العدد 2854 - الثلثاء 29 يونيو 2010م الموافق 16 رجب 1431هـ

رفع القيمة المضافة أساس قوي للأمن الاقتصادي الخليجي

النفط يعطي صورة مضللة للنمو

تعكس الأرقام الرسمية لدول مجلس التعاون الخليجي أرقام نمو مرتفعة خصوصاً إذا تحدثنا عن الأعوام السابقة التي تتراوح فيها نسب النمو بين 6 و10 في المئة.

ولكن هذه الأرقام تخفي وراءها واقعاً مخيفاً هو اعتماد دول الخليج على النفط كمصدر اقتصادي رئيسي وركيزة للنمو فالذهب الأسود يشكل ما يفوق 80 في المئة من دخل الحكومات الخليجية مما يجعل هذه الدول في خطر محدق جراء تذبذب أسعار النفط واتجاهات البورصات التي تحدد مصير هذه الدول في الشطر الغربي من الكرة الأرضية.

إلا أن اقتصاديين يقللون تماماً من محاولات تصوير النفط بأنه «غول» يتهدد اقتصاديات الخليج بدلاً من اعتباره عامل تنمية ساهم في الاقتصاد كما استفادت دول متقدمة من الموارد الطبيعية لديها.

ويركز «تقرير التنمية الإنسانية العربية 2009» على أهمية المسار المضطرب للتوسع الذي أحدثه النفط في البلدان العربية، وهشاشة النموذج الاقتصادي المرتبط به، والاتجاهات المتغيرة في التدفقات عبر الدول المنتجة للنفط. كما يحدد الثغرات السياسية المؤثرة في الأمن الاقتصادي لملايين الناس على صعيدي البطالة الحادة وفقر الدخل المتواصل.

ويرى الاقتصادي البحريني هيثم القحطاني أنه على الرغم من نجاح بعض الدول في تنويع اقتصاديات بشكل جزئي مثل الإمارات والبحرين، إذ استفادت الأخيرة من الحرب الأهلية اللبنانية وتراجع لبنان كمركز مالي للمنطقة لتتولى زمام المبادرة وتصبح المركز المصرفي الرئيسي في المنطقة، إلا أن هناك الكثير الذي ينبغي على هذه الدول فعله للوصول إلى نقطة توازن مريحة فيما يتعلق ببناء أسس صحيحة للنمو الاقتصادي.

ويقول القحطاني «لا بد من استغلال حالة الطمأنينة الاقتصادية في الوقت الراهن في التوجه نحو صناعات أو خدمات أو صادرات معرفية حتى لا يكون عناصر النمو الاقتصادي هي الخدمات النفطية فقط بل تعتمد على عناصر أخرى».

وأشار إلى أن بعض دول الخليج استطاعت تنويع جزئي لاقتصادياتها مثل البحرين التي استفادت في الثمانينيات في استقطاب اهتمام البنوك والمؤسسات المالية وتحويل جزء مهم من اقتصادها نحو هذه الصناعة.

لكن القحطاني رأى أن دول الخليج لا تزال تنقصها الكثير من الخطوات لتنعم باستقرار اقتصادي دائم «هذا غير كافٍ أذا أردنا الآن تحقيق تنمية مستدامة خصوصاً أن هناك نمواً في الأيدي العاملة المتعلمة الأمر الذي يقتضي استثمار هذه العمالة في صناعات معرفية متطورة».

ومضى بالقول «ينبغي جعل هذه العمالة المتعلمة ضمن الناتج القومي الإجمالي وهذا لا يحدث بدون خلق صناعات وخدمات جديدة غير نفطية فالصناعات النفطية لا تستطيع استقطاب عدد متزايد من هذه العمالة المتعلمة».

ويقول تقرير «التنمية الإنسانية العربية للعام 2009»: «إن الثروة النفطية الخيالية لدى البلدان العربية تعطي صورة مضللة عن الأوضاع الاقتصادية لهذه البلدان، لأنها تخفي مواطن الضعف البنيوي في العديد من الاقتصاديات العربية ما ينجم عنها من زعزعة في الأمن الاقتصادي للدول والمواطنين على حد سواء».

ويناقش التقرير الأمن الاقتصادي بالرجوع إلى الأبعاد الأكثر أهمية التي حددها في بادئ الأمر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير التنمية البشرية للعام 1994، وهي: مستويات دخل الفرد وأنماط نموها، خيارات العمل والاستخدام، الفقر، الحماية الاجتماعية.

من جهته يؤكد رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية أحمد اليوشع أن الدورة الاقتصادية لدول الخليج تعتمد على النفط، لكنه شدد على ضرورة عدم الخلط بين الاقتصاديات الخليجية واقتصاديات بعض الدول العربية.

ويقول اليوشع «لا يمكن التقليل من شأن خطوات عدد من الدول الخليجية مثل المملكة العربية السعودية وكذلك البحرين التي استطاعات تنويع دخلها نحو قطاعات أخرى».

ومضى بالقول «هذه الدول مازالت تنادي بأن الجهود الحالية لا تكفي وأنه يجب عمل المزيد للتوجه نحو الصناعة والزراعة».

ويقول التقرير «تشكل الدرجة العالية من التقلب في نمو الاقتصاد العربي دليلاً واضحاً على ضعف هذا الاقتصاد. الأمن الاقتصادي في المنطقة العربية، المرتبط بتقلبات أسواق النفط العالمية، كان ولايزال رهينة تيارات خارجية المنشأ. وهذا الاضطراب الاقتصادي المتأرجح صعوداً وهبوطاً، بين النمو المرتفع في السبعينيات والركود الاقتصادي خلال الثمانينيات، ثم العودة إلى النمو الخارق للعادة في مستهل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إنما كان انعكاساً مباشراً لاضطراب الدورات في سوق النفط».

ويضيف اليوشع «ليس من العيب أن تعتمد دول الخليج على النفط، فهناك دول تصنف على أنها اقتصاديات متقدمة مثل استراليا ونيوزيلندا تعتمد بصورة كبيرة على الموارد الطبيعية ففي حين العالم يسير نحو الركود هذه الدول تحقق نسب نمو في اقتصادياتها».

ويعتبر اليوشع تفاوت نسب النمو أمراً طبيعياً في الاقتصاديات الصغيرة أو تلك التي تعتمد على الموارد الطبيعية «سنغافورة وهي دولة خدماتية متقدمة فقدت من ناتجها المحلي الإجمالي أكثر مما فقدته الولايات المتحدة الأميركية في خضم الأزمة المالية العالمية، فاقتصاد تلك الدولة الصغيرة يجعلها عرضة للتغيرات العالمية».

ويقول التقرير إن الانخفاض الحاد في المداخيل النفطية خلال الثمانينيات ترك تأثيراً كبيراً في البلدان المنتجة للنفط، (فقد شهدت السعودية، على سبيل المثال، هبوط الناتج المحلي الإجمالي فيها إلى النصف بين العامين 1981 و1987 حسب الأسعار الحالية). وشهدت بلدان أخرى نمواً اقتصادياً سلبياً، فكانت الكويت هي الأكثر تضرراً بينها حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي فيها بنسبة 18 في المئة في العامين 1981 و1982. وانتقلت الصدمات إلى الاقتصادات العربية غير المنتجة للبترول التي تقهقرت التحويلات المالية المرسلة إليها. كما شهد الأردن واليمن نمواً سلبياً في بعض السنوات.

وكان النمو الاقتصادي في مختلف البلدان العربية يتسم بالركود شبه الكامل على مدى عقدين ونصف العقد بعد العام 1980، ووفقاً لبيانات البنك الدولي، فإن نمو نصيب الفرد الحقيقي من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية لم يتجاوز 6.4 في المئة طوال أربعة وعشرين عاماً بين العامين 1980 و2004 (أي أقل من 0.5 في المئة سنوياً).

وأشار التقرير إلى أن النمو المرتكز على النفط خلّف أسساً بنيوية ضعيفة في الاقتصادات العربية إذ تحول العديد من البلدان العربية بصورة متزايدة إلى الاقتصادات القائمة على الاستيراد والخدمات، وتقع أنواع الخدمات في البلدان العربية في الحلقات الدنيا من سلسلة القيمة المضافة، وهي تضيف أقل القليل إلى التنمية المعرفية وتحصر تلك البلدان في مراتب متدنية في الأسواق العالمية. وتابع التقرير «يستمر هذا الاتجاه على حساب الزراعة والتصنيع والإنتاج الصناعي العربي. وتتجلى الهشاشة البنيوية الناجمة عن النمو المرتكز على النفط في الانخفاض الظاهر في نصيب القطاعات الإنتاجية غير النفطية (الزراعة والتصنيع) في الناتج المحلي الإجمالي في كل البلدان العربية، باستثناء فئة الدخل المرتفع. والواقع أن البلدان العربية كانت في العام 2007 أقل تصنيعاً منها قبل أربعة عقود».

وأوضح أن نسبة التقلب في معدلات النمو انخفضت بعض الشيء في مرحلة الازدهار الأخيرة في البلدان العربية بفئاتها كافة. وهذا تطور يدعو إلى الاطمئنان، غير أنه يجب ألا يدعو إلى الاستكانة والرضى عن النفس، لأن الانخفاض الحاد الراهن في أسعار النفط سيؤدي لا محالة إلى تعطيل النمو المستقبلي ويسبب، مرة أخرى، تقلب الأحوال.

وتابع « اختارت البلدان العربية المنتجة للنفط وضع قسم كبير من مكاسبها الأخيرة في استثمارات أجنبية واحتياطيات خارجية وصناديق ضامنة لتحقيق الاستقرار النفطي وفي تسديد الديون. كما أقدمت على تشغيل استثمارات محلية ضخمة في ميدان العقارات والإنشاءات وتكرير النفط والنقل والاتصالات والخدمات الاجتماعية. وتختلف هذه المقاربة اختلافاً واضحاً عن الأنماط التي سادت في الماضي وتميزت بالتركيز على الاستيراد والاستهلاك. كذلك وجه بعض البلدان العربية المنتجة للبترول جانباً كبيراً من العائدات إلى القطاعين العسكري والأمني».

وأضاف التقرير « بيد أن هذا النمط الجديد من الاستثمار من شأنه أيضاً أن يعرض بلدان مجلس التعاون الخليجي، على نطاق واسع من السابق، لنوبات الانكماش الاقتصادي العالمي، وآخر هذه النوبات تطرح تحديات عسيرة لنموذج النمو المرتكز على الكثافة الرأسمالية. غير أن الصددمات الخارجية التي أصابت البلدان العربية ترتبط بالركود العالمي الراهن. وتشغل كل البلدان الرئيسية المنتجة للنفط استثمارات ضخمة في الولايات المتحدة وغيرها من الدول في الخارج، وهي لا تستطيع أن تفصل بين اقتصاداتها ومفاعيل الأزمة الدولية الآخذة بالانتشار. ثم أن تداعيات الانكماش الطويل في تمويل الاستثمارات وفي تحويلات العاملين في بلدان مجلس التعاون الخليجي ستكون وطأتها ثقيلة على بقية البلدان العربية في المنطقة».

ويرى التقرير أن البلدان العربية الأخرى قد لا تحقق من المكاسب في مرحلة الازدهار الثالثة بقدر ما حققته في المرحلتين الأولى والثانية، فعلى الرغم من أن الثروة النفطية مازالت تعبر الحدود، ومع أن عدة دول ثرية حولت جانباً من استثماراتها إلى الأسواق الإقليمية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، فإن التدفقات المالية داخل البلدان العربية غدت أقل وقعاً مما كانت عليه في الماضي.

ويستطرد التقرير «من جهة استهلكت الزيادة السكانية جانباً كبيراً من هذا الدفق في البلدان غير النفطية، ومن جهة أخرى تأثرات تحويلات العاملين في البلدان النفطية سلباً جراء ممارسة «توطين الوظائف». ومن جهة ثالثة ابتدأت البلدان غير النفطية تتحمل كلفة عالية للطاقة جراء ارتفاع قيمة النفط المستورد والدعم المكلف الذي تقدمه للمواطنين لقاء أسعار المشتقات النفطية».

العدد 2854 - الثلثاء 29 يونيو 2010م الموافق 16 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً