العدد 1983 - السبت 09 فبراير 2008م الموافق 01 صفر 1429هـ

حمى الاندماجات تطيح بـ «صيدلية العالم» الألمانية لصالح الأميركيين...صناعات الأدوية ... لا تكن صغيرا

عقدان من التحالفات الجديدة والاندماجات الكبرى، وهو ما صير من في أدنى وأبسط النتائج إلى سقوط العملاق الألماني لصالح الشركات الأميركية. السوق الأميركية التي انتعشت عقب اندماجاتها أمام الخاسر الأكبر في هذا القطاع وهو الشركات الألمانية التي كانت تعرف في الثمانينات بـ «صيدلية العالم».

اليوم، أمام صعود شركة «بفايزر» الأميركية و»جلاكسوسميث كلاين» البريطانية - تربحان ما ييد 30 مليار دولار سنويا - للمراكز الأولى في قائمة العشرة الأوائل، فإنّ شركة ألمانية واحدة لم تبق في دائرة الضوء. ويشير تقرير لوكالة رويتر للأنباء على لسان المحللة انغرد مولنيكل من مجلة «ك م ا « الطبية المتخصصة إلى أسباب تراجع ألمانيا بالقول: «ألمانيا غفلت عن مواكبة التطورات المتسارعة في هذا القطاع ولذلك خسرت من مكانتها العالمية بشكل واضح.» واعتبرت مولنيكل أنّ «ضعف الاستثمارات في مجال البحث والتطوير مقارنة بالولايات المتحدة الأميركية كان له الأثر الأكبر في وصول الحال على ما هو عليه الآنَ. وعلى ضوء ذلك قلما نجد منتجات جديدة وجذابة في قائمة منتجات الشركات الألمانية.

في العام 2000 قامت شركة «بفايزر» بابتلاع منافستها شركة «وورنر لامبيرت» وبعد سنتين فقط قامت أيضا بشراء شركة «فارمسيا». واليوم تحتل شركة «بفايزر» بلا منازع المركز الاول في قائمة أضخم عشر شركات في العالم في مجال صناعة الادوية والمستحضرات الطبية، بعدما كانت في عام 1993 تحتل المركز السابع فقط. أمّا فيما يتعلق بالعملاقة «جلاكسوسميث كلاين» فإنّ اسمها المركب يشير إلى ثمرة اندماج ثلاث شركات ناجحة في هذا القطاع. وللدلالة على قوّة شركة «بفايزر» يكفي أن نخبر القارئ أن دواء الكوليسترول «ليبتور» بمفرده، يدر على الشركة ما يزيد عن 10 مليارات دولار سنويا.

وحدهم الفرنسيون في هذا السياق لم يغفلوا عن أهمية هذه الإندماجات، لذا كان لهم في 2004 أن يقوموا بشراء الهجين الألماني الفرنسي «آفينتيس» من قبل العملاقة «سانوفي سينتيلابو» الفرنسية، واليوم تعتبر «سانوفي سينتيلابو» رابع أكبر شركة في العالم في مجال صناعة الادوية والعقاقير الطبية.

السبب الذي يقف من وراء هذه السلسلة من الإمدماجات لا يقف عند حدود القضاء على المنافسة، بل يتسع لحدود خفض النفقات الإعلانية التي غالبا من تكلف شركات الأدوية المليارات خلاف نفقات البحث والتصنيع. وأمام هذه التكونات الكبيرة لا يمكن لأية منظومة إقتصادية دوائية من المستوى المتوسط أن تواجه هذه الشركات العملاقة وهو ما يحيل إلى أهمية الولوج في التحالفات الإقليمية الكبرى التي تستطيع فعليا القيام بالأبحاث الطبية وشراء حقوق الاختراع الدوائية من المراكز البحثية الدولية.

شركات الأدوية التي تتنافس اليوم للحصول على براءات الاختراع أملا في المزيد من الأرباح لا تستطيع أنْ تقف مكتوفة الأيدي أمام سوق عالمي مفتوح لا حدود له، فيكفي أنْ نعلم أن سوق مرض «السكليروز آن بلاك» (تصلب الأنسجة) بمفرده يبلغ في أقل التقادير 2 مليار دولار.

ومعدلات الأرباح التي تتراوح من 20 أو30 وحتى 40 في المئة أصبحت تفعل فعلتها في مراكز الأبحاث التي باتت تتعمد تأخير طرح إكتشافاتها طمعا في زيادة أرباح الشركات، وبالتالي زيادة حصتها من العائدات على الإكتشافات وفق معادلة «فلندعهم يربحوا أكثر، ليدفعوا لنا أكثر وأكثر.

في أواخر تشرين الأول/اكتوبر 1999 اتهم الرئيس الأميركي الأشبق بيل كلينتون شخصيا مجموعات صناعة الأدوية في الولايات المتحدة بتعمد زيادة أسعار الأدوية التي تباع في كندا بأسعار اقل بمرتين. ويبقى أن هذه الشركات قد رفضت عملية الاصلاح المتعلقة بالمساعدات الطبية للأشخاص المسنين كي لا تضطر إلى تبرير أسعارها. ويكفي أنْ نذكر الشركة الأميركية شيرينغ بلوث وحدَها التي حققت في العام 1999 أرباحا بقيمة 2.1 مليار دولار!، كلنتون الذي حاول التصدي لهذه الشركات أنهى فترة ولايته دون أن يستطيع تحقيق وعوده للناخبين الأميركيين بإقرار التأمين الصحي الحكومي لجميع الأميركيين وهو ما رفضته شركات الأدوية بداعي أنه الماء الازرق في العيوان، دواء «الأوكسلتان» (قطرة عين) لكن الذي لا يدركونه هو أنّ هذا الدواء المرتفع السعر والذي قدرت مبيعاته في العام 1999 بـ 507 ملايين دولار، قد تم اكتشافه بفضل مساعدة عامة حكومية بلغت أربعة ملايين دولار قدمت إلى جامعة كولومبيا الأميركية. إلا أن الذي يجني أرباح هذه الاموال الحكومية هي شركة الدواء المصنعة له فقط. فهي لا تزوع مجانا على الناس، وهو ما أثار جدلا كبيرا في الولايات المتحدة.

عملقة شركات الأدوية الأميركية لا تقف عند هذه الحدود، بل تتصل حد ما يصفه بعض النقاد والمحللين في بعض المجلات الطبية بالتلاعب على الرأي العام. عبر إيهامه بوجود أمراض لا حقيقة لها، وبترويج منتجات دوائية أميركية لا حقيقة لها طبيا، وهي عملية تبادل مصالح كبيرة بين قطاعي الأطباء والشركات الدوائية حول العالم، خصوصا ما يتصل ببعض الأدوية خارج الدساتير الدوائية القانونية والتي غالبا ما تتصل بأدوية الرشاقة والحفاظ على البشرة ومضادات الأكسدة (ادوية تستخدم لإطالة العمر وهي منتشرة في السوق الأوروبية والأميركية).

وفي هذا السياق، إعتبرت المكتبة البريطانية للمعارف الطبية أن بعض شركات الأدوية ممن أسمتهم بـ «مروجي الامراض»، هم مَنْ «يشيعون المخاوف من أمراض غير موجودة ويضخمون مشكلات صحية بسيطة لتعزيز أرباحهم».

ويقول الباحثون في جامعة نيوكاسل في استراليا «إنّ شركات الأدوية تضع صحة الأشخاص الأصحاء في خطر من خلال جعل حالات مثل سن اليأس عند النساء حالات مرضية تستدعي وصف علاجات.

وقال الباحثون «إنه يجري تصوير عوامل خطورة على الصحة مثل: ارتفاع نسبة الكوليسترول أو هشاشة العظام على أنها مرض، وتهويل خطورة حالات نادرة مثل عرض القدم العصبية، ومشكلات بسيطة مثل: أعراض القولون العصبي». وقال التقرير إنّ «ترويج الأمراض هو توسيع حدود المرض وبالتالي زيادة نمو الأسواق بالنسبة لهؤلاء الذين يبيعون ويقدمون العلاجات».

وأضاف الباحثون أنّ محاولات هذه الشركات تتجلّى «بوضوح كبير في حملات التوعية بالأمراض التي تموّلها الكثير من شركات الأدوية. وهي تهدف في كثير من الأحيان إلى بيع الأدوية أكثر منها إلى التوعية أو التعريف أو التثقيف بشأن أمراض أو الوقاية الصحية».

من جهة أخرى، أمام الهيمنة الدوائية لعمالقة التصنيع الدوائي في أوروبا والولايات المتحدة تقف نماذج أخرى في الصين وكوباو(بعض الدول العربية كسورية) مثلا، على نماذج واضحة - مدعومة حكوميا - تعمل ضد هذه الهيمنة، فالصين التي تواجه ضغوطا كبرى من منظمة التجارة الدولية تستفرد بقرار تخفيض أسعار الأدوية وعدم الالتزام بالمواثيق الدوائية الدولية، وهو ما تعتبره الصين ضمانا للأمن القومي الصيني أمام عبثية وهيمنة الصناعات الدوائية في الولايات المتحدة وبريطانيا وباقي السلسلة الأوروبية عموما.

العدد 1983 - السبت 09 فبراير 2008م الموافق 01 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً