العدد 3079 - الأربعاء 09 فبراير 2011م الموافق 06 ربيع الاول 1432هـ

«معراج الماء»... أعمال إبداعية من الحنفيات النحاسية تخطف «الدانة الذهبية»

«الوسط» تحاور الفنان عادل العباسي الفائز بالجائزة الأولى في معرض الفنون التشكيلية

قال الفنان التشكيلي عادل العباسي الفائز بجائزة الدانة الذهبية الأولى في معرض البحرين السنوي السابع والثلاثين للفنون التشكيلية الذي افتتحه سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة بمتحف البحرين الوطني في حوار مع «الوسط» بمناسبة فوزه بالجائزة الأولى: «الثيمة الأساسية للمعرض هو «الماء... ثابت ومتحول»،إنه قدم ثلاثة أعمال عبارة عن مجسمات مصنوعة من حنفيات الماء النحاسية القديمة، الأول أطلقت عليه «معراج الماء»، وهو عمل يدل على عروج الماء في دورة مغلقة يعرج من خلالها إلى السماء وبوسعه أن يصل إلى الأعلى نظراً لصفائه وطهارته وشفافيته وفي الوقت ذاته بإمكانه أن يهبط إلى الأرض لينفذ بين الصخور ويخترق الطبقات السفلى بدون أي جهدٍ أو عناء وليس بحاجةٍ إلى قوة يستعين بها للوصول إلى غايته».

وأوضح العباسي أن العمل الفائز بجائزة الدانة الأولى اسمه «الهواء، الماء، الأرض»، وهو عبارة عن مجسم من الحنفيات النحاسية ولكنه مكون على هيئة نصف الكرة الأرضية أو الجزء السفلي من القطرة، مشيراً إلى أن الفكرة مستوحاة من الفلسفة اليابانية في تنسيق الزهور (ايكيبانا)، وهي طريقة ثلاثية الأبعاد غير متوازية واعتبر ذلك نوعاً من التلاحم الفني بين الثقافة اليابانية والثقافة المحلية».

وانتقد العباسي حرق المراحل الفنية التي يمارسها عدد من الفنانين «فيقفز من مرحلةٍ إلى أخرى من دون أن ينضج على نارٍ هادئة.فلا يمر بتسلسل منطقي في البحث والتجريب، فتجد أنهم يخلطون بين ما يسمى في العرفان أو التصوف: «الحال والمقام»، نافياً وجود صراع بين جيلين من الفنانين... وهذا نص الحوار:

كيف بدأ الفنان عادل العباسي رحلته مع الفن؟ من أين كانت البداية؟

- البدايات كانت مدرسية. وشاركت في أنشطة فنية في مختلف المراحل الدراسية والأندية، ولاحقاً درست علم الإدارة للحصول على درجة البكالوريوس والماجستير في الولايات المتحدة الأميركية. واعتبر هذه السنوات الثماني التي كنت فيها خارج الوطن فترة غيابي عن الساحة الفنية ولكن شاركت وساهمت فنياً في مجالات البيئة والسلام وحقوق الإنسان.كما كنت عضواً في الجمعيات المعنية في الحرم الجامعي، وخلال هذه الفترة كانت رسوماتي موجهة لأهداف وغايات سامية. ومن باب المثال لا الحصر شاركت بأعمال فنية مع منظمة العفو الدولية ومنظمات وجمعيات أخرى. وبعد عودتي إلى البحرين اثر انتهاء رحلة الدراسة الجامعية في العام 1991 شاركت في جمعية البحرين للفنون التشكيلية ونادي التصوير الفوتوغرافي المنضوي تحت مظلة الجمعية.

ما أبرز المعارض الفنية المحلية والخارجية التي شاركتم فيها؟

- لقد شاركت في العديد من المعارض المحلية والخارجية، وعلى الصعيد المحلي شاركت في عدة معارض لجمعية الفنون التشكيلية، والمعرض السنوي للفنون التشكيلية، وكذلك فقد شاركت في عدة معارض لجمعية المرسم الحسيني، أما على الصعيد الخارجي، إضافة إلى معرض فني في جنيف، وآخر في مدينة أصفهان والعراق، وأثناء دراستي الجامعية بالولايات المتحدة شاركت في عدد من المعارض الطلابية.

ما الأهمية التي ينطوي عليها المعرض السنوي للفنون التشكيلية الذي افتتحه سمو رئيس الوزراء باعتبار هذا المعرض يمثل ملتقى للفنانين البحرينيين؟

- تكمن أهمية هذا المعرض في كونه المعرض السنوي الوحيد الذي يحتضن جميع الفنانين في البحرين من جميع المدارس الفنية، كما يشكل هذا المعرض فرصة لتسليط الضوء لإبراز الفنانين الجدد وخصوصاً الشباب.

ونظراً لكون هذا المعرض يقام لمرة واحدة فقط في كل عام فإن الساحة الفنية تشهد نتيجة لذلك بعض الركود والانتظار وثمة فراغ كبير من الموسم الفني إلى الموسم الآخر.

هل لك أن تحدثنا عن مشاركتك في هذا المعرض، وتحديداً عملك الفائز بالمركز الأول؟

- الثيمة الأساسية للمعرض هو «الماء ... ثابت و متحول»، فقد قدمت ثلاثة أعمال عبارة عن مجسمات مصنوعة من حنفيات الماء النحاسية القديمة التي لا تستخدم بكثرة في الوقت الحاضر. فقدمت العمل على ثلاثة أشكال: الأول هو «معراج الماء»، على شكل قطرة غير مكتملة صاعدة إلى السماء، فالماء منقاد ومطيع إلى قانون الطبيعة وجاذبيتها وهو عمل يدل على عروج الماء في دورة مغلقة يعرج من خلالها إلى السماء وبوسعه أن يصل إلى الأعلى نظراً لصفائه وطهارته وشفافيته وفي الوقت ذاته بإمكانه أن يهبط إلى الأرض لينفذ بين الصخور ويخترق الطبقات السفلى بدون أي جهدٍ أو عناء وليس بحاجةٍ إلى قوة يستعين بها للوصول إلى غايته، إذاً الماء هو رمز للفضيلة وهو في مقامٍ عالٍ من الأخلاق، ويعزز الجانب الروحي للماء لذلك اخترت مسمى المعراج لهذا العمل.

أما العمل الثاني وهو العمل الفائز بجائزة الدانة الأولى فاسمه «الهواء، الماء، الأرض»، وهو عبارة عن مجسم من الحنفيات النحاسية ولكنه مكون على هيئة نصف الكرة الأرضية أو الجزء السفلي من القطرة، والفكرة مستوحاة من الفلسفة اليابانية في تنسيق الزهور (ايكيبانا)، وهي طريقة ثلاثية الأبعاد غير متوازية، وتمثل عناصر الحياة: السماء والأرض والإنسان، فاستخدمت الفكرة ولكنني اخترت رموز أخرى للحياة هي «الهواء، الماء، الأرض»، واعتبر ذلك نوعاً من التلاحم الفني بين الثقافة اليابانية والثقافة المحلية، متأثرا في هذا العمل بالثقافة اليابانية وذلك أثناء دراستي في اليابان لمدة ستة أشهر.

والعمل الثالث هو «ديناميكية الماء»، المكون من جزء من الحنفيات على شكل الشراع لإبراز قوة الماء أو حركته. فالماء له قوة عاتية يمكن أن يزيل جبالا، ويخرق صخرا برغم رقته وشفافيته، كما أنه السبيل الذي يربط الشعوب ببعضها البعض منذ العصور السحيقة إلى عصرنا هذا.

وهذه الأعمال الثلاثة تجمع روحانية الماء وفلسفته وقوته.

هل تنوي إقامة معرضك الشخصي في وقت قريب؟ وإلى أي مدرسة فنية تميل؟

- طبعاً، الفوز بهذه الجائزة ليس النهاية بل هو البداية الحقيقية لمشواري الفني، وهذا الفوز وضعني أمام تحدٍ كبير لكي أقدم أعمالاً إبداعية أرقى مما قدمته في مشواري السابق.وجزء من هذا التحدي أن أقدم معرضاً فنياً خاصاً بي لعرض أعمالي وأفكاري. وآمل أن يتحقق ذلك قريباً.

أما انتمائي الفني فأنا أنتمي وأميل إلى المدرسة «التعبيرية التجريدية» وهي مدرسة فنية نشأت في أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، واستطاعت التأثير على العالم الغربي وأوروبا، وخاصة باريس وأستمتع بهذه المدرسة ولكن أحيانا وفي المناسبات أعود إلى الواقعية أو التكعيبية المبسطة لتوصيل الرسالة أو التواصل مع الجمهور البسيط والمثقف.

ما التحديات التي تواجه الفنان البحريني حالياً؟ وهل تعتقد أن الجمعيات المعنية بالفن التشكيلي تقوم بدورها المطلوب في رفد الحركة الفنية؟

- ثمة تحديات عديدة تواجه الفنان البحريني، ولعل التحدي الأول أنه لا يوجد حراك فني بمعنى الكلمة، فالحركة الفنية تحتاج إلى مدرسةٍ فلسفية ونقدٍية لدعم هذه الحركة.ويجب أن يكون هناك نوع من الحوار بين المدارس الفنية والفكرية المختلفة.فالفنان لا يجد ما يثري ثقافته الفنية من دون التحليل والنقد، إلا أن هناك مشروع المرسم الحسيني الذي بعث الحركة الفنية في البحرين وجعل لها وجودا غير مسبوق، وذلك لوجود فلسفة وفكر وأهداف سامية أنشئ من أجلها، ولذا ترى الكثير من الفنانين والنقاد والمتابعين مهتمين كل الاهتمام بالاطلاع على هذه الحركة أو الظاهرة ومتابعتها، وليت يهتم المتخصصون في دراسة هذه الحركة فنية دراسة أكاديمية وعلمية حتى يستفاد من تلك الدراسات.

وعلاوة على ذلك، فإن هناك نوعاً من التوجيه للفن إلى مدارس معينة دون غيرها. فنجد أن المدرسة الواقعية ليس مرحباً بها ولا تقبل في لجان الاختيار والتحكيم رغم أن «الواقعية» تمثل البداية وأساسيات الفن مع احترامنا للمدارس الأخرى.

ويمكن أيضاً الإشارة إلى تحدٍ آخر ألا وهو حرق المراحل الفنية التي يمارسها عدد من الفنانين، فيقفز من مرحلةٍ إلى أخرى من دون أن ينضج على نارٍ هادئة. فلا يمر بتسلسل منطقي في البحث والتجريب، فتجد أنهم يخلطون بين ما يسمى في العرفان أو التصوف:»الحال والمقام». ففي العرفان «الحالات مواهب والمقامات مكاسب»، أي أن «الحال» قد يأتي للفرد بسرعة ويزول بسرعة، فهو ظرفٌ عارض، وهكذا الفنان تجده اليوم تجريدياً وغداً واقعياً ويدور أينما دارت السوق. ولكن «المقام» هو أمر مغاير تماماً، فهو أمر يكتسبه الفنان من خلال الدراسة والتجربة للوصول إلى النضج.

كما أن هناك تحدياً آخر يواجه الفنانين وهو عدم تفرغ الفنانين لفنهم، حيث لا يجدون الوقت الكافي لمزاولة الفن، والاستمتاع به رغم شغفهم وحبهم له، وأنا أحد أولئك الفنانين إذ أعمل منذ الصباح الباكر حتى آخر النهار، فأنا لا أعيش من الفن ولكني أعيش من أجل الفن.

نشهد أحياناً صراعاً محموماً بين جيلين من الفنانين: الجيل الكبير والمتمرس والذي أخذ فرصته والجيل الشاب الذي يحاول أن يثبت أقدامه في الخريطة الفنية؟ ما نظرتكم في هذا الصراع؟

- ليس هناك صراعٌ بين الجيلين من الفنانين. ولكن هناك نوع من الحوار وتبادل الخبرات.فبعد فوزي بالجائزة وجدت كثيراً من فناني الرعيل الأول من أمثال الفنان عبدالله المحرقي والفنان عبدالكريم البوسطة والفنان عبد الكريم العريض ساندوني وأرشدوني لتقديم أعمالٍ أفضل في المستقبل، فلم أشعر بأي حالةٍ من الصراع والتحدي أو المنافسة معهم رغم كونهم منافسين في المعرض.فمهما وصلت أو فزت بأي جائزةٍ فنبقى تلامذة صغاراً أمام تجارب هؤلاء الفنانين، فأنا كبرت وأنا أقلد الفنان الأستاذ عبدالله المحرقي.

هل تعتقدون أن القطاع الخاص يمكن أن يمثل شريكاً أساسياً في تبني المشروعات الفنية؟

- بالطبع، فالقطاع الخاص يعتبر شريكاً ليس فقط في الفن بل في كل القطاعات، فلا نستطيع أن نهمش دوره مع المساهمة القليلة للقطاع الخاص في دعم وتبني المبادرات الفنية. ففي الدول الأوربية مثلاً ترى أن الفن جزء من المحافظ الفنية، وجزء من الاستثمارات التجارية.واعتقد أننا بحاجةٍِ إلى نضجٍ فني واستيعابٍ أكبر إلى دور الفن في الاستثمار.

ماذا يمثل الفن لك في حياتك؟

- الفن جزء لا يتجزأ من حياتي حيث رافقني منذ نعومة أظفاري، ونمونا معا، فأثرت فيه وتأثرت به، فالفن معراجي إلى عوالم أخرى تبعدني عن الماديات وإيقاع الحياة اليومية، فلدي مرسم في منزلي عبارة عن صومعة أعتكف فيها، وحينما تكون هناك لوحة بيضاء أواجهها كمحراب للعروج نحو آفاق بعيدة. فالكثير يعتقد أن الفن هو أن تشغل حيزا من الفراغ بشيء من الإبداع، ولكني أعتقد بأن الفن ليس فقط ملء الفراغ بل هو أن ندخل الروحانية والأحاسيس والمشاعر لشغل هذه المساحة أو المادة.

هل من كلمة أخيرة تودون إضافتها؟

- نتمنى أن تكثف المعارض الجماعية وتنال اهتماما رسميا وإعلاميا، وأن يصاحب تلك المعارض الندوات والحلقات النقدية التي ستسهم في نضج وإغناء الحركة الفنية في البحرين، كما ترفع من مستوى تفكير الفنانين حيث يبتعدون عن الطعن في بعضهم البعض ويلتزمون بالنقد الموضوعي والعلمي بأسلوب حضاري راق.

العدد 3079 - الأربعاء 09 فبراير 2011م الموافق 06 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً