العدد 517 - الأربعاء 04 فبراير 2004م الموافق 12 ذي الحجة 1424هـ

حكم وأمثال الشيخ عبدالحسين الحلي

المنامة - تقي محمد البحارنة 

تحديث: 12 مايو 2017

... ومما حفل به شعر الحلي من أغراض، اشعاره في فلسفة الحياة، وخفايا النفس البشرية، ومنطق الحق والقوة، والدعابات البريئة، ورثاء أهل البيت، علاوة على ما حفل به الديوان من مساجلات شعرية وإخوانيات.

ففي مجال الاخوانيات كانت للحلي مراسلات شعرية مع الاستاذ المرحوم ابراهيم العريض، تستحثه على المضي في قول الشعر وعدم اليأس، لاسيما بعد ان نظم العريض أبياتا يعبر فيها عن خيبة أمله، ويأسه، مثل تلك التي ابتدأها بقوله:

نفضت كفّي من ورد ومن آس

وعدت بالشوك اكليلا على راسي

لا يطمح الطّير والاشراك ترصده

أن يستقلّ بوكر فوق ميّاس

فقد بادر الحلي بتوجيه ما يزيد على أربع رسائل شعرية يعاتبه فيها ويستحثه على مواصلة انتاجه الأدبي... من ذلك قول الحلي:

بحياتي... عد إلى الفن الذي

هو روح، وهو روح لحياتك

أنت ان طلقته، ام على

كثرة العشّاق من غير لداتك

لا سقى الغيث نوادي أدب

أعوزت أربعها، من بركاتك

ومن رسائل الاخوانيات التي ذاع صيتها، القصيدة التي أهداها الحلي لصاحب مجلة «الهاتف» جعفر الخليلي والتي سميت «دلة من قريض» والتي قال عنها الحلي:

هي ذي دلة تصاغ قريضا

لا بفرض ولا بطرق وشعلة

لبست من ثواقب النجم تاجا

وأعارت مصبها للاهلّة

ما حدى بأحد المعجبين من الشعراء، ولعله محمد حسن حيدر لازجاء قصيدة اعجاب للحلي قال فيها:

أنت ربّ البيان ربّ القوافي

ملك الشعر أنت، والشعر دولة

أما في مجال فلسفة الحياة، فمن القصائد التي عبّر فيها الحلي عن مشاعره وأفكاره، تلك التي كتبها عن أبي العلاء المعري بعنوان «رهين المحبسين» والتي ابتدأ فيها بقوله مخاطبا فيلسوف المعرّة:

أنت فيما ارتأيت حرّ طليق

ليس يثنيك عنه سجن، وضيق

سرت والناس في طريق ولكن

بك، لا بالجمهور، غص الطريق

ثم يقول:

وتبرمت بالنظام ومن ذا

يرتضي ما به تضيع الحقوق

ويقول:

حار فكرا «بعالم» قل مالا

يتخطاه «جاهل» مرزوق

وربما ظن البعض، ان الحلي كل يتخذ الشعر صنعة ليسمو بها، ولكن الحقيقة غير ذلك، لأن الحلي لم يقصد الشعر وانما الشعر هو الذي قصده، وذلك من واقع تذوق الحلي للجمال في كل شيء ورقة أحاسيه، وقدرته الفنية على التعبير، وامتلاكه ناصية القول، اذ اتخذ سبيله في التعبير منحى الشعر، الذي وجد فيه سلوانا من الهموم، وترويحا عن النفس، وخليلا يفضي اليه بخلجات نفسه، أو كما قال هو مخاطبا أحد اصدقائه الادباء:

ما الشعر فخري ولكن

لي فيه سلوى... كما لك

وقد استمر الحلي في تعلقه بنظم الشعر، وهو يعلم تماما ان البيئة العلمية في النجف لا تستحسن من العالم الفقيه قول الشعر، ولعل الحلي كان يعاني من نوبات من الصراع بين قول الشعر أو الامتناع عنه، حملته في أحيان كثيرة «بشهادة عارفيه» على حرق كثير من أشعاره أو تمزيقها، وكأن الشيخ غير رأيه في أخريات عمره، اذ عمد الى جمع ما نشره منها، ولملمة ما بقي منه لديه، وعكف على ترتيب كل ذلك لاخراجه بشكل ديوان شعر، وكتب بنفسه عناوين القصائد ومناسبات معظمها، ولعله ايضا كتب مقدمة سيرة حياته، من دون ان يكملها.

وعودا الى استكمال حديثنا عن حكم وأمثال الحلي، نقول ان الحكم والامثال متناثرة في كثير من قصائد ديوان الحلي، طبقا لاغراض كل قصيدة وانما اخترنا منها واحدة بذاتها لكونها مخصصة بكاملها للحكم والامثال، وفيما يأتي الشطر الأخير من هذا الاستعراض:

من لم يزلزل في عدوّ بلاده

بلدانه يلقي عليه زلازله

من كان يغرس حنظلا لا يجتني

مما جنته يداه... إلاّ حنظله

جانب فضول القول منك فربما

قتلتك بادرة، عليك مسجلة

بادر اذا سنحت امامك فرصة

فلربما عنها تصدّك عرقلة

لا تخضعن لأجل مال أو لمن

للمجد فضل المال دونك أهّله

المال أحقر ان يذل له امرؤ

بقواه متّعه الاله وكمّله

واذا طمعن من الكرام بدرة

لا تطمعن من اللئام بخردلة

واذا دخلت الضنك فاطلب مخرجا

لك، قبل ان تدنو اليه وتدخله

عمر الفتى الأيام، وهي رواحل

تغدو لهن بكل يوم منزلة

لا تخلدنّ لحالك الماضي بها

ما أنت الا ابن الليالي المقبلة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً