العدد 3009 - الأربعاء 01 ديسمبر 2010م الموافق 25 ذي الحجة 1431هـ

«أحاديث وسير» تقي البحارنة يقلب صفحات من تاريخ الثقافة والسياسة في البحرين

إصداره الجديد يوثق حصيلة العمر في تمازج بين النثر والشعر

صدر حديثاً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب جديد للأديب البحريني تقي محمد البحارنة بعنوان «أحاديث وسير»، ويقع في 448 صفحة من القطع الكبير.

ويمثل كتاب «أحاديث وسير» مقالات في شتى شئون الفكر والأدب والحياة، وفي أحوال المجتمع في البحرين، كتبها المؤلف بأسلوب أدبي لتكون بمثابة واحة للاستراحة من تعب الفكر والفؤاد، وفي سائر فصول الكتاب ندوات أدبية وثقافية وسير لشخصيات رائدة في مسيرة البحرين الثقافية وفي مجال العمل الوطني، كل تلك الثنائيات وجدت ضالتها ضمن «أحاديث وسير» تقي البحارنة.

ويتحدث الأديب تقي البحارنة عن كتابه الجديد لـ «الوسط» قائلاً: «إن كتاباتي على مدى سنوات... ومقالاتي المبعثرة بين الصحف والمجلات قد وجدت لها في هذا الكتاب... مستقراً وسكناًَ... من بين تلك المقالات ما هو بمثابة استراحة وظل من تعب الفكر والفؤاد... ومنها ما هو أفكار سانحة شتى مرهونة بأزمانها... وفي هذا الكتاب أيضاً... مطالعات في سيرة من عرفتهم من رواد الثقافة في البحرين، أقدمها للقراء ممزوجة بعطر الذكريات».

ويزيح البحارنة الستار عن وقائع أدبية وثقافية وشخصيات كان لها دور ريادي بارز في مجتمع البحرين ومنطقة الخليج العربي.

يهدي البحارنة كتابه الجديد لأسرة الكتاب والصحافيين الذين يرى نفسه منتمياً لهم، فعهده بالكتابة في صفحات الصحف تعود لعقود من الزمن في مجلات وصحف ودوريات عديدة. وخصص الكاتب الفصل الأول من الكتاب «واحة للاستراحة» للحديث عن أوضاع الصحافة المكتوبة في البحرين تحت عنوان «صحافتنا... بين مد البحر وجزره»...

ويتحدث تقي البحارنة بإسهاب عن تحديات الصحافة في البحرين والعالم العربي وعلاقتها بالنظم الرسمية وبالجماهير: «يدور الحديث هذه الأيام عن الصحافة وأوضاعها، في البحرين وحول العالم عموماً (...) ويدور في ذهني هذا السؤال: كيف تنظر وزارات الإعلام وهيئاتها في بلداننا العربية إلى رسالة الصحافة ودورها في المجتمع...؟

ويضيف: «تعددت الأجوبة في فكري فاقتصرت منها على جوابين: الأول من مجريات الواقع الراهن وهو الجواب التقليدي لدى الجمهور - ولا يخلو من مبالغة - ومؤداه أن الصحافة في بلداننا العربية مطية للإعلام الرسمي تسير معه حيثما سار... أي كما قال أبو الطيب المتنبي... (بوقات لها وطبول). والجواب الثاني هو ما تنشده الصحافة الحرة ويطالب به الجمهور، من أن تصبح الصحافة متحررة من الأطواق والقيود، ومعبرة عن الرأي العام، بحيث يستفيد منها الإعلام الرسمي في مجال معرفة أحوال الناس والمجتمع، وهي معرفة لازمة للمسئولين في كل دولة لكي يضعوا أصابعهم على مواضع الشكوى، ومواطن الخلل في أداء الأجهزة المسئولة ونقاط القوة والضعف فيها، ويتعرفوا على ما يشغل بال المواطنين، باعتبار الصحافة من أهم وسائل التعبير.

وتبدو نظرة البحارنة لمستقبل الصحافة تشاؤمية بعض الشيء حين يقول: «ومستقبل الصحافة على مستوى العالم أصبح لا يبشر بخير... فوسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، ولا سيما شاشات الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) قد اختطفت من الصحافة مواضيعها وأبوابها لعرضها على الناس، بشكل أسرع وأكثر مرونة في التعامل مع المعلومة بالتخزين والعرض والإدهاش، والتغلغل في المكاتب والمنازل، وأثناء التنقل حتى أصبحت في متناول الجميع ممن يستخدمون تلك الوسائل بثمن بخس، وأعداهم اليوم تعد بمئات الملايين من الناس ومازالوا في ازدياد... فأين الصحافة الورقية المطبوعة من كل ذلك؟».

لكنه يستدرك قائلاً: «ولكن على الصحافة أن تستفيد من المناخ المتاح لحرية الصحافة مهما صغر أو كبر، وأن تستعملها فيما يفيد المجتمع، وأن تطلب منها المزيد دونما يأس، إذ لا وجود (للعنقاء) المستحيلة في مجتمع الحرية والديمقراطية، وتقدم الشعوب والاكتشافات العلمية الباهرة... والله مع الصابرين».


...ولكم تغنى فيك شاعر

«البحرين بين غدوة طرفة ودنانير ابن المقرب وسبيطية الخطي» تحت هذا العنوان كتب تقي البحارنة شعره الوجداني المتغزل في البحرين الأرض والشعب والطبيعة فأخذ يتغنى بالبحرين قائلاً:

بالبشر اهتف والبشائر

مرح الزمان عليك ظاهر

ثغر جميل يستضيف البحر

مرتخيـــــاً... وهادر

وانساب نبع كالحياة

مخلداً بالحب طاهر

وتعانقت هدب النخيل

بحبه ماضٍ وحاضر

أقسمت يا بحرين أنك

جنة، وهواك آســــــــــــر

أهديت للدنيا الحضارة

والنضـــــارة... والجواهر

كم في هواك تكــــــلم

العشاق، واشتاقت منابر

ولكم تبــــــــــتل عابد

ولكم تغنى فيك شاعر...

غير أن تقي البحارنة يصرح غير مرة في كتابه بأن عشق البحرين كانت ترنيمة للشعراء الكبار على مر العصور: «وعلى مر العصور هام أدباء البحرين وخطباؤها وعلماؤها وشعراؤها في حب البحرين، وتأكيد انتمائهم لها وشوقهم لمرابع الصبا فيها، كما تغنوا بجمال الطبيعة وبوفر المياه وبساتين النخل والثمار... بل تعدوا ذلك للتغني بتراب أرضها وظل سمائها ـ وسحر شواطئها ومرافئ السفن فيها، ومكنون بحارها حاضنة اللؤلؤ والمحار.

وأورد البحارنة نماذج لما خلفه كبار الشعراء من أشعار تعبر عن ذلك الشوق والحنين. من أؤلئك الشعراء طرفة بن العبد، أحد شعراء المعلقات المشهورة في العصر الجاهلي. ويوضح البحارنة بأن الشاعر كان ناقماً على أحوال معيشته وعلى أقارب وذوي أرحامه... ولكنه ترك في أبيات شعره مع ذلك وصفاً توثيقياً في شئون البحر وصناعة السفن، وبعض عادات أهل البحرين»، مثل قوله في مقولته المشهورة:

كان حدوج المالكية غدوة

خلايا سفين بالنواصف من «دد»

عدولية... أو من سفن ابن يامن

يجور بها الملاح طوراً ويهتدي

وأخذ البحارنة يفك ألغاز البيت قائلاً: «نعرف من شعر طرفة ميناء سفن اسمه (دد) وموضعاً لصناعة السفن اسمه (عدولي)، ومالك سفن أو ربانها (نوخذه) اسمه ابن يامن... وأساليب توجيه دفة الإبحار المتعرج للسفن الشراعية ذات الشمال وذات اليمن».

* * *


زمان لعبنا به... وزمان بنا يلعب!

وكعادة مؤلفاته لم يغب التراث عن الإصدار الجديد، فقد سرد الأديب تقي البحارنة ذكريات الصبا وحديث المرابع العفوية «في الزمن الماضي، وفي الثلاثينيات (من القرن العشرين)، كان هطول الأمطار مبعث فرح وسرور للأطفال ولربات البيوت، فقد كانت الأمطار في مدن البحرين، ولا سيما المنامة، تخلف وراءها بركاً من الماء الشحيح آنذاك في مناطق متعددة من الأحياء. وكنت مع أطفال الحارة ألهو وأمرح في تلك المياه الغامرة، وبعضها يصل عمقه أحياناً إلى الكتف، مثل البركة التي تتكون في براحة بيت الصيرفي (إحدى عوائل المنامة المشهورة) في فريق المشبر من المخارقة. ولم يكن الناس يسمونها بالمستنقع... رغم غضب آبائنا وتأديبهم لنا حين نعود إلى المنزل بثيابنا المبتلة...

ويختم هذا الفصل مردداً قول الشاعر:

فذاك زمان لعبنا به

وهذا زمان بنا يلعب

* * *

من ذكريات المستشار بلغريف

فرد الكاتب تقي البحارنة باباً في أحد الفصول للحديث عن شخصية المستشار البريطاني في البحرين شارلز بلغريف الذي وصفه بأنه إداري حازم ونزيه ولكن بعقلية تسلطية محافظة، ولم يخلُ الحديث عن بلغريف من إطراء ونقد في آنٍ واحد.

يقول البحارنة: «لم أكن أعرف السيد شارلز بلغريف مستشار حكومة البحرين (1926-1957) معرفة شخصية، ولا أظنه كان يعرفني كذلك. لكنه كان يعرف والدي ولا سيما عند مروره في الصباح الباكر، ممتطياً صهوة جواده - على منزلنا في طريقه إلى (القلعة)، حيث يقف قليلاً ليستمع إلى والدي وهو يقرأ القرآن... ثم يحدث أخي الأكبر صادق قائلاً: «إن الوالد يقرأ القرآن بصوت جميل. ولعل أول معرفة له بوالدي منذ أن كان أميناً لصندوق المدرسة الجعفرية في المنامة (1927-1932)، وقرار المستشار إدماج المدرسة ضمن إدارة التعليم الرسمي. وقد بادر الوالد حينئذ بتسليم أموال المدرسة إلى الحكومة، بعد خصم رواتب المعلمين ودفع المستحقات. ومن واقع تقدير الذمة المالية، وهي الهاجس الأكبر لدى المستشار تجاه إدارة المؤسسات الأهلية، التي كان يشك فيها دائماً - عبر المستشار للوالد عن تقديره وأثنى عليه.

ويضيف البحارنة قائلاً: «وفيما عدا نظرة المستشار الضيقة للتعليم ولمساندة المتعلمين والطلاب لمطالب أهالي البحرين التي يعدها من قبيل الشغب وتعكير الأمن - فقد كان بلغريف في غير ذلك رجل إدارة حازم وضبط مالي وإداري نزيه. ولعله لم يحدث في تاريخ عمله في البحرين ذلك النوع من التسيب المالي والإداري الذي شهدته السنوات اللاحقة لعهده».

ويشير البحارنة إلى «أن التقارير السنوية لوزارة الخارجية البريطانية أو إلى الحاكم العام البريطاني في الهند، بعد أن تم الإفراج عن نشر تلك التقارير، تدل على تذمره ومعارضته للتبذير في أموال الحكومة ومصادر دخلها، لدرجة جعلته غير محبوب حتى لدى أفراد العائلة الحاكمة، بسبب التقتير والاقتصاد».

* * *

في هذا الكتاب اجتمعت الثقافة مع المعرفة، وتلاقى النثر مع الشعر، وامتزجت التجربة مع مداد القلم. ويمكن القول إن الإصدار الجديد للأديب تقي البحارنة يمثل كشكولاً ذاتياً وحصيلة عمر وخلاصة رحلة ثرية لكاتب وشاعر، وسفير وتاجر، كل تلك الثنائيات وجدت ضالتها ضمن «أحاديث وسير» تقي البحارنة.

العدد 3009 - الأربعاء 01 ديسمبر 2010م الموافق 25 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً