العدد 2878 - الجمعة 23 يوليو 2010م الموافق 10 شعبان 1431هـ

كشكول رسائل ومشاركات القراء

الإمام علي (ع)... السيرة والأتباع (1)

نطل من خلال هذه النافذة على منهج التأسِّي بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في الموازنة بين خيارات الصراع وأولويات المفاضلة بين المصالح العليا عند المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله.

المقدمة الأولى: (ركائز الوحدة الإسلاميّة)

مفهوم الوحدة الإسلامية من المفاهيم العميقة في مدلولاتها الحركيّة لا يُدركُ دقائقَ مضامينه إلاّ الذين يعيشونَ الهمَّ الوحدوي كقضيّةٍ مقدّسةٍ بعيدةٍ كلَّ البُعد عن الأهدافِ الضيقة أو الرخيصة كالاستهلاكِ الإعلامي، أو المصالحِ الشخصيّة، أو المجاملاتِ المؤقّتة أو غيرها ممّا ينطلقُ فيهِ الكثير من بعض الذين يخوضون هذا الغمار الصعب، ولتتحقق الوَحدة الإسلاميّة تحتاج إلى عدّة ركائز:

الأولى: فهم الداعية الوحدوي الصحيح والعميق لمفهوم الوحدة، والإلمام بتفاصيل مكوناتهِ؛ لئلا يقعَ في محذوراتٍ تتركُ أثراً سلبياً أكثر من تحقق الهدف الأساس نفسه، وأهم هذهِ المحذورات تشويش الفكر الأصيل في كلِّ مذهب من المذاهب الإسلاميّة عند اتباع هذه المذاهب.

الثانية: المبدئيّة في التعاطي مع المفهوم كقضيّة مقدّسة بعيدة كلَّ البُعد عن المساومات التي قد تفرضها بعض الحالات الطارئة في الواقع من مصالح خاصة للشخص أو المذهب أو غير ذلك.

الثالثة: الآليات النظيفة التي يسعى الوحدوي لتوظيفها في سبيل تحقيق هذا الهدف السامي؛ إذ لا يكفي أن تكونَ البواعثُ سليمة دونَ أن تكونَ الوسائلُ كذلكَ.

هذه الركائز الثلاث ـ بحسب اعتقادي ـ هي الأساس الذي تنبني عليهِ الوحدة الإسلاميّة، والمتطلبات الأخرى جميعها متفرعاتٌ عنها.

المقدمة الثانية: (ميزان المفاضلة بين المصالح عند الرساليين)

إنَّ من أبرز التحديات التي تواجهُ الإنسان الرسالي في حركته الرساليّة هي دقة الموازنة في تغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة.

وكلّما اتّسعت دائرة المصلحة لعامة الإنسانيّة جمعاء كانت ـ في نظر الإنسان الرسالي العامل ـ أحقَّ بالتضحية في سبيلها على حساب الدائرة الأضيق، وهكذا حتّى يصلَ التزاحمُ إلى شخصِ الرساليِّ نفسهِ فيكونُ الاختبارُ الصعبُ والحاسمُ في الاختيار.

وكثيراً ما سقطَ بعض العاملين في الساحةِ تحتَ ضغطِ المفاضلة بينَ مصالحهم الشخصيّة الخاصة وبين المصلحة العامة بدواعٍ متعدِّدة منها: قلّة الوعي الرسالي، أو ضعفِ الإيمان بالقضايا العامة، أو غلبةِ النوازع الذاتيّة على الإرادة الرساليّة، أو نفاذ وقود الصمود في آخر مراحل المعركة ـ معركة الصراع لتغليب المصالح الكبرى على المصالح الأصغر منها ـ الطويلة أو ما إلى ذلك.

- النموذج الإبراهيمي: نجاحٌ بشهادةٍ إلهيّة في الاختبار الصعب

لكنَّ التاريخ ـ معَ ذلكَ ـ مازال يقدِّمُ للأمّة نماذجَ مشرقة تجاوزت عقبات هذا الاختبار الصعب والعسير بنجاح باهر، شكلَّ أنصعَ صورةٍ للمبدئيين على طريق ذات الشوكةِ، ومازالت مآثرهم ـ في هذا المجال ـ تُتلى قرآناً يترنّمُ بآياتهِ عشّاقُ الحق والرسالة.

ولعلَّ الصورة الرائعة التي نقلها القرآن الكريم لأبي الأنبياء سيّدنا إبراهيم الخليل (عليه السلام ) خيرُ مثالٍ عمليٍّ على ذلك؛ حيثُ يقول سبحانه وتعالى: (وإذْ ابتلى إبراهيمَ ربُّهُ بكلماتٍ فأتمهُنَّ قالَ إنّي جاعِلُك للناس إماماً...) «سورة البقرة، آية 124»، حيثُ تشيرُ الآية إلى أنَّ نبيَّ اللهِ إبراهيم مرَّ بعقباتٍ صعبةٍ (كلماتٍ) أبلغُ تعبيرٍ عنها أنّها ابتلاءٌ ، لكنّهُ (ع) تجاوزها بامتياز أتمَّهُنَ، وأهّلهُ ـ هذا النجاح ـ أن يحظى بوسامٍ عظيم من رب العزّة والجلال وهوَ وسامُ الإمامةِ، أنْ يكونَ قائداً يُحتذى بسيرته على مرَّ العصور والأزمنة إلى يوم القيامة.

ومن المتّفق عليهِ بين المفسرين أنَّ العقبة الأخيرة في الامتحان الإلهي لإبراهيم هي الأمر بذبحِ ابنهِ العزيز الذي رُزِقَ بهِ في آخر مراحلهِ العُمريّة، بعد كِبرِ سنّهِ وفناءِ عُمره ـ على حدِّ تعبير الإمام زين العابدين ـ (فلّما بلغَ معهُ السعيَ قال يا بُنيَّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحُكَ فانظر ماذا ترى قالَ يا أبتِ افعلْ ما تُؤمرُ ستجدُني إنْ شاءَ اللهُ من الصابرين) «سورة الصافات، آية 102»، وهذه صورة لما ذكرناهُ من وصول مراحل المفاضلة بين العام والخاص في حياة الرسالي إلى أضيق دائرة ممكنة والتي يتعثّرُ فيها الكثيرُ من الناس إلاّ أنَّ أبا الأنبياء وابنهِ إسماعيل (ع) لم يترددا لحظةً في تقديمِ المصلحة التي يقدّمها الله عزَّ وجلَّ على مصلحتهما الشخصيّة فاستسلما لإرادتهِ سبحانه بكل طواعية وانقياد وبقيا مثلاً من أروع الأمثلة على المبدئيّة الصادقة عند الرساليين.

الإمام علي (ع) الأسوة والسيد فضل الله المتأسّي

انطلاقاً من هاتين المقدمتين ندخل للمقاربة بين موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) الرسالي المبدئي من الوحدة الإسلاميّة والاستهداء الواعي لسماحة المرجع الفقيد السيد محمد حسين فضل الله (قدس سره الشريف) بهذا الموقف في صورةٍ هي الأقرب للمطابقة بين الموقفين على اختلاف الظروف والملابسات بين الأحداث والزمان والمكان.

لا شكَّ عندي أنَّ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ (ع) هوَ الرائد الأوّلُ للوحدة الإسلاميّة في التاريخ، حيثُ شهدت الأمّةُ الإسلاميّة بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة ودون فاصل أكبر هزّةٍ عنيفةٍ هدّدتْ كيانها القائم آنذاك والذي بناهُ رسولُ الله (صلى الله عليهِ وآله) بجهودٍ جبّارة مدعومةٍ بمددٍ إلهي متواصل طيلة ثلاثة وعشرين عاماً.

وكانَ قرارُ إعلانِ الانهيار النهائي أو الصمود أمام الزلزال العنيف لكيان الأمّة الإسلاميّة ـ آنذاك ـ مرهونٌ بِموقف الإمام عليٍّ من الأحداث بعدَ أنْ آثر الكثيرُ مِمن كانت تشخص نحوهم الأبصارُ مصالحَهم الخاصة ومطامعَهم الشخصيّة على المصلحة الإسلاميّة الكبرى.

في خضم الأحداث الرهيبة التي عصفت بالمجتمع الإسلامي في المدينة المنورة بعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليهِ وآله)، وفي زحمة الصراع على موقع الزعامة السياسيّة تقدّمَ أبو سفيان بن حرب إلى الإمام علي بن أبي طالب وعرضَ عليهِ النُصرة على من اجتمعَ في سقيفة بني ساعدة وأقصوهُ عن حقه الشرعي في الخلافة، وأنشد قائلاً ـ كما ينقل بعض المؤرخين ـ :

أبا حسنٍ فاشدُد بها كفَّ حازمٍ

فإنّكَ بالأمرِ الذي يُرتجى ملي

فمــا الأمــرُ إلاّ فـيكـمُ وإليـكمُ

وليسَ لـهـا إلاّ أبـو حَسَنٍ عليّ

فأعرضَ عنهُ الإمامُ ونهرهُ؛ لأنّهُ بِوعيهِ الأصيل يدركُ تماماً النوايا المُضمرة في نفس أبي سفيان، وما العاقبة الوخيمة التي ستئول إليها أمور الأمّة إذا سايرَ هذا الرجل في مطلبهِ الظاهري له بالنصرة والعون، وكانَ مّما قالهُ (عليهِ السلامُ ) لأبي سفيان في معرض جوابهِ: إنّكَ تُريدُ أمراً لسنا من أصحابهِ، وقدْ عهِدَ إليَّ رسولُ الله عهداً فأنا إليهِ...

وينقلُ التاريخُ أنَّ مثلَ هذا الموقف من أبي سفيان تكرّر بالشكلِ الظاهري ـ على الأقل ـ من الزبير بن العوام الذي هو ابن عمّة الإمام، صفيّة بنت عبد المطلب وكذلك من عمّه العباس بن عبد المطلب ـ وإن كانت النوايا متفاوتة بين الطرفين فيما يبدو من سياق الأحداث ـ لكنَّ عليّاً (ع) ردّهم جميعاً وأعلنها صريحة: أيّها الناسُ شُقّوا أمواجَ الفِتنِ بسفُن النجاةِ، وعرِّجوا عن طريقِ المُنافرةِ، وضعوا تيجان المفاخرةِ، أفلحَ من نهضَ بجناحٍ، أو استسلمَ فأراحَ. ماءٌ آجنٌ، ولقمةٌ يغصُّ بها آكلها، ومجتني الثمرةِ لغيرِ وقتِ إيناعِها كالزارِعِ بغيرِ أرضهِ...

وقد تكونُ مثلُ هذهِ العروض المُغرية بالنسبة لبعض الوصوليين فرصة العمر الذهبيّة التي لا تُعوّض، لكنَّ رجلاً كعلي بن أبي طالبٍ هضمَ روح الدين المحمدي الأصيل، ووعَى مفاهيمه وعيَ المعصوم، و حملَ همَّ حياطتهِ والذود عنه بصدقٍ وإخلاصٍ متناهيين لا يُمكنُ أن يضحّي بلحظةٍ من لحظاتِ تجمّعِ الأمّة ووحدتها في سبيل حقّهِ الخاص الذي فرضهُ الله سبحانه وتعالى على الناس إليهِ، بل إنّه يرى كلَّ هذه الصفقات المجانيّة ـ ظاهريّاً ـ كالماءِ الآجن واللقمة التي يغصُّ بها آكلها...

ولعلَّ أبلغَ تعبيرٍ عن حقيقة الموقف العلوي في الموازنة بين المصلحة الخاصة ـ رغماً عن كونها حقّاً بيّناً لا شبهة فيه ـ ومصلحة الأمة مجتمعة ما قاله تجليةً لجوهر موقفهِ من فتنة السقيفة في ذلك الحين: فما راعني إلا انثيالُ الناسِ على أبي بكرٍ يبايعونَهُ، فأمْسكتُ يدي، حتى إذا رأيتُ راجعة الناسِ قدْ رَجَعتْ عن الإسلامِ يُريدونَ مَحقَ دينِ محمدٍ (صلى الله عليهِ وآلهِ) فخشيتُ إنْ أنا لمْ أنصُرْ الإسلامَ وأهلهُ أنْ أرى فيه ثلماً أو هدماً تكونُ المصيبة بهِ عليَّ أعظمُ مِنْ فوتِ ولايتِكمْ هذِهِ التي إنمَا هيَ متاعُ أيامٍ قلائِلَ يَزولُ مِنها ما زَالَ كما يَزولُ السرابُ أو كمَا ينقشِعُ السَحابُ، فنهضتُ حتى زَاحَ الباطلُ وزَهَقَ، واطمأنَّ الدينُ وتنهنهَ.

وكان الشعارُ الأصيل الذي رفعهُ كمنارة يستهدي بها السائرون على دربهِ: لأسلمنَّ ما سلمتْ أمورُ المُسلمينَ ولمْ يَكُن بها جَورٌ إلا عليَّ خاصة.

وتأكيداً لتأصُّل هذه القيمة في ذات أمير المؤمنين يؤكِّدُ وهو الصادقُ المصدّقُ أثناء حرب صفين مع عدّوِّه اللدود معاوية بن أبي سفيان: وفعلها بنو الأصفر لوضعتُ يدي في يد معاوية.

وبغض النظر عن مدى الوثاقة التاريخيّة لهذا النقل عن الإمام علي إلاّ أنَّ روحَ المنهج العلوي لا تأباهُ، بلْ تؤكِّدهُ معضّدةً بشواهد كثيرة من سيرة هذا الإمام العظيم.

- مفهوم الشجاعة الحقيقيّة في مُعجم علي بن أبي طالب:

وبهذهِ المناسبة لا يفوتنا الإشارة إلى مفهوم الشجاعة عند أمير المؤمنين علي إذ يعرَّفها بقولهِ: الشجاعة نُصرة حاضرة وفضيلةٌ ظاهرة؛ ولأنّها فضيلة فإنَّ تفعيلها في الواقع العملي في حياة الشجاع يكونُ منْ أصعبِ الأمور، وعليهِ لا تجِدُ من النّاس من يتحلّى بالشجاعة الحقيقيّة إلاّ القليل.

والشجاعةُ هنا تبرزُ من خلال الموازنة بين المواقف، والخيار بينها بحسب معيار المصلحة الأكبر ـ كما أشرنا ـ.

لذلكَ تجدُ أنَّ بطلاً مغواراً كأمير المؤمنين يتنمّرُ في ذات الله ـ بحسب تعبير السيدة الزهراء ـ في سوح الجهاد العسكري، وهوَ القائلُ: والله لو تضافرت العربُ على قتالي لما ولّيتُ منها، ولو أمكنتْ الفرصُ إلى رقابها لسارعتُ إليها... يقفُ موقفَ المسالِم الصابر في إحدى أشدِّ المِحن التي يمرُّ بها ـ أحداث السقيفة وما تلاهاـ لا فَرقاً ولا خوفاً وإنّما تغليباً للمصلحة العامة على المصلحة الشخصيّة.

عجيبٌ أمرُ هذا الرجُل، يأخذُ بعضُدِ ابنه محمد في حرب الجمل عندما توقف بالراية عن الإقدام لدواعٍ عسكريّة بحتة، ويخاطبهُ: أخذكَ عرقٌ من أمّك؟!.

ثمَّ يأخذ الراية منهُ فيحمل بها ويتبعهُ الجيشُ من خلفهِ فكان القومُ ـ أي الطرف المقابل ـ كرمادٍ اشتدت به الريحُ في يومٍ عاصفٍ ـ كما يصفُ المؤرخون ـ.

وفي صفّينَ عندما منع جيشُ الشام الماء عن جيش الإمام وحاولَ فكَّ هذا المنع عن طريق الرُسلِ بالتي هي أحسن فرفضَ معاوية، ما كانَ منهُ إلاّ أن حشّمَ جيشهُ بعباراته الخالدة: روُوا السيوف من الدماء تروَوا من الماء، فالموتُ في حياتكم مقهورين والحياةُ في موتكم قاهرين... واندفعَ الجيشُ بقيادة بطل الإسلامِ الأوّل نحوَ النهرِ حتّى غمست خيولهم سنابكها في بطن الفرات.

وعندما طالت مدّة الانتظار بينه وبين جيش معاوية قبلَ أن يقع القتال ـ احتراماً للأشهر الحرم ورغبة في حقن الدماء ـ تحدّثَ بعض الأفراد في جيش أمير المؤمنين عن جبن وخوف من القتال فقال: أمّا قولكم أكلُّ ذلكَ كراهية الموت؟ فوالله ما أبالي دخلتُ إلى الموتِ أو خرجَ الموتُ إليَّ...

وقالَ معاوية لمولاهُ حُريث في صفيّن: ضع رمحكَ حيثُ شِئتَ ولكن اتّقِ عليّاً، ولم ينتصح العبدُ بنصيحةِ مولاه فكانَ هلاكهُ بضربةٍ واحدةٍ من سيف عليٍّ لا ثانٍ لها.

هذهِ بعضُ مواقف شجاعتهِ وهو مشرفٌ على الستّين من العمر.

لكنّهُ عندما سالمَ أهل السقيفة وتنازل عن حقّهِ الشخصي كانت حرارةُ الشباب ملء وجدانهِ ـ كما يعبّر السيد الشهيد الصدر ـ فكيفَ يمكنُ تفسيرُ ذلكَ التناقُض الظاهري؟ إنّها المبدئيّة الصادقة التي تتعالى على المصالح الضيّقة.

ولا بأس أن نورد نصّاً للشهيد محمد باقر الصدر يبيّن فيهِ هذا الجانب، إذ يقول: شجاعة عليٍّ ليست شجاعة السباع، ليست شجاعة الأُسود إنّما هي شجاعة الإيمان وحبِّ الله، لماذا ؟ لأنّها لم تكن فقط شجاعة البراز في ميدان الحرب، بل كانت أحياناً شجاعة الرفض، وأحياناً شجاعة الصبر. عليُّ بن أبي طالب ضربَ المثل الأعلى في شجاعة المبارزة في ميدان الحرب.

شدَّ حزامهُ وهو ناهز الستين من عمره الشريف وهجمَ على الخوارج وحدهُ فقاتل أربعة آلاف إنسان.

هذه قمّة الشجاعة في ميدان المبارزة (...) ، وضربَ قمّة الشجاعةِ في الصبر، في السكوت عن الحق حينما فرضَ عليه الإسلامُ أن يصبرَ عن حقّهِ وهو في قمّةِ شبابهِ، لم يَكن في شيخوختهِ، كانت حرارة الشباب ملْءَ وجدانهِ ولكنَّ الإسلامَ قالَ له أسكُتْ، اصبِرْ عن حقّكَ حفاظاً على بيضة الدين (...) وكان هذا قمّة الشجاعة.

وبهذا حدّدَ عليٌّ (ع) معالِم المنهجَ، وبهذا المنهج يتزّودُ المؤمنون الحقيقيون بعليٍّ وقودَهم؛ إذ يتّخذون منْ موقفهِ موقفاً لهم رغمَ الصعاب والآلام.

ولا أبالغُ إذا قلتُ إنَّ الموقفَ العلوي في التضحية بحقّهِ الشخصي في سبيل الوحدة الإسلاميّة لا يقلُّ شأناً عن الموقف الإبراهيمي في التضحية بابنهِ العزيز في سبيل الإرادة الإلهيّة.

بل إنَّ موقفَ خليل الله ذاك هوَ العنوانُ الأبرز لهذا المفهوم العظيم وموقفُ وليُّ الله علي بن أبي طالب هو الترجمة الأوضح لهذا العنوان؛ لذا من السذاجة أن يتصوّرَ أحدٌ أنَّ رفع شعارات الوحدة الإسلاميّة أو المصلحة العامة للأمّة مجرّدَ تعبيراتٍ جوفاء تطلقُ في الهواء الطلق ويستهلكها الزمن ومن ثمَّ يأتي حصادُها خيراً وفيراً لصاحبِها في الدنيا والآخرة دونَ أن يُغربَلَ غربلةً يكونُ فيها على المحكِّ الحقيقي؛ لتظهرَ للناس والأمّة مدى مصداقيّتهُ من عدمِها.

خليل إبراهيم المرخي


في رثائك ... سيد فضل الله

 

ذهــل العــــالم بـــأسره

مـذ نـعى مــوت العمــادِ

لفقيــد العلــم والديــــن

أعني المجـاهد فضل رب العبــادِ

ســاد في الكـــون شجــونٌ

بكل حيٍّ، بكل قطْرٍ و بكل البـلادِ

فبــكت لبنــــان لفقــده

فقد رحـل سيـدها بـلا ميعـادِ

كيــف لا تبكي نصيـــر الحق

والمستضعفين ومن كان لهم خير سنادِ

كيف لا تبكي من كـان كهفاً لليتامى

والمساكين وذوي الحاجة بكل ودادِ

كيف لا تبكي صاحب مبـرّات الخيـر

وقـاضي حوائج الناس في الشدادِ

فقـدنــــاك أبــا علي وجعفر

في زمـان يندر مثلك حقاً بإيجــادِ

فقدنـــاك أبـاً و قـائداً، مرجعـا

وشـاعراً ينظم الأبيـات بالتـردادِ

فقدتــك الحــوزات ودور العلم

أبــاً ومعلماً بل نبـراسها الوقّـادِ

فقدتك فلسطيـن وكـل العُــرب

ولبست من أجلك ثـوب حـدادِ

كـــم سعيت لتحريـر قــدسٍ

شكر الله سعيك يـا سليـل الهـادي

كــم سعت لنبــذ صهيــون

و لم يوانِ عزمك قتلٍ ولا استشهــادِ

وهبت النفس لثبـات المسلميــن

ودعوت لوحدة الديـن سنين مـدادِ

شـهدت بسمـو أخلاقك الأعـداء

كجـدك علي علـة الإيجــــادِ

سنبكيـك دومــاً يا صــاحب

القلب الكبيـر و أسـوة الزهّــادِ

نــم قـريــر العيـــــن

فمثواك جنــات خُلدٍ مع الأمجـادِ

طبـت حيــاً طبـت ميتـــا

وطــاب مثـواك ليـوم المعــادِ

نجاح السماك


حقيقة التوبة

 

إن امرأة كانت تمارس البغاء وتحضر مجالس اللهو واللعب مرت ذات يوم أثناء سفرها بالصحراء على بئر، ولكنها لم تعثر على دلو تغترف به الماء، فنزلت إلى قعره وشربت الماء وخرجت منه، لاحظت عند خروجها أن كلباً عطشاناً يبحث عن الماء، فرق له قلبها فجعلت حذاءها دلوا وظفيرتها حبلا واغترفت له الماء وسقته، ثم قالت: اللهم اغفر لكلبة بكلب.

وبما أنها رحمت كلبا وسقته، فقد التفت إليها ربها بالرحمة وجعل ذلك الكلب سببا لغفران خطاياها، ثم إن المرأة أكثرت من البكاء وتابت من سوء أعمالها، لقد كان هذا العمل الطيب سببا لتوبتها وأوبتها إلى الله ورحيلها عن هذه الدنيا وهي في غاية السعادة.

اذكر معادك افضل الذكر

لا تنس يوم صبيحة الحشر

يوم الكرامة للأولى صبروا

فالخير عند عواقب الصبر

في كل ما تلتذ انفسهم

انهارهم من تحتهم تجري

والمغزى من القصة الرسالة التالية: أن حقيقة التوبة هي الندم القلبي واستشعار الألم من وقوع الذنب، وكلما كانت الحسرة في القلب عليها أشد كانت التوبة اقرب إلى القبول، وأنه مهما كان العمل الطيب الذي تؤديه حتى لو كان ذرة متناهية في الصغر يكتب لك حسناته ويكون سببا لنجاتك وتطهير ذنوبك وهدايتك حتى تصبح في حال أفضل مما سبق. استغفر الله من ذنبي وأسأله عيشا هنيا بأخلاق مطهرة.

منى الحايكي


إدمـان الحشيـش (5)

 

كلما زادت فترة إدمان الحشيش زادت صعوبة التخلص منه، وتعرض الإنسان لمزيدٍ من الضياع والخيبة والفشل، وغالبًا مّا يكون التعاطي بسبب رفاق السوء أو اكتساب هذه العادة الذميمة من الخارج ومن مجتمعات لها عادات مخالفة لديننا وتقاليدنا.

فإدمان الحشيش هو إدمان لنوع من المخدرات على رغم رخص ثمنه مقارنة بباقي الأنواع الأخرى وهذا ما يجعل منه خطرًا محدقًا وقد يعتقد البعض خطأ أنه ليس من المخدرات وهو قول عارٍ عن الصحة ومخالف للواقع، كما أن بعض المفاهيم الخاطئة للشباب تجعلهم يهونون من أمر الحشيش، وإن كانت أعراض انسحابه ليست شديدة التأثير إلا أن تعاطيه على فترات طويلة يؤدي إلى ضعف القدرات العلمية والمهارية وتراجع في العلاقات الاجتماعية أما بالنسبة إلى مزاج الشخص المتعاطي فإنه حتمًا يتسم بالتقلب والعصبية.

يعمل الحشيش على التغيير العضوي في مراكز المخ ما يجعل المريض المتعاطي له في حالة عشق ووله مستمر للحشيش يصعب عليه التخلص منه، فمن يعشق السرعة الجنونية يعلم أن نهايته الموت إلا أنه يصعب التخلص من هذا العشق، لذلك يجب على المجتمع تغيير أفكاره تجاه مدمن الحشيش الذي يُعتبر مريضًا وليس مجرمًا وهو الاتجاه الإنساني الذي توليه وزارة الداخلية جلّ اهتمامها.

يشار إلى أن هناك مقولة تزعم أن تعاطي الحشيش يزيد القدرة الجنسية عند الرجال إلا أن جميع التجارب والبحوث المعملية أثبتت العكس؛ فالمتعاطي يحس بهذا الشعور في بداية التعاطي وفي حالة عدم وجود المخدر قد يصبح عاجزًا جنسيّاً، وهو ما أكده خبراء في هذا المجال.

آثار الحشيش: يؤدي إدمان الحشيش إلى ذهاب العقل فتتولد لدى البعض من المدمنين أفكار غريبة ووساوس ويعتقد أنه مضطهد وأن هناك ألاعيب ومؤامرات تحاك ضده، وأنه واقع تحت تأثير مسيطر على عقله وإحساسه وأن هناك من يتحكم في حياته ومن هنا تأتي حالة الانفصال عن الواقع وقد يرتكب مدمن الحشيش جريمة قتل استجابة لما يعتقد بأنه واقع؛ لاختلاط الوعي باللاوعي لديه، أما الأمراض النفسية الخطيرة من قلق وذهان وفصام فهي حتمًا ستظهر عليه وتقوده إلى ارتكاب أنماط السلوك الغريبة، وتتلخص هذه الأنماط السلوكية في الآتي: رغبة غلابة أو حاجة قهرية إلى الاستمرار في تعاطي المخدر ومحاولة الحصول عليه بأية وسيلة، وميل إلى زيادة الجرعة المتعاطاة، واعتماد نفسي وعضوي عام على الحشيش، وتغير سريع في ملامح الوجه، وظهور هالات سوداء تحت العين، وتغيرات أخرى.

ومن خلال ما توصلت إليه الدراسات المتخصصة في تعاطي الحشيش تبين أن أهم أسباب تعاطي الحشيش هي مجاراة رفاق السوء وحب الاستطلاع والاعتقاد الخاطئ بحسن سير الممارسة الجنسية أو من باب استكمال الرجولة.

أما غالبية حالات الوفاة الناتجة من تعاطي الحشيش فناجمة من استحلابه أو أكله أو شربه في قهوة أو شاي وتحدث الوفاة بسبب أن الدماغ والقلب لا يتحملان كمية السم المتواجدة في الدم، وبالتالي يصاب المتعاطي بهبوط حاد في الدورة الدموية ومن ثم الوفاة في الحال، ولأن قوة تحمل الجسم البشري تجاه سم الحشيش تختلف فقد يموت البعض من تعاطي الحشيش بالتدخين والمحزن في الأمر أن رفاق المتعاطي- الذين يتعاطون معه في الجلسة نفسها حينما يرون رفيقهم يموت أمامهم يفرون خشية الوقوع في يد الشرطة، ولا يقومون بإسعافه ولا بإبلاغ الطوارئ عن حالته.

طريقة إسعاف متعاطي الحشيش في حالة الجرعة الزائدة (الأوفردوس): إن علاج هذه الحالة هو الذهاب بالمتعاطي إلى المستشفى لعمل غسيل للمعدة أو إذا لزم الأمر تغيير دمه فورًا وهذا هو الحل الأوحد لإسعاف من كان في حالة خطرة، لكن من المؤسف أن رفاقه سيتركونه خوفًا من انكشاف أمرهم ويقوم البعض بإعطائه قهوة أو ليمونًا أو حليبًا حتى لا يتحملوا مسئولية وفاته إلا إذا كان من بين المتعاطين من يجازف بمستقبله وحريته لإنقاذه، وكما قلنا الطريقة الوحيدة هي اصطحابه للمستشفى وبسرعة، بل وقول الحقيقة للطبيب المعالج حتى يستطيع إنقاذه فالكذب في هذه الأمور لا يجدي نفعًا، لذلك فإن متعاطي الحشيش والجالس معه، في خطر مستمر.

وزارة الداخلية


طابع الحب

 

عشت غالي ومت غالي في حبي لها يبجيني شوق دمعتها

بحريني وين رحت ما أصير ثاني عروقي في داخل انتمائي

ضاعت حروفي بوصفها مهما سافرت عنها احن لرجعتهـــا

شنو كنت ما أغيرها في حبي في شوقي لها ما أحيد بولائي

اختم الوفا عنواني اكتب طابع الحب في صفائي وفي طبعتها

بحريني في نهاري وليلي في حياتي العادية في داخل دمائي

معروفة من زمان بأصالة أهلها بسوالف اول وبطيب سمعتها

بالكرم واستقبال الضيوف بالخير والسلام في طبعها وفائي

كوكب جميل قمر دنيتي شمس حياتي ضحكة تبتسم بفرحتها

أمطار تغرق البحرين بالحب ثلج ابيض يغطيها من سمائي

رمالها الأصيلة بحارها العذبة بلادي تسحرني بحلو نظرتها

أشجارها الخضرة نخيلها الطويلة أوراق تتطاير في الهوائي

بحريني قول وفعل أصيل بفعله ما يتغير لونه ابد في صبغتها

يتألم لغيره يتأثر بحال غيره قلبه حقيقي يساعد في شفائي

يحس بمعاناة المواطنين صادق في وعوده أمين في كلمتها

يأسس الأمل في المجتمع يصنع الطموح يشيد نسج البنائي

قنوع ولد بلدي أصيل الطيب راضي صبور في نيل نعمتهـــا

بحريني قلبه كبير روحه أنيقة إيماني مختلف دعوته رجائي

بحرين نورها يضوي كل بيت وشعلة حب تشعل بيها شمعتها

خيرات بلدي ثرواته الكبيرة النعم الجمة إشراقات النمائــي

على كلمة حروفي على نغمة ألحاني أشيد حب في ضحكتها

على حبها أشحن طاقاتي ابدع بفني اشرفها اثبت لها نقائــي

عيوني ما تجوف إلا جمالها حنيني يزيد شوق يزيد بلمعتها

من أجدادي إلى آبائي الى قراهم القديمة ومدنهم أعلن بقائي

بحرين شنو تريد بلادي أنا تحت أمرها أنا ملكها في خدمتها

شراييني قلبي روحي عقلي حياتي أولادي أنا تحت الندائـــي

الله يحفظها يخليها الله يحميها يبعد كل سوء يبي طلعتهــــا

يا رب أدعوك من قلب مواطن يخاف على بلده تستجيب دعائي

ميرزا إبراهيم سرور

العدد 2878 - الجمعة 23 يوليو 2010م الموافق 10 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:57 ص

      مجرد رأي

      أكرر المشاركة
      ينبغي اختيار القصائد بعناية فليس كل ما يرد للصحيفة يسمى شعرا

اقرأ ايضاً