العدد 2411 - الأحد 12 أبريل 2009م الموافق 16 ربيع الثاني 1430هـ

المحكمة الجنائية الدولية...مصدر جديد للقرار الدولي

في نهاية تسعينيات القرن الماضي أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار لإنشاء «المحكمة الجنائية الدولية»، وكان ذلك نتيجة لسعي حثيث نحو مأسسة الديقراطية في العالم عبر إنشاء محكمة دائمة تنظر في الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان.

المبشرون بالمحكمة اعتبروها الخطوة الأهم لمنع تكرر المآسي البشعة التي ارتكبتها أنظمة دكتاتورية وفاشستية وعنصرية، كما اعتبروا هذه المحكمة مصدر القرار الدولي المنافس لمجلس الأمن الدولي. فإذا كان مجلس الأمن يهتم بسيادة الدول أولا، فإن المحكمة الجنائية تهتم بسيادة الإنسان أولا.

على أن المخاوف من تسييس المحكمة كانت ملازمة منذ التأسيس، ولذا فإن الولايات المتحدة الأميركية سحبت تأييدها لتأسيس المحكمة عندما اكتشفت أنها ستفسح المجال لمحاكمة مسئولين مدنيين وعسكريين أميركان في يوم من الأيام. كما قامت أميركا بعقد اتفاقيات ثنائية مع كل دولة يتواجد فيها جنود أميركان وقواعد عسكرية لضمان عدم تسليم أي أميركي إلى المحكمة الدولية إذا طلب منها ذلك مستقبلا.

«إسرائيل» أيضا خشيت من المحكمة، لأنها تعلم بأن تجاوزها للقانون الدولي إنما يحدث بحماية «الفيتو» الأميركي في مجلس الأمن الدولي، ولكن محكمة الجنايات قد تتجاوز الفيتو مع اكتمال أسسها القانونية واعتماد آلياتها بشكل واسع على المستوى الدولي. وعليه فإن كلا من أميركا و»اسرائيل» سحبتا توقيعهما في 2002 على قانون المحكمة، وأشارتا إلى أنهما لا ترغبان بالعضوية وبذلك لا يترتب عليهما التزامات تجاه المحكمة. ولربما يغيّر الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما الموقف الأميركي، ولكن علينا أن ننتظر.

الخشية من التسييس أصبحت مدار الحديث منذ أن أصدرت المحكمة قرارا باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير في 4 مارس/ آذار 2009 بشأن اتهامات تتعلق بما يحدث في دارفور. واعتبرت الكثير من دول ما كان يسمى بـ «العالم الثالث» أن المحكمة ستسلط عليهم دون غيرهم، وبذلك يتكرر سيناريو مجلس الأمن الدولي المحكوم بـ «الفيتو».

بين الذين يشككون بنوايا المحكمة وبين الذين يبشرون بعهد جديد لحقوق الإنسان هناك الكثير من القضايا التي تتطلب منا أن نتوقف عندها لنفهمها بعمق... ذلك لأن المحكمة الجنائية الدولية تأسس بالفعل لعصر جديد ينطلق فيه القرار الدولي بشكل مختلف عن الماضي، وهو ما نأمل إلقاء الضوء عليه في هذا العدد الخاص من ملحق «الوسط السياسي».

منصور الجمري

العدد 2411 - الأحد 12 أبريل 2009م الموافق 16 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً