العدد 768 - الثلثاء 12 أكتوبر 2004م الموافق 27 شعبان 1425هـ

سطور عن تاريخ الهيئة...

في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1954م أصدرت «الهيئة التنفيذية العليا» البلاغ الأول، وكان ذلك البلاغ بمثابة وثيقة شعبية تعكس مطالب فئاته وطوائفه، وتحدد وبصورة رئيسية رغبة ممثلي الشعب في تأسيس مجلس تشريعي وايجاد القوانين في المحاكم تعيين القضاة وتأسيس نقابات للعمال واصلاح شئون المعارف والمستشفيات والبلديات وحفظ حقوق الأفراد والجماعات.

كان ذلك البلاغ الاول الذي طالب بضرورة الاصلاح والمشاركة الشعبية في صنع القرار يحتوي على وثيقة أخرى موازية نقرأ فيها بعد مضي نصف قرن، عن فترة اتحدت فيها فئات الشعب على جميع المستويات وبكل الأطياف العقائدية والمذهبية، وكان هناك صوت واحد يطالب بالوحدة لا بالتفرقة وينادي بضرورة الاصلاح ليشمل الجميع ولا يقتصر على فئة دون أخرى وللمرة الأولى ومنذ بداية المطالب الاصلاحية في العقد الثاني من القرن الماضي شهدت البحرين حركة وطنية بدت معالم النصج السياسي في بياناتها، فقد أكدت تلك البيانات أن الهيئة لا ترمي إلى المساس بمركز حاكم البلاد ولم تتعارض مع مصالح بريطانيا والعلاقات الودية معها، وانما كان نشاطها خطوة ضرورية لارساء قواعد العدل والانصاف طبقا للنظم الديمقراطية.

من هنا يتضح ان اعضاء الهيئة التنفيذية كانوا مدركين لاستحالة مجابهة الحكومة من جهة، والانجليز من جهة أخرى، بل انهم حاولوا توسيط المقيم السياسي في البحرين للعمل على اقناع الحاكم بمقترحات الهيئة، الأمر الذي ادى إلى اعتقاد البعض ان الهيئة كانت من صنع الانجليز، او انها قاكت بتشجيع منهم!

آنذاك كان ممثلو السلطة البريطانية في البحرين وخصوصا بعد الانسحاب من الهند، مهتمين بالمحافظة على الموقع الاستراتيجي لقواعدهم في البحرين، ومن أجل ذلك الهدف الرئيسي اقتنعوا بحتمية التغيير وضرورة الحوار ولو إلى حين (1).

واليوم وبعد مضي نصف قرن على قيام أول كيان ممثل للشعب وبعد قراءة كل ما يتعلق بهذا الكيان ومراجعة الوثائق البريطانية لتلك الفترة الحرجة من تاريخ السياسي، نستطيع أن نصل إلى ضرورة التركيز على ايجابيات الهيئة التي تمثلت في وقوف الاصلاحيين جميعهم في صف واحد واقتناعهم الكامل بضرورة وحدة الطالب وشمولية الاهداف واتحاد القوى الوطنية المطالبة بالاصلاح، واستخدام الحوار الحضاري لانجاز المطالب الاصلاحية، ولكننا في الوقت ذاته نستطيع ان نستنتج ان الاضرابات المتواصلة وعمليات الحرق والسلب والتدمير التي تميزت بها الاشر الأخيرة لحوادث الخمسينات أدت في النهاية إلى ظهور فئات متطرفة عملت على تدهور الأوضاع وفصل الشارع عن اعضاء الهيئة ووضعهم في ركن أصبح من الأسهل عزلهم فيه ومن ثم نفيهم بعد ذلك.

لقد كانت الهيئة في بدايتها حزبا واحدا هو حزب الشعب بكل فئاته، لذلك نالت التأييد والدعم الكامل لمنهجها الاصلاحي ولكن ذلك المنهج فقد إهليته بعد حوادث العنف وتخاذل بعض اعضاء الهيئة وانسحاب الآخرين منها.

وبعد نصف قرن من تلك الحوادث وحين نكتب التاريخ الحديث للبحرين لابد أن نستمد من تلك الاعوام المصيرية اشارات ايجابية يدركها كل من يلتزم بشمولية المطالب الاصلاحية والحاجة إلى التغيير ويبتعد عنها كل من يعتقد ان الاصلاح يقع في نهاية طريق العنف وان المطالب حكر على فئة دون أخرى!

علينا ان نتعلم من قراءة تاريخ يحمل ضمن وثائقه بداية الخطاب الاصلاحي وعلينا ان نحاول الوصول من خلال معادلة عقلانية إلى التمسك بما انجز فيه والابتعاد عن الخلل الذي أدى إلى تعثره!

في تلك الفترة كانت بريطانيا اعطا الهند استقلالها 1947م وكانت هناك ثورة يوليو/ تموز في مصر 1952م، إلى جانب تأميم القناة 1956م وكذلك ثورة قبرص وظهور حكومة مصدق في إيران واحتمالات الانقلاب في العراق، الأمر الذي يتطلب المحافظة على الموقع الاستراتيجي في البحرين والتعامل بحذر مع مطالب الهيئة.

العدد 768 - الثلثاء 12 أكتوبر 2004م الموافق 27 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً