العدد 3588 - الثلثاء 03 يوليو 2012م الموافق 13 شعبان 1433هـ

الأحداث الأخيرة تلقي بظلالها على الحركة العمالية... من «الفصل» إلى «التشطير»

بالتزامن مع المزيد من القيود التي فرضتها المؤسسات على نقابييها

عاهل البلاد خلال استقباله للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في مارس 2012
عاهل البلاد خلال استقباله للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في مارس 2012

كانت الحركة العمالية أكثر الأطراف تضرراً من الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد، فمن فصل آلاف العمال من وظائفهم، كأبرز تداعيات أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011، إلى «تشطير» الحركة العمالية على أسس سياسية وطائفية، إن صح التعبير، وخصوصاً بعد إقرار «التعددية النقابية»، وتزايد وتيرة إنشاء نقابات أخرى في الشركة الواحدة، والتي جاءت بدعم من بعض المؤسسات، في إطار فرضها قيوداً على نشاطات نقاباتها.

فما أن تمكن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين من التقاط أنفاسه، بعد تجاوز أزمة المفصولين التي تمت حلحلتها إلى حد كبير، وذلك بفضل التحركات التي قادها على الصعيدين المحلي والدولي، فإنه بدأ بمواجهة التحركات الساعية لتشطير الحركة العمالية، والتي يرى الاتحاد أنها جاءت بلا شك كردة فعل على موقفه من الأحداث التي ألمت بالبلاد، ومحاولة لتقييد نشاطاته الدولية، التي تمكن من خلالها من «تدويل» قضية المفصولين.

منعطفات أمام «الاتحاد» في مرحلة التأسيس

منذ تأسيسه في شهر يناير/ كانون الثاني 2004، والاتحاد العام للنقابات يكابد المهاجمات من مختلف الأطراف، وهو أمر قد لا يكون مستغرباً، لطبيعة الهدف الذي أنشئ من أجله الاتحاد، ناهيك عن حرصه على الاستقلالية والديمقراطية والوحدة العمالية والحرية في القرار، بحسب ما ساقه الاتحاد من تبريرات، وهو الذي اتخذ له شعاراً حراً مستقلاً ديمقراطياً وموحداً منذ تأسيسه.

ويرى مؤسسو الاتحاد، أنه تمكن من اجتياز جميع المعوقات التي واجهته بروح قوية منفتحة على الجميع، كما أنه أسس لحوار جاد في كل المنعطفات مع طرفي الإنتاج، الحكومة وأصحاب العمل، وكان وفياً لنقاباته الأعضاء بالانفتاح على جميع أطياف العمل النقابي بمزيد من التضامن.

وفي الدورة الثانية له، وبعد مرور الأعوام الأربعة الأولى لتأسيس الاتحاد العام، قام الاتحاد بتعديل نظامه الأساسي لكي يتحول عدد أعضاء الأمانة العامة من 13 إلى 15 عضواً، وذلك في المؤتمر العام المنعقد في العام 2008، إضافة إلى سلسلة من التعديلات الأخرى.

وترافق ذلك، مع زيادة عدد النقابات الذي ارتفع منذ تأسيس الاتحاد العام بنسبة الثلث تقريباً، والتي كان لا يتجاوز عددها مع تأسيس الاتحاد الـ 39 نقابة، ووصل عددها اليوم إلى 65 نقابة عمالية.

وكانت إنجازات النقابات واضحة للعيان، سواء من توافق أو اختلف مع هذه النقابات، إذ قدمت هذه النقابات الكثير لعمالها في مواقع العمل، وخصوصاً للنقابات الصغيرة والتي تعمل في ظروف غير مؤاتية، ولديها مطالب جذرية وأساسية ربما تزيد على مطالب النقابات الكبرى التي انتقلت إلى المطالب التكميلية أكثر فأكثر، وذلك بحكم بيئة وظروف العمل التي تحتاج إلى المزيد من التحسين والتطوير في الشركات والمؤسسات الصغيرة.

بداية الخلاف الحكومي - النقابي

بدأت ملامح الخلاف بين الحكومة والاتحاد العام للنقابات تظهر، بشأن فهم طبيعة المادة العاشرة من قانون النقابات، والتي تنص على: «للعمال في أية منشأة أو قطاع معين أو نشاط محدد أو صناعات أو حرف متماثلة أو مرتبط بعضها ببعض تأسيس نقابة خاصة بهم وفق أحكام هذا القانون، ويكون للعاملين المخاطبين بأنظمة الخدمة المدنية حق الانضمام إليها (...)»، إذ رأت الحكومة أن هذه المادة تمنع تأسيس نقابات في القطاع الحكومي، فيما كان رأي الاتحاد أن المادة يجب ألا تقيد هذا الحق، فلعمال القطاع الحكومي حقهم في التأسيس النقابي أسوة بزملائهم في القطاع الخاص.

وعلى رغم هذا الخلاف إلا أن الحركة العمالية في القطاع الحكومي أسست نقاباتها وحضرت مؤتمرها التأسيسي ست نقابات، غير أنه تبع ذلك صدور تعميم من ديوان الخدمة المدنية رقم 1 لسنة 2003، والذي يقضي بحرمان عمال القطاع الحكومي من التنظيم النقابي.

إلا أن العمل النقابي – بحسب الأمانة العامة للاتحاد - استمر وتواصل في هذا القطاع، وصولاً إلى العريضة العمالية في القطاع الحكومي، والتي وقعها الآلاف من العمال للمطالبة بتحسين الأجور للفئات غير التنفيذية في القطاع الحكومي، وتمخض عنها صدور قرار عن سمو رئيس الوزراء بتعديل رواتب العاملين في القطاع الحكومي.

2011... مفصل اشتداد الأزمة

كانت بداية اشتداد الأزمة في البحرين، مع دعوة الاتحاد في بيان صادر عنه بتاريخ 15 فبراير/ شباط 2011، إلى الإضراب العام، والذي دعا أيضاً الجهات المسئولة للتحقيق في الحوادث التي جرت في يوم الـ 14 من فبراير، ومحاسبة من تسبب في إصابة أو وفاة المشاركين في الاحتجاجات.

وطالب الاتحاد أيضاً، باحترام حرية الرأي والتعبير والتظاهر والاحتجاج السلمي الذي هو حق مكفول للجميع وفقاً لميثاق العمل الوطني والعهود والمواثيق الدولية التي صادقت عليها مملكة البحرين، واحترام حقوق الإنسان، ورفض جميع أشكال العنف من أي طرف كان، والالتزام باستخدام الوسائل السلمية.

وفي ظل تداعيات الأحداث التي شهدتها البلاد آنذاك، وما رافقها من الظروف الأمنية، استجابت أعداد كبيرة من الموظفين إلى دعوة الاتحاد بالإضراب عن العمل.

وفي تاريخ 19 فبراير 2011، أعلن الاتحاد العام للنقابات، قراره بتعليق الإضراب العام الذي دعا إليه، والذي برره بـ «الاستجابة للمطالب التي أعلنها الاتحاد في دعوته للإضراب، وهي انسحاب الجيش من الشوارع والسماح بالتظاهر».

وقال بيان مقتضب أصدره الاتحاد يومها: «في ضوء الأوضاع المستجدة ونظراً لانسحاب الجيش، واحترام حق التظاهر السلمي فقد قرر الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين تعليق الإضراب العام واستئناف العمل اعتباراً من يوم الاثنين 21 فبراير 2011».

وعن ذلك، بررت الأمانة العامة للاتحاد، مضمون بيانها في تلك الفترة، بالقول: «في ظل تداعيات أحداث 14 فبراير، لم يكن بوسع الاتحاد العام وهو الكيان الأبرز والأكبر في المجتمع المدني أن يقف على الحياد متفرجاً، وكأنه ليس معنياً بحاضر ومستقبل هذا الوطن، ولذلك وقف منذ اللحظة الأولى وحتى اليوم موقفاً ثابتاً صلباً لا يتزعزع، وهو الدعوة لمبادرة حوار وطني بناء ومسئول يعالج المسائل التي أدت إلى الاحتقان السياسي الاجتماعي والأمني، وصاغ بياناته جميعاً في هذا الإطار».

لا ينفي أعضاء الأمانة العامة للاتحاد أن اتخاذ خطوة بحجم الدعوة إلى الإضراب العام، لم تكن محل توافق من الأطراف العمالية، وإنما تباينت المواقف من الإضراب تبعاً لتباين المواقف من الاحتجاجات التي شهدتها البلاد بصورة عامة.

وعلقوا على ذلك بالقول: «علينا أن نعترف أن هذا لم يعجب المتشددين من جميع الأطراف، ولكن الاتحاد العام لا يعنيه هوى هذا المتشدد من هذا الطرف أو ذاك، فبوصلته مصلحة الوطن والمواطنين، وها هي الأيام تثبت ولو بعد حين عمق الرؤية الاستشرافية لمستقبل هذا الوطن فالجميع يجد اليوم أن لا مفر ولا ملجأ، غير حوار جاد وفعال وهادف وبجدول زمني وأجندة محددة للخروج من الأزمة السياسية».

هل ساهمت خطوة الإضراب

في تأزيم الأحداث؟

ترى الأمانة العامة للاتحاد، أن تداعيات الأحداث الأخيرة، أثبتت أن مشاركة الاتحاد في الحراك المطلبي الذي شهدته البلاد في شهري فبراير ومارس 2011، لم تكن مشاركة مؤزمة بل مشاركة رشيدة، وأنها لم تُفهم من جميع أطراف العملية السياسية.

كما ترى أن «الحركة النقابية دفعت ثمن هذه المواقف غالياً على جميع الأصعدة، على رغم حرصها على أن تكون على مسافة ثابتة من الجميع، سواء الحكومة أو القوى السياسية بمختلف أطيافها».

أبرز التداعيات والتي كانت واضحة للعيان منذ أكثر من عام، هي فصل آلاف العمال من أعضاء النقابات، واعتقال بعضهم وفصل أو التلويح بمحاكمة القيادات النقابية، بل ووصل عدد المفصولين النقابيين إلى 65 قائداً نقابياً من مختلف مواقع العمل، عاد معظمهم إلى أعمالهم بفضل مساعي الاتحاد العام المستمرة في سبيل وضع توجيهات جلالة الملك وتوصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي محل التنفيذ، كما كان للدعم الدولي من قبل منظمة العمل الدولية والمنظمات العمالية الدولية وعلى رأسها الاتحاد الدولي للنقابات، دور بارز في ذلك.

سياسة الباب المغلق

على رغم بدء تعافي القطاع العمالي من تداعيات الأزمة الأخيرة التي ألمت به، إلا أن ذلك فتح الأبواب على مصراعيها أمام المزيد من الخطوات التعسفية، وسياسة الباب المغلق التي باتت النقابات العمالية تواجهها.

وعن ذلك، ترى الأمانة العامة للاتحاد أن الهجوم الإعلامي ضد الاتحاد ونقاباته مستمراً ومتواصلاً من دون توقف، إلا أن القائمين على الاتحاد يعملون على معالجة الأمور بالمنطق والحكمة لا بردود الفعل، على حد تعبير أحد أعضاء الأمانة العامة، الذي قال: «منذ اللحظة الأولى لبدء عمليات إعادة المفصولين، وجهنا العاملين لتجاوز الماضي والتعالي على الجراح، والعمل في سبيل تقدم مؤسساتهم ووطنهم ونسيان الإساءات وغفران الأخطاء، ونحمد الله على أن هذه التوجيهات قد أخذت حيزها من التنفيذ، على رغم أن المضايقات ضد النقابيين والعمال الذين تم إرجاعهم إلى أعمالهم، مازالت مستمرة، لكننا سنظل نوصي على التحلي بالروح الوطنية وبالمحبة والأخوة والحفاظ على اللحمة الوطنية».

وبطبيعة الحال، تفاوتت ردود الفعل التي واجهت النقابيين الذين عادوا إلى أعمالهم من قبل أصحاب عملهم ومسئوليهم، ففي حين فتحت بعض المؤسسات صفحة جديدة من العلاقة مع العمال الذي عادوا لأعمالهم، فإن الغالبية العظمى من المؤسسات والتي ترى في عودة العمال استجابة لضغوط إجبارية لا تتوافق وإرادتها، وخصوصاً النقابيين الذين تتهمهم بالتحريض على الإضراب عن العمل إبان الأزمة، فإنها فرضت المزيد من القيود على نشاطهم كنوع من العقاب والتحذير من اتخاذ خطوات مستقبلية يجوزها لهم قانون النقابات العمالية.

وتنوعت القيود التي فرضت على الحركة النقابية، فمن وقف باب المفاوضة الجماعية مع النقابات في مواقع العمل، إلى التراجع عن الاتفاقات السابقة، إلى سلب النقابات مكاتبها وامتيازاتها، إلى وقف الاقتطاع الآلي لرسوم العضوية لصالح النقابات من رواتب العمال الأعضاء، وغير ذلك من الإجراءات التي تتعارض مع المرسوم رقم 33 لسنة 2002 بقانون النقابات العمالية.

«التعددية النقابية»... تشطير طائفي

كان من أبرز تداعيات الأزمة تأثيراً على الحركة النقابية، هو صدور المرسوم بقانون رقم 35 لسنة 2011 ليفتح باب التعددية النقابية في مواقع العمل.

وكان مشروع قانون التعددية النقابية، يراوح مكانه في أدراج البرلمان منذ العام 2008، حين طرح كمشروع قانون في بادئ الأمر، اعتبرت الحكومة في مذكرتها التفسيرية بشأنه، أنه جاء «حرصاً من الحكومة على تنفيذ التزاماتها الدولية باعتبارها عضواً في منظمة العمل الدولية وتطبيق مبادئ وحقوق العمال المعترف بها دولياً، وبما تفرضه اتفاقية التجارة الحرة بين حكومة مملكة البحرين وحكومة الولايات المتحدة الأميركية التي أقرها مجلسا الشورى والنواب».

وأبدى اتحاد النقابات حينها، موقفاً صارماً من المشروع، واعتبره «معارضاً لمصالح العمّال والعمل النقابي»، واعتبر الاتحاد أنّ «السماح بالتعددية النقابية للنقابات والاتحادات ليست مناسبة في الوقت الحالي لظروف العمل النقابي، كما أنها تتعارض مع مصالح العمّال لأسباب حداثة العمل النقابي، وأنّ التعددية لن تشكل ضرراً على العمّال فقط وإنما على أصحاب العمل والحكومة على حد سواء، ناهيك عن صغر حجم الطبقة العاملة مع نسبة تصل إلى 60 في المئة منها عمالة أجنبية ما يضعف المنظمات النقابية ويشتت أصواتها».

كما أشار الاتحاد حينها إلى غياب الحمائيات للعمل النقابي وعدم تصديق البحرين على الاتفاقيات المعنية بالحقوق الأساسية في العمل وخصوصاً الاتفاقية 98، ناهيك عن ضعف الانتماء العمالي للنقابات ما يجعل من الأهمية اليوم تعزيز قوتها وزيادة حجم الانتساب إليها، ما يعني أن التعددية في مثل هذا الظرف ترف لا داعي له.

ولفت الاتحاد إلى أنّ التعددية موجودة من حيث المبدأ في روح الاتفاقيات الدولية ولكنها لم ترد كنص في أية اتفاقية دولية وعربية، وبالعكس فإن حقوقاً أخرى أكثر جذرية وأساسية في العمل النقابي منصوص عليها في الاتفاقيات وخصوصاً حق المفاوضة الجماعية وهي أجدر بالتركيز عليها من حق التعددية الذي لا يمثل ضرورة في الوقت الحاضر، بحسب الاتحاد.

كما اعتبر أن «السماح بالتعددية النقابية يعني - في ظل ظروفنا الحالية - السماح بتشكيل نقابات طائفية وغير طائفية داخل كل مؤسسة»، ورأى أن «المتضرر الأكبر من السماح بالتعددية النقابية هو الجسم العمالي المتشكل حالياً على أساس وطني، وهو ما يعد إضراراً بالوحدة الوطنية أيضاً».

فيما تبنت وزارة العمل حينها، موقفاً داعماً لإقرار التعددية النقابية، إذ رأت أن «الأخذ بالتعددية النقابية من شأنه أن يمنع الاحتكار النقابي ويخلق نوعاً من المنافسة بين النقابات لصالح العمل النقابي بالمنشأة، كما أن تشكيل أكثر من نقابة واحدة يكون لصالح عمال المنشأة».

وذكرت الوزارة أيضاً، أن «الاتفاقية الدولية رقم (87) لسنة 1984 بشأن الحرية النقابية نصت على مبدأ الحرية النقابية التي تنطوي على حرية تعدد النقابات، وعلى رغم أن البحرين لم تنضم لهذه الاتفاقية فإن التوجه قائم نحو الالتزام بهذه الاتفاقية، وأن التحفظات المرتبطة بصغر حجم الشريحة العمالية في البحرين هي تحفظات موجودة، لكن الأمر يرجع إلى إرادة العمال أنفسهم ورغبتهم في قيام أكثر من نقابة في المنشأة الواحدة، وهذا المبدأ مطبق في بريطانيا إذ توافق العمال على عدم التعددية على رغم أن القانون يبيح لهم ذلك».

إلا أن الحكومة دخلت لاحقاً على خط إقرار التعددية النقابية وأوقفت المشروع بعد أن تمت إحالته إلى مجلس الشورى، وطلبت التريث قليلاً في إقراره، بسبب التحفظات التي أوردها الاتحاد العام للنقابات وفعاليات حقوقية وسياسية.

وبعد أن ظل المشروع مراوحاً مكانه في البرلمان لأعوام، أعيد طرحه مجدداً إبان الأزمة الأخيرة التي شهدتها البلاد، ليتم إقراره قبل أشهر، على رغم استمرار تحفظات الاتحاد على مضمونه.

واعتبر الاتحاد، أن بعض أصحاب العمل استغل المرسوم الحديث، لتحريض العمال على إنشاء نقابات بديلة وموازية للنقابات القائمة بدعم واضح أو خفي من أصحاب العمل وهو ما يخل بأبسط معايير الحرية والاستقلالية النقابي، وخصوصاً في ظل الظروف التي تمر بها البلاد في الوقت الحالي.

ويقول أحد أعضاء الأمانة العامة للاتحاد: «نحن واثقون بالطبع أن قوانا العمالية التي اجتازت أصعب الظروف، ستجتاز أيضاً محنة التعددية المفروضة ومحنة التشطير المتعمد وتحافظ على قوتها ووحدتها، وتكون الحارس الأمين على تاريخها الناصع المعمد بتضحيات النقابيين الراحلين في سبيل حركة نقابية عمالية موحدة ومستقلة. ونحن بالطبع لا ننكر وجود انعكاسات سلبية من الأحداث السياسية على العمل النقابي، وخصوصاً مشكلة التشطير الطائفي، إلا أننا واثقون أن الحركة العمالية ستظل محافظة على تنوعها المميز والذي كان علامة فارقة لها في هذه الأزمة، جعلتها محل احترام العالم الذي شاهد كيف أن الجسم العمالي المتمثل الاتحاد العام ونقاباته كان هو الجسم الوحيد غير المشظى طائفياً».

ولم تقتصر مخاوف التشطير الطائفي هذه على اتحاد النقابات البحريني، وإنما عبّر الاتحاد الدولي للنقابات ITUC في تقريره الأخير، عن خشيته من أن «تعديل القانون الذي يسمح بتعدد النقابات في البحرين، إنما يهدف منه حظر النقابات القائمة، وتقسيم العمال على أساس ديني أو طائفي».

وقبل أسابيع، أعلنت نقابة شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) عن انسحابها رسمياً من «الاتحاد العام لنقابات عمّال البحرين»، وأن مجلس إدارة النقابة صوّت بالإجماع لصالح القرار، وذلك بناءً على التفويض الذي منحته إيّاه الجمعية العمومية في اجتماعها الاستثنائي، باتخاذ القرار المناسب بشأن البقاء أو الانسحاب من عضوية الاتحاد.

وأكدت النقابة، أن القرار اتخذ بعد القيام بالعديد من الاتصالات التي شملت الاتحاد العمالي، والذي لم يستجب لأي محاولات الاتصال، كما أنه جاء بعد إجراء كل المشاورات اللازمة مع الجهات المعنية وذلك لرسم صورة واضحة المعالم عن مدى تأثير هذا القرار الحاسم.

فيما عبر عمال شركة «ألبا» أعضاء النقابة العمالية عن صدمتهم من «القرار المنفرد» الذي أعلنه رئيس النقابة العمالية علي البنعلي بإعلان الانسحاب من الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، في تنكر للإرادة العمالية لعمال «ألبا» الذين عبروا في ثلاث اجتماعات متتالية عن تمسكهم بالمظلة الشرعية الممثلة لعمال البحرين، وهي الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، ودعوا مجلس إدارة النقابة إلى دفع اشتراكات النقابة المتأخرة وعدم تمزيق الصف العمالي، ورفضوا الأطروحات الانفصالية التي يسعى لها رئيس النقابة.

وفي سياق تبريراته لانسحاب نقابته من الاتحاد، قال البنعلي: «إن المشكلة الأساسية تكمن في النظام الأساسي للاتحاد، الذي يعطي النقابات الصغيرة حصصاً في المؤتمر العام الذي يعقد لاختيار الأمانة العامة أكثر من النقابات الكبيرة، وأن مؤسسة فيها 101 عامل تبعث 3 مندوبين، في حال أن نقابة «ألبا» لديها 3 آلاف عامل تبعث 11 مندوباً، وهذه مشكلة كبيرة، مضيفاً «حين ندفع الاشتراكات للاتحاد، فإننا لا ندفع عن 11 مندوباً فقط، بل عن جميع العمال المنتسبين للنقابة، كما أن الاتحاد يطلب من النقابات دفع ربع ميزانيتها له».

وفي دليل واضح لتأثير تداعيات الأزمة الأخيرة على قرار مجلس إدارة نقابة «ألبا» بالانفصال عن الاتحاد، حمّل البنعلي الاتحاد العام مسئولية «توريط» الكثير من العمال في الأزمة الأخيرة، وعدم قدرته على توحيد الحركة العمالية، بل تحوّل إلى طرف سياسي واضح، على حد تعبيره.

كما قال البنعلي: «إن الاتحاد أعطى الإضراب عن العمل في الأزمة الأخيرة، هيكلاً نقابياً بإعلانه الإضراب، وادعى أن الإضراب لمصالح العمل النقابي على رغم أن حقيقته سياسية».

وفي تعليق له على خطوة نقابة «ألبا» بالانفصال عن الاتحاد، قال بيان صادر عن المجلس المركزي للاتحاد: «إن الاختلاف في الساحة النقابية يجب أن يدار بروح المسئولية النقابية والأخوة العمالية بعيداً عن الانفعال والمناكفات، وبحرص على حفظ العلاقات بين النقابيين في كفاحهم المشترك في سبيل الازدهار الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، لتحقيق العمل اللائق القائم على الأسس التي وضعتها منظمة العمل الدولية، وهي العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والمساواة و العمل الجبري».

وأكد المجلس المركزي على ثوابت وقيم التضامن العمالي والنقابي على قاعدة احترام مبادئ ومعايير العمل الدولية، وخصوصاً الحرية النقابية وحق التنظيم والمفاوضة الجماعية في جميع القطاعات، بما فيها القطاع الحكومي، وأن تكون التشريعات الوطنية متوافقة مع مبادئ ومعايير العمل الدولية وغير انتقائية في تعاملها مع الحقوق الأساسية في العمل.

محاولات للتغلب على شرخ العلاقة

بين «الاتحاد» بالحكومة

بعيداً عن التعددية النقابية، اتخذ التعاطي الرسمي مع الاتحاد، موقفاً مجافياً بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد، تجلى بوضوح في آلية تعاطيه مع قضية المفصولين، وهو ما أحدث شرخاً في العلاقة بين الطرفين، إلا أن الاتحاد العام يرى أن الحكمة في المعالجة والرغبة الصادقة في الخروج من الأزمة وتداعياتها تغلبت على هذا الشرخ، وأن العلاقة بين الحكومة كطرف إنتاج وبين الاتحاد العام بدأت في التعافي، وخصوصاً مع حلحلة ملف المفصولين بصورة شبه نهائية.

واعتبر الاتحاد أن لقاء الأمانة العامة الأخير مع جلالة الملك دشن لمرحلة أكثر ودية وتقدماً بين الاتحاد العام وجميع أطراف الإنتاج، باتجاه مزيد من التعاون والحوار الاجتماعي لحل مشكلة المفصولين، وخصوصاً مع ما جاء في كلمتي كل من وزير العمل جميل حميدان ورئيس غرفة التجارة والصناعة عصام فخرو في حفل يوم العمال العالمي، بتأكيدهما على حل موضوع المفصولين حلاً نهائياً وعادلاً وشاملاً منسجماً مع معايير العمل الدولية، وذلك مع حرص الاتحاد على استقلالية القرار العمالي وحفظ مسافة الاحترام المتبادل مع الجميع من حكومة وأصحاب عمل.

العدد 3588 - الثلثاء 03 يوليو 2012م الموافق 13 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً