العدد 2555 - الخميس 03 سبتمبر 2009م الموافق 13 رمضان 1430هـ

كارثة «طبعة البلاد القديم» التي وقعت قبل 60 عاما

البصري يروي لـ «الوسط» أخبار الفاجعة البحرية

دلف لسوق المنامة كعادته مع والده يبيع القماش، وكان حينها شابا يافعا في مطلع العشرينات من العمر، لم يدر بخلده بعد أن سمع صوت الناعي في السوق قرب صلاة الظهر، مردّدا «أسرعوا إلى السِيف فالأمر فظيع»، أن 41 نفسا من أهالي قريته قد غرقوا في كارثة بحرية مفجعة عُرفت لاحقا باسم «طبعة البلاد القديم».

لا يزال الحاج عبدالمهدي البصري وهو أحد رجالات البلاد القديم يتذكر بعض تلك المشاهد من الفاجعة، ولا يزال يتذكر كيف أسرعت رجلاه إلى الساحل، وكيف خفق قلبه، ودمعت عيناه، لم يفارقه منظر الجثث تمر من حوله، والجنازات التي كانت تخرج زرافات لتوارى الثرى.

«الوسط» التقته ليسرد ما يتذكره عن «طبعة البلاد القديم» باعتباره شاهدا من أهالي القرية وممن ساهموا في إنقاذ بعض الناجين وإخراج جثث الضحايا.


قضى فيها 41 من أهاليها... شاهد على «طبعة البلاد القديم» يروي لـ «الوسط» التفاصيل...

البصري: غابت الأفراح عن القرية سنتين وكانت دموعنا تتساقط كلما شاهدنا البحر

البلاد القديم - حسن المدحوب

كان ذلك اليوم يوما عاديا كسائر الأيام في بدايته، فدلف لسوق المنامة كعادته مع والده يبيع القماش، وكان حينها شابا يافعا في بداية العشرينيات من العمر، لم يدر بخلده ما أن سمع صوت الناعي يسرع في السوق مرددا «أسرعوا إلى السِيف فالأمر فظيع»، أن الأمر كما وجد ونظر وشاهد.

حينما وصل إلى الساحل ذهل من المشهد المفجع، عشرات الجثث من الرجال والنساء والأطفال يتناقلها الأهالي في حركة دؤوبة، لم يكن لديه متسع من الوقت ليسأل عما جرى، خاض المياه كأقرانه من الشبان الذين امتلأ بهم سِيف البلاد القديم يومها.

كانت الجثث تأتي فرادى ومثنى وثلاث ورباع، وكان الأهالي يجدون في نقلها إلى مغتسل القرية، فتستقبلهم جماعات أخرى تصلي عليهم صلاة الأموات، ثم يجري تشييعهم، فعدد منهم دفن في مقبرة داخل القرية، وعدد آخر دفن في مقبرة «أبوعنبرة» التي تقع على أطرافها.

المآتم والمساجد وحتى البيوت أنيرت لتستقبل جموع المعزين على تلك الفاجعة التي آلمت القاصي والداني، إذ راح ضحيتها 41 نفسا من أهالي القرية فيما عُرف بكارثة «طبعة البلاد القديم» التي حدثت في العام 1949، أي قبل 60 عاما بالتمام.

لايزال الحاج عبدالمهدي البصري يتذكر المشاهد في تلك الفاجعة، ولايزال يتذكر كيف أسرعت رجلاه إلى الساحل، وكيف خفق قلبه، ودمعت عيناه كما دمعت عيون كل الأهالي في ذلك اليوم، لم يفارقه منظر الجثث تمر من حوله، والجنازات التي كانت تخرج زرافات زرافات لتوارى الثرى، وكيف أن البلاد القديم دخلت في حزن عميق استمر أكثر من عام غابت فيه الأفراح عن الأهالي، ولم يكن أحد منهم يرغب في الحديث عما جرى أو حتى تذكره، لعلهم أرادوا بذلك أن يقتلعوا الأسى الذي بدا حينها أنه كان زائرا ثقيلا لا يريد أن يغادر حياة قريتهم... وحياتهم.

«الوسط» التقت البصري ليسرد مشاهد فاجعة «طبعة البلاد القديم»، من الجانب الذي عايشه هو باعتباره أحد الأهالي الذين عاصروا تلك الحادثة وكان أحد من ساهموا في إنقاذ الناجين من الغرق في حادثة «الطبعة»، وفيما يلي ما سرده لنا مما يتذكره للآن.

كان عمري في ذلك العام (1949) 22 عاما تقريبا، وكنت في ذلك اليوم في الدكان مع والدي رحمه الله في سوق المنامة، إذ كنا نعمل في بيع الأقمشة، وكان الوقت ضحى (قريب من صلاة الظهر)، حينما نادى المنادي في السوق، أن جالبوت (سفينة) كانت قد خرجت من ساحل القرية (البلاد القديم) إلى جزيرة النبيه صالح قد انقلبت بفعل ريح عاتية قلبت الجالبوت.

ومازلت أتذكر صوت النادي وهو رافع صوته بالنداء «حدث أمر فظيع»، وكان يدعو الجميع للتوجه إلى الساحل للمساعدة في انتشال جثث الضحايا ومساعدة من كتب الله لهم النجاة.

فتوجهنا سريعا على الدواب إلى القرية، فيما اتجه الوالد إلى البيت وأخذ كل البز (القماش) الذي لديه مما يصلح للأكفان واتجه به إلى المغتسل.

وأضاف «حينما وصلت إلى الساحل، أخذنا قاربا صغيرا واتجهت مع أحد الشباب به ناحية جدعلي حيث تبعثرت الجثث بين ثلاث مناطق (جدعلي وتوبلي والنبيه صالح)، وأحطنا بالمناطق المذكورة مع البقية، ومازلت أتذكر منظر تلك الرضيعة التي كان الموج يتلاعب بمهدها المصنوع من القش والخيش وهي تبتسم دون اكتراث، إذ تمكنا من انتشالها من البحر ونجت بفضل الله».

وكان ذلك من أعجب ما وجدناه في تلك الحادثة، بالإضافة إلى أنه من ألطاف الله أن تنجو عجوز تجاوز عمرها الثمانين، ورجل ضرير كذلك من الغرق، في حين أن أغلب الرجال الأشداء قضوا في تلك الحادثة، وربما يعود السبب في العدد الكبير للضحايا هو أن شراع «الجالبوت» حينما انفل غطى على الغارقين فلم يستطيعوا النجاة.

وتابع «رجعنا بعد ذلك إلى الساحل، ونزل بعضنا بالقرب من المسجد المطل على البحر والذي انطلق منه «الجالبوت»، إذ سرعان ما امتلأ الساحل عن بكرة أبيه بالناس الذين كانوا ينتظرون جثث الضحايا التي استطاع الناس انتشالها من البحر، وكنا ننقلهم بواسطة العربات التي تسحبها الحمير إلى المغتسل، ومن ثم كان يتم تشييعهم بسرعة إلى مقبرة «الجبل» وهي موجودة داخل القرية، أو إلى مقبرة «أبوعنبرة» المعروفة.

وبسبب العدد الكبير للضحايا، فقد تطلب إخراج جميع الجثث بين يومين إلى ثلاثة أيام كما أتذكر، أما التعازي فكان ذوو كل عائلة يستقبلون المعزين كلا على حدة، ففتحت جميع المآتم والمساجد، واضطر بعض الأهالي إلى فتح منازلها للتعزية».

وعما إذا كان للسلطات الرسمية دور في عمليات الإنقاذ، قال البصري: «لم تتدخل الجهات الرسمية في مسألة الإنقاذ بتاتا، كما أن لا أحد كما أعتقد طلب منها ذلك في ذلك الوقت، لأننا كنا في ذروة انشغالنا بعمليات الإنقاذ والتشيع والدفن، كما أن هذه الأمور كانت تجري عادة بجهود الأهالي، غير أنه تم إرسال برقيات ومكاتيب (رسائل) تعزية لوجهاء القرية، بالإضافة إلى أن بعض كبار المسئولين زار القرية للتعزية في الضحايا».

وعن حالة القرية بعد تلك الحادثة قال: «ظلت الكآبة بداية على جميع أهالي البلاد القديم، لمدة تصل إلى السنتين، حتى أن الأهالي لم يكونوا يقيمون الأعراس لأكثر من عام، على رغم أن مظاهر الفرح فيها في الأصل ليست كبيرة، بسبب حياة الفقر والضيق التي كان يعيشها أغلب الأهالي».

وأكد البصري أن الأهالي لم يحصلوا على تعويضات أو مساعدات من الجهات الرسمية بعد تلك الحادثة، غير أن الأهالي كانوا متعاضدين مع بعضهم بعضا وكانوا يقتسمون ما كتب الله لهم من رزق، إلى أن عادت الحياة طبيعية تدريجيا إلى القرية بعد سنوات من «الطبعة».

العدد 2555 - الخميس 03 سبتمبر 2009م الموافق 13 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 10:21 ص

      البصري

      الاموات كان عددهم 43رجل ( حسبنا الله ونعم الوكيل)

    • مجرد سراب | 12:04 م

      الرحمة

      الله يرحم الجميع . فاجعة كبيرة

    • زائر 8 | 10:34 ص

      الله يرحمهم

      المفروض انسوي فلم عن هذه الحادثة الفجيعة الي غرقو في باخرة التايتنك مو احسن من اهل البحرين ومشكووورين على الطرح الجميل الصراحه استفدنه وااايد

    • زائر 7 | 9:32 ص

      سنة الطبعة

      يعني جدّاتنا وجدودنا لما كانوا يسولفون ويقولون " سنة الطبعة " يقصدون هذي الحادثة ؟!! رحمة الله عليهم

    • زائر 6 | 7:39 ص

      نور البتول

      يالله تدمع العيووون من سماع تلك الفاجعة .. الله يرحمهم ويرحمنا برحمته ويطول في عمرك يا حاج ..

    • زائر 5 | 6:52 ص

      الله يرحمهم

      كان جدي رحمه الله من النبيه صالح وهو من قام مع اصحابه بنتشال الجثث من البحر و قد روى لي القصه كاملة و كيف كان يسحب الجثث من البحر من شباب و اطفال ونساء.
      يقول رحمه الله ان اكثر موقف تأثر به هو عندما وصل الى احد الرجال و قد ضم طفله الرضيع الى صدره وفارقا الحياه غرقا بجانب بعضهما البعض. يقول سحبتهما من الماء و انا لا اقوى للنظر لهما من هول الفاجعه.
      وفي اطرف موقف يقول نزلت لعجوز كانت متشبثه بقطعة خشب ولما وصلت لها لكي اسحبها ادارت وجهها عني وغطته استحياء ولم ترضى في البدايه ان اسحبها

    • زائر 4 | 5:50 ص

      الحادثة القديمة التي لا تزال حية بقلوبنا

      رغم مضي سنين على الحادثة لكن عندما تسمعها تعتقد أنها حدت بالأمس وليس من سنين.. إنها حادثة مأساوية لن تنسى ... رحم الله جميع المؤمنين والمؤمنات

    • زائر 3 | 4:08 ص

      طرح جميل

      طرح جميل استفدت منه
      شكرا لكم

    • Buali | 3:00 ص

      كارثة

      الله يرحمهم جميعا ويعطيك طولة العمر يا حاج عبدالمهدي

    • زائر 2 | 11:22 م

      فاجعة اليمة

      الله يرحمهم برحمته هذه الفاجعة تقشعر لها الأبدان حسب ماسمعتها من المرحومة جدتي

    • زائر 1 | 10:21 م

      الله يرحمهم جميعا

      الله يكون بعونهم ذيك الساعة صدق حادثة هالشكل ما تنسى والصراحة بقاءالطفلة في مهدها فعلا معجزة واكيد هناك حكمة الهيه حيث ان الرعايه الهية شملتها لتبقى على قيد الحياة .

اقرأ ايضاً