العدد 1983 - السبت 09 فبراير 2008م الموافق 01 صفر 1429هـ

من البروتيوم إلى الجينوم

ظهر مصطلح «البروتيوم» العام 1994 عبر الباحث الأسترالي الشاب مارك ويلكينز. وجاءت هذه التسمية لتشير إلى الحصيلة الكلية للبروتينات الموجودة في كل نوع من أنواع الخلايا الحية على حدة. فكل خلايا الكائن الحي المعين تحتوي الجينوم نفسه، ولكن كلها - أو كلها تقريبا - تحتوي بروتيومات متباينة.

وإذا كان «الجينوم» (Genome) يعني جميع الجينات الكامنة في خلايا الجسم، فإن «البروتيوم» (Proteome) هو مجموع البروتينات التي تفرزها خلايا الجسم خلال المراحل المختلفة من حياتها. وإذا كان «الجينوم» من التعقيد بحيث ينطوي على ملايين العمليات الكيماوية، فإن «البروتيوم» يحتوي على معلومات تزيد ألف مرة على ما يحمله الجينوم.

وللتعرف إلى معنى «البروتيوم» علينا أن نتجول قليلا مع بعض المصطلحات العلمية. فمصطلح «بروتين» الشهير جاء من اسم أحد آلهة اليونان (Protee)، وكان قادرا على اتخاذ آلاف الأشكال وأكثر الأشكال غرابة حتى يستطيع الهروب من مطارديه. وتتكون البروتينات من تسلسل مئات الجزيئات الصغرى والأحماض الأمينية التي يوجد منها عشرون نوعا مختلفا.

في مطلع الستينيات اكتشف روّاد البيولوجيا الجزيئية أن جينا واحدا يقابل (ويطابق) بروتينا واحدا. وفي السبعينيات أعاد عالِم البيولوجيا ومؤرخ العلوم ميشال مورانغ تكوين مفهوم الجينات، وأثبت أن جينا واحدا يمكن أن يشكل عدة بروتينات بفعل انحراف آلية تُدعى «الانثناء التتابعي». وتبعا لهذه الآلية تنتج الخلايا بروتينات مختلفة انطلاقا من متوالية الحمض النووي (DNA) نفسها. وهذه التغيرات البسيطة تكفي في غالب الأحيان لتغيير وظيفة البروتين كليا، وقد يقدر جين واحد على إنتاج نحو عشرين بروتينا مختلفا. ويقدّر العلماء عدد أنواع البروتينات المنطلقة في الجسم بين 500 ألف بروتين ومليون، ولكن كل خلية من جسمنا لا تحتوي غير 10 في المئة من هذا المجموع؛ لأن في لحظة معينة واستنادا إلى تخصصها لا تعبر الخلية إلا عن جزء من جيناتها. ونتيجة ذلك تحتوي كل خلية مجموعة متميزة من البروتينات، وهذا هو البروتيوم الخاص بها، ومعرفة كل نوع تعتبر ضرورية للتشخيص الدقيق للمرض.

وتكتسب البروتينات هذه الأهمية الكبيرة؛ لأنها الناتج النهائي لعمل الجينات؛ ولأنها تحكم تصرفات الكائنات الحية وأفعالها من المهد إلى اللحد. وكل بروتين يحتاج إليه الجسم محفوظ بكونه شفرة كيماوية في الحمض النووي (DNA)؛ ولأن هذه الجزيئات تؤدي الأدوار الضرورية لعمل الخلية الحية، منها: الإنزيمات (الخمائر) التي تسرع التفاعلات الكيماوية، والمستقبلات التي تخبر الخلايا عن حالة الوسط الخارجي، والأجسام المضادة التي تتعرف إلى الجسيمات الغريبة في الكائن الحي. وعندما يحدث المرض تكون البروتينات هي المسئولة؛ لأنها تكون عاجزة عن حماية الخلية؛ ولأن ميكروبا أدى إلى اضطرابها.

ولهذا فالبروتينات هي الهدف الرئيسي للأدوية. وإذا أراد العلماء إعطاء المريض جرعات دوائية ناجعة تصيب هدفا محددا بوضوح، فلن يكون هذا الهدف سوى أحد البروتينات أو عملية بيولوجية وثيقة الصلة بهذا البروتين.

وعلى سبيل المثال عندما يهاجم الفيروس الخلية فهو يعوق تخليق غالبية البروتينات. أما البروتينات التي تخلقت بعد الهجوم فيستعملها الفيروس في عملية التكاثر أو تستعملها الخلية حتى تكافحه. وهذه البروتينات هي أهداف محتملة للأدوية المضادة للفيروسات، ولهذا يعمل العلماء على ابتكار طرائقَ علميةٍ للمقارنة بين حالتي البروتيوم قبل العدوى وبعدها، والحصول على معلومات دقيقة عن هذه البروتينات يؤدي إلى الحصول على دواء جديد قادر على القضاء على هذه الفيروسات.

العدد 1983 - السبت 09 فبراير 2008م الموافق 01 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً