العدد 1885 - السبت 03 نوفمبر 2007م الموافق 22 شوال 1428هـ

في الألفية... يشير العاقل إلى القم ر لكن البليد ينظر إلى الإصبع

مدير مركز الأمم المتحدة للإعلام لبلدان الخليج «نجيب فريجي» في حديث خاص لـ «الوسط السياسي»:

يقر مدير مركز الأمم المتحدة للإعلام لبلدان الخليج نجيب فريجي بأن تقديرات تحقيق أجندة الألفية في العام 2015 كانت تحمل في طياتها طوباوية من نوع ما، بحسب ما علق بعض الخبراء في الأمم المتحدة، لكنه يستدرك الدخول في حالة الإخفاق بتفاؤل آخر، وهو أن تتحقق هذه الأجندة بعدها بعام أو عامين، وهو في أقصى التقدير انتصار للأمم المتحدة، وللمجتمع الدولي بأسره.

في مكتبه الذي يبدو الولوج له أسهل من باقي مكاتب السفارات والممثليات السياسية الأخرى في البحرين، يؤكد فريجي أن أجندة الألفية حزمة لا تنفك، وأن تحقيق أجندة الألفية لا يقتصر على النهوض في أجندة وإهمال أخرى، وأن التفرعات التي تخرج من بنود الأجندة الستة هي مكملات رئيسية، فلا غنى عن الديمقراطية، أو الحكم الصالح، أو المشاركة المجتمعية في صنع القرار السياسي.

نجيب الذي كان قد وصف حرب الولايات المتحدة لتحرير العراق بأنها «غير شرعية، لأنها لم تحصل على تزكية مجلس الأمن، لذلك، فإن أي برنامج سينمو عليها لن يكتب له النجاح» (تصريحاته إبان عمله في لبنان)، وأكد أن العودة الأخيرة لأحضان الأمم المتحدة بعد فشل أطروحة الحرب على الإرهاب، والتعهد الدولي بدعم تنفيذ أجندة الألفية هي النهاية الصحيحة لما يجب أن يكون عليه الاهتمام الدولي، وعلى رغم الانتقادات الحادة للأمم المتحدة فإن نجيب لا يجد سوى الأمم المتحدة طريقا لتحقيق الخير والسلام للبشرية اللذين عجزت الحروب عن صناعتهما للإنسانية جمعاء.

لا يمكن لأية دولة من الدول أن تختار من أجندة الألفية ما تريد، فهي حزمة يرتبط بعضها ببعض، ويؤكد فريجي أن مسألة تقييم مدى التزام الدول بالأجندة تخضع لمقاييس صادقت الدول عليها مع الأجندة، وهو ما يجعل الانتقائية في تنفيذ الأجندة الألفية ببنودها الستة مجرد مضيعة للوقت أمام ما يسميه فريجي بتحقيق التنمية المستدامة للشعب، وهو ما يساوي «النجاح المطلق».

قضايا عدة تناولناها سبرا وتمحيصا في هذا اللقاء الذي قاربت مدته زهاء الساعة. وتجدونه في سياق الحوار الآتي:

* في موضوعة الألفية الثالثة ما مصير هذه الأجندة؟، وخصوصا أن العام 2015 قريب جدا، والتقدم الدولي في تحقيق هذه الأجندة بشهادة التقارير الرقابية يبدو بطيئا نسبيا؟ أو كما تعلق التقارير بوضوح هو تقدم «سيئ»؟.

- في البدء، لم يثبت فشل مشروع الألفية، لأن النتيجة النهائية ستقاس وتقيم في العام 2015. ولن ننتظر صيغة النتيجة قبل أن نقوم بالتقديرات والإشارات عن التقدم المحرز، ولاشك في أن التقارير التي خرجت تمت مراقبتها ورعايتها من قبل مؤسسات الأمم المتحدة جيدا، خصوصا، من قبل الأمين العام الذي خصص الدورة السابقة لهذا الحدث العالمي، إذ جمع رؤساء الحكومات لمناقشة موضوع الألفية، وكان الاهتمام بأعلى المستويات، وخصوصا أن المؤشرات - كما ذكرت - ليست مطمئنة، وكانت الفرصة في لقاء نيويورك لحث الدول على المزيد من الالتزام والمزيد من العمل على تعديل السياسيات والاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وليست الحملة الأخيرة التي قامت بتعبئة الملايين بعنوان «قف وعبر» إلا نذير تحذير بأن الأهداف الطموحة لن تنجح إن لم تقترن بعمل ميداني على المستويين الفردي والدولي.

وإن كان ثمة احتمال للفشل، فإنه فشل لن يكون من السهل أن نتحمله في بداية هذه الألفية.

* لماذا التركيز على الأجندة السداسية تحديدا، صحيح أنها تتفرع للكثير من النقاط والالتزامات الأخرى وهي مرتبطة ببعضها بعضا بالأساس، لكن لماذا تم تحديد هذه العنونة؟

- الخبراء والمختصون في العلوم الإنسانية والاجتماعية وحقوق المرأة والأديان والعلوم السياسية، كل هؤلاء الخبراء قدموا حزمة من المبادئ العامة للأمم المتحدة، وهذه الحزمة تشكل نتاج حوار كامل على المستويين القطري والإقليمي، وكانت هناك عدة نقاشات ومؤتمرات قد عقدت على عدة مستويات وشملت الحديث عن مبدأ خصوصيات جميع الأقاليم واشتراطات التنمية الأولية فيها.

هذه الأهداف الستة، هي منهج عام، والأمم المتحدة تحاول أن تحوصل جميع اهتمامات العالم في مبادئ شاملة. وهناك مكاتب إقليمية متخصصة بالصحة بحقوق الإنسان بالتنمية المستدامة، وهذه المكاتب تحاول ترجمة هذه المبادئ مع خلاصات الخصوصية الإقليمي لكل إقليم على حدا. وهذا هو تصور الأمم المتحدة لبلورة هذه المبادئ تحديدا، والتي أعدت بطريقة علمية ودقيقة.

هناك بلدان حققت نماذج جيدة من التقدم على صعيد تنفيذ الأجندة، قد تكون الصحة هي الأولوية الأهم في بلد من البلدان، أو رعاية الطفولة أو المحافظة على البيئة ورعايتها. وطبعا، تتفاوت النتائج بين بلد وآخر.

ولهذا السبب، تدعو وتحرص الأمم المتحدة على الدعوة للمزيد من التكافل وتبادل الخبرات والخدمات الاستشارية لضمان تقدم يكون في النهاية متوازيا ومتوازنا. وواقع الحال، لا يمكن لأي بلد أن يفتخر بتحقيق أهداف الألفية في ظل أن جاره يعاني العجز والضعف.

مبادئ الأمم المتحدة للسلام والأمن هي نصوص أوصي بتطبيقها بين كل شعوب العالم، ونص في البند السابع على الحق في استخدام القوة، والأمم المتحدة التي نجحت في منع حرب عالمية ثالثة فشلت في منع حروب أخرى، ولذلك فإن قضية من قضايا النزاعات المعقدة مثل فلسطين، أو العراق، أو إيران المرشحة لذلك، كلها تصب في تأكيد أن الأهداف الأساسية للإنسانية هي الخيار الصحيح للشعوب وليس القوة. واتضح أيضا، ضرورة تحقيق الأهداف الأساسية الإنسانية بأكملها، من سيادة القانون مرورا بالديمقراطية وتقاسم الثروة، وأخيرا في التشاركية الاجتماعية في اتخاذ القرارات، وتنفيذ مبادئ الحكم الصالح. كلها حزمة ضرورية، ويمكن من خلالها تحقيق التنمية البشرية في القطر، وبالتالي في الإقليم بأكمله.

وبالنسبة إلى التقارير التي خرجت مبكرا لتحذر من الفشل، فقد تم التشجيع على المزيد من التعبئة، صحيح أن هناك في الأمم المتحدة من اعتبر رهان تحقيق الأجندة الألفية في العام 2015 رهانا طموحا جدا، لكن الأمم المتحدة مازالت طموحة. والأساسي بالنسبة إلينا، ليس أن نحقق الهدف في 2015، ولكن المهم أن نضع أنفسنا ويضع صانعو القرار مقاربة تشاركية في المركب نفسه نحو موانئ أمنة. وإذا تحققت أهدافنا بعد الهدف المنشود بسنة أو سنتين، فهذا أمر جيد أصلاَ. وهو ما يتماشى مع مقولة الأمين العام للأمم المتحدة السابق تريك فيلي، إذ يقول: «لم نعد الناس بالجنة لكن سنقيهم من جهنم».

* ما أهمية العودة العالمية الجديدة للأجندة الألفية بعد الانشغال بالحرب على الإرهاب، الولايات المتحدة عبر كلمة الرئيس بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 2005 أعاد الحديث عن الأجندة الألفية بعد أن كانت الولايات المتحدة مشغولة بالحرب على الإرهاب لسنوات مضت؟

- نحن نعتبر أن جميع الدول الأعضاء لها دور مهم في منظمة الأمم المتحدة من دون استثناء على أساس قوتها وحجمها، وإن كانت بعض الدول التي لها نفوذ وقوة لم تتمكن من الحصول على تزكية الأمم المتحدة في بعض مشروعاتها ومبادراتها. ولم يكتب النجاح التام لهذه المبادرات. فها هي تعود إلى النظام متعدد الأطراف، الذي تشكله الأمم المتحدة وهذا أمر يمكن أن يطبق عليه المقولة العربية الإسلامية «الرجوع إلى الأصل فضيلة».

العودة إلى الأمن المتحدة من هذا الطرف أو ذاك، هي دلالة على أن هذه المنظمة ضرورية، ولو لم تكمن موجودة لتم اختراعها للإنسانية، لست أمجد المنظمة، وأقر بنقصها ومحدوديتها مثلما قال الأمين العام مطالبا، بإصلاحها.

* البعض يعلق على مشروع الألفية باكتمال البنود الستة في تكوينها التنموي، لكنه يحمل الأمم المتحدة مسئولية ضعف الأجهزة الرقابية على الالتزام بالأجندة؟ البعض يعلق بوضوح على أن الأمم المتحدة ليست جادة في الموضوع الرقابي؟

- أول نتيجة من النتائج الإيجابية من هذا السؤال، هو أنه تحقق من خلال هذه التقارير المتضاربة هدف من أهداف الأمم المتحدة، وهو إطلاق نقاش عام عن موضوع الألفية، هذه الغوغاء هي بعد من أبعاد حركية وديناميكية انطلقت على أساس تحقيق مفهوم الألفية.

هناك من انتقد الأمم المتحد لأنها لم تجد أدوات الرقابة والرصد، ولكننا أحيانا نصاب بما يشبه المثل الصيني «عندما يشير العاقل إلى القمر فإن البليد ينظر إلى الإصبع».

نحن نشير للناس وندلهم بوضوح إلى طريق التنمية، فيأتي الناس ليستغلوا ذلك في حسابات أخرى سياسية أو ايديولوجية أو إثنية.

أوصت الأمم المتحدة بعد سقوط مفهوم المساعدات المالية التي تضخ في موازنات الدول وتحول إلى أهداف غير الأهداف المتفق عليها، ما أوجد حالات متكررة من الفساد في التعامل مع المساعدات المالية. أوصت الأمم المتحدة بالانتقال نحو مفهوم جديد يسمى بالحوار السياسي، وهو ليس السياسي بمفهوم السياسة المعهود لدينا، إنما هي سياسات التنمية واستراتيجيات التقدم.

هذه المقاربة الجديدة تعتمد على الشراكة المركزية والأساسية بين الحكومات والمجتمع المدني، فيما يفهم بطريقة مشروعة بتحقيق الديمقراطية والحكم الصالح، وهو ما يتماشى مع «أمرهم شورى بينهم». لأن بعض الدول انهارت أنظمتها بسبب الفساد أو بسبب قطيعتها مع المجتمع المدني.

مع الأسف في عدة بلدان وجدنا، أنه قد تم توظيف هذه المقولات الكبرى إلى أجندات سياسية وايديولوجية تهدد البلاد ولا تساهم في تنميتها أو الرقي بمستوياتها.

* الظاهر هو أن بعض الدول تحاول أن تلتف على تحقيق وتفعيل جميع بنود الألفية، وذلك عبر تحقيق بعض الإنجازات في جوانب دون أخرى، هذه الدول تقوم بتفعيل إنجازاتها والدعاية لها، وهي تختار السهل من الأجندة أو ذلك الذي تستطيع القيام به بعيدا عن أي الإصلاحات سياسية؟ ما تعليقك؟

- الأمم المتحدة هي في النهاية منظومة مكونة من الدول الأعضاء، وكل وثيقة أو اتفاق أو قرار لا تتم المصادقة عليه إلا عبر الإجماع أو الوفاق أو الغالبية، وهو ملزم مبدئيا لجميع الدول الأعضاء في المنظمة.

فيما يتعلق بقياس التقدم في أجندة الألفية، لابد من الإشارة إلى أن هناك مقاييس قارة ومحددة يتم الاعتماد عليها، وهذه المقاييس هي التي تقدر مدى التقدم المحرز من هذه الدولة أو تلك، ولكن يجب ألا ننسى أن هناك صعوبات عدة في محاسبة بعض البلدان بطريقة مطلقة، ونحن مازلنا في بداية المشوار.

هناك التزام بالمبادئ العامة وبحزمة أهداف الألفية، لأننا في نهاية المطاف لا نسعى لأن يكون الربح للأمم المتحدة، فالربح سيعود للبلد العضو وللمجتمع الدولي برمته.

حين ينعم شعب ما بكل شرائحه بغنيمة التنمية المستدامة فأنت تكون قيادة وشعبا قد حققت الإنجاز المطلق والأبدي، وهو أن تضع بلدك على سلسلة التقدم الأبدي في منطقة متقدمة وهذا طموح الجميع طبعا.

لا أريد أن أعلق على مسألة الانتقائية، ولكنها نقطة بداية يمكن البناء عليها لتحقيق هذا الجانب من أهداف الألفية، وهناك بلدان - عن غير وعي - تحاول أن تقدم الصورة الجيدة عنها، لكن المقاييس التي صادقت عليها هذه البلدان نفسها تجعلها غير قادرة على المضي قدما، وبالتالي لابد أن تفهم أنه لا يصح إلا الصحيح. وهو ما يعني ضرورة العمل من خلال إرادة المجتمع المدني والأمم المتحدة وبناء شراكة قطرية وإقليمية قوية ومتينة. حينما سقط نظام تشاوسيسكو، وتم الكشف عن إحصاءات الدولة، كان مجموع الديون على الدولة «صفر» سنت، لكن ذلك لم يكن يعني البتة أن الدولة كانت متقدمة أو أنها كانت في أول السلم الدولي. هناك فعلا، دول لديها اكتفاء ذاتي، لكن ذلك لا يعني أنها متقدمة، البلدان الاسكندفافية، يصل فيها المواطن إلى أن يدفع نصف مرتبه ضرائب، لكنها توظف في خدمته وفي البحث العلمي في إطار الحكم الجيد والتشاركية وهو ما يجعل المواطن يقدم على تقديم نصف دخله على شكل ضرائب برضا تام.

لا يمكن بأي حال من الأحوال انتقاء أهداف دون أخرى، فهي مرتبطة ببعضها بعضا، أما مسألة التقييم والقياس فهي تخضع لأنظمة ومقاييس قارة ولا تخضع للتقدير المزاجي. وعليه، لا يمكن اعتبار الانتقائية في تنفيذ الأجندة طريقا نحو الهروب من الالتزامات المقررة أمام المجتمع الدولي برمته.

العدد 1885 - السبت 03 نوفمبر 2007م الموافق 22 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً