العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ

الوقود الحيوي وزيادة الاستهلاك يقفانِ وراء أزمة الغذاء العالمية

رغم اختلاف الدول في تشخيص الأسباب وفق مصالحها

تتباين الآراء عند الحديث عن الأسباب الرئيسية وراء أزمة الغذاء العالمية، إلاّ أنّ المشكلة واضحة أمام الجميع فقد تضاعفت أسعار السلع الغذائية الرئيسية خلال العامين الماضيين.

فقد سجّل الرز والذرة والقمح مستويات قياسية كما سجّلت بعض الأسعار أعلى مستوياتها في 30 عاما بعد حساب عامل التضخم ما قاد إلى احتجاجات وأعمال شغب في بعض الدول النامية إذ ينفق السكان أكثر من نصف دخلهم على الغذاء.

ويرى كثيرون أنّ الوقود الحيوي فضلا عن الطلب المتزايد من الدول النامية وضعف المحاصيل الزراعية وأسعار النفط القياسية كعوامل أساسية في ثورة السلع الأساسية.

وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إنّ متوسط أسعار الغذاء العالمية ستتراجع من مستوياتها القياسية الحالية ولكنها ستظل في العقد المقبل أعلى بنسبة 50 في المئة مما كانت عليه في السنوات العشر الماضية.

ويقدر البنك الدولي ووكالات المعونة أنّ ارتفاع أسعار الغذاء قد يرفع عدداً ممن يُكابدون الجوع بواقع 100 مليون بالإضافة إلى 850 مليون يُعانون من الجوع بالفعل.

دويكاد تجمع المنظمات الدولية أنّ التوجّه نحو إنتاج الوقود الحيوي أدّى إلى ارتفاع أسعار الحبوب خصوصاً الذرة، إذ جاءت هذه الظاهرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط التي جعلت من إنتاج الوقود الحيوي ذا عائد اقتصادي مجدٍ للغاية.

ولكن وحتى وإنْ اعتبرت الزيادة في أسعار النفط عامل مهم في الأزمة الغذائية، إلا أنّ المشكلة تبدو أكثر تعقيداً وتشابكاً، فالزيادة في الاستهلاك والمشكلات البيئة وتراجع الدعم الزراعي في بعض الدول والمشكلات البيئة هي بنظر الجميع أسباب لا تقل أهمية ساهمت بصورة جذرية في أزمة الغذاء التي يشهدها العالم اليوم.

زادت أسعار النفط المرتفعة من الاهتمام بالوقود الحيوي الذي ينحي عليه كثيرون باللوم لتنافسه على الحبوب والبذور الزيتية المستخدمة في إنتاج الغذاء ما يقود لارتفاع الأسعار. ومن المنتظر أن تدافع الولايات المتحدة والبرازيل، أكبر منتج للايثانول من قصب السكر عن الوقود الحيوي في مواجهة مثل هذه الاتهامات في القمة.

ويقدر الخبراء أن إنتاج 50 لترا من الوقود الحيوي يحتاج إلى 350 كيلوغراما من الذرة، مشيرين إلى أن هذه الكمية تكون كافية لتغذية طفل لمدة سنة كاملة.

وتدافع البرزايل والولايات المتحدة خصوصا عن الوقود الحيوي الذي يتعرض لانتقادات من دول أخرى لأنه يستحوذ على أراض يجب أن تستخدم لإنتاج المواد الغذائية.

وتوجه الولايات المتحدة نحو ربع إنتاجها من الذرة لإنتاج الإيثانول بحلول العام 2022 ويعتزم الاتحاد الأوروبي توفير 10 في المئة من وقود السيارات من الطاقة الحيوية بحلول العام 2020.

وتقر واشنطن بأنّ انتشار الوقود الحيوي زاد الطلب على المحاصيل ولاسيما الذرة وساهم في ارتفاع أسعار الغذاء لكنها تقول إنّ الزيادة هامشية، إذ تعتقد أنّ الوقود الحيوي في الولايات المتحدة تسبب فيما بين 2 و3 في المئة من زيادة الأسعار.

ويرى رئيس منظمة التجارة العالمية انخل جوريا: «إنّ أسعار النفط المرتفعة «جزء لا يتجزأ من أسعار الغذاء» إذ أن هذا الأسعار - بحسب اعتقاده - لن تسجّل انخفاضا حادا أيضا.

ويقول منتقدون آخرون إنّ الوقود الحيوي يلعب دورا أكبر ويمثل نسبة تصل إلى 30 في المئة من الزيادة العالمية.

وحث المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع إلى المنظمة الدولية على إعادة النظر بجدية في سياسات الوقود الحيوي التي تنتهجها بعض الدول بهدف عدم تعريض الأمن الغذائي في الدول الفقيرة للخطر.

فقد تضاعف 3 مرات ثمن المانيهوت وهو نبات يستخرج من جذوره نشاء مغذ وهو من أطعمة الفقراء في بوروندي الذين لا يستطيعون شراء غيره.

وناشد كبار الصناعيين في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا رئيس منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) جاك ديوف وقادة دول العالم تفادي أيّ إدانة أو تحرك متسرع قد يضر بتقبل العالم لأنواع الوقود البديلة.

وقال قادة الصناعة في خطاب لديوف وقادة العالم الذين اجتمعوا في العاصمة الإيطالية (روما) لبحث أزمة الغذاء: «سيكون بمثابة اندفاع شديد... من جانب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى أن تختار الوقود الحيوي كسبب رئيسي لارتفاع أسعار الغذاء وأنْ تتخذ خطوات قد تقود لارتفاع أكبر في أسعار الغذاء».

وانتقد الخطاب ما خلص إليه تقرير أخير جاء فيه أنّ ارتفاع إنتاج الوقود الحيوي سيرفع أسعار الغذاء المتصاعدة بالفعل في السنوات المقبلة.

وطلب التقرير من القادة إعادة التفكير في سياسة الوقود الحيوي ووصف مزاياه الاقتصادية والبيئية ومن جانب الطاقة بأنها «متواضعة على أقصى تقدير وسلبية في بعض الأحيان».

نمو الاستهلاك والإقبال على اللحوم

الكثير من المحللين والمنظرين ابتعدوا كثيراً عن ربط مشكلة الأزمة الحالية للغذاء بزيادة الاستهلاك خصوصاً في الدول الغنية التي تمتلك الثروة، إذ يقتات الناس أكثر مما يحتاجون في مجتمع حديث يحث المستهلكين على الشراء ببذخ.

ولكن المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) قال إن الدول الغنية تنفق مليارات الدولارات على الدعم الزراعي واستهلاك زائد للغذاء أو إهدار له وعلى الأسلحة.

ويرى أنّ: « كلفة الاستهلاك الزائد ممن يُعانون من السمنة في العالم 20 مليار دولار سنويا وينبغي أن تضاف إليه كلفة غير مباشرة 100 مليار دولار بسبب وفيات مبكرة والأمراض المتصلة بها «.

والتوجّه الحاصل نحو زيادة الثروة الحيوانية أدى إلى زيادة الطلب على الحبوب، ففي الهند مثلاً التي يُعد شعبها من الشعوب النباتية ثمة توجه نحو أكل اللحوم بنسبة 20 في المئة عمّا كان الحال عليه في 1990، كما يتزايد اندفاع الصينين نحو تبني الطريقة الغربية في الطعام التي تعتمد على كميات كبيرة من اللحوم.

علاوة على ذلك تغذي كل من الصين والهند الزيادة السكّانية في العالم إذ تمثل هاتان الدولتان أكبر سوقين استهلاكيين على مستوى العالم خصوصاً في الطعام والطاقة.

تقييد الصادرات

أخذت بعض الدول إجراءات مثل تقييد الصادرات. إذ أنّ من شأن ذلك إفساد آليات السوق ودفع الأسعار إلى الصعود

وتقول وكالات المعونة إن اليابان والصين ساهمتا في رفع أسعار الرز التي قادت لأعمال شغب في أماكن عديدة امتدت إلى هايتي بسبب القيود على المخزونات.

وقد وعد رئيس وزراء الياباني ياسو فوكودا بالإفراج عن 300 ألف طن من الرز المستورد المخزون لتخفيف الأزمة.

وتدرس الدول مقترحات لخفض الرسوم الجمركية والدعم في قطاع الزارعة ضمن اتفاق تجارى عالمي تحت مظلة منظمة التجارة العالمية.

وأرجع بيتر برابيك ليتماث رئيس مجلس إدارة شركة «نستله» السويسرية للأغذية ثلثي ارتفاع أسعار الأغذية إلى السياسيات الحكومية حيث قال إن حوالي ثلث الزيادة في أسعار الأغذية يرجع إلى تشجيع الحكومات على إنتاج الوقود الحيوي بينما يعود الثلث الآخر إلى «القرارات السياسية بوقف التصدير»، مشيرا إلى دول مثل الأرجنتين وكازاخستان وأوكرانيا التي وضعت قيودا على صادراتها من المنتجات الغذائية.

في أكتوبر/ تشرين الأول 2007 حظرت الهند، ثاني أكبر مصدر للرز بعد تايلند تصدير الرز غير البسمتي لكبح جماح الأسعار والسيطرة على التضخم ولكنها خففت الحظر في وقت لاحق من ذلك الشهر على بعض الأنواع الممتازة من الرز.

في مارس/ آذار 2008 حظرت الهند تصدير الرز غير البسمتي مرة أخرى مع وصول التضخم إلى أعلى مستوى في 14 شهرا ما أثار قلق صانعي السياسة.

في مارس 2008 حظرت مصر تصدير الرز في الفترة بين الأول من أبريل/ نيسان،

وأكتوبر لدفع الأسعار المحلية نحو الانخفاض. وتنتج مصر عادة نحو 4,6 ملايين طن سنوياً من الرز الأبيض ما يترك فائضا محليا يبلغ نحو 1,4 مليون طن للتصدير.

في أبريل 2008 مددت فيتنام، ثالث أكبر منتج للرز في العالم العمل بالحظر على تصدير الرز حتى يونيو/ حزيران للمساعدة في تثبيت أسعار الأغذية المحلية في إطار سعيها لكبح جماح التضخم الذي بلغ خانة العشرات. وقبل ذلك حظرت فيتنام التصدير بين مارس وأبريل.

دعم مزارعي الدول الغنية

وتقول الأمم المتحدة إنّ الدعم الذي تقدمه الدول الغنية إلى مزارعيها وصل إلى 273 مليار دولار العام 2005، إذ يؤدى الدعم في الدول الغنية لتقويض المزارعين في الدول الفقيرة.

وقال المقرر السابق للأمم المتحدة للحق في الغذاء السويسري يان زيغلر «اليوم، نجد في أيّ من أسواق إفريقيا فاكهة وخضرا أوروبية، بنصف أو ثلث أسعار المنتجات المحلية»، في إشارة إلى دعم أوروبا لمزارعيها.

تعرضت سياسة الاتحاد الأوروبي الزراعية إلى الانتقاد مؤخرا على ضوء أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية. الاتحاد لا يرى من ناحيته صلة بين دعمه الزراعي وبين ارتفاع الأسعار، لكن خبراء يحذرون من تأثيرات سلبية على المدى البعيد.

وينفق الاتحاد الأوروبي 42 مليار يورو على قطاع الزراعة، وهو ما يمثل 40 في المئة من موازنته العامة. وتصل الحصة التي تدفعها ألمانيا باعتبارها أكبر اقتصاد في المنطقة الأوروبية إلى 9 مليارات يورو. في المقابل يصلها 6 مليارات يورو على شكل دعم زراعي، يذهب معظمه للمزارع الصغيرة ولمشاريع لتنمية الزراعية. ويتفق المسئول عن موارد الغذاء والزراعة في منظمة «أوكسفام» الخيرية، تيري كيستلوت، مع مان بشأن عدم وجود صلة بين السياسات الأوروبية والارتفاع الجنوني الحالي في أسعار مواد الغذاء، على الأقل في المدى القصير.

لكنه يرى أن الأمور مختلفة إذا تطلع إليها المرء على المدى الطويل، ويقول «الدعم الأوروبي الذي يزيد من قدرة أوروبا التنافسية في السوق العالمية يعيق تنمية الزراعة في الدول الفقيرة».

لكن مان يوضح أنه لا توجد أي معوقات أمام الدول النامية لدخول السوق الأوروبية. مضيفا أن هناك برنامجاً أوروبياً خاصاً يضمن لأفقر 49 دولة في العالم الدخول إلى السوق الأوروبية لكلّ المنتجات باستثناء السلاح، ومن دون حصة نسبية. ويقول مان «إنّ الفضل في تحوّل أوروبا من كبار مصدري السكر إلى مستورد له من الدول النامية يعود إلى سياسة الدعم».

الأحوال المناخية

ويعزو خبراء تراجع الإنتاج الزراعي لعدد من الدول لتدهور المناخ والكوراث الطبيعية، وأدى الجفاف في بلدان مثل أستراليا إلى تقلص حجم صادراتها الضخمة من القمح والأرز.

واعتبرت منظمة الأغذية أن النقص في الإنتاج بسبب الظروف المناخية، إذ رأت أنّه من العوامل المهمّة التي «أثرت على أسعار السلع الزراعية فضلاً عن الزيادة في كلف الوقود التي زادت كلف الإنتاج والنقل».

كما أنّ الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه أسباب طويلة المدى تقضي على المحاصيل الزراعية.

العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً