العدد 2283 - الجمعة 05 ديسمبر 2008م الموافق 06 ذي الحجة 1429هـ

«الأمم المتحدة»... الاعتراف

«الإعلان العالمي» أقوى وثيقة دولية

الوسط - المحرر السياسي

تَشَكِّلَ تاريخ حقوق الإنسان بفعل جميع الأحداث العالمية الكبرى والكفاح من أجل الكرامة والحرية والمساواة في كل مكان، بيد أن حقوق الإنسان لم تحقق الاعتراف العالمي الرسمي بها في نهاية المطاف إلاّ مع إنشاء الأمم المتحدة.

إذ إن اضطرابات وانتهاكات الحرب العالمية الثانية والكفاح المتنامي من جانب الأمم المستعمرة من أجل نيل الاستقلال قد دفع بلدان العالم إلى إنشاء محفل يتناول بعض الآثار المترتبة على الحرب ويهدف خصوصا إلى منع تكرار وقوع هذه الأحداث المروّعة، وكان هذا المحفل هو الأمم المتحدة. وعند تأسيس هيئة الأمم المتحدة في العام 1945 ، أكدت من جديد على الإيمان بحقوق الإنسان لجميع الشعوب المشاركة فيها، وذكرت حقوق الإنسان في الميثاق التأسيسي بوصفها محور اهتمامات شعوب الأمم المتحدة وظلت هكذا دائما منذ ذلك الحين. وقد مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حينها أحد الإنجازات الرئيسة الأولى للأمم المتحدة المشكلة، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر/ كانون الأول من العام 1948، وما زال هذا الصك القوي يمارس تأثيرا هائلا على حياة الناس في جميع أنحاء العالم. فقد كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تقوم فيها منظمة دولية باعتماد وثيقة تعتبر ذات قيمة عالمية، كما كانت هي المرة الأولى أيضا التي عُرضت فيها حقوق الإنسان والحريات الأساسية بمثل هذا التفصيل. وتمتع الإعلان، عند اعتماده، بتأييد دولي عريض القاعدة، فعلى الرغم من أن الدول الأعضاء الثماني والخمسين التي شكلت الأمم المتحدة في ذلك الوقت كانت تختلف فيما بينها من حيث أيديولوجيتها ونظامها السياسي وخلفياتها الدينية والثقافية ونماذج تنميتها الاجتماعية الاقتصادية، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد مثلَ بيانا مشتركا بالأهداف والتطلعات التي يسلم الإعلان بأن «الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، وأن هذه الكرامة ترتبط بالاعتراف بالحقوق الأساس التي يتطلع إليها كل فرد من أفراد البشر، ألا وهي الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي؛ والحق في مستوى معيشي مناسب؛ والحق في التماس ملجأ في بلدان أخرى من الاضطهاد والتمتع بهذا الحق؛ والحق في تملك الممتلكات؛ والحق في حرية الرأي والتعبير؛ والحق في التعليم، والحق في حرية الفكر والضمير والدين؛ والحق في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة المهينة، وذلك ضمن حقوق أخرى». وهذه هي حقوق أصيلة يتعين أن يتمتع بها جميع سكان القرية العالمية من النساء والرجال والأطفال وجميع الفئات في المجتمع، سواء كانت محرومة من المزايا أم لم تكن كذلك، وهي ليست «عطايا» يمكن سحبها أو منعها أو منحها بأهواء كائن من كان أو إرادته.

وقد أكدت رئيسة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في سنواتها الأولى إيلينور روزفيلت، على عالمية هذه الحقوق والمسئولية التي تنطوي عليها، وذلك عندما سألت: «أين تبدأ حقوق الإنسان العالمية؟ إنها تبدأ في الأماكن الصغيرة، قريبا من البيت، وهي أماكن تبلغ من الصغر والقرب حدا لا يمكن معه رؤيتها على أي خريطة من خرائط العال. ومع ذلك فإنها العالم الخاص بالفرد؛ فهي الحي الذي يعيش فيه؛ والمدرسة أو الكلية التي يدرس فيها؛ والمصنع أو المزرعة أو المكتب الذي يعمل فيه.

فهذه هي الأماكن التي يسعى فيها كل رجل وامرأة وطفل إلى تحقيق المساواة في العدالة وتكافؤ الفرص والمساواة في الكرامة بلا تمييز. وما لم يكن لهذه الحقوق معنى في هذه الأماكن، فلن يكون لها معنى في أي مكان آخر. ومن دون إجراءات يتخذها المواطنون المهتمون لرفع لوائها بالقرب من بيوتهم، فسنظل نبحث دون جدوى عن التقدم في العالم الأوسع».

وبمناسبة الذكرى السنوية الخمسين، في العام 1998، لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن المفوضة السابقة لحقوق الإنسان ماري روبنسون، اعتبرت هذا الإعلان إحدى الوثائق التطلعية العظيمة في تاريخنا البشري. فقد كان الإعلان إنموذجا لكثير من الدساتير الوطنية وأصبح حقا أكثر الصكوك عالمية، فتُرجم إلى عدد من اللغات أكثر من أي صك آخر.

وكان الإعلان هو المصدر الذي استوحاه عدد كبير من صكوك حقوق الإنسان التي صدرت لاحقا، والتي تشكل معا القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهذه الصكوك تشمل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهما معاهدتان ملزمتان قانونا للدول الأطراف فيهما.

ويشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدان المذكوران الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

والحقوق الواردة في الإعلان والعهدين المذكورين قد زيدت إسهابا في معاهدات أخرى مثل الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي تعلن المعاقبة قانونا على نشر الأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي تقضي باتخاذ تدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة في مجالات الحياة السياسية والعامة، والتعليم، والعمالة، والصحة، والزواج، والأسرة.

بالإضافة إلى اتفاقية حقوق الطفل، التي تنص على ضمانات لحقوق الإنسان الخاصة بالطفل.

ومنذ اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أصبحت هذه الحقوق في صميم أعمال الأمم المتحدة، فقد ذكر الأمين العام السابق كوفي عنان في الذكرى السنوية الخمسين لهذا الإعلان، في معرض تأكيده على عالمية حقوق الإنسان، أن حقوق الإنسان لا تمثل بالنسبة لأي بلد وافدا غريبا عليه، بل هي تضرب بجذورها في كيان جميع الأمم، وأنه من دون حقوق الإنسان لن يكتب للسلام أو الرخاء الدوام أبدا.

وفي المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، الذي عُقد في فيينا بالنمسا في العام 1993، أكد 171 بلدا إعلان عالمية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة وترابطها، وأكدت هذه البلدان من جديد التزامها بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كذلك فإنها اعتمدت إعلان وبرنامج عمل فيينا، الذي ينص على «إطار التخطيط والحوار والتعاون» الجديد الرامي إلى تيسير اعتماد نهج آلي بشأن تعزيز حقوق الإنسان وإشراك الجهات الفاعلة على الأصعدة المحلية والوطنية والدولية

العدد 2283 - الجمعة 05 ديسمبر 2008م الموافق 06 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً