العدد 1885 - السبت 03 نوفمبر 2007م الموافق 22 شوال 1428هـ

هل نفخر بما تم تحقيقه أو نيــــأس من تحقيق المزيد؟

«أجندة الألفية» ونصف الكأس الفارغ

في سبتمبر/ أيلول من العام 2000 أقر عدد من قادة الدول خلال قمّة الأمم المتحدة «أجندة الألفية» بهدف تحقيقها في العام 2015، وتتمثل هذه الأجندة في ثمانية أهداف رئيسية هي: القضاء على الفقر الشديد والجوع ونشر التعليم الأساسي وتمكين المرأة وتحقيق المساواة وتقليل عدد الأموات عند الولادة بالإضافة إلى تحسين الصحة أثناء الحمل ومكافحة مرض الإيدز والأمراض الخطيرة والمحافظة على البيئة وتطوير المشاركة من أجل التنمية ويشمل ذلك الحكم الصالح والتنمية الإنسانية ومجتمع المعرفة.

ورغم أننا في البحرين حققنا تقدّما لا باس فيه في عدد من هذه الأهداف فإن السؤال الذي مازال مشروعا هو التقييم النوعي لما تم إنجازه وما هو مقدار رضانا عما تمّ تحقيقه في نوعية الخطوات التي حققناها على كلّ محور؟ وما هي الأهداف التي لم نحقق فيها أيّ تقدم؟

وخلال هذه الندوة التي استضفنا فيها نائب الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبد الله الدرازي ونائب رئيس الهيئة المركزية لجمعية العمل الديمقراطي عبد الله جناحي والمتحدّث الإعلامي وعضو المكتب السياسي بجمعية المنبر الديمقراطي التقدّمي فاضل الحليبي والناشطة في مجال مكافحة الفقر في البحرين رباب الملا سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة وفيما يلي نص الندوة:

* بداية، الأخ عبدالله هل لك أنْ تعطينا صورة مختصرة عن ظروف وتاريخ إصدار أجندة الألفية وكيف تكونت الفكرة لدى الأمم المتحدة؟

- عبدالله الدرازي: لقد انبثقت فكرة أجندة الألفية ضمن العمل على إصلاح الأمم المتحدة إذ كانت اجتماعات الدول التي عقدت منذ العام 1998 لبحث المشكلات التي تواجه العالم في تلك الفترة والتي تستمر في الزيادة والتعقيد من نواحٍ كثيرة وبدأت فكرة التركيز على نواحٍ معينة التي تهم الإنسان وخصوصا في دول العالم الثالث، ولذلك نلاحظ إنّ معظم أهداف الأجندة الألفية مرتبطة بالمشكلات التي تعاني منها دول العالم الثالث أو الدول النامية بالإضافة لمشكلة انتشار مرض الإيدز الذي بدأ في الانتشار بصورة واسعة في جميع أنحاء العالم وما صاحب هذه المشكلة من احتكار بعض الشركات الكبرى للأدوية التي تحدّ من انتشار هذا المرض بالإضافة لمشكلة التدهور البيئي والمحافظة على البيئة ومشكلة ازدياد حدّة الفقر في الدول الإفريقية نتيجة الجفاف.

إنّ كلّ هذه المشكلات بالإضافة إلى اتساع الفجوة بين الدول المتقدّمة والدول النامية وما تتحمله الدول الصناعية الكبرى من مسئولية تجاه هذه الدول نتيجة استنزاف الموارد الطبيعية للدول المستعمرة من قبل الدول التي استعمرتها وخصوصا فرنسا وبريطانيا وانجلترا أوجب إيجاد نوع من التوازن بين مختلف الدول من خلال تقريب الفجوة بينها ولذلك وجد التزام دوليا على تحقيق هذه الأهداف الثمانية بحيث تسعى كلّ دولة لتحقيقها مع بداية العام 2015.

إنّ أكثر ما يهمنا في هذه الأجندة كدول خليجية هو تثبيت الحكم الصالح وما يتضمنه هذا المحور من متطلبات كالقضاء على جميع أنواع التمييز وتطوير القوانين والتشريعات.

يجري الآنَ في جميع دول العالم التركيز على مسألة القضاء على الفقر وفيما يخصنا في هذا الجانب في البحرين أنه على رغم الطفرة النفطية في السنوات الأخيرة ووصول أسعار النفط إلى مستويات قياسية جاوزت التسعين دولارا إلاّ أنّ ذلك لم ينعكس على المستوى المعيشي للأفراد إذ يشهد المجتمع البحريني في الوقت الراهن تآكل الطبقة الوسطى وانتشار الطبقة الفقيرة وبالتالي أصبح المجتمع مكونا من طبقتين طبقة غنية وأخرى معدومة.

الأهداف السياسية وراء الأجندة

* قبل الحديث عن ارتباط الأجندة الألفية بالوضع المحلي، هل هناك أهداف سياسية وراء هذه الأجندة إذ من الملاحظ أنّ الحديث عن الأجندة خفت لفترة طويلة وخصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر واتجاه الولايات المتحدة إلى التركيز على محاربة الإرهاب ولكن بعد الهزائم السياسية والعسكرية التي منيت بها في أفغانستان والعراق تجدد الحديث عن هذه الأجندة مرّة أخرى؟

- عبدالله الدرازي: إنّ فترة إصدار الأجندة كانت قبل أحداث سبتمبر بوقت قصير ولاشك أنه بعد أحداث 11 سبتمبر اتجهت أنظار جميع دول العالم لمكافحة ظاهرة الإرهاب وبالتالي تم استخدام الأمم المتحدة لتغطية الحرب على أفغانستان والعراق، كما تم استغلال قضية الإرهاب في الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان كما حدث في غوانتينامو.

إنّ التركيز الحالي على الأهداف الثمانية لأجندة الألفية هو نتيجة قرب موعد الانتهاء من تطبيق هذه الأهداف في 2015 إذ ستكون هناك محاسبة من قبل المنظمات العالمية ولذلك أرادت الدول التحسين من سمعتها وتحقيق بعض الإنجازات قبل حلول هذا الموعد.

كما أنّ الإصلاحات التي حدثت في الأمم المتحدة وخصوصا في لجنة حقوق الإنسان دفعت بهذا الاتجاه.

ولذلك فإنه من واجب مؤسسات المجتمع المدني في الوقت الحاضر الضغط على حكوماتها من أجل تحقيق تقدم ملموس في أهداف الألفية إذ إن الوقت الباقي والذي لا يتعدى ثماني سنوات من الآن أصبح ضيقا جدا.

* رغم أنّ المؤشرات صممت لقياس التقدّم العام على المستوى العالمي ولم تصمم لكي تقيس التقدّم المحقق على الصعيد الوطني ولكن من المفترض أن تكون هناك أجندات وطنية لكلّ دولة تحاكي هذه المؤشرات إذ قد تسبق دول الحليج الكثير من دول العالم فيما يخص تقليل عدد الوفيات بين الأطفال عند الولادة وتحسين الصحة عند الحمل أو نشر التعليم الأساسي وحتى القضاء على الفقر فلا يمكن مقارنة الفقر لدينا مثلا بالفقر في دول إفريقيا أو أميركا الجنوبية ولكن مع ذلك يجب وضع مؤشرات يقاس عليها مدى التقدّم في هذه المجالات فهل تلمسون أن هناك أجندة وطنية بحرينية تشمل هذه الأهداف؟

- فاضل الحليبي: حتى هذه اللحظة لم نلحظ أن هناك جدية من قبل الدولة بشأن هذا الموضوع، ربما تكون هناك مبادرات من مؤسسات المجتمع المدني عن الاهتمام بهذه الأجندة والدفع بها ولكن ذلك يتطلب من الدولة أنْ تقوم بعمل كبير جدا حول ذلك، وخصوصا أننا نتحدّث عن دولة تعد من الدول النفطية في العالم بغض النظر عن كمية الصادرات مقارنة بدول الخليج الأخرى ومع ذلك تعاني نسبة كبيرة من مواطنيها من الفقر وهنا لا أتحدّث عن المفهوم العالمي للفقر والذي يقلّ فيه دخل الفرد عن دولار يوميا ولكن أتحدّث عن دخل الأسر في البحرين والذي يُعدّ ضعيفا جدا بالإضافة إلى تآكل الطبقة الوسطى فجميع المؤشرات تدل على أنه خلال السنوات المقبلة لن تكون هناك طبقة متوسطة في البحرين.

اتساع مؤشر الفقر في البحرين

إنّ تقارير التنمية البشرية تشير إلى أنّ دائرة الفقر في اتساع متزايد في هذا البلد النفطي كما أن عددا من التقارير تشير إلى أنّ نسبة الفقر قد تصل إلى 50 في المئة في الأعوام القليلة المقبلة ونحن نتحدّث عن أجندة الألفية التي تهدف إلى تقليل نسبة الفقر في العالم إلا أننا نرى أنّ دائرة الفقر في البحرين تتسع ولا تقل كما أنّ نسبة العاطلين عن العمل هي كذلك في ازدياد إذ أنّ وزار العمل تتحدّث حاليا عن 4000 عاطل عن العمل مسجلين في الوزارة في حين أوردت الوزارة نفسها عندما بدأ تطبيق استقطاع الواحد في المئة من رواتب الموظفين ذكرت أنّ عدد العاطلين عن العمل يتجاوز 8000 عاطل، بالإضافة إلى ذلك فإنّ إحصاءات الهيئة العامّة لصندوق التقاعد تشير إلى أن عدد الموظفين في القطاع الخاص اللذين تقل رواتبهم عن 200 دينار حتى شهر يونيو/ حزيران الماضي يتجاوزون 30 ألف موظف، صحيح أن هناك توجها من قبل وزارة العمل لتعديل أوضاع هؤلاء الموظفين بحيث ترفع هذه الرواتب إلى 200 دينار وبالفعل تم تعديل عدد منهم ولكن السؤال هو هل يستطيع المواطن البحريني سواء أكان يستلم 200 أم حتى 300 دينار يستطيع أنْ يكوّن له أسرة وأنْ يعيش بهذا المبلغ الضئيل الذي لا يلبي أهم الضروريات المعيشية أنّ حياة كريمة بعيدة عن الحاجة والفقر، إنّ هذه المؤشرات سيئة جدا وإن هذا الوضع إذا استمر على ما هو عليه فإن الصورة ستكون قاتمة وإن الوضع سيكون معقدا في البحرين.

من ناحية أخرى يمكن الإشارة إلى موضوع البيئة الذي أتى ضمن أهداف الأجندة الألفية فالبحرين كانت في السابق من أغني البلدان الخليجية فيما يتعلق بالزراعة والمياه الجوفية والآبار والعيون الطبيعية ولكنه ومنذ منتصف السبعينيات عند حدوث الطفرة النفطية بدأ الزحف العمراني على المناطق الزراعية إذ تم تجريف الكثير من البساتين وإزالة أشجار النخيل لإقامة المباني الضخمة، ومن جهة أخرى تم تدمير البيئة البحرية كذلك إذ تم تدمير الكثير من السواحل والفشوت بسبب عمليات الردم والدفان بالإضافة إلى تدمير البيئة البحرية من قبل شركات شفط الرمال مما أدّى إلى القضاء على الثروة السمكية في البحرين وهذا بجانب طبعا ما حدث لخليج توبلي الذي دُمّر بالكامل نتيجة استحواذ المتنفذين على شواطئه وردمها.

إنّ كل ذلك حصل للبيئة في البحرين نتيجة غياب القوانين والعمل الجاد لحماية هذه البيئة التي يجب المحافظة عليها للأجيال المقبلة.

* الأخت رباب بصفتك ناشطة في مجال مساعدة الفقراء والقضاء على الفقر في البحرين هل ترين أن هناك خطة وطنية تسعى لتحقيق هذا الهدف وذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما تقوم به الدولة من مساعدة الأسر الفقيرة عن طريق وزارة التنمية الاجتماعية وما تقوم به هذه الوزارة من تأهيل وتدريب الأسر المنتجة بالإضافة إلى ما تم الحديث عنه من إنشاء بنك للفقراء برأسمال 5 ملايين دينار؟

خطط القضاء على الفقر

- رباب الملا: لم ألمس لحد الآنَ خطة واقعية وعملية للقضاء على الفقر وإن كانت هناك مثل هذه الخطط فإنها غالبا ما تكون حبرا على الورق ولا يتم تنفيذها عمليا، إنّ مسألة القضاء على الفقر لا يمكن تحقيقها من خلال الحديث عن مجرد مشروعات يتم الإعلان عنها.

* ولكن هناك برامج عملية تقوم بها وزارة التنمية الاجتماعية كما أنها تقدم مساعدات مادية لهذه الأسر؟

- رباب الملا: إنّ المساعدات المقدّمة من قبل وزارة التنمية الاجتماعية لا تكفي لأبسط احتياجات الأسر الفقيرة من مأكل ومشرب فهذه المساعدات زهيدة جدا في حين أنّ اغلب هذه الأسر كبيرة العدد وقد تصل في بعض الأحيان إلى 13 فردا في العائلة الواحدة، إنّ هذه الأسر تعيش في وضع سيء جدا لا يتوقع أحد أن يكون موجودا في البحرين.

*- الأخ عبدالله، بحسب ما تراه هل هناك أجندة وطنية تحاكي أجندة الألفية؟

- عبد الله جناحي: يجب أوّلا أن نعرف فلسفة هذه الأهداف، فالأهداف الأساسية الثمانية لم تكن موجهة بالأساس إلى الدول ذات الثروة فمثلا الهدف الأوّل، القضاء على الفقر المدقع والجوع والمقدر بدخل لا يتجاوز الدولار الواحد في اليوم نحن لا نواجه هذه المشكلة، فلدينا فقر نسبي ولدينا عدم توزيع عادل للثروة الوطنية ولذلك فإن هذا الهدف كان بالأساس موجها إلى الدول الإفريقية، في حين يجب علينا كدول غنية نفطية أن نرتقي و ألا نفتخر في تقاريرنا الدورية المرسلة إلى الأمم المتحدة أو لجامعة الدول العربية أنه ليس لدينا فقر مدقع أو جوع وبالتالي فإننا حققنا هدف الألفية فذلك ليس مقياسا، ولنأخذ مثلا الهدف الثاني وهو تقليل نسبة الوفيات في الولادة ونحن كمجتمعات خليجية فإن النسبة قليلة جدا لدينا وذلك ينطبق أيضا على تحسين صحة الأمهات الحوامل ونشر التعليم الأساسي ما يعني إن أربعة أهداف من الأهداف الرئيسية للألفية نحن كدول خليجية حققناها بالفعل ولكن باقي الأهداف كقضية البيئة المستدامة فنحن في فشل ذريع لتحقيق هذا الهدف فلا سياساتنا التنموية ولا سياساتنا الاقتصادية تضع شعار أنْ تكون التنمية صديقة للبيئة فكلّ سياساتنا الاستثمارية يكمن فيها تدميرا للبيئة والسواحل والجزر.

كما أنّ هدف تمكين المرأة ومساواتها بالرجل فما يحدث الآن لا يتعدى المسائل الشكلية ومجرد إبراز دور الدولة بأنها تعمل من أجل المساواة لكن الهدف أساسا لا من حيث التشريعات كقانون الأحوال الشخصية أو القضاء من أجل تحسين وضع المشكلات الموجودة في الأسرة أو حتى قانون الانتخاب والمشاركة السياسية فإنّ هذا القانون لا يراعي مسألة تمكين المرأة.

الشراكة من أجل التنمية

ولنأخذ الآنَ هدف الشراكة من أجل التنمية وهو يحتوي على جملة من المحاور التي فيها دول الخليج ومملكة البحرين لم تصل إلى المستوى الذي نستطيع أن نقول فيه إننا نتمتع بشراكة حقيقية وهناك مؤشرات كثيرة على ذلك إذ إن حتى مسودات القوانين التي تمس مؤسسات المجتمع المدني لم يتم عرضها ومناقشتها وذلك من أبجديات الشراكة حيث إن القانون الذي يمس فئة معينة في المجتمع فانه يجب مشاورة هذه الفئة واخذ رأيها في القانون.

إن استراتيجية التشاور ليس فقط يجب أن تكون لدى وزارة من الوزارات وإنما يجب أن تكون لدى الدولة، وإذا أردنا أن نحقق هذا الهدف وأن نصل إلى مستوى المجتمعات الديمقراطية العريقة كما جاء في ميثاق العمل الوطني فإنه يجب علينا أن نبدأ من الآن.

أن هناك أربعة أهداف رئيسية من أهداف الألفية لا توجد مؤشرات على إمكانية تحقيقها في العام 2015.

فيما يخص الأهداف الأربعة الأخرى فإنّ كل المنتديات وورش العمل التي عقدت منذ العام 2001 حتى العام 2007 لمناقشة محاور الأهداف تؤكد أنّ المجتمعات الخليجية يجب عليها أن تترقى في مقاييسها للأهداف الموضوعة. وبالتركيز على قضية مكافحة الفقر فإنّ على مملكة البحرين ألا تنظر على أنها وصلت إلى مرحلة أنّ الفقر المدقع في البحرين وصل إلى مستوى الصفر إذ انه يوجد لدينا فقر نسبي كبير جدا، وكما تفضلت الأخت رباب فإن جميع الاستراتيجيات التي وضعت لمكافحة الفقر في البحرين لم تنفذ، فمثلا الاستراتيجية الشبابية التي عملت عليها الدولة وصحبتها ضجّة كبيرة و صدرت عنها كتيبات كثيرة فإنها تتضمن محورا رئيسيا له علاقة بقضية عمل الشباب والفقر والبطالة ورفع مستوى المعيشة للشباب وتوفير فرص العمل وهذه جميعها تشكّل الأرضية الأساسية للقضاء على الفقر، فإلى الآن فإنّ هذه الاستراتيجية لم تفعل وبالذات في هذا المحور، كما انه لدينا الإستراتيجية الوطنية الاجتماعية وهي أيضا تتضمن من خلال تعاون الوزارة مع UNDP ولكن أين هي الخطوات لجدولة تنفيذ هذه الاستراتيجية، فعندما تقوم أيّ دولة بوضع استراتيجية ما، فإنها تضع بعد ذلك السياسات لتنفيذ هذه الاستراتيجية بحسب جدول زمني محدد لتعرف إلى أين وصل تنفيذ هذه الاستراتيجية بعد فترة معينة، فإذا الجهود المبذولة للقضاء على الفقر النسبي يصاحبها نوع من الفوضى. فالديوان الملكي من خلال جلالة الملك يبادر بتقديم سلسلة من المكرمات لذوي الدخل المحدود ورفع المستوى المعيشي وتشكيل صندوق للأرامل كما أنّ جلالة الملك هو مَنْ بادر بتخصيص نسبة من أسهم مجمّع السيف ومجمّع سترة وتشكيل صندوق الأيتام، فأين الدولة من كل ذلك، هذه المبادرات لم تنبع من سياسة الدولة وإنما من خلال مكرمات ملكية.

كما أنّ الدولة إنْ أرادت مساعدة الطبقات الفقيرة في المجتمع فإنّ عليها أن توفر جميع المعلومات بشفافية كاملة فلا أحد يعرف لحد الآن عدد الفقراء أو الأيتام أو الأرامل في البحرين لكي تساهم مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة في تصحيح أيّ اعوجاج في هذه العملية.

ولو نظرنا إلى ما تقوم به وزارة التنمية الاجتماعية فإنّ هناك مشروع قانون بشأن الضمان الاجتماعي وهناك مشروع قانون للمساعدات الاجتماعية وأرقام الوزارة تشير إلى أن الأسر التي تتلقى هذه المساعدات هي في حدود عشرة آلاف أسرة بحرينية وفي حدود 50 ألف شخص وهذا بحد ذاته مؤشر على أنّ نسبة الفقر في ازدياد وذلك بالإضافة إلى عدّة مؤشرات مستويات الأجور أنّ كلّ ذلك يحتاج إلى تنظيم حقيقي ورؤية واضحة من قبل الدولة وأنه لا يمكن تحقيق الأهداف التنموية اذا كانت الدولة لا تؤمن بمسألة التشاركية مع المجتمع ومع السلطة التشريعية من خلال إعطائها صلاحيات جدية في عملية الرقابة والتشريع والمحاسبة.

شروط نجاح الأهداف

لذلك أرى أن أحد شروط نجاح الأهداف التنمية للألفية والى أنْ نصل للعام 2015 هي أن تكون هناك رؤية لعملية تنظيم جميع هذه القضايا على صعيد المجتمع. ولذلك فإنني متشائم على صعيد تحقيق الأهداف الأربعة الأخرى غير المتحققة في الموعد المحدد لذلك في حين أنّ الأهداف الأربعة المحققة اعتقد أنّ المجتمعات الخليجية النفطية أنْ تترفع من مدح نفسها في قضايا كان من المفترض أنْ تحسم منذ السبعينيات, إذ يجب أنْ نتوجّه إلى النوعية في معالجة هذه الأهداف فعلى سبيل المثال التعليم الأساسي إذا كان هذا الهدف موجها إلى الدول الإفريقية وبعض دول أميركا اللاتينية انه يجب أن يكون التعليم الأساسي الابتدائي في 2015 بنسبة 100 في المئة فإنه يجب أن نسعى إلى أنْ نجعل التعليم الابتدائي الأساسي في 2015 تعليما نوعيا وذلك ينطبق أيضا على الخدمات الصحية المقدّمة فالقضاء على أمراض الإيدز والكوليرا و الملاريا جميع هذه الأمراض لا توجد لدينا بشكل يخلق أزمة لدينا كما يحدث ذلك في الدول الأفريقية التي تضع في أولوياتها القضاء على هذه الأمراض، ولكننا في الخليج لدينا أمراض حديثة كالضغط والسكري والقلب والسرطان ولذلك التحدّي الذي يواجهنا مرتبط بكيفية التقليل من هذه الأمراض.

* ما هو دور مؤسسات المجتمع المدني سواء الجمعيات الأهلية أو السياسية في تحقيق أهداف الألفية سواء كان ذلك من خلال برامجها أو أنشطتها؟

- فاضل الحليبي: إنّ الكثير من النقاط الأساسية في أهداف الألفية تتضمنها برامجنا السياسية سواء ما كان يتعلق بالقضاء على الفقر أو تمكين المرأة أو تحقيق المساواة والمحافظة على البيئة.

إن برنامجنا السياسي يتحدّث بشكل واضح حول الدفاع عن الفئات الاجتماعية المتضررة والعمل من أجل الدفع باتجاه تحسين أوضاع الفقراء والشغيلة والكادحين وأصحاب الدخل المحدود، هذا من جهة ومن جهة أخرى تحتل مسألة تمكين المرأة فصلا كاملا من برنامجنا السياسي الذي أقره المؤتمر العام للجمعية، ومع ذلك إنني أرى انه لا يكفي أن نتحدث عن حقوق المرأة وان المرأة لدينا في البحرين حصلت على حقها في التعليم وتبوأت أعلى المراكز في الدولة إذ وصلت إلى منصب الوزير ولكن أرى أن هناك نوعا من العنف الذي مازال يمارس ضد المرأة سواء في داخل الأسرة أو المجتمع.

من الجميل أنْ يقر ميثاق العمل الوطني الحقوق السياسية للمرأة بحيث أصبح لها الحق في الترشح والانتخاب وذلك ما كان مطلبا من مطالب الحركة الوطنية منذ سنوات عديدة ولكن تبقى القضية إنّ المرأة يجب أن تكون لها حقوق متساوية مع الرجل من خلال العمل التوعوي من داخل المجتمع والأعلام والصحافة بالإضافة إلى مسألة وضع قانون يحمي المرأة وهو قانون الأحوال الشخصية.

أمّا بالنسبة لموضوع المشاركة في التنمية والحكم الصالح فاني أتصوّر أننا في مجتمع مازال في بداياته الأولية في مجال التأسيس لديمقراطية حقيقية ودولة المؤسسات والقانون ورغم وجود مكتسبات حقيقية خلال الفترة الماضية إلا أنه وللأسف الشديد فإنّ الكثير من هذه المكتسبات بدا التراجع عنها بحيث صدرت حزمة من القوانين التعسفية والمقيّدة للحريات من قبل مجلس النواب السابق وأخشى ما نخشاه أنْ يستمر هذا الوضع في المجلس الحالي إذ إن المؤشرات تشير إلى أنّ هذا المجلس لا يشكل طموح المواطنين بقدر ما يشكل خيبة أمل للكثير من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم للنواب, إن ذلك يتطلب من قوى المعارضة الموجودة داخل المجلس بالدفع باتجاه تحديث القوانين، ورغم أننا ندرك جيّدا الوضع الصعب داخل المجلس نظرا لتعدد التكتلات ووجود معوقات وجدت أساسا في دستور 2002 مرتبطة بنقص الصلاحيات المعطاة لهذا المجلس ولكن أرى أنه بالإمكان الاستفادة من مسألة الرقابة فإن لم يستطع هذا المجلس أنْ يقوم بدوره التشريعي فلا أقل من أنْ يقوم بدوره الرقابي وأن يضغط باتجاه إعادة النظر في قانون الجمعيات وإصدار قانون الصحافة الذي تقدم به مجلس الشورى والمجمع عليه من قبل الصحافيين فلماذا التماطل من قبل الحكومة في إصدار قانون عصري للصحافة في بلد ينشد أنْ يكون في مصاف الدول الديمقراطية العريقة.

إذا أردنا السير في اتجاه إيجاد نظام الحكم الصالح فإنّ على القوى السياسية أنْ تفعّل برامجها التي وضعتها من أجل الناس إذ ربما تكون هذه البرامج جميلة ولكن على صعيد الواقع فهي غير مفعلة.

تطبيق التشريعات والقوانين

* الأخ عبدالله، كيف تنظر إلى البحرين في العام 2015 فيما يخص تفعيل المشاركة من أجل التنمية والحكم الصالح وألا ترى أن كلام الإخوة فيه الكثير من التشاؤم فيما يخص ذلك؟

- عبدالله الدرازي: قبل الحديث عن ذلك أحب أضيف على ما ذكره الإخوة فيما يتصل بالفقر في البحرين من خلال بعض الإحصاءات إذ تشير بعض المصادر إلى نسبة الفقر في البحرين هي في حدود 11 في المئة من مجمل المواطنين وهذه النسبة مقاربة إلى نسبة الفقر في سورية التي تصل فيها نسبة الفقر إلى 11.4 والمغرب العربي الذي تصل فيها النسبة إلى 12 في المئة وهذه النسبة كبيرة للبحرين. ذلك بالإضافة إلى نسبة التضخم وارتفاع الأسعار في ظل عدم وجود حد أدني للأجور وإن كان مركز البحرين للدراسات والبحوث قد وضع حدا معينا للدخل هو في مقدار 337 دينارا شهريا للأسرة لكي تكون في مستوى الفقر وذلك قبل حوالي خمس سنوات فنحن نتحدّث الآن عن مستوى 500 دينار شهريا وذلك في ظل التضخم الحاصل.

وفيما يخص تشاؤم الإخوان فإنني أظن أن ما تم طرحه هي حقائق موجودة ويتحدّث عنها الجميع وإن أردنا أن نكون متفائلين فيجب أن تحدث أمور واقعية على الأرض وأنْ توضع حلول جذرية لعدد من الموضوعات و ألا يتم التعامل مع هذه القضايا بالمسكنات الآنية التي ينتهي مفعولها بعد فترة من الزمن.

من ناحية حقوقية فإنّ التقدم في أي بلد يُقاس على وجود وتطبيق التشريعات والقوانين وما ينقصنا في البحرين هو وجود قانون لمكافحة الفساد وقانون متطوّر للصحافة وقانون لمكافحة التمييز بجميع أنواعه بما في ذلك التمييز الطائفي والعرقي وقانون يتيح الحصول على المعلومات والشفافية. كما أنه إذا صدر قانون الجمعيات كما جاء في المسودة التي طرحتها وزارة التنمية الاجتماعية فإنّ ذلك سيعد مأساة حقيقية إذ أن ذلك يعد ضد التوجهات الألفية إذ أنّ القانون يحتوي على عقوبة الحبس لنشطاء المجتمع المدني. كما توجد أهمية خاصة لتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون توزيع الدوائر الانتخابية الذي يساوي بين الدوائر التي يقطنها أكثر من 16 ألف نسمة مع الدوائر التي يسكنها 3000 ناخب وهذا توزيع غير عادل.

* غياب الإجماع الوطني بشأن الأولويات ألا يؤثر ذلك على وضع أجندة يتفق عليها الجميع؟

- عبدالله جناحي: اعتقد أن هناك إجماعا وطنيا عاما حول مسألة القضاء على الفقر هذا الموضوع لا يختلف عليه أحد وهو هدف أساسي من أهداف الألفية والمطلوب الآنَ هو تفعيل هذا الإجماع الوطني.

اتفق معك على أنه لا يوجد إجماع وطني حول القضايا السياسية كالتعديلات الدستورية والقضاء على الطائفية وعدم فتح ملفات الفساد الكبرى ولكنه يوجد إجماع وطني على رفع المستوى المعيشي للمواطنين والخلل في التنفيذ وتفعيل هذا الهدف.

فيما يخص النظرة التشاؤمية لدينا أحب أنْ أوضح أنّ جميع القوى السياسية في العالم تنظر إلى ما ينبغي أن يكون وعند تحقيق أي مكسب فإنها تطالب بالمزيد وهذه سنّة الحياة ؛ لأن المجتمع في حالة تطوّر ويطمح لتحقيق مطالب جديدة، وعلى الدولة الديمقراطية أنْ تستوعب هذه الفلسفة، بمعنى انه كلما تنفذ مشاريع من قبل الدولة أو المجتمع عليها أنْ تتوقع أن قوى المجتمع ستطالب بالمزيد من التطوير.

أما ما يخص دور مؤسسات المجتمع المدني، فكم من المشروعات والأفكار التي طرحتها هذه المؤسسات سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو الاقتصادي ولم ترد عليها الجهات التنفيذية أو حتى تناقشها وذلك ما يؤكد ما ذهبنا إليه في موضوع التشاركية. ولذلك أقول إننا نحتاج إلى دولة تؤمن بالتشاركية والشفافية والنقد وبالتالي فإن أيّ إجماع وطني يمكن تفعيله.

العدد 1885 - السبت 03 نوفمبر 2007م الموافق 22 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً