العدد 739 - الإثنين 13 سبتمبر 2004م الموافق 28 رجب 1425هـ

أمي... العطاء السخي

أجمل كلمة يرددها الإنسان، تدوم طول العمر يبقى بها الاحساس وتحتفظ بالعذوبة. فكم يتمنى المرء أن يبقى هو الصغير لا يرتقي لمرتبة الكمال لأجل أن تبقي أنت العالية هناك في قمة العطاء والقلب الكبير يعطي بلا انتظار شكرا ولا يستجدي الدلال. من أجل ذلك كنت دائما كبيرة تحوين العالم بين جنبيك، بل حتى الجنة وضعت تحت قدميك. هذا الجلال يجعل مني ذلك الصغير كالعصفور يملأه الحنين لعشه مهما حلق في الفضاء. ما أعذب اللفظ الذي لا يمل من ترديده اللسان، كما هو الغدير الزلال يجري ليبعث الحياة، ينتفع بنقائه الجميع يقاوم التلوث لأنه وديع ينعشنا كما هو الربيع، طبعاً تعلمين أنك الوحيدة التي لا يستطيع غيرها في هذا الكون أن يمنحني الاسم والصفات أو يشاركنا الخصال. أمي هذا هو اللحن الذي أعزفه أمامك يأتيني صداه في كل مرة تنطقها الأحشاء فينبعث بنغم جديد.

كيف السبيل الى شكرك على هباتك وجودك السخي ام على هذا العطاء دون ثمن أو ذلك الدفء والرأفة دون حدود للمحيطين بك، إني عاجز حقا أن أبادلك على حنانك الغامر بأي شيء حتى لو بذلت جهدي في سبيل ذلك فلن أوفي لك بأبسط الأمور، فكيف بقطرة الماء أن تساوي البحر، وهل هناك أغلى من النفس؟ حتى النفس، كنت على استعداد لبذلها في سبيل سلامتي من أجل أن تكتب لي الحياة، ونلت بهذا قمة الفداء، بالضبط كما هو الشهيد.

تذكرت يوما كنت في أزمة من تلك الأوقات الصعبة حين يكون الليل طويلا باردا يمر بطيئا. كانت ليلة وانا ساهر اتأمل في أعماق بؤسي وألقيت برأسي على أحد أطراف سريري وحيدا في الغرفة، فجأة زارني صوتك يتردد في مسامعي همست في اذني بدفء ولدي ماذا هناك، مالي أراك ساهراً، ماذا دهى ليلك لا يمر في سكون اجبتها اني قلق، فقد سمعت خطوات الزائر القبيح أو قد اغيب تارة أخرى عن غرفتي الجميلة، اخاف ان يأخذني بعيدا في ذلك التابوت، يغيب عني وجهك المنير، يحرمني سماع صوت الديك فوق جدار الجار، أو ان اشم نسمة الهواء، هناك يا والدتي يكون دهرا ليله طويل، نهار دون نور. فردت: يا ولدي، هذا هو الموسوم لكن تذكر كل شيء مهما طال حتما الى زوال. ثم تذكر أن بقيت هكذا اني انا امك من أجلك لا انام. استقبلتها كما هي الملاك يأتي بالنجاة ينزل بالمعاجز. استلقيت في مكاني تأملت في ظلالها فكرت في فيما كانت تقول حدثت نفسي كيف انها استدلت بأنني متيقظ لانها في الغرفة العتيقة بالطابق الارضي وغرفتي بالطابق الأعلى والوقت متأخر ثم انها فتحت باب غرفتي من دون استئذان لتسألني عن حالي. لامستني كلماتها كما الندى المنعش في صباح يوم مشرق لتبعث في قلبي بعض الأمل، عندها شعرت ان ذلك الكابوس قد زال عن كاهلي وألقي في بئر عميق، اثناء تلك اللحظات نظرت في كل وجهها وانتابني احساس ساحر، لا استطيع وصفه. بعد ذلك تذكرت ما قالته وما عنته، انها هي التي تحزن نيابة عني، وكل اشكال العناء تحملها عني وتذرها في الهواء من أجل ذلك سميت بالأم. وفي الصباح قمت كما ولدت من جديد، وبعد ذلك أصبحت كالسندان لا يخشى مطارق الأيام الثقيلة.

سامي علي

العدد 739 - الإثنين 13 سبتمبر 2004م الموافق 28 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً