العدد 2695 - الخميس 21 يناير 2010م الموافق 06 صفر 1431هـ

ملاذ سوري للروحانية المسيحية

ستيفن ستار - * كاتب مستقل، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند» 

21 يناير 2010

يقع على قمة جبل في قلب الأراضي السورية دير تترعرع فيه رسالة الوحدة المسيحية والمسلمة.

ربما يعتبر دير مار موسى، الذي تهب عليه رياح سلسلة الجبال التي تفصل بين لبنان وسورية، مكانا لا يحتمل أن تجد فيه بذور التفاهم بين الثقافات والديانات. إلا أن الدير طالما كان صخرة أساسية للحركات المحلية والوطنية لسنوات كثيرة.

وتعود سمعة دير مار موسى وإصلاح بنيانه بالدرجة الأولى إلى جهود وتصميم وإيمان رجل واحد. بعد إتمامه شهادة الدكتوراه في الدراسات الدينية المقارنة والدراسات الإسلامية بجامعة بنتيفيكا الغريغورية في روما، قام الأب باولو دالا اوغليا، وحده بترميم الموقع، بعد أن أرسى حجر الأساس بالإسمنت العام 1982.

يكشف الأب باولو، متحدثا من مكتبة في الدير عن معرفة دقيقة للتيارات المعاصرة في الشئون الاجتماعية والسياسية.

«حضرت إلى هنا لأدرس اللغة العربية وأقمت في لبنان وسوريا في أوائل سبعينيات القرن الماضي.

سألت رجل دين مسيحي في دمشق إذا كان يعرف مكانا أستطيع الذهاب إليه للصلاة والدراسة. اقترح علي أن آتي إلى هنا، وها أنا اليوم»، يشرح رجل الدين الذي حصل على جائزة آنا ليند الأوروبية الشرق أوسطية لحوار الأديان نيابة عن دير مار موسى العام 2006.

لا يرى الأب باولو، وهو رجل دين يسوعي، المسيحية على أنها ديانة ذات أفضلية. أعتقد أن العولمة أطلقت سلسلة من الأحداث وأنشأت عقلية جديدة. الناس في حركة متواصلة، كما ترى هنا في هذا الدير كل يوم. للأفكار مواقع جديدة حيث يمكن تبادلها، وأصبح الناس يرون كل شيء عبر الإنترنت. لذا كان هناك انفجار معلومات، ونتيجة لذلك يعرف كل إنسان في هذه المنطقة عن قضية الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية والعراق وما إلى ذلك.

يسير الأب باولو، الذي يشكل حضورا فعليا متنقلا في قاعة الطعام، يسير في الجبال وحده ليلا يحمل عصاه بعد قداس المساء وطعام العشاء. يعرّف نفسه على جميع الزوار ويستطيع الاختلاط مع الأجانب والمحليين على حد سواء، إذ إنه يتكلم اللغة العربية بطلاقة.

أسس الدير مار موسى الحبشي أو القديس موسى من الحبشة، الذي كان ابنا لملك اثيوبي حسبما تقول الأساطير. بعد رفضه قبول مستقبله المخطط له، قرر القديس موسى أن يصبح راهبا مسيحيا وسافر فيما بعد إلى سورية، حيث قام بتأسيس الدير.

ورغم أن الدير نفسه قد تمت إعادة بنائه خلال السنوات الخمسة والعشرين الماضية بتمويل محلي ومن روما، إلا أن كنيسته تعود، حسب الرواية، إلى القرن السادس.

يتكون مجتمع الدير الصغير، الذي يعتمد على قدراته الذاتية بشكل كامل تقريبا، من خمسة عشر مقيما دائما، ولكن العدد قد يصل إلى الأربعين، يعمل جميعهم على خدمة مئات الزوار الذين يصلون خلال فصل الصيف من دمشق والأودية السورية الوسطى، هربا من حر الصيف الذي يصل إلى نحو 40 درجة مئوية.

يستخدم الدير، الذي يعتنق الحاجة للانتقال قدما مع الزمن، سخانا شمسّيا للماء، ويفخر بشبكة إنترنت عن بعد في مكتبته التي تحتل ثلاث غرف.

يشكل الدير اليوم وسيلة محلية مهمة لمبادرات الحوار بين الأديان، إضافة إلى مساندة مشاريع بيئية وغيرها.

يسهل على المرء أن ينسى، في الأيام التي يكتظ المكان فيها بالزوار وهم الخليط العجيب من الشباب والمصلين والأطفال، أن دير مار موسى هو موقع ديني يتوجب فيه على أفراد الجنسين، حتى المتزوجين منهم، النوم في أماكن منفصلة تبعد مئتي متر عن بعضها بعضا عبر ممرات جبلية.

ويحضر إلى الدير في زيارات لمدة يوم واحد عدد من النساء والفتيات المسلمات اللواتي يلبس الحجاب يماثل عدد المسافرين المسيحيين الغربيين والمحليين. «يعتبر المسلمون في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط دير مار موسى مكانا يخصّهم» يقول الأب باولو.

التديّن في سوريا أمر ثقافي أيضا. يستخدم المسيحيون في سوريا كلمة «الله» للإشارة إلى الخالق، ولكن في الغرب، ترتبط الكلمة بالإسلام فقط.

يذهب المسيحيون في سوريا إلى الكنيسة يوم الجمعة، حيث إنه يوم عطلة رسمية، إضافة إلى أيام الأحد، المسيحيون والمسلمون متدينون بشكل مماثل وقد تمكنوا من العيش إلى جانب بعضهم بعضا دون مشكلة. وقد شهد الأب باولو وغيره من الذين يقيمون في الدير هذا النوع من الاحترام يزدهر في دير مار موسى.

العدد 2695 - الخميس 21 يناير 2010م الموافق 06 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً