العدد 2411 - الأحد 12 أبريل 2009م الموافق 16 ربيع الثاني 1430هـ

إدارة أوباما تتخلى عن عدائها للمحكمة الجنائية الدولية

فيما ناصبها بوش العداء ووقّع اتفاقات مع 50 دولة لحماية الأميركيين

ناصبت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش المحكمة الجنائية الدولية العداء بسبب خوفها من جر الجنود الأميركيين المنتشرين في العديد من البلدان بتهم ارتكابهم جرائم حرب، ولم تقف عند هذا الحد بل قامت بتوقيع اتفاقات أمنية مع نحو 50 دولة تمنح جنودها الحصانة التامة. لكن يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما تخلت عن العداء الواضح للمحكمة الجنائية إلا أنها لا تزال بعيدة جدا عن الانضمام إليها.

ويقول مسئولون أميركيون إن الفريق الجديد يراجع سياسته بشأن المحكمة بعد أن نبذتها إدارة بوش مثيرة بذلك الانتقادات بأنها تحتقر القانون الدولي. إلا أن إدارة أوباما ستواجه العديد من العوائق إذا أرادت الانضمام إلى المحكمة، حيث يقول خبراء إنها ستواجه مقاومة من الجيش الأميركي والكونغرس، ويمكن لأي دعم أن يختفي في حال أدى إصدار تلك المحكمة أمرا باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير إلى مزيد من سفك الدماء في دارفور بدل حقنها.

ويقول جون ووشبيرن الذي يقود تحالفا من عدد من الجماعات التي تشجع انضمام الولايات المتحدة إلى المحكمة، إن الإدارة الجديدة لا تزال خائفة من الانضمام إلى أول محكمة دولية دائمة تنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ولكن يؤكد أن ذلك ليس لأسباب إيديولوجية.

وصرح ووشبيرن أن الإدارة الجديدة «لها رأي مختلف بالنسبة إلى القانون الدولي (مقارنة مع إدارة بوش) ولديها التزام بالأساليب المتعددة الأطراف في حال ارتأت أن ذلك سيكون فعالا».

وقال مسئول في وزارة الخارجية إن إدارة أوباما تريد إجراء مشاورات مع مسئولين عسكريين إضافة إلى خبراء قانونيين وغيرهم داخل الحكومة.

وصرح المسئول أن «سياستنا تجاه المحكمة الجنائية تخضع للمراجعة». وأشار إلى أن «أي نظرة إلى المحكمة الجنائية الدولية يجب أن تشمل حقيقة أساسية وهي أن الولايات المتحدة تنشر العدد الأكبر من القوات في الخارج مقارنة مع أي دولة أخرى في العالم وتوجيه أي اتهامات لقواتنا يمكن أن يدخل المحكمة وقواتنا في حلقة تمتد عقودا».

وأوضح ووشبيرن أن الإدارة السابقة كانت تعتبر المحكمة فخّا قانونيا محتملا لقواتها في الخارج، وليس ذلك فحسب بل اعتبرها «تهديدا للسيادة الأميركية» وربما «خطوة أولى باتجاه حكومة عالمية». وأضاف أن «إدارة بوش اتبعت سياسة العدوانية والابتعاد».

وقالت باتريشيا وولد القاضية السابقة في المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة، إن تحركات المحكمة حتى الآن «لا تدعو إلى القلق من استهداف عناصر القوات سياسيا». وأكدت وولد التي كانت قاضية فيدرالية، أن «المحكمة الجنائية يمكنها أن تتعامل مع نحو ست من القضايا في وقت واحد وملتزمة بمقاضاة أكثر منتهكي حقوق الإنسان الدولية خطورة».

كما يتمتع الجنود الأميركيون بحماية ما يقولون انه اتفاقيات وضع القوات في العراق وغيرها من الدول التي ينتشرون فيها، بحسب وولد.

وشاركت وولد في رئاسة الجمعية الأميركية للقانون الدولي التي كلفت ببحث السياسة الأميركية حيال المحكمة الجنائية التي أوصت في فبراير/ شباط الماضي تبنّي الرئيس الجديد سياسة «المشاركة الايجابية مع المحكمة».

وقال ووشبيرن إن مثل هذه المشاركة تتضمن مستوى من التعاون مع المحكمة لا يصل إلى مستوى الانضمام إليها بحيث تصبح الولايات المتحدة عضوا له صوت فيها. وأضاف أن الإدارة الجديدة يمكن على سبيل المثال المشاركة في اجتماعات تؤدي إلى أو تشتمل على مؤتمر مراجعة يناقش التعديلات على ميثاق روما 1998 الذي أطلقت بموجبه المحكمة في العام 2002.

وأوضح ووشبيرن انه في النهاية «يمكن أن تصل إلى وضع عند انتهاء مؤتمر المراجعة في العام 2010 تشعر فيه الولايات المتحدة بالراحة الكافية ناحية المحكمة بحيث تصدّق عليها». وقال إن الإدارة يجب أن تحشد الدعم ليس فقط بين أعضاء الجيش، ولكن كذلك في الكونغرس.

كما أشار المسئول التنفيذي في تحالف «أنقذوا دارفور» أليكس ميزنر إلى أن دعم المحكمة يعتمد كذلك على نتائج مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة في الرابع من مارس/ آذار لاعتقال الرئيس السوداني بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وقال: «إذا أدت مذكرة الاعتقال إلى ارتكاب البشير مزيدا من الجرائم، فإن ذلك لن يكون مؤشرا جيدا لمستقبل المحكمة».

وكتب ديفيد كاي، المحامي السابق بوزارة الخارجية في إدارتي كلينتون وبوش ومدير برنامج حقوق الإنسان بكلية الحقوق في جامعة كاليفورنيا، مقالا نشرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» تحت عنوان «لابد وأن تعيد الولايات المتحدة صلتها بالمحكمة الجنائية»، أشار فيه إلى أن اتهام المحكمة للبشير طرح سؤالا مهما على الإدارة الأميركية والكونغرس سينبغي عليهما الإجابة عليه وهو: ما الذي ستفعله الولايات المتحدة بشأن المحكمة؟

ويوضح الكاتب أن الرغبة في إقامة محكمة جنائية دائمة لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية موجودة منذ محاكمات نورمبرغ. وبحلول العام 1995، تولّت الولايات المتحدة دورا قياديا، في عهد كلينتون، للتخطيط لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة. وفي العام 1998 اجتمعت معظم دول العالم في روما لعقد مفاوضات نهائية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.

ولهذا سعت إدارة كلينتون إلى تحصين المسئولين الأميركيين من مقاضاة المحكمة لهم، ولمنح مجلس الأمن دورا مهما في تحديد الحالات التي ينبغي على المحكمة الجنائية العمل عليها.

ولكن في النهاية، على رغم أن أكثر من 90 في المئة من النظام الأساسي للمحكمة كان مقبولا، فإن الولايات المتحدة لم تتمكن من الحصول على التنازلات التي تريدها، ومن ثم صوتت ضد وثيقة تأسيس المحكمة الجنائية. وعلى الرغم من خيبة أمله لما آلت إليه الأمور، وقّع كلينتون على الوثيقة قبيل مغادرته الرئاسة، الأمر الذي سمح لواشنطن بالبقاء على اتصال مع المحكمة الجنائية ولكن دون الحاجة إلى الانضمام إليها.

ويضيف الكاتب أن إدارة بوش رأت الأمر من وجهة نظر مختلفة. فبعد فترة وجيزة من توليه السلطة، عمل بوش على تقويض سلطة المحكمة الجنائية ووقّع على معاهدات ثنائية مع نحو 50 دولة تحول دون تسليم الأميركيين للمحكمة تحت أي ظرف من الظروف، كما فرض عقوبات على الدول التي انضمت إلى المحكمة، بل وهدد بقطع المساعدات العسكرية عن 35 دولة أخرى.

واستغل بوش المادة رقم (98) من اتفاقية روما التي تسمح للدول بالدخول في اتفاقيات ثنائية تتفق الدول بمقتضاها على استثناء جنود دولة ما من العاملين على أراضيها من نصوص الاتفاقية؟!

وكانت المحكمة الجنائية الدولية بدأت العمل في صيف 2002 بمشاركة 60 دولة فقط. لكن اليوم، بلغ عدد الدول المشاركة بالمحكمة 105 أعضاء، معظمهم من دول غرب أوروبا وأميركا اللاتينية وإفريقيا وكذلك كندا والمكسيك واستراليا واليابان.

ويوضح الكاتب أن علاقة الولايات المتحدة والمحكمة الجنائية بدأت في التحسن في الآونة الأخيرة، فقد تماشت الولايات المتحدة مع موقف مجلس الأمن لإحالة قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية للتحقيق والملاحقة القضائية للجناة.

ويختتم الكاتب مقاله مشيرا إلى أنه حان الوقت كي تزيد الولايات المتحدة مشاركتها بالمحكمة الجنائية، والذي سيسمح لها بالمساعدة في تشكيل السياسات العامة والتطورات القانونية بطرق تتماشى ومتطلباتها.

فخلال الوقت الراهن، ليس للولايات المتحدة أي تأثير مباشر على تفكير المحكمة، ونتيجة لذلك، تتم صياغة العديد من المبادئ الأساسية للقانون الدولي دون مشاركة من جانب الولايات المتحدة. كما أن ذلك أيضا خطوة مهمة نحو إعادة مكانة الولايات المتحدة بالعالم.

العدد 2411 - الأحد 12 أبريل 2009م الموافق 16 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً