العدد 3543 - السبت 19 مايو 2012م الموافق 28 جمادى الآخرة 1433هـ

كاتب أرمني يقدّم مسحاً لتاريخ شعب تمكّن من الصمود

يقدم كاتب أرمني ما يعتبره «أول مسح شامل» لتاريخ شعبه منذ القدم وعلاقته بالشعوب الأخرى رغم صعوبة ذلك بسبب تشتت هذا التاريخ بين اللغات الآرامية والإغريقية والفارسية والسريانية قبل اختراع الأبجدية الأرمنية في القرن الخامس الميلادي. ويقول جورج بورنوتيان إن لدى الأرمن «تاريخا مدهشا» وفضلا عن إسهاماتهم الحضارية فقد تمكنوا من التكيف وصمدوا واستمروا في حين «اختفت أمم أكبر وأكثر قوة» ولكن الأرمن الذين يدرسهم المؤرخون باعتبارهم معتدى عليهم دائما لا يحظون في نصوص التاريخ العام إلا بحيز ضيق بل أقل «مما يحتله المغول أو غيرهم من مدمري الحضارات». ويضيف في كتابه (موجز تاريخ الشعب الأرمني... من العصور القديمة إلى العصور الحديثة) أن مقولة «الجغرافيا وجهت تاريخ معظم الأمم» لا تصدق بحذافيرها إلا على أرمينيا التي جعلها موقعها «الفريد كمعبر بين آسيا وأوروبا» جاذبة للغزاة الآشوريين والإغريق والرومان والفرس والأكراد والعرب والأتراك والمغول والروس. ويسجل أن الأرمن كانوا قناة اتصال مكنت أوروبا من التعلم من آسيا في العصور القديمة والوسطى وساعدت آسيا على اقتباس التكنولوجيا في العصور الحديثة.

والكتاب الذي ترجمته الكاتبة المصرية سحر توفيق راجعه محمد رفعت الإمام بإشراف بيرج ترزيان.

ويقع الكتاب في 478 صفحة كبيرة القطع تضم أكثر من 100 خريطة وصورة فوتوغرافية لمعالم أثرية ودينية.

وصدر الكتاب عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة وجمعية القاهرة الخيرية الأرمنية العامة. ويضم الجزء الأول تاريخ أرمينيا من العصور القديمة حتى عام 1500 ميلادية أما الجزء الثاني فيتناول تاريخ البلاد من الحكم الأجنبي حتى الاستقلال (1500- 2005) ويضم فصولا منها (الأرمن في الامبراطورية العثمانية) و(أقليات محمية... الجاليات الأرمنية في العالم العربي وإثيوبيا) و(القضية الأرمنية والحل النهائي) و(أحزاب ومنظمات المهجر).

ويقول بورنوتيان إن دولا صغيرة وكبيرة مجاورة لأرمينيا اختفت من التاريخ أما الشعب الأرمني فتمكن من البقاء رغم الجغرافيا الجبلية التي تقسم البلاد إلى وديان تمنعها أن تقيم دولة متحدة تحت حكم مركزي. ويرى ذلك «نعمة مستترة» إذ ساعد افتقاد الوحدة السياسية على بقاء الثقافة الأرمنية على عكس من دول «شديدة المركزية مثل الدولة الآشورية والتي اختفت ثقافتها بالكامل مع انهيار عاصمتها» في القرن السابع قبل الميلاد. ويسجل أن أرمينيا كانت «أول دولة تعتنق المسيحية كديانة رسمية» في بداية القرن الرابع وكان هذا تحولا ليس إلى الديانة وحدها وإنما نحو حسم تاريخي أدى إلى تخلي البلاد عن ماضيها الشرقي المتأثر بالفرس وتأسيس شخصية «مسيحية متميزة» تعتبر هويتها جزءا من العالم الغربي.

ويرصد بورنوتيان الاختلاف بين غزاة أرمينيا السابقين على الهيمنة العربية وبين «الغزوات العربية» التي بدأت العام 640 ميلادية والتي يرى أنها أدت «لأول مرة» إلى عملية تغيير جزئي في التكوين العرقي لأرمينيا الكبرى.

فيقول إن الغزاة السابقين كانوا يأتون للسلب وترسيخ هيمنة سياسية على منطقة الأناضول وما بين النهرين لا للاستيطان لأنهم يمثلون حكومات وامبراطوريات مركزية ولا يسعون للاستقرار في أرض أجنبية أما العرب فكانوا مختلفين إذ استوطنوا وأصبحت لهم إقطاعيات.

ثم توالى الغزاة في القرون التالية حتى أصبح الشعب الأرمني أقلية في أجزاء كثيرة من أراضيه التاريخية، ويضيف أن التغيرات الديموغرافية في تلك القرون أدت إلى هجرة طوعية أو جبرية لمعظم الأرمن الموهوبين ولكنهم في «الشتات الأرمني» احتفظوا بثقافتهم وروحهم القومية. ويسجل أن الأرمن تقلدوا مناصب مهمة في مصر «وأشهرهم بدر الجمالي (1014- 1094)» الذي كان مملوكا ثم أصبح أميرا للجيش في العصر الفاطمي.

وفي العصر الحديث وخصوصا أثناء حكم الخديوي إسماعيل (1863- 1879) ارتفعت مكانتهم حتى إن نوبار باشا أصبح رئيسا للوزراء. ويقول إن مصر كانت مركزا رئيسيا للأرمن الذين بلغوا نحو 40 ألفا قبل ثورة 1952 ولكن كثيرين هاجروا بسبب السياسات الاقتصادية للرئيس الأسبق جمال عبدالناصر ويوجد حاليا نحو خمسة آلاف أرمني في القاهرة والإسكندرية.

العدد 3543 - السبت 19 مايو 2012م الموافق 28 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً