العدد 1983 - السبت 09 فبراير 2008م الموافق 01 صفر 1429هـ

على بوابة الاستثمار الدوائي ...مليارات ... غذاؤها هوس الموت وصوت المعركة

تقدر اليوم الصناعة الدوائية في الدول العربية بما قيمته 2,5 مليار دولار، وقبال حجم الاستهلاك الدوائي الذي يصل إلى ما قيمته 5,5 مليارات دولار بما يمثل 1,5في المئة من مجمل الاستهلاك العالمي يبدو الإقبال على الصناعات الدوائية فرصة استثمارية مغيّبة. أسباب هذا التأخر كثيرة وعلى رغم أن مجموع الاستثمارات العربية يصل إلى نحو 4 مليارات دولار إلاّ أنّ السوقين العربية والإفريقية خصوصا مازالتا في حاجة ماسة للمزيد من ضخ رؤوس الأموال في هذا القطاع الذي يتصف بمستوى عالٍ من الربحية.

وبغض النظر عن مجموع ما تذهب له الإنتقادات الحادة للوبيات التصنيع الدوائي في الولايات المتحدة وخارجها، فإن الإتجاه نحو تفعيل الإستثمارات الخليجية مع طفرة النفط في اتجاه هذا القطاع الاقتصادي يبدو مطلبا ملحا، هذه الضرورة الاستثمارية لا تقتصر على ما قد تتحصل عليه الرساميل الخليجية، بل يمتد نحو تحقيق مستويات حقيقية من الأمن الدوائي الذي يمثل ركيزة من ركائز الأمن الإجتماعي والسياسي على حد سواء.

تستطيع الصناعات الدوائية توفير فرص عمل لأكثر من 50 الف مواطن عربي على الأقل، كما أنّ التكامل الاقتصادي قد يتيح إستغلال النباتات الطبية المنتشرة في بلدان الشام وشمال إفريقيا كمصادر أولية في الكثير من الصناعات الدوائية.

إن تشرذم الأسواق العربية في أقاليم تسويقية اقليمية ضيقة بات أمرا لا يتناسب وحجم الإندماجات الكبرى بين كبريات شركات الدواء العالمية، وعليه، إنّ استمرار شركات الأدوية الخليجية في الانكفاء على نفسها والبقاء في شكل كانتونات دوائية صغيرة وضعيفة هو منهج لا يتسم بالبعد الاستراتيجي. وبالرجوع إلى أنّ الصناعة الدوائية العربية مازالت تعتمد على ما يقارب 90في المئة على المواد الخام المستوردة من الخارج في صناعاتها الدوائية، فإنّ الحديث عن صناعة دوائية عربية لايزال موضع اختبار دقيق.

البحرين التي لا يمكن اعتبارها سوقا دوائية تستطيع أنْ تفتح بابا استثماريا مفيدا ومربحا ما إذا ركزت على السوق الإقليمية، خصوصا أنّ هذه السوق (الخليجية) هي اليوم من أكبر الأسواق النامية في العالم. واقع الأمر، أنّ الرأس مال البحريني لا يستطيع تحقيق مستوى مرض من الاستثمار في الصناعات الدوائية، لكن تهيئة البيئة السليمة لقيام مثل هذه الاستثمارات بمساعدة الدولة، سيتيح للبحرين استقطاب الرساميل الخليجية التي تستطيع أنْ تفرض واقعا جديدا ونافذة استثمارية مربحة التي وصلت لحدود 355 مليار دولار.

تشير إحدى الدراسات التسويقية لصناعات الدواء أنّ الدواء بما هو سلعة، له «ثلاث خصوصيات رئيسية تجعل منه السلعة الأكثر حرجا اجتماعيا واقتصاديا فيما يتعلّق بالانعكاسات المحتملة لتطبيق اتفاقية حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة TRIPS . الخصوصية الأولى تتمثل في أن الدواء سلعة لا يمكن لمن يحتاج إليها أنْ يستغني عنها، والخصوصية الثانية هي أنّ الدواء سلعة توجد على الدوام منذ عرفها الإنسان، ولم تتوقف الحاجة إليها فقط، وهي تتطور باستمرار لزوم الحصول على علاج أحسن، وكذلك لزوم المجابهة العلاجية لمستجدات مرضية جديدة.

ويضيف التقرير «أمّا الخصوصية الثالثة فتختص باعتماد الابتكار الدوائي على البحث العلمي العميق والمتواصل. إنّ هذه الخصوصيات الثلاث تفسّر -إلى حد كبير- سر تمتع الدواء بقيمة مضافة عالية تجعل منه السلعة الأكثر ربحية على الإطلاق بين جميع السلع المشروعة. وكذلك السلعة الأهم عند التعامل مع اتفاقية حقوق الملكية الفكرية».

تحتاج البحرين لإكمال أو إيجاد بنية تحتية مناسبة لمثل هذا الاستثمار أنْ تقول بتشجيع الاستثمارات الدوائية العالمية في الولوج للمنطقة، معتمدة على نسب إستهلاك منطقة الخليج والتي تمثل منطقة إستهلاك مرتفعة نسبيا، كما أنّ الشروع في افتتاح كلية للصيدلة هو مطلب ضروري لتوفير العمالة المتخصصة والقادرة على المساهمة في هذا النوع من الاستثمار. وهو ما يتصل أيضا بإستحداث مراكز بحثية دوائية سيكون لها أن تدعم من استقطاب مثل هذه الإستثمارات للبحرين. قد يعتقد البعض أنّ إنشاء هذه المراكز يتطلب المليارات، وهذا الاعتقاد ليس صحيحا في المطلق، فالكثير من الدراسات تشير إلى أنّ شركات الدواء العالمية باتت تتعمد منذ سبعينات القرن الماضي «نشر أرقام وهمية عن متطلبات التوصل إلى مادة دوائية جديدة. من أبرز هذه المتطلبات أنّ المادة الدوائية الجديدة تكون نتاج جهد بحثي تطويري يتكلف 300 إلى 500 مليون دولار يجري خلاله تخليق مركبات كيميائية تصل إلى حوالي عشرة آلاف مركب». ويشير التقرير نفسه، إلى أن هذه الأرقام لا تتصف بالصدقية وأن الكثير من المراكز الطبية المتخصصة باتت تبيع العديد من الإنتاجات الدوائية بأسعار متدنية خصوصا أنّ عجلة الاكتشافات باتت تتسارع بطريقة كبيرة.

إنّ مجمل المسرح السياسي الدولي اليوم فيما يتعلق بالتصنيع الدوائي هو مسرح مستتر بما يحمله من تعقيدات وتحديات. فالأرباح الكبيرة التي تجنيها شركات الدواء الغربية تطرح أكثر من علامة استفهام عن حقيقة هذا القطاع الاقتصادي أو حتى مدى التزامه بالأطر الإنسانية. وهو ما يجعل من معركة الدواء معركة مفتوحة، فمليارات الدولارات في هذا المسرح تتغذى على هوس الخوف من الموت والذي هو طبيعة إنسانية من جهة، وعلى صوت المعارك من جهة أخرى. هنا، يسأل أحدهم سؤالا بسيطا، كم كانت أرباح الشركة المنتجة للدواء الفيروسي المضاد لإنفلونزا الطيور، وهو كان مجموع الحالات التي قضت جراء هذا الفيروس تزيد عن حالات الموت التي سجلتها ومازالت تسجلها الصحراء الإفريقية جراء أكثر من مرض و فيروس. هنا من يعتقد، أنّ شركات الدواء هي من كانت تقف وراء الكثير من الحملات الإعلامية المفزعة والتي إضطرت الحكومات لصرف الملايين لإقتناء هذا الدواء وحفظه في مخازنها، وكذلك هي الحال من شركات الدواء الأميركية التي وقفت ودعمت الحرب على العراق، فالحرب هي أحد عوامل الترويج للاستهلاك الدوائي، وهذه الأمثلة كلها تضرب في تأكيد أهمية هذا القطاع وتأثيره على السياسة الدولية.

وحتى لا تضيع منا بوصلة الموضوع في هذا الملف المتشعب، يبقى الاستثمار في الدواء قضية مفتوحة تستحق التفكير والتأمل.

العدد 1983 - السبت 09 فبراير 2008م الموافق 01 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً