العدد 657 - الأربعاء 23 يونيو 2004م الموافق 05 جمادى الأولى 1425هـ

حركة التحرر العربية... تأسيس وتحديات أكبر

المنامة - منى عباس فضل 

تحديث: 12 مايو 2017

عادت بيروت كسابق عهدها تبث من نبعها الذي لا ينضب الأفكار الحديثة والطموحات الحالمة، وتحتضن ولادة الحركات الجديدة وترعاها، وهي التي تقبل على التحديات انتصارا للحياة والتفاؤل كعادتها، كل ذلك من أجل أن تتحول أحلامها إلى حقائق على أرض الواقع.

دولة عربية ديمقراطية

«كيف لنا إيجاد الرافعة السياسية، والتفكير بالدوافع الاقتصادية والثقافية، لا بل إنشاء مرجعية فكرية وسياسية وتحويلها إلى مرجعية شعبية... ميشال كليو».

أحد حضور المؤتمر التأسيسي لحركة التحرر العربية الديمقراطية الذي انعقد في مدينة بيروت في الفترة ما بين 28 مايو/ أيار إلى 30 يونيو/ حزيران الجاري، رأيه كان ردا على الورقة التي قدمت لوضع اسس مشروع البيان التأسيسي للحركة «حركة الدولة العربية الديمقراطية»، وأضاف آخر من الحضور أن المشكلة الأساسية في واقعنا العربي تكمن في الفراغ، إذ لا يوجد مشروع للأنظمة السياسية أو حتى للقوى الوطنية على حد سواء. ولهذا تتوالد المشروعات على عالمنا العربي، وهي لا تفعل شيئا غير «الرفض».

أما الكاتب والصحافي جمال فهمي فدعا إلى البحث عن نقاط الالتقاء، وتشكيل حركة التحرر العربية الديمقراطية التي تأخذ في اعتبارها شعبا عربيا بديلا عن الشعوب العربية. ووصف آخرون الورقة أنها تصنع مشروعا رومانسيا حالما بعيدا عن الواقعية، وجاء رد كاتبها اللبناني سعد محيو: «أن المشروع يتصف بالرومانسة، لكنها ليست كأية رومانسية نتخيلها، إذ هي برنامج عمل سياسي للمرحلة القادمة، والديمقراطية ما هي إلا صيرورة تاريخية وليست شعارا، وهي تعني في الوقت ذاته الهوية الوطنية الموحدة». بيد أن الورقة حللت بدقة محددة الواقع العربي بابراز ملامحه وهي: ترافق المشكلة العربية بدخول البشرية مرحلة الثورة التكنولوجية، والموقف العربي لايزال يتراوح بين الخوف والتهميش وافتقاد الرؤية والبرنامج. كما ترافقت بالشكل الجديد للعولمة التي من أبرز سماتها توحيد الاقتصاد والسياسة، أو ما يطلق عليه «إمبراطورية العولمة»، وهذا ما تحاول حضارات شرقية مثل الصين واليابان والهند وبعض الدول الأوروبية تطويرها وتغييرها إلى شعار «العولمة الإنسانية». أضف إلى ذلك النظام الدولي الجديد قيد الإنشاء، إذ يطل على المنطقة العربية بصفتها «رجل العالم المريض»، الذي يهدد العالم بسبب الإرهاب والانفجارات الديمغرافية والفقر والاستبداد ويشكل خطرا على الأمن العالمي ولابد من إخضاعه وإدماجه عبر مبادرة «الشرق الأوسط الكبير»، ولن تتخلى عنه حتى لو أخضع مشروع الادماج بالقوة عبر تحويل الحلف الأطلسي إلى شرطي العالم العربي.

وأكدت الورقة على عجز الدولة - الأمة (القطرية) ونظامها الإقليمي على مواجهة التحديات الجدية، فلا قدرة لهما على بناء الدولة «الأمة» القطرية المتطابقة مع الدولة القطرية، في زمن بدأ مفهوم الدولة - الأمة ينهار، كما يفتقدا القدرة على حماية شعوبهما من مخاطر التهميش الاقتصادي والتفكك السياسي والاستعباد الاستعماري، وافتقاد القدرة على بلورة عمل عربي مشترك ومستقل قادر على فرض الإرادة العربية. وتطل إلى جانب ذلك أزمات المجتمع العربي القطري ومن أبرزها سلطة الاستبداد التي أدت إلى انقسام المجتمع على أسس مذهبية وطائفية وقبلية، علاوة على بروز الإسلام السياسي المنقسم ما بين شيعي وسني إضافة إلى التفتيت والتمذهبات الخطيرة غير القادرة على طرح مشروع نهضوي - وحدوي - وسياسي أضف إليها انعدام أي برنامج لتحرير الإنسان العربي وإطلاق حرياته وحقوقه وإمكاناته الإبداعية والاقتصادية، ناهيك عن الاعتراف بحقوق المرأة. وبرز بحسب تحليلها وجهان آخران للمشكلة لا يمكن القفز فوقهما، الأول غياب عنصري العقل والحرية في الاجتماع العربي والثقافة العربية والحاجة الماسة لتحرير العقل العربي عبر تضييق مساحة المقدسات والايديولوجيات المغلقة، واطلاق عصر أنوار عربي جديد، والثانية، حال الاحباط والاكتئاب الجماعيين وخصوصا عند الشباب، ما يستوجب إحياء الأمل بالغد وبعث التفاؤل بإمكان التغيير.

وطرح أثناء الحوار جملة من الأسئلة التي تفتح مغاليق الواقع من أجل التفكير بإمكان تحقيق الحلم الرومانسي الواقعي، وهي ما إذا كانت الدولة القطرية الحالية قادرة على التنمية بشكل مستقل؟ وهل هي قادرة على الدفاع عن الاجتياح وحماية الشعب؟ أو قادرة على انقاذنا من الفقر والتخلف؟ أو ستساعدنا على إمكان ولوج عصر الحداثة وما بعدها؟ وعلق: «كل هذه الأسئلة لا شك تدعو للتفكير بصوت عال وتتطلب تغييرا جذريا في منهجية التفكير». إذا هذا حالنا، ما البرنامج الذي يشكل استجابة للتحديات التي تم التطرق إليها؟ والحالم باشراك الأمة في الثورة التكنولوجية، ومقاومة العولمة المتوحشة، تكون فيه الأمة مؤثرة على النظام الدولي خلال لحظات تشكله الحاسمة، والخارجة من ورطة الدول - الأمم وحروبها الأهلية، والقادرة على انقاذ المجتمعات العربية من الانقسامات ما بعد الحداثة المدمرة... الخ.

بعد حوار مستفيض ساده الاختلاف كما الاتفاق على أن الوصفة للخروج من هذا المأزق، تكمن في إعادة ترتيب الأولويات الفكرية وأساسها السياسي، حيث تجديد الفكرة العربية وتنقيتها من الشوائب التي لحقت بها جراء الفكر القومي «الرومانسي»، الذي اثبت انه فاشي واستبدادي ودكتاتوري وحالم وخيالي وأسطوري، وتقدير قوة الهوية العربية وتجذر وحدة المشاعر العربية، فالثورة الفكرية تتطلب ثورة في النظرية على الصعيد السياسي من دون الاضطرار إلى الاعتماد على الأسطورة أو المدمرة، وذلك اعتمادا على المجتمعات المدنية العربية إذ تكتشف الطريق إلى مواجهة الفقر والتهميش عبر الاستخدام الأمثل للطاقات والثروات العربية ووضعها في خدمة خطط التنمية والتطويرات العلمية والتكنولوجية، وتخطي مخاطر الحروب الأهلية ومآزق الدول القطرية العربية والانتقال إلى حال الفعل السياسي والابداع الثقافي والمساهمة الفكرية والعلمية في إنتاج النظام العالمي الجديد، وانقاذ الشعوب العربية الصغيرة منها والثروات العربية كذلك من عمليات الالحاق والهيمنة وتحويل فكرة العروبة الديمقراطية إلى نظام سياسي ديمقراطي عربي يحقق العدالة والمساواة للجميع، وإعادة صوغ قضية فلسطين ومشروع تصفية الكيان الصهيوني في المنطقة على أسس علمية نضالية جديدة وبلورة حل عربي للمسألة اليهودية خارج إطار المشروع الصهيوني، وإعادة الاعتبار لمفاهيم الكرامة العربية والسيادة والاستقلال العربي بعيدا عن الفكر «الواقعي» الإنهزامي الداعي لقبول إملاءات القوة الامبراطورية الأميركية.

ربط وتنسيق و«شبكة عنكبوت»

وبدوره يبرز برنامج العمل التنظيمي كآلية عمل في سياق ترتيب الأولويات الفكرية ذات الأساس السياسي إذ تتوجه الحركة إلى الجماهير العربية وتدعوها بثقة كي ترفع رأسها وتخرج من حال الاكتئاب والاستنكاف، كما في الدعوة التاريخية لكل الحركات والمنظمات العربية لإيجاد المشترك وبلورته في جهد مشترك لتغيير خريطة المنطقة لصالح الأمة، وشروط هذه الشراكة أن ينتفي عنها تأبيد دعائم الدولة القطرية، ولا تتهاون في مسألة ديمقراطية العروبة أو التعايش مع الدولة اليهودية، وبلورة تنظيم الحركة كمشروع سياسي مفتوح وفق مفهوم الشبكة الواسعة التي تقاد بصورة الربط والتنسيق بين خيوط الشبكة وفق المعايير الدقيقة للديمقراطية، كما يشترط أن تكون كل جهود وتوجهات أطراف المشاركة موجهة بالكامل داخل دولها القطرية نحو بناء الدولة العربية.

اتفق الحاضرون على أهداف واضحة، منها أن وحدة الأمة لابد من بنائها على أسس ديمقراطية تقدمية، فضلا عن تحرير المحتل من الوطن العربي ومقاومة الاستعمار وإشاعة الديمقراطية وتداول السلطة ومحاربة الفساد وإقامة مجتمع العدالة والمساواة، وتعميق ثقافة المقاومة للمشروعات التي تستهدف حرية واستقلال الأمة والتمسك بما هو حضاري وإنساني من تاريخ أمتنا وتاريخ الشعوب والحضارات العالمية ومواكبة العصر والحركة تشترط في عضويتها الإيمان بأهدافها إذ لا مكان بينها لمن يمثل الأحزاب الحاكمة أو الطائفية أو العنصرية، وهناك طبعا حقوق وواجبات تؤكد ممارسة الديمقراطية والالتزام بنشر مبادئ الحركة عبر الأساليب والوسائل المختلفة.

استقلالية مالية

ولأن الجانب المالي لا يقل أهمية عن البرامج السياسية والفكرية فقد التزم المؤتمرون بمبدأ التمويل المستند على الجماهير عبر شن الحملات الإعلامية والتحفيز على التبرعات عبر شبكة فاعلة، وعلى مستوى نخبوي من خلال المؤمنين بدعم الفكر العربي ومشروعه، واضافة إلى اشتراكات الأعضاء. بيد أن أهم ما جاء في سياق ذلك هو نشر التقارير المالية دوريا بشفافية وعلنا وعدم قبول أية تبرعات ومساعدات مالية من جهات أجنبية لها علاقة بالأنظمة الحاكمة.

وماذا بعد؟

فعلا ماذا بعد حوار ثلاثة أيام متواصلة؟ النتيجة، كانت في البيان التأسيسي الذي تمخض عن المؤتمر، والاعلان عن تأسيس حركة التحرر العربية الديمقراطية، ولجنتها للتنسيق والمتابعة. أن المشهد واضح ومما لا غبار عليه، التحديات والمراهنات أمام هذه الحركة وتوسعها بعيدة الأجل، فهل تكون صاحبة مشروع ديمقراطي حضاري هي الأخرى، عوضا عن مشروعات أنظمة الحكم أي كانت استبدادية أو شيفونية أو طائفية أو قبلية، أو تلك القادمة عبر قرار خارجي استعماري. نكرر ثانية ثم ثالثة فرابعة، أن التحدي ليس بالأمر اليسير، وهو يتطلب تعميقا للبعد العربي في ذهنية الفرد العربي، والترويج للفكرة يتطلب مدارا واسع المدى، يكون الحلم رومانسيا، وقد يختلف الأطراف عن الكثير من التفاصيل التي يختفي بينها الشرور، وقد لا نرى بصيصا للأمل قابلا للتحقق، بيد أنه يكفي إلى الآن أن نلتقي ويلتقي معنا الآخرون على أهمية نزع فتيل الاحباط والاكتئاب، والمراجعة الصادقة لمضمون المفاهيم المعتمدة في تاريخنا السابق، إذ اثبت الزمن أن الشعب العربي لا حاجة له إلى مرجعية فكرية وسياسية وعقائدية واحدة، إنما إلى لا مرجعيات تنطلق بالأساس من أن مجتمعاتنا تشمل المختلف والمتباين كما المتوافق، ذلك الذي لابد أن يأخذ فرصته في التعبير بحرية والحصول على الحقوق، وعليه تبقى الحاجة الماسة لتخفف من حدة عزلتنا والغوص في أتون خصوصياتنا على رغم أهميتها، بحاجة إلى التفكير الهادئ الذي يجد صداه عند الآخر بالهوية ذاتها، فقد أثبت الزمن أن بتر أي جزء من أرضنا العربية سيؤدي بالضرورة إلى علة وشل باقي أجزاء الجسم.

فمقاومة التخلف والسوء في مجتمعاتنا تستوجب الالتصاق أكثر فأكثر بمؤسسات المجتمع المدني وبالمواطن العربي. وواقع الحال فيه من التردي ما فيه، وعلى المستويات كافة، نعم، هذا المشروع رومانسي وحالم، لكن الرهان هو كيف نجعل هذا الحلم، واقعا، يستند على بناء تراكم طويل الأمد، لا تتحقق نتائجه الآنية الإيجابية في عصرنا ولمصلحة جيلنا، لكنه بالتأكيد سيورّث بعضا مما نحلم به لأبنائنا وأجيالنا القادمة، وقتما يفتحون صفحات الدفاتر وكتب التاريخ ويعلمون أن آباءهم قاوموا اليأس والاحباط وحاولوا التداول بجدية مع بعضهم بعضا، وبشعور كبير من المسئولية لما يمر به وطننا العربي من أقصاه إلى شرقه، فقدر الجميع العمل في هذه الظروف وبمستوى تحدي المرحلة وعدم التعالي أو الاستنكاف





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً