العدد 1983 - السبت 09 فبراير 2008م الموافق 01 صفر 1429هـ

دراسات «البروتيوم» وثقلها في الصناعات الدوائية الجديدة

الخروج بأطلس الإنسان وتفاصيل تكونه لم يكن الاختراع الأكثر أهمية خلال السنوات العشر الماضية فحسب، فالأهم من ذلك إعطاؤه وتحديده للإنسانية خطا جديدا وبارقة أمل ليتجاوز الإنسان سنواتٍ من العذابات الطويلة مع أمراض لم تكفِ قدرة هذا العصر في أن تقضي عليها. وعليه، كان مشروع الجينوم البشري. وانتشر الحلم الجديد للإنسانية في ألفيتها الجديدة، إلا أن أحدا حتى اليوم لم يستطع فهم سلسلة الإنسان وأطلسه اللذين تم اكتشافهما من دون أن يستطيع أحدٌ الولوج فيه، ولكن ذلك لم يمنع الآمال أن تبقى على خبرٍ يأتي في يوم قريب.

الجينات الإنسانية التي اتضح أنها 34 ألفا فقط - وليس مئة ألف كما اعتقد العلماء لمدة طويلة - مازالت سرا عصيا على الفهم. فالإنسان المعقد التركيب قد لا يبدو شيئا أمام تعقيد ذبابة الفاكهة التي «تملك 13 ألفا من الجينات، أو نبات الأرابيدوبسيس الذي يملك 25 ألف مورث». الأكثر خطورة من ذلك إن الدراسات تحولت أخيرا من الاهتمام بالجينوم - بعد أن اتضح لها أن الجينوم وحده لن يفيد في فهم جسم الإنسان وطرق إنتاج أدوية جديدة آمنة وفاعلة - إلى الاهتمام بما أطلق عليه «البروتيوم»، إذ إن كل جين/ كل خلية تختلف في إنتاجها البروتيومي في حالتي الصحة والمرض.

كان علماء كنديون في مستشفى جبل سيناء في تورنتو أول من قاموا بتحديد كامل في اتجاه أبحاث البروتيوم، وهو بروتيوم فطر الخميرة التي تتكون من خلية واحدة. وهو أول بروتيوم لكائن حي يتم الانتهاء منه، لتسجل الخميرة سبقا في عالم البروتيوم. وعلى رغم أن تصنيف هذه البروتينات وترتيبها النهائي لم يكتمل بعد، فإن العلماء يعتبرون أن هذا العمل يمكن أن يغير طريقة تصميم الأدوية والعقاقير في المستقبل القريب. وعلى رغم تَكرار النداءات الطبية للحدّ من استخدام الأدوية الكيماوية والعودة إلى الطبيعة، نجد الكثير من التقارير اليوم تشير إلى أننا «نتحرك نحو عالم سيكون فيه هجوم على استخدام الأدوية في الأمراض البدنية والسايكولوجية مثل الكآبة وفقدان الذاكرة والإدمان والقلق وغيرها. وهناك أسلوب جديد تماما لصناعة الأدوية قد يمكّن البشر أخيرا من التغلب على مشكلات الصحة وطول العمر». ويستخدم مصممو الأدوية الجديدة «علوم البيوتكنولوجيا الطبية» لمساعدتهم على هذا العمل. وسيؤدي التطور في علوم وتقنيات «البروتيوم» البشري إلى تغيير شكل الدواء خلال العقد الحالي والعقود التالية، وستتحول معظم الأدوية إلى أدوية مصنعة بالهندسة الوراثية أو التقنية الحيوية، وسيتم التركيز بشكل أساسي خلال هذا القرن على الطب الوقائي، أي منع المرض قبل وقوعه؛ وهو مما يؤدي إلى تغيير مفهوم التداوي والعلاج».

ولهذا فمن المؤمل أن تشهد صناعة الدواء العالمية تغيرا كبيرا خلال الأعوام القليلة المقبلة، وسـ «تتضاعف أسعار الدواء بعد تطبيق اتفاقية (الجات)؛ نتيجة لحقوق الملكية الفكرية واحتكار الشركات المكتشفة للدواء إنتاجَه. وستشهد هذه الصناعة تحكم كبريات شركات الأدوية في العالم، التي تستثمر مليارات الدولارات لتطوير هذه التقنية الجديدة، وستقوم بتقديم هذه الأدوية إلى الدول المستهلِكة بالسعر الذي تريد».

الاهتمام العالمي - الذي يتضح من خلال تركيز مراكز الأبحاث الدولية على مثل هذه الدراسات والصناعات الدوائية - لدلالةٌ على هوية الاقتصاد الجديد في عالم الدواء، الذي يتنبأ بالمزيد من الفتوحات الطبية والنجاحات المتتالية، وبالتالي المزيد من المليارات والأرباح وتحكم شركات الأدوية في مصير الإنسانية.

العدد 1983 - السبت 09 فبراير 2008م الموافق 01 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً