العدد 343 - الخميس 14 أغسطس 2003م الموافق 15 جمادى الآخرة 1424هـ

32 عاما من الانسحاب... 32 عاما على الاستقلال

15 أغسطس 1971 يوم التحولات الكبير

يذكرنا تاريخ 15 أغسطس/ آب بيوم لا ينسى في تاريخ البحرين الحديث، إذ شكل هذا التاريخ قبل 32 عاما من الآن منعطفا مهما في حياة البحرينيين عندما قررت القوات البريطانية بموجب قرار حكومة العمال الانسحاب العسكري من المنطقة في العام 1971 بعد 150 عاما من الوجود العسكري والسياسي.

ففي ظهيرة 14 أغسطس، تجمع أهل البحرين حول أجهزة الراديو وهم يحبسون أنفاسهم، يترقبون سماع أهم بيان في تاريخ بلادهم، وما هي إلا لحظات حتى أذاع سمو الشيخ خليفة بن سلمان - على الهواء مباشرة من قاعة الاجتماعات في دار الحكومة في المنامة - بيان الاستقلال. وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي عاد الشيخ خليفة إلى القاعة التي أعلن منها بيان الاستقلال ليشرف على حفل توقيع وثيقة إنهاء المعاهدة بين البحرين والمملكة المتحدة، إذ وقعها المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البلاد آنذاك من الطرف البحريني فيما وقعها بالنيابة عن الحكومة البريطانية المقيم السياسي جيفري آرثر، وبذلك انتهت مرحلة تاريخية بدأت في أواسط مايو/ أيار من العام 1861 عندما وقع الشيخ محمد بن خليفة معاهدة العلاقة الارتباطية مع بريطانيا. ولم يمض وقت طويل على توقيع وثيقة إنهاء المعاهدة حتى صدر مرسوم بشأن إعادة التنظيم السياسي والإداري، وطبقا لذلك تغير اسم إمارة البحرين إلى دولة البحرين، وكذا لقب حاكم البحرين وتوابعها إلى أمير دولة البحرين، وفي السياق، تحول مسمى مجلس الدولة إلى مجلس الوزراء وسمي رئيس مجلس الدولة برئيس الوزراء وتحول أعضاء مجلس الدولة إلى وزراء، فكان ذاك اليوم تحولا حقيقيا في مضمون التنظيم السياسي والإداري في البحرين. وفي 18 من الشهر نفسه، تقرر خلال أولى جلسات مجلس الوزراء أن يسافر وزير الدولة حسين البحارنة إلى القاهرة ليقدم طلب انضمام البحرين إلى جامعة الدول العربية.


15 أغسطس ذكرى التحول في تاريخ البحرين المعاصر

قبل 32 عاما... بيان الاستقلال إعلان ميلاد أمة حرة

الوسط - فاطمة الحجري

قبل 32 عاما من الآن، عاش شعب البحرين يوما مصيريا فاصلا بين الاستعمار والاستقلال، في 15 أغسطس/آب من العام 1971 أعلن رسميا الانسحاب البريطاني من البحرين، بالتزامن مع انسحابات مماثلة في عدد من دول المنطقة.

كان يوما تاريخيا ترقبوه بشغف لطي حقبة تاريخية بدأت قبل نحو 110 أعوام، عندما وقع المغفور له الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين وقت توقيع معاهدة العلاقة الإرتباطية مع بريطانيا، وبداية مرحلة جديدة من تاريخ البحرين الحديث يوم وقع المفغور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وثيقة إنهاء المعاهدة السابقة مع ممثل ملكة بريطانيا والمقيم السياسي في البحرين جيفري آرثر في التاريخ نفسه.

التف أهل البحرين جميعهم حول المذياع ينصتون باهتمام إلى ما جاء بين دفتي البيان المرتقب، ذاك البيان الذي من شأنه أن يغير تاريخ بلد بأكمله، إنه بيان إعلان الاستقلال وانتهاء الانتداب البريطاني في جزيرة البحرين التي كانت إمارة ولم تتحول بعد إلى دولة.

أذاع سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة على الهواء مباشرة من قاعة الاجتماعات في دار الحكومة في المنامة بيان الاستقلال، وبعد يوم واحد فقط وقع الاتفاق، فعمت البحرين فرحة شعبية ابتهاجا بعيد الاستقلال، إذ بدأ مشوار التحولات الحقيقية في المضمون السياسي والإداري من تلك اللحظة.

وعلى الصعيد الرسمي توافد رؤساء وأعضاء الوفود الرسمية إلى البحرين مهنئين، وما هي إلا أيام معدودة حتى حصلت دولة قطر على استقلالها في 3 سبتمبر/ أيلول من العام نفسه.

وقال وقتها سمو الشيخ خليفة حسبما ذكر في نص كتاب «رجل وقيام دولة» للكاتب توفيق الحمد: «إن تحقيق الاستقلال عن بريطانيا مع الإبقاء على علاقات صداقة قوية معها خطوة جديدة أمكن تحقيقها على درب تأمين سيادة واستقلال البحرين، وذلك بفضل ما أنعم الله به علينا من تلاحم صادق بين القيادة والشعب، مما كان له أعظم الأثر في كل ما استطاعت إنجازه في المستويات كافة».

فيما كتب الحمد: «لا يختلف اثنان على أن الرابع عشر من شهر أغسطس العام 1971 يوم لا ينسى في تاريخ البحرين الحديث، ففي ظهيرة ذلك اليوم ألفت أهل البحرين جميعهم رجالا ونساء، كبيرا وصغيرا حول أجهزة الراديو، غير عابئين بحرارة الجو التي تبلغ ذروتها في مثل هذا الوقت من العام».

معاهدة الصداقة

ومضى يقول: «خرج المقيم السياسي البريطاني في إيران آنذاك جونز على رأس حملة بحرية بريطانية صغيرة قوامها أربع سفن حربية من ميناء بوشهر الإيراني، وحاصر ميناء المنامة، وراح يستعرض قوته العسكرية ويهدد باستخدام السلاح إن لم توقع البحرين على معاهدة الصداقة (...) وعلى رغم أن هذه المعاهدة كانت تعطي بريطانيا امتيازات واسعة في البحرين فإن الشيخ محمد بن خليفة آثر المبادرة إلى توقيعها إدراكا منه بأن موازين القوى آنذاك كانت تميل كلها لصالح بريطانيا، ولكن عامل الوقت كان بكل تأكيد لصالح البحرين، فبقاء بريطانيا في منطقة الخليج عموما وفي البحرين على خصوصا كان وضعا محكوما عليه بالانتهاء إن عاجلا أو آجلا، ذلك بحكم التغير في الأوضاع الاستراتيجية العالمية».

يتذكر الحاج عبدالحسين علي ذاك اليوم جيدا، فذاكرته لا تزال تسعفه على التذكر على رغم أن عمره تجاوز التسعين، يقول: «فرحنا كبارا وصغارا بعيد الاستقلال، كنا نسكن في منزل صغير في حي «المخارقة» بالمنامة، لكننا وبعد سنوات قليلة من الاستقلال انتقلنا سريعا إلى مدينة عيسى التي بنيت احتفاء بالمناسبة، انتقلنا للعيش فيها قبل أن تصلها الكهرباء، ولم نكن نستطع التنقل بالسيارات التي كان استخدامها حصرا على الميسورين، نركب الدراجة من مدينة عيسى إلى المنامة لنشتري الخبز، وبعد الساعة السادسة لا نستطيع الخروج بفضل الظلام الدامس، وكان الحصول على بيت مستقل من أكبر إنجازات الاستقلال».

عودة إلى الانسحاب

إلى ذلك، يقول استاذ التاريخ الحديث المعاصر المشارك في جامعة البحرين فؤاد شهاب: «لم يفاجأ المحللون السياسيون والمختصون في شئون المنطقة بقرار حكومة العمال البريطانية بالانسحاب من شرق السويس لأن هذا القرار في الحقيقة جاء نتيجة للضعف الذي أصاب الوجود البريطاني في المنطقة».

وكتب في الفصل الثاني من كتابه «تطور الاستراتيجية الاميريكية في الخليج العربي»: «لم تعد الهند تابعة للسيطرة البريطانية، ولم يعد هناك حاجة للاحتفاظ بالموانئ الخليجية التي تساعد على الوصول إلى الهند، وبعبارة أخرى لم يعد الخليج مهما لبريطانيا كطريق إلى مستعمرتها الكبرى الهند التي نالت استقلالها عام 1947».

«فنقص موازنة المدفوعات أجبر بريطانيا لتقليل التزاماتها العسكرية في أراضي ما وراء البحار، ناهيك عن الأسباب الخاصة بالسياسة الداخلية البريطانية التي دفعت بحكومة العمال في العام 1968 إلى اتخاذ قرار الانسحاب، بيد أن حزب المحافظين (ممثل المعارضة حينها) عارض سياسية العمال فحاول العدول عن هذه السياسة عندما تسلم السلطة في العام 1970، غير أن زيارة السير ألس دوكلاس هوم إلى منطقة الخليج بما فيها إيران والسعودية والبحرين والكويت لم تقنع زعماء الخليج برغبة العدول عن قرار الحكومة العمالية السابقة».

يؤكد شهاب أن الانسحاب كان موضوع الساعة في تلك الفترة لدراسات وتحليلات من قبل المراقبين والمهتمين والمتخصصين في السياسية وفي شئون الخليج العربي.

مدرستان متشائمة ومتفائلة

ويقول: «كان الأمن بالنسبة للسياسيين الغربيين يعني المحافظة على وصول الإمدادات النفطية الآتية من الخليج، ومساعدة الحكومات الصديقة في منطقة الخليج (...) ترتب على هذا ظهور مدرستين الأولى كانت متشائمة والأخرى متفائلة». ويمضي شهاب في تفصيل المدرستين بقوله «المدرسة المتشائمة اعتبرت أن الانسحاب البريطاني سيساعد على زيادة الاضطراب والفوضى في منطقة تعرف بصراعاتها وانقسامها أكثر مما تعرف بوحدتها، ورأت هذه المدرسة أن أهم عناصر عدم الاستقرار في الخليج يكمن في الصراعات القبلية والعداء العربي الفارسي».

وأكدت المدرسة المتشائمة بحسب فؤاد شهاب أن المنطقة لم تعرف أي نوع من الاستقرار والوحدة إلا ذلك المفروض من قوة خارجية طوال قرنين من الزمن من قبل بريطانيا العظمى، وعليه فان البوادر لا تشجع كثيرا على المراهنة على استطاعة أية قوة لعب الدور البديل إذ لا توجد قوة إقليمية قادرة على القيام بهذا الدور(...) وبمعنى آخر فإن الانسحاب البريطاني من الخليج سيخلق فراغا قد تستغله القوى الشيوعية.

أما المدرسة المتفائلة فترى آثارا إيجابية للانسحاب البريطاني من منطلق آثار تهدأة الصراعات الداخلية والتهديدات الشيوعية في ذات الوقت، واستندت وجهة النظر هذه إلى واقع القوات البريطانية التي كانت بعيدة عن السيطرة على الصراعات الداخلية، بل على العكس ساهم الوجود البريطاني في تحريك الصراع الداخلي وجذب التهديدات الشيوعية.

ويرى شهاب أن الوجود البريطاني في منطقة الخليج خلال السنوات التي سبقت قرار الانسحاب لم يثبت فاعليته، ولم يترك فراغا، ويسرد أمثلة داعمة لما يقول منها ان التظاهرات العمالية البحرينية في العام 1965 التي دامت قرابة ثلاثة أشهر وكانت موجهة ضد شركة النفط البحرينية (Babco)، ولم يستطع الوجود البريطاني منعها بقدر ما ساهم في قيامها.

يضاف إلى ذلك الانتفاضة المسلحة التي اندلعت في عمان وهدفها إنهاء النفوذ الأجنبي الوجود العسكري، وبطبيعة الحال لم يستطع العسكريون منع اشتعال هذه الانتفاضة بل على العكس ساهموا في تصعيدها.

وأثبتت الوقائع على أرض الواقع أن انسحاب البريطانيين من الخليج لم يكن السبب في اشتعال التنافس بين القوتين العظمتين، لأنهما كانتا موجودتين آنفا في المنطقة، إذ كانت الشركات النفطية الأميركية تسيطر على ثلثي الامتيازات النفطية في الخليج العربي.

ويذهب كتاب «تطور الاستراتيجية الأمريكية في الخليج العربي» إلى ما هو أعمق حين يرصد ردود الفعل المترتبة على قرار بريطانيا بالانسحاب فيقول: «حاولت بريطانيا بعد الانسحاب اتخاذ إجراءات لتدعيم الاستقرار كمحاولة حل المطالبة الإيرانية بالبحرين، إذ تقرر بعد الاستفتاء أن الغالبية العظمى من البحرينيين لا تود أن تصبح جزءا من إيران، وعلى هذا سحب الشاه مطالبته بالبحرين».

إيجابيات الاحتلال

يتحدث الكاتب توفيق الحمد عن إيجابيات توقيع المعاهدة مع بريطانيا في مقال أرسله إلى «الوسط»: «هذا ليس دفاعا أو تبريرا للمعاهدة أو الوجود البريطاني في البحرين، لكن ثمة ايجابيات لهذا الوجود أهمه الحماية من الاحتلال الإيراني، ذلك أن الأطماع الإيرانية في البحرين لا تخفى على أحد (...) قد يقول البعض ألا فرق بين الاحتلالين (البريطاني ـ الإيراني)، فكلاهما احتلال، لكنني أقول أن محاصرة القوات البريطانية للبحرين بالقوة وفرض معاهدة الاحتلال كانت فترة صلاحية يبرهن عليها 15 أغسطس».

«أما الاحتلال الإيراني فأطماعه أكثر وأبعد على رأسها ضم البحرين إلى الإمبراطورية الفارسية ومحو القومية العربية، وعلى من يريد معرفة المزيد الإطلاع على مذكرات وزير البلاط في عهد الإمبراطور الراحل محمد رضا شاه الذي ذكر أن فترة المفاوضات بين البحرين وإيران كان بعض الحكام العرب يؤيدون سرا ضم البحرين لإيران».

خلد تاريخ الاستقلال في كتب التاريخ، ولا يزال الكتاب والباحثون يتوقفون عند 15 أغسطس كلما هموا بالبحث في تاريخ البحرين المعاصر... قد لا يعرف البحرينيون جميعهم أن ذكرى عيد الاستقلال الحقيقي هي اليوم، لكن وقفة كهذه ستعرفهم بيوم مهم سطر منعطفا في تاريخ البحرين الحديث.


«الاستقلال» نضال تعاقدي... بين الشعب والقيادة

محمد حسن كمال الدين

بتاريخ 14 ديسمبر /كانون الأول العام 1960، أصدرت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة قرارا تضمن مبدأ منح شعوب العالم غير المستقلة حق تقرير مصيرها بنفسها، وأطلقت عليه اصطلاح تصفية الاستعمار« DECOLONISTION». وفي نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1961، أنشأت الأمم المتحدة لجنة خاصة لتصفية الاستعمار، إذ جعلت مهمتها إنهاء الاستعمار بجميع صوره وأشكاله في العلاقات بين مختلف الجماعات الإنسانية، صغيرها وكبيرها، ووافقت على إنشاء هذه اللجنة جميع الدول الأعضاء، باستثناء بريطانيا والبرتغال وجنوب افريقيا، وخولت اللجنة حق الانتقال إلى عواصم المناطق التي تخضع للاستعمار، لاستقصاء الحقائق إذا لم تعارض ذلك الحكومات التي تدير شئونها، (ولهذا رفضت بريطانيا طلب اللجنة بعد ذلك دخول منطقة عدن والمحميات). كما منحت تلك اللجنة الحق في أن ترفع إلى مجلس الأمن مباشرة أية حقائق مهمة تتعلق بالدول الخاضعة للاستعمار. وحري بنا في هذا المقام أن نستذكر شيئا موجزا من التاريخ الحديث، والذي أدى إلى الوصول للنتيجة سالفة الذكر، فقد عاش العالم حالة من الاضطراب حين نشبت الحرب العالمية الثانية العام 1939، في مقابلة ساخنة لم يسبق لها مثيل، بين دول المحور، ودول الحلفاء، إلا أن نهايتها الدرامية العام 1945 وضعت حدا للمأساة التي عانت منها شعوب العالم... لذلك فإن تلك الحرب، تعتبر من وجهة نظر المؤرخين والمنظرين الاستراتيجيين، من أبرز حوادث القرن العشرين، نظرا لما تمخضت عنه من نتائج، وما ترتب على العالم بعد ذلك من التزامات، إذ تنبهت شعوب المعمورة إلى عدة أمور...، أهمها: أولا: وجوب درء الأخطار التي يمكن أن تحيق بالبشرية جمعاء، لو حدثت مواجهة ساخنة بين القوتين الأعظم على وجه الكرة الأرضية اذ يمكن أن تكون نهاية غير حميدة للجنس البشري بأسره، إذ بات من المؤكد أن أية حرب نووية ستدمر الأحوال الطبيعية التي نشأ منها الإنسان، كما ستدمر نسيج المجتمع البشري على سطح الكرة الأرضية، فتعم الفوضى، ويعود الإنسان يتسكع من أجل العيش في أرض يغطيها التلوث، ويصعب الاستنبات عليها.

ثانيا: يقظة الشعوب المغلوبة على أمرها إلى ضرورة الحصول على الاستقلال، وحرية تقرير المصير.

ثالثا: أما دول العالم المتحررة آنئذ فقد اتفقت على ضرورة إيجاد منظمة بديلة لعصبة الأمم، التي قوضتها حوادث الحرب العالمية الثانية.

فبرزت إلى الوجود العام 1945 (هيئة الأمم المتحدة) مبتدئة ميثاقها بعبارة (نحن شعوب الأمم المتحدة)، بدلا من بداية ميثاق عصبة الأمم الذي يقول: (نحن الفرقاء الكبار المتعاقدين... الخ).

ومن أهم الأهداف المعلنة للأمم المتحدة هي الاحترام المؤكد لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية لجميع الناس من دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، وبغير تفرقة بين الرجال والنساء.

كما أن الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، وبحقوقهم المتساوية الثابتة، اعتبرت أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. وجعلت الأمم المتحدة من القانون الدولي حارسا لتلك الحقوق مجتمعة أو متفرقة. فأصدرت تلك الاعتبارات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقرارها رقم (217) في دورة انعقادها العادية الثالثة، وذلك يوم الجمعة العاشر من شهر ديسمبر/ كانون الأول 1948، إذ نصت موادها الثلاث الأول على الآتي:

المادة الأولى: يولد الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الاخاء.

المادة الثانية: لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان من دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني، أو الاجتماعي، أو الثروة، أو الميلاد أو أي وضع آخر من دون أي تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد، سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة، مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي، أو كانت سياسته خاضعة لأي قيد من القيود.

المادة الثالثة: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

ومنذ صدور هذا النداء، وهذا الإعلان من قبل الأمم المتحدة، وشعوب الأرض تناضل من أجل إبعاد السيطرة الأجنبية عن بلدانها، وتكافح من أجل حصولها على الاستقلال والسيادة.

والبحرين ... وهي تسعى من أجل حقها في تقرير المصير صادفتها صعوبات جمة، ومشقات لا حصر لها، وفي محاولة قادتها وشعبها إبعاد شبح السيطرة الأجنبية عنها، فمنذ أن أعلن وزير خارجية بريطانيا دينس هيلي العام 1968 عزم بريطانيا سحب قواتها شرقي السويس، ورفع وصايتها عن دول الخليج العربي في زمن لا يتجاوز العام 1971، انبرت إيران لتجدد مطالبها - غير الشرعية - بضم البحرين إليها، إلا أن الدبلوماسية الواعية الهادئة التي انتهجها المفاوضون البحرينيون بقيادة سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء - كما عملت ذلك من سموه شخصيا - حين أعرب عن اعتزاز البحرين بانتهاج تلك السياسة العقلانية، الواثقة من حقها وشرعيتها، مفندة ومسقطة جميع الادعاءات التي ليس لها سند من التاريخ أو الشرعية الدولية، إلى أن جاءت نتائج استقصاء الحقائق بإشراف الأمم المتحدة مؤيدة للحقوق والشرعية لشعب البحرين في أية دولة مهما كان شأنها، وبذلك تكللت مساعي المنظمة الدولية الخيرة بالنجاح. ففي يوم السبت 14 أغسطس/ آب 1971 تفضل سمو المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين بإذاعة البيان التاريخي المهم الذي تضمن إعلان ميلاد دولة البحرين الحديث ذات السيادة التامة على أراضيها ومقدراتها، وصاحبة الشأن في تسيير أمورها، حسب مقتضيات المصلحة العليا لأبناء شعبها، إذ أذاع البيان سمو الشيخ خليفة بن سلمان الخليفة، الساعة الواحدة بعد الظهر في اليوم ذاته، ونورد هنا أهم ما جاء في ذلك البيان، فبعد أن ذكر البيان بعض الملابسات التي أحاطت وربما أخرت إعلان الاستقلال، ذكر البيان ما يأتي:

وعلى ضوء هذا القرار التاريخي للمنظمة الدولية الذي يجسد رغبات شعب البحرين الوطنية وتطلعاته نحو المستقبل، ونظرا لأن تلك المساعي المشكورة لوفد الوساطة السعودي الكويتي، لم تؤد فعلا إلى قيام الاتحاد المنشود، وحيث أننا بدافع من رغبات وتطلعات شعبنا التي تنسجم مع المصلحة القومية العليا لشعوب دول وإمارات هذه المنطقة الحيوية من حيث تطلعها جميعا إلى المحافظة على أمن واستقرار وتطور هذه المنطقة في جو من الأخوة والسلام وحسن الجوار. فعليه من أجل هذا كله، وبعد المشاورات الأخوية الودية التي أجريناها مع شقيقاتنا وجاراتنا الكبرى في الخليج، قررنا أن نعلن في هذا اليوم عزم حكومتنا على اتخاذ الخطوات الآتية:

1- إنهاء جميع المعاهدات والاتفاقات السياسية والعسكرية التي تنظم علاقات التحالف الخاصة بين حكومة البحرين، والحكومة البريطانية، وعليه فقد بوشر فعلا في الانسحاب العسكري البريطاني من أراضي البحرين.

2- إن البحرين الدولة العربية المستقلة هي صاحبة السيادة المطلقة على أراضيها، وإن لحكومتنا دون غيرها حق تصريف شئونها الخارجية وتنظيم علاقاتها الدولية.

3- التقدم فورا لطلب انضمام دولة البحرين إلى عضوية كل من: الجامعة العربية، وهيئة الأمم المتحدة.

4- الطلب من الدول العربية الشقيقة، والدول الإسلامية الصديقة، ومن دول العالم الأخرى، الاعتراف بوضع وكيان البحرين كدولة عربية مستقلة ذات سيادة، حين اتخذت هذه الخطوات، إنما تحركت بدافع من إرادة شعبها ومصلحته الوطنية وتطلعه إلى المساهمة بمجهوداته البناءة في تقدم وتطور وازدهار هذه الأرض، وهذه المنطقة العربية من العالم، التي امتدت جذور تاريخها وأصول حضارتها إلى أقدم وأعرق العصور التاريخية التي عرفها الإنسان.

وبناء على ما تقدم شرحه في هذا البيان، فإن دولة البحرين تعلن بدافع من مسئولياتها التاريخية والعربية، تعهدها والتزامها بالسياسة التالية في علاقاتها مع الدول العربية والأجنبية والمنظمات العربية:

1- الالتزام بجميع اتفاقات وتعهداتها العربية والدولية التي لا تتعارض مع استقلالها وسيادتها وذلك ضمن مبادئ وأحكام القانون الدولي والمواثيق الدولية.

2- الالتزام بميثاق الجامعة العرب

العدد 343 - الخميس 14 أغسطس 2003م الموافق 15 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً