العدد 768 - الثلثاء 12 أكتوبر 2004م الموافق 27 شعبان 1425هـ

ابراهيم فخرو: معظم اجتماعات الهيئة كانت تعقد في دكاني

آخر عضو قيادي على قيد الحياة من «هيئة الاتحاد الوطني»

عندما تدخل منزل الحاج ابراهيم محمد حسن فخرو وتشاهده جالسا على كرسيه يقرأ موضوعا كتب عن الهيئة في صحيفة «الوسط»، وتشاهد الصور التذكارية فانك امام تاريخ ناطق لفترة ذهبية من تاريخ البحرين. فإحدى تلك الصور التذكارية حملت عبارات «ايها الزعماء... لن ننساكم... انكم في قلوبنا...» وشملت خمس صور لزعماء الهيئة الذين حكمت عليهم المحكمة الاستئنافية التي انعقدت في مركز شرطة البديع في 22 ديسمبر/كانون الاول 1956 وحكمت على عبدعلي العليوات، وعبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان بالسجن اربعة عشر عاما وعلى ابراهيم بن موسى (من مدينة الحد) وابراهيم محمد حسن فخرو عشر سنوات في سجن جدا.

الحاج ابراهيم فخرو كان مبتهجا ويحاول استحضار حوادث مضت عليها عقود من الزمن، وشارك هو في قيادتها.

ومع الحاج ابراهيم فخرو كان زميل له تعرّف عليه منذ ايام سجنه في جزيرة جدا، ذلك هو الحاج حسن الجودر الذي كان يعمل في ادارة الشرطة كربان لاحد القوارب التي تنقل السجناء من وإلى جزيرة جدا وساحل البديع الغربي. والحاج حسن الجودر كان يساعد سجناء الهيئة الذين بلغ عددهم الخمسين في الحصول على اخبار الحوادث في تلك الفترة وكان يهرّب الصحف وبطاريات الراديو إلى ابراهيم فخرو وابراهيم بن موسى... وكان لنا اسئلة ولديهم اجوبة.


اللقاء مع ابراهيم فخرو

 

* حاج ابراهيم، لماذا اعتقلوكم في جزيرة جدا بينما نفوا ثلاثة آخرين في قادة الهيئة إلى سانت هيلانه في جنوب المحيط الاطلسي؟

- فخرو: والله كانوا يقولون لنا ان الباخرة لا تسع الا لثلاثة اشخاص. ولم يعطونا اي جواب على السؤال الذي ذكرته.

* متى اعتقلوك ولماذا؟

- فخرو: اول مرة اعتقلوني في العام 8391 عندما حدثت الاضرابات العماليةفي ذلك العام وكنت شابا. اعتقلوني شهرين بسبب مشاركتي مع تلك الحركة. وتلك الحركة انتهت بالقاء القبض على قادتها وتسفير سعد الشملان واخرين الى الهند.

* حدثنا عن قادة الهيئة واين كانوا يجتمعون؟

- فخرو: اول اجتماع لنا كان في مسجد مؤمن. ثم بدأنا نجتمع كل مرة في مكان. ولكن كنا نجتمع في دكاني في كثير من الاحيان.

* ما هي مطالبكم؟

- فخرو: طالبنا بتعديل الاوضاع.

* هل كانت لديكم اسلحة؟

فخرو: لم توجد لدينا اسلحة. حتى ان عبدالله فخرو (والد الدكتور حسن فخرو) عندما سمع كلام الحكومة، بان لدينا اسلحة، قام بحرق وثائقي واوراقي وخسرت كثيرا منها. وقد قام بذلك خوفا علينا، الا اننا لم يكن لدينا اي شيء يتعلق بآسلحة ولم نكن نسعى لقلب النظام.

* كيف اعتقلوك؟

- فخرو: اعتقلوني من الدكان واخذوني إلى المعتقل. وكان دكاني في سوق التجار القديم بالمنامة.

* ماهية علاقتك بالباكر؟

- فخرو: الباكر اخي في الرضاعة، وجئت معه من قطر عندما كنا صغارا، وكنا دائما مع بعض. وكان الباكر دينامو الهيئة وهو الذي استطاع جمع رموز الشيعة والسنة في بداية الامر.

* ماذا عن ذكرياتك في جدا؟

- فخرو: كنت في غرفة واحدة مع ابراهيم بن موسى الذي توفي بعد الافراج عنه باربعين يوما. وكنا دائما نذهب إلى البحر، وانا كنت مغرما «بالحداق» بينما كان ابراهيم بن موسى متولعا «بالقراقير». وقد جرح في رجله مرة بسبب اصراره على صيد السمك بهذه الطريقة. وكنا نصطاد السمك ونجفّفه ثم نعطيه لاهلنا بعد لقائنا بهم عند ساحل البديع اثناء الزيارة الشهرية.

* هل التقيت باحد من البريطانيين الذين حاولوا اطلاق سراحك؟ فقد قيل ان ادوارد هيث من الحكومة البريطانية حاول الافراج عنكم في العام 1962؟

- فخرو: جاءنا احد الانجليز ونظر الينا في غرفتنا بالسجن ولم نسمع منه شيئا ولم نره مرة اخرى، وقضينا ثماني سنوات وافرج عنا في 8 اغسطس/آب في العام 1964بعد انقضاء ثماني سنوات في الحكم (خصمت بقية المدة لانها عطل رسميّة).


اللقاء مع حسن الجودر

 

وبعد ذلك التقت «الوسط» مع الحاج حسن الجودر (ابوشوقي) الذي كان يعمل في جزيرة جدا كربان (نوخذة) لاحد القوارب وكان ينقل المساجين من وإلى جزيرة جدا. مهمته كانت صعبة لانه كان يخالف الاوامر بصورة سرية من اجل خدمة ابراهيم فخرو وابراهيم بن موسى. ذكرياته حية ويتحدث الينا كما لو كان يتحدث عن شيء حصل بالامس. كان مترددا نوعا ما لانه سيكشف سرا لم يعلنه من قبل... اذ كان يهرب الرسائل والصحف والبطاريات لابراهيم فخرو وابراهيم بن موسى مخاطرا بوظيفته ومعرضا نفسه للاعتقال فيما لو تم اكتشافه.

الحاج حسن الجودر مثال المواطن المخلص لوطنه والمناصر لقضايا أمته عملا وليس قولا. بعد ان تبادلنا الحديث وافق الرأي القائل بأنه آن الآوان لمعرفة بعض ماكان يقوم به احد الجنود المجهولين. «الوسط» سألته مايلي:

* هل شاركت في انتفاضة الهيئة؟

- الجودر: لا، لا، انا كنت عسكريا ولا استطيع المشاركة، فذلك مخالف للقانون.

* ماذا كان عملك؟

- الجودر: كنت انقل المساجين من وإلى جدا. وكان المساجين يأتون من القلعة او سافرة إلى البديع قبل نقلهم إلى جدا. وكانت لدي غرفة في جدا، * لاني اضطر للبقاء هناك بحسب مايتطلبه عملي.

- وماذا عن علاقتك بابراهيم فخرو وابراهيم بن موسى؟

* الجودر: كنت اهرّب لهما الصحف والبطاريات التي يحتاجونها للاذاعة. وكنت انقل لهما الرسائل وانقلها منهم، وكنت في خدمتهما لانهما اهل لذلك. كما انني كنت اتعاطف مع بقية مساجين الهيئة وكنا كبحرينيين نعمل ما نستطيعه لتسهيل امورهم.

* من كان مسئولك؟

- الجودر: كان رئيسنا انجليزيا، ولكن مدير الشرطة كان الشيخ خليفة بن محمد بن عيسى آل خليفة، وكان عندما يزور جدا يسأل اول شيء عن ابراهيم وابراهيم. كان يخصهما بالاكل ويحترمهما كثيراودائما يدعوهما الى مكتبه بجدا ويوصي عليهما. وكان يأمر مساجين عاديين لخدمتهما في الطبخ والتنظيف وغيرهما.

* هل تعني ان معاملتهما كانت خاصة؟

- الجودر: نعم، كنا نعاملهما ونعامل المساجين السياسيين من انصار الهيئة باحترام شديد، وكان عددهم قرابة الخمسين جميعهم قضوا سنوات معنا في جدا. لكن ابراهيم وابراهيم كانت لهما مكانة خاصة لدى الجميع.

* هل تتذكر اسماء اخرى من مساجين الهيئة؟

- الجودر: كثيرون ولا اتذكر اسماءهم الآن. ولكن اتذكر فيصل عبدعلي العليوات ومجيد العرادي.

* لماذا خالفت متطلبات عملك وساعدت سجناء الهيئة؟

- الجودر: كانت استجابة لنداء الضمير.

* هل انت خائف من افشاء سرك؟

- الجودر: (ضاحكا)... الوضع اختلف الان.


اللقاء مع عبدالكريم العليوات

 

عبدالكريم العليوات هو الابن الأكبر للحاج عبدعلي العليوات. بادر «الوسط» بالقول: والدي بادر لاحتواء الفتنة التي انفجرت في العام 1953واستطاع مع الباكر والشملان قيادة أكبر حركة وطنية عرفها تاريخا البحرين «الوسط» طرحت أسألتها عليه:

* ما ذكرياتك الأولى. عن والدك الحاج عبدعلي العليوات؟

- لا أتذكر أموراً كثيرة قبل الخمسينات لأني كنت طفلاً صغيراً، ولكن أتذكر العام 35 عندما انفجرت الفتنة الطائفية في موكب العزاء. كان الوالد آنذاك في العراق، إذ كان يذهب باستمرار لمزاولة أعماله التجارية. وعندما عاد إلى البحرين وجد الأوضاع متوترة في أربعينية الإمام الحسين (أي بعد أربعين يوماً من حدوث الفتنة)، وفي الأربعين بدأ العمل مع عبدالعزيز الشملان وعبدالرحمن الباكر لاحتواء الفتنة وتوحيد الطائفتين. وفعلاً بدأ الاجتماعات وبذل ما في وسعه لرأب الصدع.

وكانت هذه هي البداية الحقيقية لحركة الهيئة التنفيذية العليا التي تأسست العام 1954وتغير اسمها إلى هيئة الاتحاد الوطني العام 1956عندما اعترفت الحكومة بها.

* تحدث لنا عن شخصية الوالد؟

- كان دائم الإطلاع على الكتب السياسية والتاريخية، وأتذكر أنه كان يقرأ دائماً كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة، وكان من المتابعين لما يحدث في مصر وكيف كان يتحرك جمال عبدالناصر وكان دائم الحديث عن الاصلاح وضرورة تمثيل الشعب في إدارة البلاد.

* هل كان والدك تاجراً أولاً أم سياسياً بالدرجة الأولى؟

- أعتقد انه كان سياسياً بالدرجة الأولى، ولم يركز كثيراً على أعماله التجارية. وكان من مؤسسي الجمعية الخيرية وكان مسئولاً عن مأتم مدن، وبالتالي فإنه كان وثيق الصلة بالمواكب الحسينية وكان ايضاً من مؤسسي المدرسة الجعفرية (مدرسة أبوبكر الصديق حالياً) وعضو مجلس إدارتها. كان دائم الاجتماعات مع الآخرين، وأتذكر انه قبل فترة حوادث الخمسينات كان مهتماً بتوظيف البحرينيين في بابكو ويطالب بمساواتهم ومعاملتهم بصورة حسنة.

* هل مشاركة والدك في الهيئة أساسية؟

- أعتقد ان مشاركته كانت أساسية وتعادل مشاركة الشملان والباكر ولذلك كان من الذين حكمت عليهم المحكمة الاستثنائية بالسجن 14 سنة ونفتهم إلى سجن سانت هيلانة في جنوب المحيط الاطلنطي في السجن نفسه الذي وضعت فيه بريطانيا نابليون.

لقد كان الوالد هو الذي أسس مقر الهيئة، إذ استخدم نفوذه في مأتم مدن فاستأجر من المأتم مكاناً استخدم مقراً لقيادة الهيئة. وكان ايضاً في الصفوف الأولى في المظاهرات السلمية والاعتصامات التي دعت إليها الهيئة.

* معنى ذلك أن والدك شارك في المظاهرات العنيفة؟

- مظاهرات الهيئة لم تكن عنيفة. كان العنف يحدث من خارج إطار الهيئة وكانت هناك جهات مشبوهة هي التي تحرض على العنف، وكانت الهيئة تحاول رصد أولئك الأشخاص الذين يحاولون بث الفرقة والتحريض على العنف.

* كيف اعتقل والدك؟

- اعتقل من منزلنا في فريق المخارقة بالمنامة، بعد منتصف الليل، وكانت هذه اللحظة هي آخر لحظات رأيناه فيها في البحرين. وقبل أن تصل الشرطة إلى البيت لاعتقاله علم أهل الفريق بذلك ولذلك بدأنا الاستعداد لاعتقال الوالد، وعندما جاؤوا للمنزل كان قد استعد للذهاب معهم، ثم قاموا بتفتيش المنزل وأخذ ما أرادوا أخذه من الوالد.

* هل كنتم تتسلمون رسائل من والدكم قبل تسفيره إلى سانت هيلانة؟

- كانت الرسائل تصل إلينا بواسطة التهريب، وكان هناك عدة أشخاص يوصلون إلينا الرسائل ويأخذون منا الرسائل ويوصلونها إليه.

* هل تذكر أسماء بعضهم؟

- كانت هناك عدة أشخاص و»الوسط» ذكرت اسم واحد منهم عندما قابلت الحاج إبراهيم فخرو وهو الحاج حسن الجودر، ولكن كان هناك آخرون أيضاً، أحدهم من أفراد العائلة الحاكمة.

* هل تريد القول أن أحد أفراد العائلة الحاكمة يساند حركة الهيئة وكان يوصل إليكم الرسائل؟

- نعم هذا صحيح، وكان يقول لي: «لو أن الهيئة أحسنت الحديث مع أفراد العائلة الحاكمة لحصلت على كثير منهم لأن عدداً مهم منهم كان يؤيد الحركة».

* هل حضرت محاكمة والدك؟

- لا كانت سرية، إلا أنه وبعد محاكمته تم استدعاؤنا (حوكموا في 22 ديسمبر/ كانون الأول 1956) وبعد أن ذهبنا إلى رؤيتهم عرفنا أنه حكم عليهم، وسمحوا لنا بلقائهم نصف ساعة فقط. وبعد ان خرجنا طلبوا إلينا أن نأتي بثياب لهم، وبعد يوم سمعنا أنه تم ترحيلهم إلى «سيشيل» ولكن بعد فترة انتهى الأمر بتسفيرهم إلى سانت هيلانة.

* من دافع عن والدك في لندن؟

- شركة محاماة شريدان وعضو بحزب العمال بالإضافة إلى آخرين عملوا جاهدين لإيصال القضية على المحاكم البريطانية. وقد رأت المحاكم البريطانية أن اعتقال بحرينيين في سجن بريطاني غير صحيح لأن البحرين ليست مستعمرة بريطانية وإنما محمية بريطانية.

ولكن تم الاعتراض على هذا القول في البدء، إلا أن اصرار المحامين على أقوالهم، أدى إلى ترحيلهم من البحرين قبل أن يعلن قرار الترحيل، بمعنى أنه حصل قبل أن يشهر قرار التحيل، وقرار الترحيل صدر عن جهة حكومية بريطانية ووصل إلى البحرين وشهر بعد عدة ساعات من رحيل الباخرة. وهذا الأمر تم إثباته ما حدا بالمحكمة اعتماد مبدأ Habeas Corpus وثم الحكم ببطلان قرار الترحيل الذي تم قبل إصدار القرار.

ولذلك تم إطلاق سراحهم في 7 يونيو/ حزيران 1961 لم يسمح لهم بالعودة إلى البحرين. ولذلك توجه إلى لندن في يوليو/ تموز ثم انتقل إلى سورية وبقي هناك حتى العام 1966، وبعد ذلك توجه إلى العراق وحصل على اللجؤ السياسي هناك، وانتقل إلى رحمة الله في 14  يناير/ كانون الثاني 1969 في مسكنه بالكاظمية وتم دفنه في النجف الأشرف

العدد 768 - الثلثاء 12 أكتوبر 2004م الموافق 27 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً