العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ

أرجوحة المثقف!

مفكر، حر، كاتب، مؤلف، لغة، باحث، مؤرخ. ذلك هو المثقف بطبيعته السلطوية وعقائده الفكرية، متحرر من ذاته، ومكتظ بأسئلة تثير المجتمع الحديث في حوادث دراماتيكية للفكر السياسي والثقافي على حد سواء.

ومن ناحية أخرى، يسعى المثقف بإبراز معرفته واهتماماته المتعددة بالآداب المقارنة بفلسفته المعرفية إلى تخريب الأشياء أكثر من إصلاحها. فالمثقف لم يعد فيلسوف المقهى، بل أصبح شخصية تمثل ضروباً من الاهتمامات على نحو درامي. كما أنه غالبا ما يقع بالمآزق التي تواجه ثقافته المعاصرة، والتي بدورها تعد التصاقاً بالشأن العام بمفارقات نظامية وأكاديمية، وطبعاً، عبر مشاركته المباشرة بالسلطة. يرجع ذلك بالأساس إلى سوء استخدامه لأدواته وأقلامه، أو لتجاوزه الخط الأحمر في دوره الضابط بالمجتمع.

ثمة أسئلة تثيرها أطروحات المثقف، إذ تظل مشاعل متواشجة لا يخمد أوارها في مجابهة التطورات التحليلية و الفكرية، الى جانب القضايا المتجسدة والمعلبة ذات الطابع السياسي لشخصيات، أو لأحزاب، وصولاً لايديولوجيات معينة، وهو ما يشكل ويبلور انخراط المثقف في قضايا تخدم الصالح العام، واصطدامه بآراء الآخرين، واستحواذه على روح المعارضة التي تضيف نكهة أخرى، وبالتالي عدمية احتفاظه باستقلالية فكره في الوقت ذاته لسلطة ما قارة ونهائية. وذلك ما يقود المثقف لاحتقان استقلاله الفكري والشخصي، لأنه لا يملك أي دور وجودي، هو دور أداتي يقيس ذاته على تمييز هويته.

المثقفون الحقيقيون، كما يقول «جوليان بيندا»: «هم الذين نشاطهم بالدرجة الأولى ليس ملاحقة الأهداف العملية، والذين يسعون إلى مسرتهم في ممارسة فن ما، أو علم ما، أو تأمل ميتافيزيقي، باختصار، في امتلاك مزايا غير مادية، ولهذا السبب يقولون بطريقة محددة: «مملكتي ليست من هذا العالم». وهؤلاء يمثلون سلعة نادرة من المثقفين الديمقراطيين، الذين يجذفون عكس التيار الدكتاتوري، منادين بروح الانفتاح وحرية التعبير التي نحتاجها في كل وهلة.

وأخيراً، تأتي أرجوحة المثقف الهائم ما بين ثقافته التقليدية تارة، والترويج لمضامين غربية ذات سلطة فلسفية الأجواء، ومتمحورة الأداء، ومصورة بنماذج حداثية، وليبرالية، وماركسية، وقومية. و بتلك التصنيفات يشعل المثقف ذاته الفكرية وعالمه الكوني، ليقدمها لجمهور المجتمع بمنظور فكري وفلسفي، إلا ان هذا المثقف يسوقوها لنفسه، فهو فيلسوف لغة على نطاق واسع في الحياة الثقافية، إذ لا يمكن التنبؤ لسلوكه.

هدير البقالي

العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً