العدد 1022 - الخميس 23 يونيو 2005م الموافق 16 جمادى الأولى 1426هـ

من العولمة إلى الحلم بوطن عزيز

محمد يوسف comments [at] alwasatnews.com

-

غير مسموح لنا أن تستقر أوضاعنا أو تهدأ نفوسنا لبناء أوطاننا ولمراجعة أنفسنا، فلا نتخلص من مشكلة الا وخلقت لنا مشكلة جديدة. الموضوعات تراكمت حتى في المشكلة الواحدة ومن سرعة التوتر أصبحنا لا نجد الوقت في أن نرد أو نوضح فأضحت الأفكار مشوشة والذاكرة مبتورة.

للأسف إننا مبهورون بما يقوله ويعده الغرب ونصدقه من دون تفكير أو مراجعة الذات، وكأنه القرآن المنزل. وحتى القرآن المنزل يوجد اليوم من يناقش فيه ويفنده ويراجعه ويشك فيه تحت مبرر حرية الرأي والفكر والعياذ بالله.

يتدخل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي في هذه الدولة أو تلك ويجبرها تحت طائلة قانونها للتكرم عليها بالقرض تلو القرض بشرط أن تقوم تلك الدولة برفع الدعم عن "الخبز" عن شعبها لإصلاح اقتصادها وإلا حرمتها من القرض فتكبل الدولة بهذه الشروط، ويثور الشعب الفقير الجائع وتخرج الفتنة من سباتها وتخرج المظاهرات والمسيرات ويقال إنها انتفاضة حرامية وحركة إرهابية.

بعد أن استهلكت حركات الصندوق والبنك الدولي وانكشف امرها، اخترع الغرب الخصخصة وطبل لها طبالونا الجاهزون لكل وارد ومستورد، وأفردت الأقلام والصحف لتقول إن الخصخصة هي المخرج الوحيد لخسارة هذه المؤسسة أو الخدمة، وخصخصتها ستخرجها إلى الربحية وفتح سوق العمل والقضاء على جزء من البطالة، والنتيجة أن هناك مواطنين مسرحين ومفصولين والوظائف تتقلص وبعد فترة ترى موظفين أجانب يعملون بدل المواطنين. وانتم تلمسون ذلك اليوم في تنظيفات البلدية والمواصلات والبقية تأتي.

لم ننته بعد من الخصخصة لأن هناك بقية من الخدمات تحت مجهر من يدير خصخصتها ليتولاها فرد أو جماعة لا تدري من هم أصلا! هل هم مواطنون أم أجانب؟

وحتى ينصهر المواطن وحتى الدولة وحتى توضع الجماهير في وجه السلطة، صدروا لنا العولمة والشكر والامتنان لمفكرينا وكتابنا وعباقرة التفسير لدينا، غيبوا الشمس وأصبح نور العولمة هو المخرج للغنى وبابا واسعا للدخل وحتى ادخلوا الآية القرآنية "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" "الحجرات: 12"، مثلا واحدا نذكره هنا من نتائج العولمة هو فنادقنا والرستورنات تمتلئ حتى الغصة وما كتبه ابناء الديرة عن حال القضيبية والحورة ما هو الا نتيجة العولمة.

أليس بيننا مفكرون أصحاب عقول؟ أين أصحاب التجارب؟ أليس منا من يدير الاقتصاد، المصارف، المؤسسات، المصانع... ألسنا ادرى بشعاب بلادنا؟

كل التدخلات من شروط البنك والصندوق الدوليين والخصخصة والعولمة ومجلس الأمن الدولي... إلى آخره تنتهي ولكن يبقى المخطط له وهو موقف الجماهير من حكامها وزيادة الهوة بين الحكام والمحكومين إلى أن يأتي بحسب مخططهم الوقت المناسب لاشعالها تحت حجتين يتلاعب الأعداء بها: الديمقراطية والإرهاب.

لا توجد دولة عربية أو إسلامية إلا بها صراع ظاهر أو خفي بين الحاكم والمحكوم، أو بين السلطة والشعب. هذا الصراع يقع بين نقطتي الديمقراطية والإرهاب!

وليكون توضيحنا بسيطا يفهمه الجميع، فإن المحطات الفضائية والإذاعية والصحف اليومية والإعلامية اليوم المنتشرة في كل مكان ليست الا محطات معظمها مبرمجة ويصرف عليها الملايين لخلق البلبلة بين الشعوب وإيجاد الشروخ في دولنا العربية والإسلامية بين الجماهير والحكام ليكون الطريق سالكا ممهدا للاستعمار للتدخل وبسط السيطرة، وعندئذ لا الحاكم ولا المحكوم يكون ذا قيمة أو وزن، فتحت ذريعة التفرد بالحكم، الدكتاتورية، نهبت مقدرات الدولة... الخ "لست في مجال اثبات صحة أو كذب هذه الادعاءات" يتدخل الغرب ويدغدغ الجماهير ويخلق فيها روح التصدي والاعتراض ويشحنه بالغضب عما يصيبه على ايدي حكامه إلى درجة الغليان والثورة والتصدي ثم استعمال العنف كالتفجيرات والقتل.

ويجلس إلى الحكام ويوغر صدورهم على ابناء شعوبهم الذين أصبحوا ارهابيين متطرفين يريدون قلب انظمة الحكم بالقوة.

أن هذا الأسلوب يستعمله ويستغله الغرب سياسيا واقتصاديا وثقافيا في كل المجالات. والغريب أننا مستعدون حكاما وشعوبا للتقاتل والصراع فيما بيننا للمطلب الديمقراطي ومجابهة الإرهاب، ولسنا على استعداد للجلوس معا للتفاهم بالطرق الديمقراطية والشورى لوضع الايدي بعضها في بعض لتحقيق أمن الوطن من حرية وازدهار.

ان المشروعات والحلول والأفكار التي تأتينا من الخارج ونستقبلها بالترحاب "ولنقل أنها صادقة" لا تصلح للتطبيق كما هي في أجواء غير الأجواء التي انبثقت منها، فالمجتمعات تختلف في ثقافاتها وعاداتها وتطلعاتها ونمط حياتها.

وكلنا نحلم بوطن مزدهر متطور مستقر غني، وكلنا نتمنى لانفسنا ولإخواننا في الوطن أعلى مستوى من الثقافة والرخاء والعمل الجيد، ولكن هل كل الأحلام تتحقق لأن العظماء من الرجال يحلمون بها؟

وزير البلديات المرحوم الشيخ عبدالله بن محمد آل خليفة كان يحلم بجعل البحرين سنغافورة الخليج وما اروعه من حلم وامنية فهل تحقق؟ ووزير التربية السابق علي فخرو أطال الله عمره كان يحلم أن يصل الإنسان البحريني إلى مستوى الإنسان الياباني ثقافة وابتكارا، وما أعظمه من تطلع فهل وصل المواطن البحريني إلى ذلك المستوى؟

ان اختلاف واقع الشعوب من جميع النواحي عن بعضها بعضا لا يمكن من تطبيق نظام واحد عليها، ولو طبق القرار من الاعلى فلن يتحقق له النجاح، بل وسيخلق البلبلة والفوضى وتنعكس النتيجة.

ان مشروع "ماكينزي" يمكن ان يطبق في الدول الغربية الغنية القديمة "دون الدول الشرقية الجديدة" ويمكن أن يطبق في اليابان لان نظامهم ومستواهم الاقتصادي والاجتماعي وصل إلى درجة تمتص تأثير تطبيق أي نظام جديد مع ترك تأثيره السلبي على المجتمع ذاته. ومشروع ماكينزي "إصلاح سوق العمل" قبل تطبيقه خلق البلبلة والخوف في أوساط المجتمع كل بحسب موقعه وتم الاعتراض عليه لأنه سيفكك كثيرا من الركائز التي بنى هذا الوطن عليها طوال عقود.

وإذا كان إصلاح سوق العمل يعتمد على تكوين موازنة للصرف على الإصلاح في النواحي التي وردت في المشروع، فإني اطرح هنا "مشروعا" بديلا لن يخلق بلبلة ومن النادر أن يلقى اعتراضا، فحق الوطن والمواطن ومستقبل الاجيال فوق أي اعتبار، لانه نابع من داخلنا جميعا عقيدة وفكرا.

وليت هذا المشروع "البحريني" ومشروع "ماكينزي" يوضعان أمام استفتاء وطني ليكون بينهما الخيار.

1- تطبيق حكم وشرع الله سبحانه وتعالى بإخراج الزكاة... تحت إدارة مجلس من الشئون الإسلامية والجمعيات الإسلامية والخيرية الرئيسية.

2- مراجعة كل الاملاك التي امتلكها أنا وأنت وهو وهي، من قبل المجلس الوطني، فإن كانت لنا حقا فهي لنا بحكم الشرع والقانون وان كانت من دون ذلك فترجع إلى ممتلكات الدولة.

3- مراجعة كل الأموال في المصارف في الداخل والخارج من قبل المجلس الوطني للاشخاص الذين من حق المجلس الوطني مساءلتهم ومحاسبتهم فالاموال التي تكونت من طريق غير مشروع ترجع إلى ممتلكات الدولة.

4- استخراج ملفات القروض التي اعتبرت ميتة، وملفات الاختلاسات والتلاعب من المصارف والهيئات، والتحقيق في قضايا تزوير النقد والتجارة في المخدرات وغسل الأموال، ورد عمولات المشروعات الضخمة التي دخلت في جيوب البعض من دون وجه حق، ومراجعة دفاتر الشركات الرئيسية في البلاد من دون استثناء مادامت تعمل في البحرين، يتم ذلك تحت لجنة من المجلس النيابي والقضاة والنيابة العامة.

5- ايجاد لجنة من المجلس الوطني وذوي الاختصاص لوضع حد لاتلاف النخيل والزراعة والقضاء على الأراضي الزراعية، وفي اتلاف مصائد الأسماك وتدهور الثروة السمكية، ولحماية الثروة المائية ولوضع حد للتصرف الشخصي في أراضي الدولة البرية والبحرية، وجعل القانون وميزان العدالة مظلة الجميع لا فرق بين هذا وذاك روحا ونصا.

لست اقتصاديا حتى اظهر الرقم الذي سيترتب على تطبيق هذا "المشروع"، ولكن بالتأكيد سيكون أكبر بكثير من رقم "ماكينزي" ومن دون سلبياته، ولكم ان تتصورا كيف ستكون النتيجة بعد تدوير كل هذه المبالغ لصالح الوطن والمواطن، وما ستؤديه إقامة المصانع والأعمال التجارية والزراعية من ازدهار في البلاد

إقرأ أيضا لـ "محمد يوسف"

العدد 1022 - الخميس 23 يونيو 2005م الموافق 16 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً