العدد 276 - الأحد 08 يونيو 2003م الموافق 07 ربيع الثاني 1424هـ

علاقات مفخخة تجاوزت حدود المعقول

في رواية «انسي السيارة» للضعيف

«لم أكن اسمع إلا نادرا بهذا النوع من السيارات «سوبارو» ورأيتها فعلا أول مرة عندما اشتراها رفيق، وتأملتها مليا. سيارة سوبارو موديل الـ 93 ماشية فقط عشرين ألف كيلومتر، لونها زيتي مدهش (بيجنن)، مفولة، فيها كل شيء: علبة سرعة أوتوماتك، زجاج على الكهرباء، فرش جلد... الخ، واذكر انني سألته على سبيل الاستغراب: ألا توجد سوبارو في لبنان؟». يبني «رشيد الضعيف» روايته على الحدث البسيط الذي يظل يقوم بتضخيمه ليصبح هاجسا له يلاحقه، ويلف ويدور حوله بدمج الأسلوب السردي بالفكاهي واستخدام الكلمات العامية فتبدو الرواية للوهلة الأولى عملا فيه الكثير من المرح على رغم أجواء الفساد والعبث التي تضج به سيارة رشيد الضعيف.

السيارة «السوبارو امبريزا» الزيتية التي اشتراها من صديقه «رفيق» ويكتشف غشه له وعدم توافر قطع غيار لها وهي الأميركية الصنع، فيقرر بيعها بعدما صارت بالنسبة له مثل «سيارة مفخخة» لكن حتى بيعها يصبح أكثر استحالة، ويتزامن ذلك مع رغبة والده في الزواج من «زاي» الثلاثينية القبيحة، ومحاولاته منع هذا الزواج خوفا من إنجاب أطفال يتحمل هو مصاريفهم أو أن يبيع والده الشقة (ميراث الرواي) فيقرر الاستعانة بصديقته «ليلى» لإبعاد «زاي» عن والده.

وبلغة فجة في أكثر الأحيان وبشبكة من العلاقات الاجتماعية «المفخخة» والمتداخلة بشكل عبثي لا يرتبط بواقعه، يرسم «رشيد الضعيف» حوادث روايته من خلال أربع شخصيات رئيسية هي: الراوي (والده)، زاي (الفتاة العانس القبيحة) وليلى (صديقة الراوي).

ويعمل الكاتب على تعرية الشخصيات من إنسانيتها وتشريح أحاسيسها بكل جرأة تصل إلى حد الوقاحة في بعض مقاطع الرواية، مع قليل من الواقعية وكثير من المخيلة «المكسيكية المدبلجة» في تداخل العلاقات، فخوف الرواي من زواج والده من «زاي» وإنجاب طفل يصبح هو المتكفل به فيلجأ إلى استخدام صديقته «ليلى» لإقامة علاقة جنسية مع والده تشغله عن الزواج وتنسيه «زاي».

«لن أسمح بزواجه إطلاقا. انه زواج مفخخ هذا أمر لاريب فيه!» لكن الأمور تخرج عن سيطرته حين تصبح «ليلى» صديقة الأب و«زاي» في الوقت نفسه كذلك بل يصل الأمر إلى تدبير مؤامرات ضده، فيقرر التحرش بزاي على رغم قبح منظرها كي يبعدها عن والده ما يجر الأمور نحو الكارثة التي حاول جاهدا تجنبها إذ تحمل زاي منه ويصر والده على الزواج ويبيع الشقة (ميراث الرواي) وينتقل للعيش مع زاي في منزلها.

تحمل الرواية الكثير من علامات الاندهاش والتعجب من كم العلاقات الجماعية والشاذة أحيانا، وحرية التصرف بالجسد من دون ضوابط أو عواطف

فمسألة الأخلاق خارج الموضوع كما يصرح بذلك على لسان زاي «انس الأخلاق والإخلاص وهذه الأمور كلها»، وهذا ما قام به فعلا الكاتب فتعامل الشخصيات مع ذلك كأمر مألوف ومسلم به، إذ يبتعد الكاتب عن واقعنا الشرقي ويترك أبطاله - وأفكاره - يسرحون ويعبثون على هواهم. بل ويتمادى في التراخي حين يبرر موافقة ليلى صديقته على إقامة علاقة مع والده لأنها تحبه ولا ترفض له طلبا «عندما حسمت أمرها منذ أيام، واتخذت قرارا بمساعدة والدي من أجلي، قالت لي: لا أستطيع أن ارفض لك طلبا، أنت أميري! فهزني بوحها هذا. إنها لاشك تحبني وقد قامت بذلك من اجلي». فتعامل الكاتب مع الشخصيات يأتي على أساس أنهم أشرار فارغون من الروح وخلقوا لارتكاب الخطأ لا كبشر يخطئ ويصيب، فوالد الراوي يقيم علاقة مع ليلى على رغم معرفته أنها صديقة ولده بل ويخبر زاي عنها. ورواية «انسي السيارة» قد لا تطرح شخصياتها كأبطال بل تستعرضهم كواقع فيه الكثير من المبالغة وعالما كاملا من المجون. مع إطار مكاني هو بيروت التي تبدو في الرواية وكأنها تتغذى على التحرر من الضوابط الاجتماعية والأخلاقية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً