يختلف العلماء - بحسب تخصصاتهم - في تعريف الصحراء، فلكل عالم متخصص معيار علمي يعرّف على اساسه الصحراء يختلف عن معيار التخصص الآخر، فعالم النبات يجد أن الكساء النباتي هو المعيار المحدد وربما الوحيد الذي يمكن ان يحدد من خلاله مفهوم الصحراء، ويهتم عالم التربة بأنواع التربة ودرجة نضجها ولونها وتاريخها الجيولوجي وعوامل التعرية وما إلى ذلك، وعالم المناخ يمكن أن يهتم بمعيار حركة كتل الهواء الجاف وكمية الأمطار وفقدان الماء وما شابه ذلك.
ويمكن للناس غير المتخصصين أن يعرّفوا الصحراء بأنها مساحة من الأرض الجرداء التي لا حياة فيها ولا ماء، والتي يمكن أن يقضوا فيها فترات من الاجازات السنوية يتمتعون بين ربوعها بأوقات للمتعة والتسلية، كما يحدث عادة في الإجازات المدرسية أثناء فصل الربيع وغير ذلك.
وربما من التعاريف الشاملة للصحراء ما ذكره (عبدالله العقيل الحمدان - 1396 هجرية) إذ يعرفها بأنها «تلك المساحة من الأرض التي تفتقر إلى الغطاء الخضري أو يقل فيها بشكل واضح ذلك الغطاء، وهي التي يقل فيها المطر بدرجة كبيرة بحيث ان نسبة التبخر فيها أعلى بكثير من نسبة الأمطار، وتتميز الصحراء بأن للريح فيها دورا كبيرا باعتبارها عاملا جيولوجيا في النقل والترسيب، بالاضافة إلى أن الصحاري تتميز بالتفاوت الكبير بين درجات الحرارة في الليل والنهار، والأمطار فيها نادرة متقطعة إلا أنها قد تجيء أحيانا على شكل سيول جارفة».
والصحراء نظام بيئي متكامل تعيش فيه الكائنات الحية مع الموجودات الأخرى بتنظيم متكامل ومتداخل إن اختل جزء منه اختل كله. هذا النظام يتميز بهشاشة بالغة الحدة ورقة متناهية تبدأ بالعوامل الطبيعية وربما تنتهي عند نمو وتكاثر الكائنات الحية التي تعيش في مثل هذه البيئات.
الصحراء في العالم العربي
إن نظرة سريعة على العالم العربي يمكن من خلالها مشاهدة توزيع الصحارى في هذا الجزء من العالم، إذ يتبين ان كل البلاد العربية تقع في الحزام الصحراوي الكبير الممتد من المحيط الاطلسي حتى الخليج العربي، ويمكن أن يستثنى من ذلك بعض المناطق الساحلية شمال المغرب والجزائر والبنان وسورية وأجزاء من غرب الاردن، بالاضافة إلى جنوب السودان وشمال العراق، أما في مصر والعراق فيؤدي وجود النيل ونهري دجلة والفرات إلى تغيير ظروف البيئة.
ويتضح ان الصحراء الشديدة الجفاف تشغل جزءا كبيرا من الوطن العربي متمثلا في الصحراء الكبرى التي تشغل مساحات كبيرة من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر بالاضافة إلى الربع الخالي في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية. اما الصحراء الجافة فتشغل مساحة تحيط بالصحراء شديدة الجفاف في كل من هذه البلدان. كما تشغل الصحراء شبه الجافة المرتفعات والمناطق الساحلية في مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وبعض المناطق في السودان.
وعلى رغم ذلك وجدنا انه من الصعب في الكثير من الاحيان تحديد المناطق الصحراوية أو المتصحرة في الوطن العربي، فأي مقياس يمكن استخدامه؟ هل يمكن استخدام وجود البشر في تلك المناطق مقياسا - مثلا - عندئذ سنجد أنه مازالت مثل تلك المناطق يسكنها الكثير من البشر، يمارسون حياتهم ويعيشون تقاليدهم ويتزايدون أعدادا.
هل يمكن اعتبار الأراضي الجافة أو شبه الجافة أراضي صحراوية، ففي مثل تلك المناطق التي تقدر بثلث مساحة الكرة الأرضية يسكن ما لا يقل عن 700 مليون نسمة. كما وجدنا أنه يصعب التحديد، فكثير من تلك المناطق تتداخل فيها الجبال والأراضي الصخرية بالاراضي الرملية وما شابه ذلك. فأين الاراضي التي تعتبر صحراء عن تلك التي لا يشملها هذا الوصف؟
ان كانت هذه القضية - يمكن - ان تعد موضوعا في بقية دول العالم فانها تزيد في الوطن العربي (مساحته 14,3 مليون كيلومترا مربعا) إذ تتداخل المناطق الصحراوية بمناطق الرعي التي تتميز بالضعف العام المتمثل في انخفاض الحيوية وقلة الكثافة وانخفاض التغطية النباتية وبساطة التركيب النوعي وقلة عدد الانواع المكونة للعشيرة النباتية وانخفاض معدل الانتاجية النباتية في وحدة المسافة، وحتى الغابات في هذه المساحة من الأرض يمكن اعتبارها - في بعض الدول - غابات صحراوية، إذ وجد انها تتميز بقلة الكثافة والتناثر وعدم الترابط بين وحداتها.
وعلى رغم ذلك فهذه الصحراء أو التي يمكن تسميتها بالاراضي الجافة كانت مهدا للحضارات والديانات السماوية، وعاش فيها الانسان منذ آلاف السنين، فترك وراءه حضارات كثيرة على مدار التاريخ، وبالاضافة إلى ذلك وجدنا ان الصحراء عالم يعج بالكثير من الكائنات الحية التي يمكن اعتبارها جزءا من معالم يمكن الاستفادة منها في الجذب السياحي في المناطق الصحراوية.
الارتقاء بالصحراء
لتكون نقطة جذب سياحية
نجد انه حتى يمكن تحويل الصحراء إلى مناطق جذب سياحية يجب التركيز على الجوانب الخمسة الآتية:
أولا: الحماية
وتعني توفير الحماية اللازمة لتلك الأرض التي يمكن ان يطلق عليها الصحراء وكائناتها الفطرية الحية سواء بقوة القانون أو بأية وسيلة أخرى، ويمكن تلخيصها في النقاط الآتية:
1- وقف عملية التصحر وخصوصا في الأراضي التي لم تغدو حتى الآن مشكلة.
2- حماية الصحراء من الزحف العمراني والاستيطان وما شابه ذلك.
3- المحافظة على التنوع الحيوي في الصحراء سواء للنباتات أو الحيوانات.
4- المحافظة على الأرض - المرتفعات - الكهوف وما يوجد بها من نقوش وآثار وما إلى ذلك.
5- التقييم المسبق للآثار المترتبة على السياحة للمناطق الصحراوية، وذلك قبل وضع تلك المناطق على قائمة المناطق السياحية.
6- تقييم التنوع الحيوي (للحيوانات والنباتات) والأرض والتراث الثقافي بصورة مستمرة وبعد كل موسم سياحي.
7- إنشاء وتحويل بعض الأراضي الصحراوية إلى محميات طبيعية.
8- وضع الحدود والضوابط والقوانين والأنظمة لتلك المحميات والمساحات المقررة للسياحة البيئية الصحراوية لحمايتها من الآثار المترتبة على المواسم السياحية.
ثانيا: الادارة
يجب ان تكون للمناطق السياحية الصحراوية إدارة خاصة، مكونة من أشخاص مؤهلين من الناحية البيئية والادارية، يضعون الخطط والاستراتيجيات لحماية وتنمية هذه المساحات بصورة مستدامة، ويتم ذلك وفق النقاط الآتية:
1- وضع القوانين والانظمة لتشجيع السياحة البيئية في البلاد والتركيز على السياحة البيئية للمناطق الصحراوية.
2- إدخال جانب السياحة البيئية كأحد وسائل الدخل المهمة للبلاد، لا وسيلة للترفيه فقط.
3- دراسة الأسواق المحلية والاقليمية والعالمية للترويج وتسويق، تلك المساحات الصفراء وجذب الاستثمار والوفود السياحية لها.
4- توظيف أدلاء سياحيين - ويفضل أن يكونوا من السكان الاصليين - متخصصين في علم البيئة أو على الأقل متدربين بصورة خاصة للتعامل مع هذه البيئات الهشة للقيام بالجولات السياحية للسياح.
5- الحاجة إلى التركيز على السياحة البيئية للمناطق الصحراوية كجزء مميز في السياحة العامة والسياحة البيئية.
ثالثا: التطوير
واستغلال ما هو متاح
يوجد في الصحراء الكثير من الموارد الطبيعية التي يمكن لو استغلت بصورة صحيحة فإنها حتما ستكون نقاط جذب سياحية، هذه الموارد تحتاج فقط إلى برنامج للاستفادة منها وتطويرها حتى يمكن أن تغري، ويمكن ذلك بالطرق الآتية:
1- الاستفادة من المناطق التراثية والأثرية الموجودة في الصحراء (القبور الموجودة في مملكة البحرين) باعتبارها نقاط جذب سياحية، فهذا ارث حضار وثقافي تجب المحافظة عليه، ليس ذلك فحسب وانما تحويل جزء من تلك المناطق الشاسعة إلى متاحف مفتوحة في الهواء الطلق مع وضع الضوابط لذلك.
2- الاستفادة من أشكال الصخور وطبقاتها المختلفة لدراستها وربما التمتع بجمالها وروعة توزيعها.
3- دراسة الكائنات الحية (الحيوانات والنباتات) وفصائلها وأنواعها المختلفة، والتعرف على التحورات التي توجد بها لتتكيف للعيش في الصحراء.
4- اقامة أو تطوير - ان كان موجودا - ما يمكن معرفته بالحدائق الصحراوية.
5- تشجيع الدراسات والابحاث المتعلقة بموضوع التنمية المستدامة وخصوصا فيما يتعلق بالسياحة البيئية في الصحراء.
6- رفع الوعي عند السياح بأهمية هذه المساحات الصفراء وتحسين سلوكهم للتعامل مع هذه التي الرقعة من الأرض وكائناتها الفطرية الحية.
7- الاستفادة من حرف السكان الاصليين وتشجيعها، ووضع مراكز خاصة لها في أماكنها الاصلية في الصحراء.
8- اخضاع أي مشروع تنموي تنوي الحكومة أو القطاع الخاص القيام به (لتقييم الأثر البيئي EIA)، والاخذ بتوصيات التقييم واعتبارها نقاطا حرجة يجب الوقوف عندها.
9- ان كان هناك داع لانشاء فنادق أو منشآت معينة في المناطق الصحراوية فيجب ان تكون هذه الفنادق من النوع التي تعرف بالفنادق البيئية (Ecolodge)، كما يجب ان تؤخذ جميع الاعتبارات البيئية حين اقامة المنشآت في المنطقة، وذلك للمحافظة على التنمية المستدامة فيها.
10- اقامة أو تطوير قرى أو مخيمات صحراوية شبيهة بقرى ومخيمات السكان الأصليين على ان تتوافر فيها كل مقومات الحياة الضرورية مثل الماء وما شابه ذلك.
11- وجود دليل متكامل للمناطق السياحية البيئية في البلاد، سواء كان هذا الدليل مطبوعا في هيئة كتاب أو يمكن نشره عبر شبكة الانترنيت.
12- ضرورة وجود آلية وطنية لانشاء برنامج للسياحة البيئية وخصوصا السياحة البيئية للصحراء.
رابعا: المراقبة والتحكم
وتتم المراقبة بأحد أسلوبين، اما بوضع شرطة خاصة للسياحة في تلك المناطق الصحراوية، واما باقناع الاهالي (السكان الاصليين) بموضوع السياحة البيئية في المناطق الصحراوية ثم تدريبهم على الارشاد واعطائهم حق المشاركة في إدارة هذه المحميات والمناطق الصحراوية، عندئذ سيدافعون عن الأرض والتراث الثقافي والحيوي للمنطقة، وربما كانت الطريقة الثانية هي المثلى.
خامسا: الوعي وتغيير السلوك
من الصعب السعي إلى تغيير السلوك للمحافظة على المناطق الصحراوية الهشة في فترات قصيرة حين يزور السياح تلك المناطق، ولكن بالنسبة إلى الوعي فيمكن - ولو بصورة جزئ
