريني.

إن موقفنا هو المشاركة في عملية التنمية حتى إن لدينا الكثير من أصحاب الأعمال يطالبون وزارة العمل بتوفير العمالة البحرينية لهم ويؤكدون استعدادهم لتوظيف أي عدد من البحرينيين في حال وفائهم بمتطلبات الوظيفة، المسألة ليست محصورة في الأجر فقط وإنما إمكان الحصول على العامل المناسب.

إن الاعتماد على العمالة الرخيصة هو في قطاع بسيط جدا من سوق العمل البحرينية, نحن نتحدث عن الوظائف ذات القيمة المضافة العالية كالوظائف المتوافرة حاليا في قطاع تقنية المعلومات, فالنمو السريع في قطاع الإنشاء لن يستمر إلى أكثر من 5 إلى 7 سنوات على أبعد تقدير، ولكن البحرين ستظل بلدا يقدم خدمات، ولذلك نحن نحتاج دائما إلى العمالة ذات الكفاءات العالية. إن القطاع الخاص لا يتجه إلى العمالة الأجنبية لمجرد قلة رواتب هذه العمالة بدليل أن الكثير منها تتسلم في الوقت الراهن رواتب عالية جدا.

- صلاح أحمد: هناك حقيقة يجب ذكرها, وهي أنه عندما طرح سمو ولي العهد مشروع إصلاح سوق العمل فإن هذا المشروع يعتبر من وجهة النظر العلمية الحل العملي والجذري الوحيد الذي طرح خلال الفترة الأخيرة، وذلك بعد أن أنهكتنا الحلول المؤقتة والجانبية. إن هذا المشروع طرح لحل مسألة جذرية, وإن مشكلة حرية انتقال العامل الأجنبي ما هو إلا أحد الأجزاء من ضمن 12 بندا يحويها المشروع وهي ليست بكامل المشروع.

* هناك معلومات بشأن طرح مشروع جديد عن نظام الكفيل, عبدالله حسين كونك أحد أعضاء مجلس إدارة إصلاح سوق العمل, هل طرح عليكم هذا المشروع؟

- عبدالله حسين: لم تصل إلينا أية معلومات عن طرح مشروع جديد حاليا, ولكننا باعتبارنا اتحادا عاما للنقابات لا نؤيد نظام الكفيل؛ لأننا نرى أنه السبب في حدوث الكثير من التشوهات في سوق العمل، فهذا النظام يوفر شروطا تجعل صاحب العمل يفضل توظيف العامل الأجنبي. بالنسبة إلى الوظائف المتوافرة الآن في سوق العمل، هل جميعها في قطاع الإنشاءات فقط؟ هناك الكثير من الوظائف التي يمكن للبحريني أن يعمل بها كأعمال السكرتارية والمحاسبة، في حين أن هناك من الأجانب من يشغل هذه الوظائف في مؤسسات القطاع الخاص لأكثر من 30 سنة.

* ولكن غرفة التجارة تقول إنه لا يوجد بحرينيون مؤهلون لشغل هذه الوظائف؟

- عبدالله حسين: هل يعقل أنه لا يوجد بحريني يمكنه القيام بهذه الأعمال؟ إن جامعة البحرين تخرج سنويا المئات من مختلف التخصصات، وعلى القطاع الخاص أن يقوم بواجبه في تدريب البحرينيين على هذه الأعمال، فهل من المقبول أن يعتمد صاحب العمل على العامل الأجنبي في وظائف مثل السكرتارية والمحاسبة وغيرها لمدة 30 سنة من دون أن يجد موظفا بحرينيا يمكنه القيام بذلك؟ كيف يمكن لنا إذا أن نقلل من إعداد العمالة الأجنبية.

مثلما الحكومة عليها مسئوليات فإن على القطاع الخاص أيضا مسئوليات تجاه المواطن البحريني كتدريبه وتوفير الراتب المعقول له, فليس من الصحيح أن يعطي القطاع الخاص رواتب لا تتجاوز 200 دينار، في حين أن كلف المعيشة أعلى من ذلك بكثير. وفيما يخص وجود أجانب يحصلون على رواتب عالية فإن ذلك يرجع إلى تمييز العامل الأجنبي وخصوصا في المراتب العليا؛ إذ يحصل على راتب أعلى من البحريني حتى وإن كان البحريني متساويا معه في الدرجة الوظيفية.

- أحمد نجم: هناك انتقادات كثيرة توجه إلى النظام الحالي، فلنحدد هذه الانتقادات. مثلا الانتقاد الخاص بالاتجار بالبشر, فنحن في غرفة التجارة ضد هذا التوجه؛ إذ إن استقدام عمالة من الخارج ليس لها وظائف محددة وتركها في السوق يعتبر نوعا من الاتجار بالبشر ويمكن انتقاد النظام من هذا الجانب لأنه يسمح بهذا النوع من الممارسات فيما يخص البطالة وإمكان استقدام عمالة قد لا نحتاج إليها في المستقبل، ما يجعلها عاطلة عن العمل ولها آثار سلبية على مستوى الأجور، ونحن أيضا ضد ذلك. الانتقاد الآخر هو عدم حرية انتقال العامل، وهذه الجزئية حلت بقانون يسمح للعمالة الأجنبية بالانتقال من صاحب عمل إلى آخر وفق شروط معينة. إن كان الاتحاد العام يوصي بإلغاء نظام الكفالة فما هو البديل عن هذا النظام؟

الحلول الممكنة

في الكويت مثلا تم طرح عدد من الحلول التي يمكن أن تساهم في إصلاح سوق العمل وإيجاد بديل عن نظام الكفيل من بينها إنشاء شركة مساهمة لاستقدام العمالة تكون هي المسئولة عن العمال الأجانب. ومن بين الحلول أيضا إبقاء نظام الكفالة مبدئيا، في حين يستمر العمال في القدوم بنظام التأشيرات محدودة المدة مع إمكان تغيير كفلائهم وحظر تجارة التأشيرات والقضاء على العمالة السائبة, واحتفاظهم بجوازات سفرهم, وأن يقوموا بتوقيع عقود العمل في بلدهم الأصلي وقبل القدوم لكي يضموا معدل الأجر المناسب لهم. إن هذه الإجراءات يمكن أن تساهم في وضع حلول لما يلاقيه نظام الكفيل من انتقادات.

وفيما يخص احتفاظ الكفيل بجواز سفر العامل فلدي تعليق بسيط، فالكثير من المؤسسات تحتفظ بجواز العامل على أن ذلك نوع من الإيداع فقط، وعندما يطلب العامل جواز سفره يعطى إليه, ومع ذلك أرى أن ترك جميع الوثائق مع العامل تشكل نوعا من المخاطرة في حال هروب العامل، وعندها لا يمتلك صاحب العمل الوثائق ولا العامل.

* في ظل التشوهات الكبيرة التي تعاني منها سوق العمل، هل ترون أن هناك مخرجا عمليا يمكن أن يطبق وأن يؤتي ثماره في المستقبل وخصوصا أن الكثيرين يرون أن دراسة «مكنزي» أفرغت من مضمونها وتم تعديلها بشكل كبير، في حين أنه عندما طرحت هذه الدراسة في البداية تم التأكيد على أن الحلول التي تتضمنها تأتي مجموعة واحدة متكاملة فإما الأخذ بها حزمة واحدة وإما تركها كاملة وإن أنصاف الحلول لن تأتي بأية نتيجة؟

- عبدالله جناحي: إن مشروع «مكنزي» طرح حزمة واحدة، ولكن يبدو أنه أمام استيعاب الحكومة بأن هذا المشروع يجب أن يمر من خلال المناقشات والمفاوضات مع أطراف الإنتاج الثلاثة قدم عدد من التنازلات. أعتقد أن هذا المشروع أدى إلى أن تتعلم الحكومة وأصحاب الأعمال أسلوب المفاوضة، فلم يكن في السابق أيٌ منهما يستخدم أسلوب المفاوضات، فما كان يحصل في السابق أن القوانين تطبق من دون نقاش يسبق التطبيق. لقد صاحب طرح هذا المشروع الكثير من النقاشات، ليس بين أطراف الإنتاج الثلاثة فقط وإنما كان هناك حوار مجتمعي ضم مؤسسات المجتمع المدني بجانب العديد من المختصين.

الإصلاح الاقتصادي أولا

يجب أن ننظر إلى أن إصلاح سوق العمل وإصلاح نظام الكفيل والتأمين ضد التعطل جزء من قضية كبرى هي الإصلاح الاقتصادي. إن من أولويات أي إصلاح توافر المعلومات والشفافية. إن توفر المعلومات والأرقام والدراسات مهم جدا في أي سياسة اقتصادية إصلاحية؛ لكي تتوفر لهيئات سوق العمل التربة الصالحة لإنجاح سياساتها. النقطة الأخرى هي أنه في أوروبا والولايات المتحدة في فترة الخمسينات والستينات كانت كبريات الشركات تحدد نسبة الربحية السنوية التي تخصص للرواتب وتحسين مستويات الأجور من 10 إلى 15 في المئة والباقي تذهب ضمن الأرباح، ما يعني أن القسم الأكبر من الأرباح لا يدخل إلى تحسين رواتب عمالها، وقد تحسنت هذه النسبة أمام التزامات أصحاب العمل والشركات في الجانب الاجتماعي وأنه قد آن الأوان لتخفيض أرباحهم وخلق توازن مع الرواتب؛ لأن ذلك يؤدي إلى استقرار المجتمع وقد بدا هذا التفكير مع نهاية الستينات، بينما أن المعمول به حاليا هو 50 في المئة لزيادة الرواتب و50 في المئة لصافي الأرباح، كما زادت المبالغ التي تصرف في الزيادات، ففي حين كانت الشركات في السابق تحقق بضعة ملايين فإنها الآن تحقق أرباحا بالمليارات.

في الدول العربية ومن ضمنها الدول الخليجية فإن هذه النسبة لا تتعدى الـ 25 في المئة وأحيانا تصل إلى 10 في المئة فقط من مجمل الأرباح التي تذهب إلى تحسين الأجور ولا تراعى نسبة التضخم والزيادة السنوية. يجب أن تكون هناك قناعة وقرارات جريئة من أصحاب العمل بألا تكون زيادة الرواتب للعمال عن طريق زيادة الإنتاجية أو زيادة الأسعار وإنما من خلال تخفيض نسبة الربح الصافي الذي تحققه الشركات وهذه جزئية مهمة من مهمة الإصلاح الاقتصادي.

ولو عدنا إلى نظام الكفالة لوجدنا أن جميع ما ذكره أحمد نجم من مشكلات الهروب وغيرها ناتجة عن نظام الكفالة نفسه، ولكن عندما يتعود المجتمع وأصحاب الأعمال على عدم وجود هذا النظام وتكون الدولة هي المسئولة عن العامل الوافد فإن الحاجة تنتفي حفظ وثائق سفر العامل لدى صاحب العمل, اتفق على أن إلغاء نظام الكفيل من الصعب الوصول إليه في الوقت الحاضر، ولذلك ذكرت منذ البداية أن المنطقة الآن في مرحلة انتقالية, ولكن معظم الدراسات الاقتصادية تؤكد أن نظام الكفالة يجرّ الأجور نحو الأسفل ولا يساعد على رفع الأجور؛ ما يعرقل أي توجه للإصلاح الاقتصادي أو إصلاح سوق العمل، كما أن نظام الكفالة يجرّ حتى نظام التعليم نحو الأسفل.

العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً