العدد 768 - الثلثاء 12 أكتوبر 2004م الموافق 27 شعبان 1425هـ

سيار: مازلنا نتطلع إلى ما تطلعت إليه «الهيئة»

من القافلة إلى «الوطن» والنفي... شهادات في صحافة «عصر الهيئة»

دخل عميد الصحافة البحرينية علي سيار، بلاط الصحافة من بوابة الصناعة، فقد كان يدرس الصناعة ف القاهرة لمدة ثلاث سنوات بداية من العام 1945، وهناك أصبح سور الأربكية المعلم الرئيسي له، إذ أخذ ينهل من الكتب والمجلات قديمها وحديثها، وعزز شغفه بالشعر والأدب والرواية والمسرحية، وهي الفنون التي تعلمها في مدرسة عبدالرحمن المعاودة. ومثل الكثير من ابناء جيله، تأثر بالثورة المصرية الناصرية والمد القومي، وخصوصا أنه كان في تلك السن المبكرة يبحث عن انتماء إلى تيار وقيادة ورمز.

يقول سيار: «بدأ عبدالناصر يتغلغل إلى الشعور العربي من خلال خطاباته ومواقفه وتأثيره القومي والسياسي مما انعكس على الشعب في البحرين، ولكنهم لم يهتدوا إلى الكيفية التي يعبرون بها عن انتمائهم لهذا التيار، غير أن ما استنفر العقلاء من الناي هنا للتحرك السريع والجدي في سبيل اللقاء، هو ذلك الاحتكاك المشهور الذي وقع بين موكب حسيني في منطقة «الباقشة» وعدد من الاشخاص المتفرجين الحاضرين هناك، وامتد هذا الحال من مناوشة صغيرة، إلى ما يشبه الغليان في الشارع البحريني، وكان أن تم نقل بعض المشاركين في هذه الحوادث إلى المستشفى نظراً إلى إصاباتهم.

وبعد يومين أو ثلاثة من ذلك الحادث، قامت مجموعة من الطائفين بالاجتماع في بيت عبدالله الزين في المنامة، منت معهم ذلك الاجتماع لمعرفتي الوثيقة بهم من خلال عملي في صحيفة «القافلة» إذ كنت المحرر الوحيد المتفرغ فيها، كانت «القافلة» خليفة مجلة «صوت البحرين» التي كان الباكر مديرها الحقيقي، وبعد صدور «القافلة» بمدة قصيرة تم إعلاق «صوت البحرين» بأمر إداري.

«القافلة» عبارة عن مكتب صغير أزوال فيه عملي الصحافي، فيما كان أعضاء الهيئة الآخرون يجتمعون في ركن آخر منه يخططون أو يصوغون منشورا، وكانت صحيفة «القافلة» صد صدرت قبلها بمدة قصيرة، أي في العام 1953، وكانت لي معرفة بأشخاص يعملون في الصحافة أو قريبين منها، مثل محمود المردي ويوسف الشيراوي...»

رجوعا إلى ذلك الحادث، فقد تم تشكيل فرق يقودها المقبولون والعقلاء من كلا الجانبين، يطوفون المدن والقرى ويخمدون النيران قبل ان تستعر، ويقربون وجهات النظر قبل ان تستحكم الفرقة... لم تكن هناك مصطلحات كالطائفية..ز لم يكن هناك إحساس بهذه الفرقة من الأساس، فقد كان التفاهم كبيرا جداً.

كان هم «القافلة» كما يروي سيار أن تؤسس الاتجاه يعزز انتماء البحريني إلى الوطن كله، والاعلاء من الحس القومي، فكان لها دور في صوغ الحس الوطني والتعبير عنه، ونظرا إلى الوجود القوي للانجليز ومعاداتهم للتوجهات القومية التي قودها عبدالناصر، كانت الصحف لا تلبث ان تغلق لتصادم الرؤى والافكار بالسياسة، فانتجهت «القافلة» الخط الوطني القومي التوحيدي كما يصفه سيار، فتعرضت للتوقيف مرات عدة والاغلاق بعد ذلك «كان المستشار يستدعيني للتحقيق معي لأنني كنت المتفرغ الوحيد للعمل الصحافي الذي يعمل فيها»، يقول سيار «وكان يبدي عدم رضاه عن خط الصحيفة، ولكنها لم تكن لتغير نهجها»، وبعد ايقاف «القافلة» عمل المهتمون بالشأن الصحافي على اصدار الصحيفة مرة أخرى، إلا ان المستشار اشترط ثلاثة شروط، أن تكون تحت الرقابة، ألا يكتب اسمي في سكرتارية التحرير، وأن يتغير اسمها من «القافلة» إلى «الوطن».

يقول سيار: «كانت شروط تأسيس «الوطن» مجحفة وقاسية، ووافق من أجل أن تصدر الصحيفة لكي لا تخلو الساحة آنذاك من أي انعكاس صحافي، وكان يوسف الشيراوي من الذين يكتبون فيها إذ له زاوية «ضوء على الاحداث»، وكان عبدالرحمن الباكر والمردي من ضمن كتابها أيضاً».

ويشير سيار إلى أن «القافلة» كانت لسان «الهيئة»، إذ إن غالبية من عملوا فيها إما أن يكونوا منتمين إلى «الهيئة» أو قريبي الصلة بها، وعندما أغلقت «صوت البحرين خصصت «القافلة» صفحة كاملة للتعاطف والشد من أزر أسرة تحريرها، «كانت هذه لفتة تدل على لحمة الوسط الصحافي في ذلك الوقت، وألمه لما يحل في الصحف المنافسة من جور».

عندما صدر العدد الأول من «الوطن» نشر رضي الموسوي قصيدة فيها مرحبا بصدورها ومما جاء فيها:

قالوا ستصدر باسم الوطن

فقلت الحسين أخوه الحسن

وهذا إشارة كما يقول سيار إلى استمرار نهج «القافلة» في صحيفة أخرى تعد أختها، وستواصل السير على خطاها، ولكن هذا الأمر يقتصر فمهه على أبناء اللغة العربية، فلقد فهمه المستشار تشارلز بليغريق ايضا، ونقل بعض العاملين في المستشارية أن بليغريق كان مستاء من القصيدة، ربما لأنه تصور أن باستطاعته أن يلجم أصحاب القلم بالشروك التي وضعها. ولقيت «القافلة» استقبالا حميدا في الدول الخليجية العربية التي كانت تصل إليها، فلقد كانت تمثل بعثا جديد للحركة الوطنية في البحرين، وأملا لدى الحركات المتشابهة في الوطن العربي.

الدعوة العلنية

لم يعد الأمر سرا، فقد سرت أنباء الاجتماعات وما يراد منها، وبدأت «الوطن» تمرر المقالات التي تتوافق مع خطها الوطني وما تؤمن به، وخصوصا بالنسبة إلى حال العمال المواطنين في الشركات الكبرى وأوضاع العمالة الوطنية وضرورة الاصلاح، فصارت الصحيفة لسان حال الهيئة من دون أن تسمي الأمور بمسمياتها آنذاك، ولكن كتابها وإداراتها كانت من «الهيئة» ورجالاتها أو من المؤمنين بها. ولما كان الشرط موجودا آنذاك، فقد صدرت الصحيفة في بعض الاحيان وصفحات منها بيضاء دليلا على الغاء الرقابة لهذه الصفحات، ومع ذلك، ظلت المقالات تتسلل بين السطور أحيانا.

ومن جملة الأمور التي حدثت، يروي سيار «طلعت علينا صحيفة إنجليزية ناطقة بالعربية، وكان وراءها عدد من الانجليو بإدارة لبنانية، وأتت إلى البحرين أيضا، فطلب مني الباكر والشملان أن أكتب فيها لتكون نافذة لنا على صحف أخرى، وكانت الإدارة قد ابلغتهما بالسماح بالكتابة في أي شأن يريدون، وبمجال مفتوح من الحرية، فقد كانت الصحيفة في الوقت نفسه تريد ان تفتح بابا على الشارع البحريني.

يقول سيار: «ترردت في البداية، ولكنني حسمت الأمر إذ لا داعي لتردد، سأكتب ما يمليه علي ضميري، فكتبت مقالا واحدا فقط، وكان أن وضعت المجلة صورتي في إعلاناتها في الشواره بأن علي سيار من كتابها، فلم يستقبل الناي الأمر بشكل طيب، ولم يرضوا عنها... اعتقد ان الحركة الوطنية آنذاك كانت تريد التشبث باي مخرج من ضنك الحراك السياسي الذي كانت تعيشه».

كانت البحرين تعاني آنذاك من انتشار مرض السل، وكانت مكافحته تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة، فتكونت لجنة ايضا لمكافحة المرض، وايضا شارك فيها جمع من الوطنيين والناشطنين السياسيين كونهم وجوه البلاد المعروفين والقادرين على الحركة والتأثير.

يقول سيار: «كنت عضواً في هذه اللجنة ايضا، وكنا نجمع من المال الشيء الكثير، بعضه يأتي من داخل البحرين وبعضه من خارجها، واستفاد من اللجنة عدد كبير من الناس، وخصوصا ذوي الامكانات الضعيفة، وهم كانوا غالبية أهل البحرين». فكان العمل السياسي الوطني لا ينفصل عن هم الشارع، وربما كان هذا من الأمور التس سهلت تغلغل «الهيئة» عندما أعلنت عن نفسها بين الناس، لانهم عرفوا رجالاتها وخدماتهم للأفراد.

مع اشتداد العدوان الثلاثي على مصر، لم يكن في البحرين من بد من التعاطف مع مصر ونظامها السياسي الذي شكل لأكثر الناس الأمل الذي يتعلقون به، وبالتالي خرجت المسيرات والمظاهرات الغاضبة، وتعطلت الأعمال كنوع من الاحتجاج على ما يجري.

ويواصل سيار شهادته قائلا: «كان لنا اتصال بالقاهرة من خلال حركتنا الوطنية، وكان هناك ضابط من الضباط الاحرار يدعى كما يعقوب، مكلف من قبل الخارجية المصرية بالاتصال بنا، وهو الواسطة بيننا وبين الحكومة المصرية، لرصد ما يجري في البحرين، فكانت العلاقة بينه وبين الهيئة التنفيذية العليا، لدعم مصر والحركات الوطنية والتحررية في الوطن العربي».

لم تكن «الهيئة» إذا ترى أن الاتصال بدولة أخرى وخصوصا مصر عبدالناصر من قبيل الاتصال بـ «دولة أجنبية»، وذلك للرابك القومي ولنبل المقصد، وخصوصا أنها كانت تطالب بالاصلاحات على أكثر من جانب، وليس الاساءة لنظام الحكم.

ما كان في 56

فقدت الحكومة و»الهيئة» ايضا السيطرة على الشارع مع حوادث 1956، فكانت الحوادث الجارية أسرع منها، «كتبنا في أحد أعداد «الوطن» أن الحركة موجهة ضد الاستعمار وليس ضد الحكم»، ولكن كثرت الفوضى والاضطرابات، فكانت هي اللحظة المناسبة للانقضاض على «الهيئة»، وكانت الاضطرابات المبرر الأكبر لها، وخصوصا أن التململ قد دب في نفوس عدد من الناس نتيجة الاضرابات الطويلة الأجل، وما كانوا يواجهونه من عنف إن هم ذهبوا إلى أعمالهم... فألقت القبض من فورها على أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للهيئة، وهم: عبدالرحمن الباكر، إبراهيم بن موسى، السيد علي السيدإبراهيم كمال الدين، عبدالله أبوذيب، محسن التاجر، إبراهيم فخرو، عبدالعزيز الشملان وعبدعلي العليوات، وظل هناك من يسيرون الشارع من غير قيادة سياسية واضحة... فبدأ عهد المنشورات السرية.

هناك من تم نفيهم إلى جزيرة سانت هيلانة، وهناك من تم سجنه في جزيرة جدا، وهناك من أبعد إلى دول اخرى. يقول سيار: «أبعدت السلطات آنذاك 60 شخصا من اعضاء الهيئة إلى الكويت، كنت من بينهم، وبقيت في المنفى 10 سنوات، ولم يكن منفى مرا، فقد اختضنتنا الكويت كأجمل ما يكون الاحتضان الاخوي، وعملنا هناك طوال تلك الفترة، ولكننا ابدا كنا نحن إلى الوطن».

أما «الوطن» الصحيفة، فتطوف في عيني سيار ساحبة حزنا على ما آلت اليه، ليقول: «تعرضت الصحيفة لهجة صودرت فيها ورقة وجدت في المكتب الصغير... كنت أدون تاريخ «الهيئة» ويومياتها في دفتر من الدفاتر التي كانت تستعمل في حسابات الغوص، إذ إنها كانت يأوراقها الخضراء صعبة التلف، فكنت أكتب يوميا ما كان يجري من التصالات ولقاءات وحوادث ونشاطات للهيئة، وهذا كان أهم ما تمت مصاردرته... لما عدت من المنفى سألت عن هذا الدفتر مرارا في وزارة الداخلية، وعن نسخ صحيفة «الوطن» نفسها، ولكنني لم أجد جوابا... مازلت أأمل أن يكون هذا الدفتر موجودا، ومحفوظا في مكان ما، لأنه إرث وتاريخ، وحرام أن يضيع».

بعد إعلاق «الوطن» التي كانت تصدر مرة كل أسبوعين لصعوبة الاصدار صدرت صحيفة «الميزان» لصاحبها عبدالله الوزان، وكان يديرها خليفة خلفان وآخرون «وكان يغلب عليها الطابع اليساري في الطرح» كما يقول سيار، وتم إيقافها أيضاً... فخلف ذلك فراغا صحافيا في البحرين، إلى أن صدرت صحيفة «البحرين» وكان صاحبها الشيخ دعيج بن علي آل خليفة، ولكنها لم تستمر طويلا. كما أصدر المردي صحيفة أسماها «الشعلة» لعدد واحد، هذا العدد هاجم فيه أحد الموظفين الانجليز في دار الاعتماد، فأغلقت هي الاخرى.

كان من ألمع كتاب «الوطن» الباكر، أما الشملات فقد كان مقلا في الكتابة، خطيبا مفوها أمام الجماهير، وهناك من الكتاب، عبدالرحمن الشيراوي، ومحمد قاسم الشيراوي، الذي كان العضو المنتدب من قبل الهيئة امام الحكومة لمناقشة مشروع تبني قانون العمل والعمال، وايضا أحمد يتيم وناصر بوحيمد، وأحمد عاشير وإبراهيم المؤيد وأحمد العسيري وكان كاتبا من المنطقة الشرقية ويكتب في «الوطن» باسم مستعار.

احتضان الكويت

كان مع سيار في الكويت علي حسن الجشي وآخرون، فعمل سيارفي الصحافة الكويتية، وفي الإذاعة، ولقوا ترحيبا من القوميين في الكويت أمثال جاسم القطامي وأحمد الخطيب، فكان فطورهم في البيت، وغداؤهم في بين آخر، وعشاؤهم في بيت ثالث لحسن الضيافة التي وجدوها، ولا عجب «هناك أيضا لم أكن صحافيا «سلساً» إذ إنني أخذت انتقد برامج الاعلام والاذاعة والتلفزيون على رغم عملي في وزارة «الاعلام» يقول سيار، ولما كانت هناك إشارات واتصالات بين القوميين في البحرين والعراق أيضا، فإن البحرنيين في الكويت يرسلون أخبار البحرين وتطوراتها في إحدى المحطات العراقية الثورية الموجهة، فرأت الحكومة الكويتية أن الأمر لا يستقيم، فتم نفيي من جديد وعدت إلى البحرين.

لم تكن العودة هنا بمعناها اللفظي، إذ يقول: «كان ذلك في العام 1966، وعند نزولي من الطائرة أتاني ضابط بريطاني قال لي: أنت تحت التوقيف بأمر الحاكم.

أخذ جواز سفري وطلب مني الانتظار، ثم عاد وطلب مني المغادرة إلى أي جهة أحددها، ولما كنت أعرف صديقا لإي أبوظبي، طلبت الذهاب إلى هناك».

لم يستقر سيار في أبوظبي طويلا، وأحس أن الشرطة البريطانية تطارده هناك ايضا، فانتقل إلى قطر، وشعر أنه سيمكث فيها بعض الوقت، وبينما هو يجهز مسكنه إذا بسيارة مدنية يطلب فيها مرافق السائق الصعود إليها والتةجه إلى قسم الشرطة. هناك طلب منه الضابط الانجليزي أن يغادر الدوحة حالاً، فسمع بالأمر أحد المقربين إلى حاكم قطر آنذاك، وكانت تربطه بسيار علاقة، فذخل قسم الشرطة غضبا، وطلب تأجيل الأمر 84 ساعة ليتمكن سيار من ترتيب وضعه ومغادرة البلاد إلى وطنه هذه المرة.

خواتيم

في 1969، أصدر سيار صحيفة «صدى الأسبوع»، كانت آخر مشروعاته الصحافية، واليوم بعد 50 عاماً من إنشاء «الهيئة التنفيذية العليا» يقول سيار إن الباكر كان محركا كبيرا للهيئة، «كان يكتب المنشورات جميعها تقريبا، ولكن للانصاف علينا أن نقول إنه لم يكن وحده، فهناك اعدد كبير من الرجال الذين عملوا معه». وفي جانب آخر، يقول سيار أن كلاما مختلفا قبل في شأن أعضاء من «الهيئة» من أن لهم وجهين، معها ومع الحكومة «شخصيا، لا أميل إلى هذا الرأي، فقد تعرض كل أعضاء «الهيئة» للاعتقال والنفي والمطاردة... قيل ايضا إن الباكر كانت له اتصالات ومباحثات بالمعتمدية البريطانية، قد يكون ذلك صحيحا، ولكنه لم يخرج عن التفاوض وهذا أمر مشروع لاخلاف عليه».

ويختم سيار «بذور الهيئة في الخمسينات امتدت إلى الستينات، وأثمرت حركة 1965، وكذلك شدت أزر مواقف المجلس الوطني، وكانت حاضرة في ... 1975لا يزال الناس يتطلعون إلى اليوم إلى الاصلاح والمستقبل الافضل لهم ولابنائهم... الهيئة كانت ايضا تتطلع إلى ذلك»

العدد 768 - الثلثاء 12 أكتوبر 2004م الموافق 27 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً