العدد 2854 - الثلثاء 29 يونيو 2010م الموافق 16 رجب 1431هـ

التحديات التي تواجه أمن الإنسان لها ذات البعد والتأثير في جميع أنحاء العالم

« الوسط السياسي » يحاور الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيد آغا...

يؤكد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في البحرين سيد آغا على أن تحقيق الأمن الإنساني يوجب على البلدان كافة ضرورة التحرك من خلال فهم أوسع لما يعنيه ويتطلبه الأمن، فبالنسبة إلى الكثير من الدول في مختلف أنحاء العالم، فإن مفهوم الأمن قائم على حماية الدولة من المخاطر العسكرية الخارجية عن طريق التهديد أو استخدام القوة العسكرية، ولا شك في أنه من المهم بشكل أساسي تأمين الحدود وحماية السيادة، لكن تحقيق الأمن البشري يتطلب أن تتبع الدول منهجاً أوسع للأمن.

ويشير عبر هذا الحوار الذي يتناول محاور متعددة حول «الأمن الإنساني» إلى أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP يعمل وفق شراكة نشطة مع الحكومات والمؤسسات غير الحكوميه على الصعيد العالمي والإقليمي والوطني لبناء دعم أوسع في المجتمع للدفع قدماً بأسباب التنمية الانسانية بمفهومها الشامل، موضحاً أن الدراسات التي أجريت عن طريق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وغيرها من المنظمات، كشفت، على المدى البعيد، بل وحتى على المدى المتوسط، أن حرمان الناس من الحقوق لا يمهد الطريق لتحقيق مكاسب التنمية المستدامة!

وفيما يأتي نص الحوار:

يسعدنا أن نتحدث معكم في هذا اللقاء حول موضوع مهم وهو موضوع الأمن الإنساني، ولعلنا نبدأ بالحديث عن تعريف مختصر ومناسب للأمن الإنساني... فكيف نُعرّفه؟

- نحن في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، نعمل وفق إيمان تام بأنه من حق الناس أن يعيشوا بأمان في تسيير أمور حياتهم اليومية، ولا يعني ذلك إطلاقاً أن تكون هذه الأوضاع في حالة الحرب فقط، بل أن يعيش الناس في طمأنينة وأمن من الفقر والجوع وسوء الخدمات الصحية وتدهور البيئة وغيرها من التهديدات التي تؤثر على مسار الحياة الآمنة، وفي هذا الصدد دعني أؤكد على أن ما نعنيه لا يقتصر فقط على الأمن من الخوف، بل الأمن من العوز والحاجة أيضاً.

وهذا هو الاعتقاد القائم في البلدان العربية وفق التقاليد العريقة، ولذلك، عندما بدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في إعداد تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2009، وجدنا اهتماماً من قبل المهتمين والمشاركين في التقرير لإجراء البحوث والدراسات عالية الجودة وكذلك التقارير المدروسة لتقييم التحديات التي تواجه الدول العربية في هذا الشأن، وساد توافق بين فريق الباحثين على أن أفضل وسيلة لتحقيق هذا الهدف هي بنشر مفهوم الأمن الإنساني الذي عرفه تقرير التنمية الانسانية العربية بأنه تحرير البشر من التهديدات التي تؤثر على استقرار حياتهم اليومية.


تحديات تواجه أمن الإنسان

لكن لماذا لم تتمكن الكثير من الدول العربية من التوصل لإطار ملائم يمكن من خلاله التوفيق بين متطلبات الأمن الإنساني وأمن الدولة؟

- أولاً وقبل كل شيء، اسمحوا لنا أن نشير بوضوح إلى أن التحديات التي تواجه أمن الإنسان لها ذات البعد والتأثير على البلدان في جميع أنحاء العالم... من البلدان النامية إلى البلدان الصناعية، وقد تختلف من بلد الى آخر، وهذا ما بدا واضحاً من خلال أزمة الغذاء والأزمة المالية العالمية.

ولتحقيق الأمن الإنساني يتوجب على البلدان كافة ضرورة التحرك من خلال فهم أوسع لما يعنيه ويتطلبه الأمن، فبالنسبة إلى الكثير من الدول في مختلف أنحاء العالم، فإن مفهوم الأمن قائم على حماية الدولة من المخاطر العسكرية الخارجية عن طريق التهديد أو استخدام القوة العسكرية، ولا شك في أنه من المهم بشكل أساسي تأمين الحدود وحماية السيادة، لكن تحقيق الأمن البشري يتطلب أن تتبع الدول منهجاً أوسع للأمن.

ويمكن القول إن هذا يوجب على الدول أن تعطي أولوية لمعالجة مجموعة التهديدات التي تواجه مواطنيها كحمايتهم من البطالة والفقر وتحسين مستواهم الصحي ومساعدتهم في التكيف مع المتغيرات البيئية، والسماح لهم باللتعبير عن آرائهم في الحياة العامة، واسمحوا لنا بأن نكون واضحين، فنحن لا نقول إن على الدول أن تتخلى عن أمنها القومي، ونظراً إلى تغير طبيعة التهديدات للأمن، فإنه من الجلي أن تضمن الدول لمواطنيها حياة بعيدة عن العوز والحاجة، والعيش في استقرار ورخاء.

شراكة مع الحكومات والمؤسسات غير الحكومية

الأمن يرمز إلى الحماية من خطر الجوع والمرض والبطالة والجريمة والصراع الاجتماعي والقمع السياسي والمخاطر البيئية... هل لكم أن تعطونا فكرة عن جهودكم على هذا الصعيد؟

- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يعمل وفق شراكة نشطة مع الحكومات والمؤسسات كافة في كل مجال من هذه المجالات على الصعيد العالمي والإقليمي والوطني، وعلى الصعيد العالمي، نحن نحاول بناء دعم أوسع في المجتمع الدولي للدفع قدماً بأسباب التنمية الانسانية بمفهومها الشامل.

فعلى الصعيد الإقليمي، نحن نعمل مع البلدان والشركاء لمواجهة التحديات بالاستعانة بجهود ذوي الخبرة من بلدان متعددة، وعلى سبيل المثال في المنطقة العربية، أطلقنا مبادرة كبرى بشأن تغير المناخ، وتوجيه الدعم للبلدان التي تسعى لحماية مواطنيها من آثارها، بالإضافة إلى خلق فرص جديدة للتنمية منخفضة الكربون.

وعلى مستوى مملكة البحرين، فإن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي شريك نشط في معالجة القضايا المتعلقة بالصحة والبطالة والبيئة والمخدرات، ونعمل بالشراكة مع وزارة الصحة في مجال مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الايدز)، وقد تم وضع استراتيجيات وطنية وخطط عمل في مجال مكافحة الأمراض غير المعدية وأمراض الدم الوراثية.


تعاون وثيق بين البرنامج والدولة

وفي العام ذاته، ساهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في صياغة استراتيجية وطنية للبيئة من خلال عملية تشاورية مع المعنيين، وحالياً، يسعى البرنامج - بالتعاون مع وزارة الداخلية - إلى وضع استراتيجية لمكافحة تعاطي المخدرات.

أضف الى ذلك، أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP يعمل بشكل وثيق مع وزارة التنمية الاجتماعية لدعم برنامج المشاريع الصغيرة (الميكروستارت) لتحسين مستويات الدخل للأسر، كما يركز البرنامج على تنمية القدرات الوطنية ودمج قضايا المرأة والشباب في التنمية.

ومن المهم الإشارة الى أن البرنامج يتعاون مع معهد البحرين للتنمية السياسية (BIPD) لدعم الجهود في مجال دفع عجلة الثقافة الديمقراطية والحقوق المدنية، وتستكمل هذه الجهود مع برامج تمكين المرأة السياسي والاقتصادي وإدماج الشباب في الحياة العامة، علاوةً على أن البرنامج يتواصل مع الجهات الوطنية المعنية لوضع برامج جديدة لحماية البيئة وتغير المناخ وإدارة المياه.


التمتع بكامل حقوق الإنسان

هل يمكن أن تكون هناك بيئة مستقرة وآمنة في ظل الحرمان من الحقوق... ذلك غير ممكن، لكن، هل يصبح التأثير واحداً بالنسبة إلى كل البلدان؟

- هذا هو واحد من الأسئلة ألأكثر إثارة للاهتمام على مستوى التنمية الدولية والحوار السياسي، وفي مراحل تاريخية سابقة، كان البعض يعتقد أنه في الإمكان الحصول على الأمن والتنمية من دون التمتع الكامل بحقوق الإنسان، لكن بعد ذلك، تغير الاعتقاد وأصبح يميل الى أن تطور المفهوم يرتبط بالتطور الذي يشهده المجتمع وخصوصاً على مستوى مشاركة الناس في صنع القرار.

فالدراسات التي أجريت عن طريق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وغيرها من المنظمات، كشفت، على المدى البعيد، بل وحتى على المدى المتوسط، أن حرمان الناس من الحقوق لا يمهد الطريق لتحقيق مكاسب التنمية المستدامة! وقد يحقق نمواً جيداً لفترة محدودة، ولكن في نهاية المطاف، ستجد تلك الدولة أنها تقع وراء بلدان أخرى يتمتع فيها المواطنون بفرص المشاركة في التنمية الوطنية وفقاً لاحتياجاتهم ومصالحهم... المواطنون هم ثروة الأمم، وعندما يشعرون بأنهم يتمتعون بقدر جيد من الحرية والمشاركة في صنع القرار، تتضاعف فرص المساهمة الكاملة في تنمية البلد، وبالتالي تحقيق المكاسب على صعيد الأمن القومي والاستقرار.


القدرة على تحقيق الأهداف الإنمائية

يتطلب تحقيق الأمن الإنساني نموذجاً جديداً للتنمية البشرية، وتحقيق هذا النوع من التنمية البشرية يتطلب درجة عالية من التعاون العالمي لتحقيق التنمية، ما هي سبل تحقيق ذلك؟

- أهم شيء لتحقيق أمن الإنسان والتنمية البشرية للبلدان هو أن يكون هناك إطار سياسة عامة قوية تستند على الأولويات، وقدرة على تحقيق الأهداف، وبما أن هناك توجهاً لدى بعض الدول لبناء قدراتها في وضع أطر سياسة التنمية البشرية، فإنه من الأهمية بمكان أن يتم دعم هذه الجهود من قبل المجتمع الدولي، ولكن دعونا نكون واضحين، جميع البلدان هي جزء من المجتمع الدولي، وتقديم الدعم من أجل التنمية يجب ألا يقتصر على (الدول الغربية المانحة)، بل إن هناك الكثير من المساهمات التي يمكن أن تحقق الهدف... ومثال على ذلك انه في شهر مايو/ أيار من العام الماضي (2009)، أطلق تقرير مخاطر الكوارث الأول بدعم من حكومة مملكة البحرين، فكان ذلك التقرير يسلط الضوء على أهمية إدارة مخاطر الكوارث وتخفيف آثارها على التنمية، كذلك، ساهمت حكومة مملكة البحرين في جهود الإغاثة في هايتي في أعقاب الزلزال المدمر من خلال التبرع بمبلغ مليون دولار نقداً لدعم برامج التنمية التي يقدمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP.

وفي هذا العام، أمام المجتمع الدولي فرصتان مهمتان للمبادرة والمشاركة، ونحن نتطلع الى تعاون فعال بشتى الطرق من أجل التنمية في جميع أنحاء العالم، الفرصة الأولى هي في العام 2010 وهي قمة الأهداف الإنمائية للألفية، والتي ستعقد في شهر سبتمبر/ أيلول في نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، والتي ستجمع زعماء العالم لرسم مسار لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بحلول العام 2015، أما الفرصة الثانية فهي قمة تغير المناخ في مدينة كانكون بالمكسيك والمنتظر عقدها في شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وهي فرصة سانحة للاتفاق بين الدول على الإطار الذي يمكن أن يسهم في تحقيق التوازن الصحيح بين ضرورة تطوير اقتصاداتنا والحاجة إلى حماية عالمنا من تغير المناخ، وآمل أن تشارك حكومة البحرين وجميع الحكومات الأخرى في المنطقة بنشاط في هذه المؤتمرات والحضور على أرفع مستوى.


التهديدات الأكثر «هدوءاً»

في البلدان المتقدمة يفكر الناس في التحرر من الخوف، وفي البلدان الفقيرة يفكر الناس في التحرر من تهديد المشاكل الحياتية، ما هو الجانب الأخطر الذي يهدد الأمن البشري في البلدان المتقدمة والفقيرة على حد سواء؟

- هذا سؤال كبير، ولو وجهته الى عشرة أشخاص، قد تحصل على عشر إجابات مختلفة، وربما أكثر من ذلك، ولكن اسمحوا لي أن أرد بالقول إنه بحكم عملنا، بما في ذلك العمل في إعداد تقرير التنمية البشرية العربية، وعلى الصعيد الوطني والعالمي، أن أخطر التهديدات لأمن الإنسان هي التهديدات الأكثر هدوءاً... وأقصد بها التهديدات التي ليست دائماً واضحة، ويمكن أن نسوق ظاهرة (تغير المناخ) كمثال جيد، فهناك قدر كبير من البحوث على الصعيد العالمي، بما في ذلك البحوث التي جمعتها الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على وجه الخصوص، والتي أظهرت بشكل قاطع أن ظاهرة الاحتباس الحراري خلال العقود المقبلة سوف تجلب معها مجموعة من التهديدات الخطيرة للغاية بدءاً من تزايد ندرة المياه والتصحر، إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية، وتزداد خطورة الأحداث المناخية الشديدة مثل الأعاصير، وإلى ارتفاع مستوى البحر الذي يهدد - وبشكل خاص - سكان المناطق الساحلية والدول الجزرية الصغيرة.

تغير المناخ يشكل تهديداً يتزايد ببطء على مر الزمن، ولذا، فإن ليس كل الحكومات - في جميع أنحاء العالم - تأخذ الأمر بجدية، إلا أن العديد من الحكومات تسعى لمعالجة التحديات التي تكون منظورة بالفعل، والاستعداد لمواجهة تحدياتها مستقبلاً، وهذا النقص في القدرة على التخطيط ربما يكون أخطر تهديد لأمن البشر في جميع أنحاء العالم.

والخبر السار هو أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP يعمل مع شركائه في مختلف البلدان لتطوير قدراتها في مجال التخطيط لمواجهة جميع أنواع التهديدات، سواء في الحاضر أو في المستقبل، وقد نحقق جميعاً النجاح في هذا الأمر، وبالطبع هناك تهديدات عالمية أخرى للأمن البشري منها البطاله، ومنها عدم وجود استراتيجيات شاملة لتنمية الشباب، والحرمان من الحقوق، والاحتلال، فضلاً عن الطمع في تحقيق النمو على المدى القصير والأرباح على حساب الاستدامة على المدى الطويل والاستقرار.

العدد 2854 - الثلثاء 29 يونيو 2010م الموافق 16 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً