العدد 1015 - الخميس 16 يونيو 2005م الموافق 09 جمادى الأولى 1426هـ

إحياء قيم المواطنة في دولة المؤسسات

ناجي جمعة comments [at] alwasatnews.com

-

يكتسب الإنسان انتماءاته الفكرية والمذهبية والطائفية، ويشب على هذا الانتماء ويترسخ كلما كبر. والغالبية الساحقة من أفراد المجتمع يتحدد انتماؤهم الطائفي منذ سن مبكرة، فالتقليد والمحاكاة سمة تلازم الإنسان منذ مراحل تكوينه الأولى. ومجتمعنا البحريني تتقاسمه فئات مختلفة، تسعى كل منها إلى إثبات ذاتها وحضورها الاجتماعي والثقافي والسياسي، فينشأ التنافس بينها على امتلاك الساحة، ومن هنا برزت القوى السياسية والجمعيات المدنية، وهذا هو أساس الحراك الاجتماعي.

والمجتمع الخالي من جميع أنواع التسابق والتنافس لا يمكن أن يكون مجتمعا حيا فهو أقرب إلى مجتمع الأموات. ولذلك فإن الاختلافات الطائفية والمذهبية لا تمثل إشكالا في حد ذاتها، فهي من السنن الكونية في الحياة. ولكن من أهم المشكلات نشوء التعصب والكراهية والإلغاء بين الطوائف الذي يمكن أن تغذيه أطراف خارجية لا تهمها مصلحة الوطن، تبحث عن الاختلافات وتغذيها بشكل يثير البغضاء والتشاحن، فيسهل عليها السيطرة عليه والتحكم في مصيره.

ويمكن أن تتورط في هذا المجال السلطة الداخلية من دون أن تشعر، فبدل أن يصنف الإنسان على أساس وطنيته، ويحاسب على قدر ما يقدمه إلى أمته، يتم النظر أولا إلى طائفته. ولا سبيل إلى الوحدة الوطنية دون مساواة طوائف وشرائح المجتمع كافة أمام القانون. أما التشكيك في النوايا، ومحاولة قراءة الآخر بخلفية تخفي تهم الرمي بالخيانة العظمى، والعمل لصالح دول أجنبية، فإن ذلك يزيد من عمق التوترات وتوسيع الفجوة، وشحن النفوس ضد هذه الطائفة أو تلك.

ومن عوامل زيادة الفرقة الطائفية التفضيل في التوظيف، والتشكيك في الولاء للوطن، وهي الاسطوانة المشروخة التي نسمعها بين الفينة والأخرى. وهي مسألة ترد عليها قصائد الولاء والتعبير عن تعلق الشعراء المحليين بتراب وطنهم... إذ تستطيع أن تلمس في قصائدهم أجمل معاني الحب والإخلاص للوطن.

كما أن المصداق الأكبر للحب ليس هو الكلام فقط، بل الفعل والعمل في مختلف الحرف والمهن والأعمال الصعبة من أجل رفعة وطنهم، وقوته الحضارية والثقافية بين الأمم.

أما كيفية علاج هذه المشكلة القائمة فيكمن في تغيير النظرة إلى الآخر، وإشاعة العدل والمساواة بين أبناء الوطن، وتحكيم مبدأ "الكل سواسية أمام القانون"، وان تقيم الندوات الحوارية والمؤتمرات لتقريب وجهات النظر بين الطائفتين، والعمل على إحياء المشتركات بين فئات وشرائح المجتمع، وخصوصا أن أبناء البحرين تربوا على تبادل الاحترام، وجمعتهم مهن مشتركة قديما وحديثا.

وأعتقد أن على الدولة أولا، والعلماء والمثقفين ثانيا، ورجل الشارع ثالثا، مسئولية خلق التقارب والتجانس، وان ندرس النتائج السلبية للفرقة والتناحر، وأن نأخذ العبرة والدروس مما حصل في الدول الأخرى، وما لبنان والعراق منا ببعيد.

وفي هذا السياق، تأتي الندوة التي نظمها مجلس الشيخ صلاح الجودر بمشاركة رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان، خطوة في الطريق الصحيح من أجل إحياء فكرة التقارب في الجانب العملي، وتحويل الشعار إلى واقع. ونتمنى من جميع القوى السياسية والجمعيات المدنية أن تسير في الاتجاه ذاته، وأن يتم تغليب مفهوم الوطنية على الطائفية أو القبلية أو الفئوية، من أجل دولة عصرية قادرة على الدخول إلى القرن الحادي والعشرين من أوسع الأبواب. وربما يكون تدريس المذاهب الخمسة في المدارس الحكومية خطوة أخرى في الاتجاه الصحيح، للتغلب على ما يشعر به قطاع كبير من أبناء الشعب من استبعاد وغبن. ولتلافي هذا الاحساس بالغبن والاستبعاد، لابد من البحث عن المسببات وطرق علاجها، بصورة صادقة بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن.

كما أن علينا أن نتعرف على عدونا الخارجي، وندرك برامجه وأهدافه الخبيثة في السيطرة على مقدراتنا من خلال الدخول من بوابة الفرقة، بينما يظهر نفسه كحمل وديع يبحث عن أسباب التفاهم بين مختلف التيارات والمذاهب والنحل

العدد 1015 - الخميس 16 يونيو 2005م الموافق 09 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً