العدد 2813 - الأربعاء 19 مايو 2010م الموافق 05 جمادى الآخرة 1431هـ

هل هناك حرب خفية بين الدولتين الأعظم في العالم اليوم؟ (2-2)

أحمد سلمان النصوح comments [at] alwasatnews.com

ويذكر أن الحرب العالمية الثانية التي كلفت البشرية نحو 62 مليون إنسان ثلثهم تكبدها الاتحاد السوفياتي، وحينما وزع المنتصران العالم فيما بينهما، بدأت حينها ما عرف لاحقاً بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، حيث شكلت أميركا حلف الناتو (NATO) الذي كان يضم في حينها نحو (16) دولة غربية مثل فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، بلجيكا، لكنه حالياً يضم نحو 26 دولة، وشكل الاتحاد السوفياتي حلف (WARSO) الذي كان يضم تقريباً 15 دولة مثل المجر، بولندا، ألمانيا الشرقية، دول البلطيق، يوغسلافيا الخ) وبقي العالم في حرب باردة منذ انتهاء الحرب الكونية الثانية التي بدأت في العام 1939 وانتهت العام 1945م، والحرب الباردة بالمصطلح السياسي العالمي تعني حروباً بالوكالة، أي هي حروب يخوضها الآخرون نيابة عن الدول الكبرى التي تقف وراءها وهي التي اصطدمت مصالحها في بقعة من العالم وبقي عليها أن تراقب الوضع من بعيد لحماية مصالحها، حيث يقوم الآخرون بالحرب والاقتتال وتحمل الخسائر المباشرة وغير المباشرة عوضاً عن الدول الأصلية الراعية لهذه الحروب مثل ما حدث في الحرب الكورية العام 1950 لغاية 1953، وخلفت وراءها نحو 3 ملايين قتيل والحرب الفيتنامية العام 1973 لغاية 1975م وخلفت نحو 3 ملايين قتيل أيضاً، والحروب في قارة إفريقيا والانقلابات، حيث إذا حدث انقلاب في دولة ذات توجه غربي أو محسوبة على الغرب فإن بوصلة المتابع لهذا الشأن تقود للفهم بأن تلك الدولة سوف ترتمي في أحضان المعسكر المقابل أي المعسكر الشرقي ممثلاً في الاتحاد السوفياتي، والعكس إذا تحولت دولة من الاشتراكية للرأسمالية فإن الاعتقاد يؤدي للقول بأنها سوف تتحول للمعسكر الغربي وهكذا استمرت سياسة المحاور والجذب من هذا المعسكر إلى ذاك المعسكر، حتى قدوم ميخائيل غرباشوف لسدة الرئاسة في الاتحاد السوفياتي العام 1988م حينها أعلن عن سياسة جديدة تقوم على الانفتاح والمصارحة أو ما سميت بالـ «بروسترويكا» (BRESTIROIKA+GRASINOUCE) وقبل آخر رئيس سوفياتي بالتغير في أوروبا الشرقية من دون أن يعلم ماذا سيئول إليه هذا التغيير على دولة الاتحاد السوفياتي، لذلك تحولت تلك الدول واحدة بعد أخرى من دول اشتراكية تقوم على الحزب الواحد ويدار اقتصادها بالتوجيه من قبل الحكومة المركزية في كل عاصمة شرقية إلى دول ديمقراطية على نفس منهج الدول في المعسكر الغربي وانهار جدار برلين العام 1989م وتوحدت ألمانيا الشرقية والغربية تحت رئاسة المستشار هلمت كول وانتقلت العاصمة من بون إلى برلين، وتتابعت التحولات في المنظومة الشرقية الاشتراكية، وفي العام 1990م انهار الاتحاد السوفياتي نفسه وسقط ميخائيل غرباشوف بعد محاولة انقلاب في الكرملين قادها بعض الجنرالات في الكرملين الذين لم يرتضوا تلك التحولات وخلفه بوريس يلتسن في رئاسة الكرملين وورثت روسيا الاتحادية الاتحاد السوفياتي في «الغنم والغرم» وقبل رحيل بوريس يلتسن أمر بأن يخلفه فلاديمير بوتين في رئاسة روسيا الاتحادية وهو كان قبل ذلك رئيس جهاز الاستخبارات السوفياتية الخارجية (KGB) في ألمانيا، أي جهاز الاستخبارات في زمن الاتحاد السوفياتي السابق وهكذا توالت التحولات حتى استقلت كل المنظومة الشرقية وما كان يتبع الاتحاد السوفياتي من دول مثل كازاخستان، تركمانستان، أذربيجان، أرمينا، استونيا، ملدوفا أوكرانيا وغيرها، هنا سارعت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وحلف الأطلسي لحث واستقطاب هذه الدول الجديدة إلى اللحاق بها في ركب ما سمي حينها بالديمقراطيات الحديثة والجديدة، لكن الوضع لم يسر كما كانت تخطط له الإدارات الأميركية المتعاقبة أو الأطلسية في الجزء الجنوبي من قارة أميركا الجنوبية، بحيث كان الوضع جداً مختلف في قارة أميركا الجنوبية التي تضم أكثر من عشرين دولة لم تعد كما كانت في السابق كل سياساتها الخارجية تقودها الولايات المتحدة ولم تحرك ساكناً بدون إذن الولايات المتحدة الأميركية، بمعنى لم تعد تعتبر كحديقة خلفية مسالمة ومؤتمرة بأمر الولايات المتحدة الأميركية التي كانت ومازالت هي من يقوم بتثبيت حكام تلك الدول وهي من يقوم بترتيب خلعهم عبر إدارة انقلابات فيها مثل الذي حدث عندما انقلب الجنرال أنغستو بينوشيه في العام 1976م على الرئيس المنتخب في جمهورية شيلي بيرون، أو مثل الذي حصل عندما أمر الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريجان باجتياح جزيرة جرينادا، ومثل الذي فعله الرئيس الأميركي بوش الأب في احتلال جمهورية بنما واعتقال رئيسها العسكري مانويل أورتيجا الذي تم ترحيله إلى الولايات المتحدة الأميركية للمثول أمام المحاكم الأميركية بتهمة تهريب المخدرات والمتاجرة في المخدرات، وحكمت عليه المحاكم الأميركية بالحبس في السجون الأميركية لنحو 140 عاماً بتهمة تمويل وتهريب المخدرات لكنها خفضت المدة وقضى في سجونها نحو 20 عاماً، وتم بعدها ترحيله الى فرنسا بتاريخ 19أبريل/ نيسان2010 لمواجهة بعض التهم الفرنسية، أو مثل ما فعل الرئيس الأميركي بيل كلينتون عندما حدث انقلاب في جمهورية هايتي قام به العسكر ضد الرئيس المنتخب الموالي لأميركا، عندها أمر الرئيس الأميركي الجيوش الأميركية باحتلال تلك الجمهورية الصغيرة وإزاحة العسكر عن السلطة في تلك الجمهورية وإعادة تنصيب «جان برستاد أرستيد» رئيساً عليها، وهكذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تتصرف مع تلك الدول في القارة الأميركية الجنوبية، وكانت هذه الأفعال غير القانونية وفقاً للمعايير الدولية، يحدث أمام مرأى ومسمع من كل دول العالم وشعوب الأرض قاطبة.

اليوم بنظرة سريعة على خارطة تلك القارة سوف نكتشف أنها لم تعد كما كانت في السابق أي لم تعد الولايات المتحدة الأميركية هي صانعة القرار الأخير فيها أو هي المسيطرة بشكلٍ كامل على كل تلك الدول، فمثلاً جمهورية فنزويلا التي يرأسها هوجو شافيز خرجت عن سيطرة واشنطن وأخذت لنفسها خطاً مغايراً لخط الولايات المتحدة الأميركية وأعلن رئيسها الثوري عن خصخصة قطاع النفط الذي كان مسيطراً عليه من قبل بعض الشركات الاسبانية، وكذلك جمهورية بوليفيا ورئيسها فيبو موراليس وهو يمثل السكان الهنود الحمر الأصليين أعلن عن توزيع عادل للثروة وعن توزيع بعض الأراضي على الفلاحين من السكان الأصلين وخصخصة قطاع الفوسفات والغاز لذلك تم إعادة انتخابه مرة أخرى مثل صديقه الفنزويلي، وجمهورية البرازيل ويرأسها دي سيلفا وهو اشتراكي عمالي قام بعدة خطوات تبعده عن خط الولايات المتحدة الأميركية حيث عمل على تقوية علاقاته مع دول «غير صديقة» لواشنطن وفي مقدمتها إيران، وزار قطاع غزة وطالب الكيان الصهيوني بإنصاف الشعب الفلسطيني المظلوم في المحافل الدولية، كما زار جمهوريتي كوبا وشيلي اليساريتين في خط مغاير لخط الولايات المتحدة الأميركية، وهي من الدول العائدة الى الحضن الاشتراكي رغم موت قائد الدول الاشتراكية «الاتحاد السوفياتي».

في الجانب الأوروبي نلاحظ عودة الكثير من الدول الاشتراكية إلى أحضان الدول الرأسمالية مثل قيام الولايات المتحدة الأميركية بتشجيع جمهورية جورجيا برئاسة المتغرب شاكيشبيلي على مناوشة ومعارضة سياسات روسيا الاتحادية في منطقة القوقاز وخوض الحرب ضدها في العام 2009 م بحجة استرداد إقليم أبخاريا وأوسيتا الجنوبية واللذان في النهاية استقلا من جانب واحد عن جمهورية جورجيا ورئيسها شاكشبيلي، وكذلك الجمهورية الأوكرانية تحالفت مع الغرب إبان الحرب الروسية الجورجية وغيرها من الدول التي كانت سائرة في الفلك الأميركية وتلك التي كانت سائرة في الفلك الاشتراكي وبهذا تنكشف الصورة للقارئ العزيز أن هناك نوعاً من الحرب الباردة بين المعسكر الغربي الحالي بقيادة حلف الناتو ووريثة الاتحاد السوفياتي السابق روسيا الاتحادية، خصوصاً وهي بزعامة الثنائي فلاديمير بوتن ودمتري ميديديف، وإلا ماذا تسمي الذي يحصل اليوم في عالم السياسة، حيث فاز الشخص الموالي الى روسيا الاتحادية في الجمهورية الأوكرانية على غريميه الموالين للولايات المتحدة وسارعت موسكو إلى تهنئة الرئيس الأوكراني الجديد تيمشكنو وسارع الأخير إلى عقد معاهدات جديدة والسماح للأسطول الروسي في استخدام قاعدة القرم البحرية لغاية العام 2042 م، مما خلق نزاعاً داخل البرلمان الأوكراني. عموماً كل هذه التغيرات التي تصب فيما نعتقد في اتجاه حرب خفية بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي السابق، وهذا لا يعني غير أنه توسع متقابل بين العالم الغربي والعالم الشرقي بما يحفظ مصالح هذين العالمين في العالم على حساب العالم الثالث المتخلف في كل شيء.

إقرأ أيضا لـ "أحمد سلمان النصوح "

العدد 2813 - الأربعاء 19 مايو 2010م الموافق 05 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً