العدد 3471 - الخميس 08 مارس 2012م الموافق 15 ربيع الثاني 1433هـ

«مرايا الليل» للشريف تعكس الظلم والحرمان

«مرايا الليل» مجموعة قصصية للأديب الأردني سمير الشريف، صدرت بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، بطبعتها الأولى 2011، في 94 صفحة من القطع المتوسط.

أول ما يستوقف القارئ عنوان المجموعة «مرايا الليل»، ويتخيل القارئ لأول وهلة عالماً من الجن والشياطين والعفاريت والأشباح، فما نفع المرايا في ظلام الليل إلا لهذه الكائنات المرعبة؟ ولكن في أثناء قراءة المجموعة يتبيّن للقارئ تدريجياً أن قصص المجموعة هي المرايا، وأن واقع المواطن العربي هو الليل، فالمجموعة عبارة عن مرايا عاكسة للحرمان والظلم والتعاسة وشظف العيش والضياع الذي يعيشه المواطن العربي سواء أكان في الأردن أم غيرها من بلاد العرب التي تتساوى في ضياع الحقوق والقهر والفساد وتسلط العباد على العباد.

وقد تغلغلت مرايا الشريف في المناطق المعتمة في المجتمع، وعكست صوراً صادمة وقاسية ومؤلمة، لتضعنا أمام مسئولياتنا، ولتبلغ رسالة إلى كل من يهمه الأمر، كي لا يتذرع أحد بأنه لم ير ولم يسمع، فبشاعة الصور أكبر من أي إدعاء بالعمى أو الصمم!

نصوص المجموعة عبارة عن مشاهد أخذت لقطاتها بعناية فائقة، ودقة متناهية؛ بل إن بعضها عبارة عن مشهد سينمائي مصور بالكلمات، ينقل الصورة للقارئ بكل تفاصيليها وبؤسها وقسوتها فتحرك المشاعر البشرية، التي تصدمها العذابات البشرية، والآلام التي يعاني منها المواطنون هنا وهناك، والحرمان من أبسط الحقوق التي من حق البشر كل البشر أن يحصلوا عليها دون منّ أو أذى.

توزعت نصوص «مرايا الليل» على سبعة عناوين رئيسة هي: لحظات، محطات، حالات، نصوص، توقيعات، قصص قصيرة جداً، قصص قصيرة.

تحت عنوان «لحظات» تناول الكاتب بعض الإدعاءات الزائفة للبعض التي سرعان ما تنكشف لتفضحهم وتكشف عوارهم، ومن هذه اللحظات: «لحظة أن مدَّ عنقه متشدقاً بنزاهة انتخابات المجلس القروي، مدَّ يده ليتسلم قائمة الأصوات التي جاء بها أتباعه مقابل حفنة من النقود للصوت الواحد!!!». (14)

في «محطات» نقرأ بعض المشاهد الصادمة والعبثية ومنها: «دوّى الانفجار، غمرت الشظايا محيط الشارع الضيق، همد كلّ شيء، استقر الغبار فوق أغصان الشجر. أقفرت الطرقات وخيم صمت موحش. لم يبق في الزقاق غير قطة تموء، تدور حول رجلٍ ينز منها الدم وفردة حذاء ملقاة خارج إطار المشهد». (17)

في «حالات» ثمة حالات من الألم والمفارقة، ومنها هذه الحالة: «أصوات المدافع لم تتوقف (...) جثث تملأ الطرقات (...) جروح يأكلها العفن (...) ذعر وبكاء وراية عجز.

تناقلت الأنباء خبر جرح مراقب دولي. تدخلت كل الأطراف لإخلاء الجريح». (24)

تعتبر النصوص الواردة في الجزء المعنون بـ «نصوص» قصصاً قصيرة أو قصصاً قصيرة جداً بشكل أو بآخر، ويبدو أن الكاتب اختار لها هذا التصنيف الفضفاض ليتجنب اعتراض البعض ممن يضعون قيوداً ومعايير ومواصفات لا تتوافر في هذه النصوص. وهذه النصوص هي مشاهد مأخوذة من الحياة بمرآة ليل مثل: الوحدة والعنوسة، الحرمان والبطالة التي تدفع للجريمة، الجشع والعين التي لا تشبع، الرذيلة مقابل البراءة، التعذيب وممارسة الزيف، آمال وطموحات وممارسات نواب الغفلة، الراتب الضئيل مقابل عشرات الأيدي الممتدة والبطون الجائعة، الاضطرار إلى بيع الأعضاء للتغلب على متطلبات الحياة، التنازل الذي يؤدي إلى سلسلة من التنازلات، جرح الروح والخيبة، الأمل الأسود. ونلاحظ أن قصة «براءة» (33) التي تتناول براءة الطفلة وتساؤلاتها مقابل رذيلة أمها وسقوطها، هي قصة مغايرة للحالة الثانية (23) التي ذكرها الكاتب في جزء «حالات»؛ إذ تموت المرأة وطفلتها جوعاً دون أن تتلوث أو تسقط مصداقاً للمثل :»تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.» كما أن قصة «انتظار» (41) هي تكرار للحالة الأولى (23) ولكن بشيء من التفصيل. ومن هذا الجزء يستوقفنا نص بعنوان «عنوة»: «ملّ الجيران إرسال بقايا طعامهم إليه (...) كل الشركات ترد نفس الجواب (...) وضع الموسى في جيبه وخرج (...) اقترب من بسطة خضار (...) تناول كيساً ملأه وسار مغادراً (...) أعلن البائع ذهوله ونادى (...) تحسس موساه كاتما أنينه المجروح.» (30) فالبطالة والحرمان تدفع الشاب لاقتراف جريمة السرقة وربما السطو بعد أن ملّ جيرانه وأكثر الناس معرفة بحاله من إرسال بقايا طعامهم إليه.

توقيعات

في جزء «توقيعات» نجد مجموعة من التوقيعات الطريفة والقاسية في آن واحد، ومنها: «يجد سبعين مفتاحاً لحل مشكلته لكنه لا يختار غير الفرار (...) لا أعني الجبان.» (48)

في جزء «قصص قصيرة جداً» يطالعنا الكاتب بمجموعة من الوخزات والصفعات المؤلمة التي تتضمن مفارقات سوداء، ومنها نقرأ قصة «منصب»: «رئيس التحرير الذي قفز لمنصبة لضرورات لا علاقة لها بالقلم، ظل يشيح بعينيه بعيداً عن زميله البواب عندما يدلف باب الدائرة محاذراً أن تلتقي أعينهما.» (52). وأيضاً قصة «تعب»: «عاد من عمله يتأرجح تعباً، مشّط بعينيه كوكبة الناس الذين تجمهروا، سأل بحركة من رأسه، تبرع أحد الذين يملأ الغضون وجوههم صارخاً: سارق النهار يوقع الحد على سارق الليل!!» (55) فهذه القصص على رغم قصرها الشديد إلا إنها تضعنا أمام حقائق ساطعة وواقع مؤلم، مليء بالفساد، والتجاوز على حقوق الآخرين.

في الجزء الأخير «قصص قصيرة» التي ربما فات الكاتب أن يعنونها أو لعله خطأ طباعي، نقرأ مجموعة من القصص وهي على التوالي: طنين، اشتعال، نص شنب، الامتحان، توبة، أرزاق، الزيارة، من دفاتر الأيام، سطور. حيث تناولت قصص «نص شنب» و«الزيارة» و«سطور» إفرازات القضية الفلسطينية وانعكاساتها ومعاناة من بقوا تحت الاحتلال، وهي تتقاطع مع بقية نصوص المجموعة من حيث المعاناة والظلم والخيبة. أما قصة «طنين» فهي قصة العوز والفقر الذي يدفع الأب للمشي الطويل لتوفير بضعة قروش يدخرها لشراء الخبز لأطفاله، ولكنه على رغم ذلك يتعرض لحادث سير، ولا يستيقظ إلا على وخز الأبر ولسعات الكهرباء. في قصة «اشتعال» لا مكان للأحلام واقتناص لحظات جميلة، فالواقع أقسى من أن يسمح بذلك. بينما تتناول قصة «الامتحان» موضوعاً مؤلماً وهو أن عمل الخير يقابل بالمعارضة من المقربين الذين يظنون أن هذا العمل يقلل من حظوظهم ونصيبهم، ويقابل بالتشكيك والتهم من الآخرين لأنهم يظنون السوء بغيرهم ولا يتوقعون منهم خيراً، أو قل الحسد على ما آتاهم الله من فضله. ونلحظ في قصة «توبة» الصراع النفسي الذي ينتهي بالانتصار على النفس. وتصور قصة «أرزاق» واقعاً مؤلماً للعمالة الوطنية التي تضطر أن تنافس العمالة الوافدة من أجل توفير لقمة العيش، ولكنها وللمفارقة تتعرض لما تتعرض له تلك العمالة من ملاحقة من أجل الإقامة، فيلقى القبض عليه، فيصرخ مؤكداً أنه ليس عاملاً وافداً، ولكنه يصمت تحت سياط نظراتهم التي تحرقه. أما قصة «من دفاتر الأيام» فتتناول موضوعاً إشكالياً وخلافياً، وهو الفارق الثقافي بين الزوجة والزوج، فالزوجة تخجل من زوجها على رغم غناه، وتتعمد إهانته وإهماله لعله يفارقها، ولكنه يصمد، وإزاء صموده وتسامحه وصبره ينتصر الحب، وتراجع الزوجة موقفها، وتعود المياه إلى مجاريها صافية رقراقة.

وأخيراً، فإن مجموعة «مرايا الليل» بكل قسوتها والمرارة التي تطفح بها، فإنها تسلط الضوء على لوحات ومشاهد واقعية نراها رأي العين من حولنا، ولكننا لفرط ما ألفناها لم ندرك خطورتها، فجاءت «مرايا الليل» لتعيد اكتشاف معاناة الناس، وظلم الإنسان للإنسان، والحرمان الذي يكتوي بناره الكثيرون، وغير ذلك من الحكايات التي لا يستطيع أن يصورها بهذه البراعة والعفوية؛ إلا من خبر هذه البيئة وعايش أهلها. وقد نجح سمير الشريف وبلغة مكثفة مقتصدة جميلة أن ينقلنا إلى هذه الأجواء المؤلمة، وهذا الواقع المر البائس، ويعرفنا إلى حالات ونماذج كانت في طي النسيان، ولكن مراياه أبت إلا تظهرها للعيان وتبرزها للقارئ، ليكون شاهداً فاعلاً لا مجرد متفرج من بعيد.

العدد 3471 - الخميس 08 مارس 2012م الموافق 15 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:48 ص

      د.عطيه أبوالشيخ

      أحيي الأخ موسى من أعماق قلب عشق الأدب وامتلأ به فها انت قد اوجزت لنا ما كتبه الأخ سمير الشريف لنقف عليه ونبحث عن كتابه لنقرأه كاملا وأخيرا الشكر للصحيف والقائمين عليها ولكني اريد أن أقول لكم أن القهر يولد قهرا وحسبي الله ونعم الوكيل!!

اقرأ ايضاً