العدد 1261 - الجمعة 17 فبراير 2006م الموافق 18 محرم 1427هـ

اصطفافات «الحرب الباردة» بين واشنطن وطهران

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

عندما يقول مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي لمجلة «نيوزويك» الأميركية (في الأسبوع الثالث من يناير/ كانون الثاني الماضي): «الدبلوماسية لا تعني الكلام فحسب، بل تحتاج إلى وسائل ضغط وإلى استخدام القوة في حال الضرورة القصوى». يعني أن ثمة أمراً ما يحضر لإيران من وراء الكواليس هو أبعد ما يكون عن «التسوية المشرفة» التي يبحث عنها «طيبو القلب» من أصحاب النوايا الحسنة في أروقة العمل الدبلوماسي الخلفية في مجال الملف النووي الإيراني.

ليس بالضرورة أن نكون من المتشائمين في إمكان نجاح الجهد الدبلوماسي في هذا المجال، ولا أن نكون من الجازمين في حتمية وقوع المواجهة بين إيران وخصومها «الايديولوجيين» الذين لا يريدون لها الحصول على «دورة نووية كاملة» أياً تكن أهداف هذه التكنولوجيا، حتى نشم رائحة «التواطؤ» أو نوايا «المؤامرة» ضد إيران في السجال الدولي الدائر حول ملفها النووي.

يقول دبلوماسي صيني رفيع ومطلع وهو يشرح موقف بلاده من وثيقة لندن التي وقعتها في إطار دول مجلس الأمن الدولي الخمس ألمانيا بشأن الملف النووي الإيراني والتي طالبت بدفع تقرير عن هذا الملف إلى مجلس الأمن ما يأتي: «ان عليكم كإيرانيين أن تدققوا كثيراً في معنى الجهد الدبلوماسي الكبير الذي حصل في لندن وما تلاه من جهد مشابه من قبلنا ومن طرف أصدقائكم الآخرين وهم الروس والهنود في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية وان تتأملوا مطولاً في الفرق بين ما توصلنا إليه من صيغة توافقيه مع خصومكم الاشداء وهم الأميركيون (أي رفع تقرير إلى مجلس الأمن) وبين ما كان يحضر لكم من «طبخة» نقل ملفكم إلى مجلس الأمن وما يستتبع ذلك من إعلان المواجهة معكم والتي قد تبدأ بالمطالبة بفرض العقوبات وزيادة الضغوط وصولاً إلى الخيارات الأقسى...».

يجمع محللون سياسيون مطلعون على خفايا الحرب الدبلوماسية الحالية التي تقودها واشنطن وبدفع خاص وملفت من تل أبيب ضد طهران بأن ما يخططون له في النهاية ليس سوى تفكيك المشروع النووي الإيراني. وان أوروبا ليس باستطاعتها في النهاية الا النزول عند رغبة الأميركيين ويذكر هؤلاء بالموقف المبكر الذي اتخذته المجموعة الأوروبية من المشروع النووي الإيراني، وذلك عندما تخلت عنه وهو في بداياته على رغم معرفتها الدقيقة بسلميته وإشرافها الكامل على مساره وهو بعد في طور الولادة البريئة أي بعد انتصار الثورة الإيرانية مباشرة، وذلك فقط وفقط بسبب الضغط الأميركي المباشر يومها على بونا على رغم مليارات الدولارات التي دفعتها تعويضاً للحكومة الإيرانية بسبب اخلالها بتعهدات قانونية سبق لها أن وقعتها مع طهران منذ العهد البائد، وما تبعه من التحاق أوروبي وياباني كامل بالموقف الألماني. ويومها وللعلم فقط لم تكن طهران تعرف شيئاً بعد بالنووي ولا غير النووي، ولم تكن لديها لا الإمكانات ولا القدرات ولا القنوات التي توصلها إلى السوق السوداء ولا عبدالقدير خان ولا 1 P ولا 2 P أي ولا أجهزة الطرد المركزي الباكستانية الأولى ولا الثانية المعدلة بعد تمكن الإيرانيين من العلم النووي وتحصيلهم لعلم التخصيب وغيرها من تفاصيل العلم النووي.

المشكلة إذن وكما يقول هؤلاء المطلعون والمتابعون ليست في مقولة التسلح النووي الإيراني أو عدمه كما هو اللفظ المتعمد والمقصود اليوم لحرف الانظار عن الهدف الأصلي أي منع دولة إسلامية جديدة وتحديداً مثل إيران من الدخول في ساحة النادي الدولي ما يعني الاخلال في الميزان العالمي والمعادلة الدولية القائمة اليوم كما يقول توماس فريدمان الذي طالب قبل أسابيع روسيا والصين والهند أن ينصحوا إيران نووياً. بماذا؟ بالتخلي عن مشروعها نهائياً والا «فإن بنية عالم ما بعد الحرب الباردة بأسره تصبح في خطر!».

وهذا هو بيت القصيد في الواقع لأن ثمة من بدأ يعتقد على الجانب الآخر من الكرة الأرضية أي مجموعة لا بأس بها من معسكر الجنوب النامي الذي أخذ يمتد من طهران إلى فنزويلا - أي عند البوابة الأميركية - بأن اللحظة التاريخية باتت سانحة اليوم لإخراج العالم من «كماشة» أميركا الاحادية التي إذا ما استمرت فقد تدفعه إلى مزيد من الحروب الطاحنة ومزيد من الافقار لدول الجنوب ومزيد من الاستئثار الأميركي بموارد العالم.

ثمة من يرى في اصرار طهران على خوض «المواجهة» الدبلوماسية والإعلامية مع واشنطن حول ملفها النووي بأنه شكل من اشكال الحرب الباردة الجديدة التي بدأت تتبلور ساحتها المفتوحة على المدى الممتد من غزة في فلسطين مروراً ببيروت (حزب الله) ودمشق (بشار الأسد) وصولاً إلى كوبا وفنزويلا وبوليفيا...

طبعاً تبقى أفغانستان ويبقى العراق الميدانين العسكريين والأمنيين المشتعلين في هذه الحرب الباردة اللذين تتقاطع وتتدافع فيهما القوى والأطراف المتنازعة بدرجة عالية من الشد والجذب واللذين من شأنهما أن يحددا في العام الجاري اتجاه الصراع في هذه الحرب الباردة الجديدة استناداً إلى الصورة النهائية التي ستفرزها موازين القوى المتلاحمة على أرض المعركة.

المقترح الروسي للتخصيب على أراضيه لصالح إيران والدبلوماسية الصينية لمنع حصول المواجهة التي يعد لها منذ بدء الحرب على العراق، هما محاولتان للامساك بالعصا من الوسط من أجل ضمان مصالح الأمن القومي لبلديهما أولاً، ومن أجل الحد من الاستحواذ الأميركي الاحادي على العالم ثانياً قبل أن يكون دفاعاً عن المشروع الإيراني ولا مانع لموسكو وبكين ان يأتي فيما يأتي من حصاد من انكسار للغرور الامبراطوري الأميركي ولكن شرط أن لا يهز النظام الدولي القائم حالياً.

أما الامبراطورية الأوروبية القديمة فتكاد تكون في موقف لا تحسد عليه مطلقاً في هذا الملف المتشابك لأنها بقدر ما تشعر بضرورة النجاح في وقف الطموح الإيراني عند المستويات الدنيا بقدر ما هي تخاف أن تخسر كل شيء في نهاية المطاف وان تخرج من «المولد من دون حمص» كما يقول المثل انطلاقاً من لبنان مروراً بسورية وصولاً إلى إيران. ومن هنا تحديداً يأتي هذا التخبط في المواقف ألمانيّاً وفرنسيّاً وهما الدولتان الأكثر وقوعاً في فخ شبكة المعلومات المضللة عن الملف النووي الإيراني والتي يتم ضخها باستمرار من لندن وواشنطن لافشال الوساطة الأوروبية. واما البرادعي الذي بدأنا الحديث به فثمة رأيان رأي يقول «إنه اشبه بالزوج المخدوع» وآخر يقول إنه ورقة في إطار «صفقة» ما وهو ما لا يمكن الجزم بصحة أحدهما على حساب الآخر الا بعد انقشاع غبار المعركة، والله أعلم!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1261 - الجمعة 17 فبراير 2006م الموافق 18 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً