العدد 3591 - الجمعة 06 يوليو 2012م الموافق 16 شعبان 1433هـ

السر الأكبر ومشروع نهب التراث الإنساني

المنامة - سيدعدنان الموسوي 

06 يوليو 2012

لم أكن معنياً كثيراً بالجانب السياسي من كتاب «السر الأكبر» للكاتب والصحافي البريطاني ديفيد أيكه، ولكن أثار حفيظتي أمران: الأول أن إخفاق حدوث الزواحف والزواحف المتغيرة تعود في الأساس إلى إخفاق الكاتب في رصد ما يكفي من الدلائل والبراهين حتى تتسلق أفكاره الواهمة إلى ذهن القارئ المغرم بالغيبيات، على العكس تم استيفاء المعلومات بناءً على مصادر ضعيفة الحجة أغلبها شهادات الخدم أو الأصدقاء ممن هُمس لهم ببعض الأسرار كالأميرة ديانا، إضافة إلى أنه لا يوجد سجل أو حتى مخطوط علمي أو ديني موثق في التاريخ القديم أو الحديث يتحدث عن هذه المخلوقات بشيء من التفصيل سوى بعض الروايات، بل يبدو أنه من الظلم بمكان أن تنسب «أم حمار» أو «دعيدع» إلى هذه المخلوقات لاختلاف تركيبتهما البدنية، أما في الجانب العلمي فمن المستحيل فسيولوجياً تحول الإنسان إلى سحلية ضمن طقوس معينة ثم العودة إلى شكله الأصلي بعد حين على شاكلة المسلسل الأميركي الرجل الأخضر، لقد تمادى الكاتب في وصفة لهذه المخلوقات من دون أن يكلف نفسه عناء استشارة أهل العلم وذوي الاختصاص؛ ما أضر بالكتاب... صحيح أنه كشف الكثير من الأمور الغامضة في حقل السياسة الدولية إلا أنه ذهب في وصف ما حل بالأميرة ديانا إلى حد الدخول في الخرافة والهرطقة.

وفي هذا السياق أفرد الكاتب صفحة كاملة للحديث عن السيد المسيح (ع) وما حل به من صلب وتعذيب وانتهاءً بصعوده للسماء ثم يفاجئك الكاتب في ذيل الصفحة بأن الذي قراءته للتو هي قصة كريشنا في الهند وإنما أراد بذلك أن يظهر للقارئ وجه الشبه الكبير بين الاثنين، ثم يضيف أن قضية الإثني عشر تابع لم تقف عند كريشنا والمسيح بل تعدتهما إلى خاتم الأنبياء محمد (ص) والأئمة الإثنى عشر (ع) بحسب المذهب الشيعي، ويضيف الكاتب أن هناك قرابة الأربعين مخطوطاً تتحدث عن الفترة التي عاش فيها السيد المسيح ولكن والحديث للكاتب لا يوجد فيها أي ذكر عنه مع العلم أنها (المخطوطات) تتحدث عن أورشليم، وعن الفترة التي وجد بها السيد المسيح فكيف أغفلت ذكره وما بلغه من صيت من شفاء المرضى وإحياء الموتى وعليه ينتهي الكاتب إلى أن السيد المسيح هو شخصية وهمية لا وجود لاسمه إلا في الإنجيل؟ الغريب أن الكاتب لم يأتِ على ذكر أية مخطوطات أخرى في السياق ذاته! ولم يفصح أن تجاوزت الأخيرة ذكره؟

كما يضيف الكاتب أن التشابه بين الأديان باختلاف الحضارات يعني أنها من صنع مجموعة من البشر ولكن باختلاف المسميات إلا أنه لم يتحدث بالرؤى نفسها عن الإسلام، والسبب في اعتقادي أن كل حقب الدولة الإسلامية موثقة بالكامل وهي من الوضوح والتفصيل وشدة اتصال المسلمين بها حتى تخال أنه لا تفصلنا عنها سوى بضع سنوات وليس 1433 عاماً ولذلك فهي عصية على الخرق والتحريف.

الزواحف المتغيرة: وكلاء إبليس على الأرض أم سادة البشر؟

أما الأمر الأكثر طرافة فهو التوصيف لحد المغالاة لشخصيات عظيمة ونافذة في التاريخ القديم والمعاصر بأنها (هذه الشخصيات) من الزواحف المتغيرة وتعني (نتاج تزاوج الزواحف بالبشر) وقد بلغت ما بلغته من عظمة وجاه ونفوذ لما تتمتع به من ذكاء خارق وقوة بدنية جبارة ورثتها من أسلافها الزواحف والتي قدمت إلى الأرض من كوكب آخر أكثر تقدماً من البشر ونزلت إلى الأرض تحديداً في جبال القوقاز ويعزى إليها (الزواحف) ما نراه من إبداعات في حضارة ما بين النهرين عندما رحلت إليها لاحقاً وفي الحضارة الفرعونية وفي كل معالم الحضارات القديمة التي مازال العلم يقف حائراً أمامها حتى الآن أما المفارقة الكبرى ففي حين يصف الكاتب هذه الشخصيات بالماكرة والعتاة في القتل والإجرام والتنكيل بالشعوب والأمم الفقيرة كما لو كانوا وكلاء إبليس على الأرض يعود ليقول ضمناً وليس صراحة إن للزواحف الفضل في هذه الحضارة العظيمة والمرفهة التي نعيشها اليوم في شخوص أحفادهم من البشر فهم (الزواحف المتغيرة) أهل الملك والمال والعلم والنفوذ ومن دونهم ما كنا لنبلغ ما نحن عليه من حياة عصرية مريحة، إذاً وهذا تحصيل ضمني أيضاً... أمن العدل أن نصف هذه الفئة بالقتلة والمجرمين؟ وما قدموه للبشرية يجعلهم أعلى الناس فضلاً وشرفاً وإن كان أسلافهم أقل رتبة في سلم المخلوقات على الأرض.

المفاضلة

في ثقافة النسب

ويبقى السؤال: ماذا ينقص من حازوا المال والنفوذ؟ أليس النسب الأصيل الذي يضفي عليهم الجاه والوقار ويرفع عنهم وصمة النسب الوضيع؟ وهذا ما فعله صدام حسين حين ربط نسبه بالرسول (ص) وهكذا وفي السياق ذاته فرض الكاتب على القارئ سؤالاً ماكراً خفياً: هل هناك أعلى في الفضل والنسب من صناع الحضارة الحقيقية التي ينهل من خيرها اليوم 7 مليارات إنسان بمن فيهم الـ 1.2 مليار من أمة المسلمين وغيرها من الأمم الأخرى التي تسير في ذيل ركب الحضارة الحقيقية؟

الأمر المفزع أن الكاتب قد نسب الفضل ضمناً في كل معالم الحضارات القديمة من علمية ودينية وأدبية وثقافية ومهنية وامتداداتها إلى الحضارة الحديثة من مالية وما يندرج تحتها من صناعية وتكنولوجية وزراعية وهندسية وعلمية متطورة وفي كل الحقول إلى الزواحف المتغيرة فهم صناع الأديان وهم أصحاب المال والنفوذ ومن ورائهم العلماء والكتاب والفلاسفة! سارقاً بذلك إنجازات ملايين البشر من العلماء والمفكرين والفنيين والمبدعين على مدى التاريخ ناسباً الفضل بأكمله لأحفاد مخلوقات غريبة ليس لها شبه أو قرابة لا بـ «دعيدع» ولا بأم حمار يزعم أنها غزت كوكب الأرض من دون أن يكون لها سجل حقيقي في أرشيف التاريخ الإنساني بل والأدهى أنها مازالت حتى الساعة بعيدة عن مرأى ومسمع البشر ولا أحد يعلم تحديداً أين تقيم في أهرامات الجيزة؟ أم في أنفاق تحت قصور اسكتلندا؟ يا إلهي هل هاجرت «أم حمار» في غفلة منا إلى بلد الضباب؟... الأمر أبعد من الاستخفاف بعقول البشر... إنه سرقة علنية وقحة للإنجازات الإنسانية واعتداء سافر على العقل والتراث الإنساني في غياب أية مساءلة أو رادع قانوني أو أخلاقي أو ديني؟!

هناك أبواب كثيرة تطرق إليها الكاتب وهي مواد سياسية تستحق من القارئ المثقف الكثير من التروي وغربلة كل ما يصل إليه من كم المعلومات المعروضة من دون حواجز أو فلترات حتى يبقي قناعاته ومعتقداته وهي أغلى ما يملكه في هذه الدنيا بعيدة عن التجاذبات المتطرفة والتي لن يجني منها سوى (الوش) أما إذا كان هناك اسم يصلح لهذا الكتاب فهو... مشروع نهب التراث الإنساني.

على من نطلق التهم

«بطّلوا ده... واسمعوا ده»

ويبقى أمر: بعد أن أوغر الكاتب قلب القارئ بهول الجرائم التي اقترفتها هذه المخلوقات وأحفادها بالبشر على مدى التاريخ ألا يحق للقارئ أن يسأل: كيف يقاضي البشر مرتكبي هذه الجرائم أعني الزواحف؟ وممن يقتص؟ من مخلوقات ظاهرة للعيان (الزواحف المتغيرة)؟ أم مخلوقات مستترة (الزواحف)؟ والتي لا يعلم أحد على أية هيئة تكون أو بأي أرض تقيم؟ وكيف استقام لها الأمر بعمر التاريخ الإنساني وهي تحيك كل الدسائس والمؤامرات من دون انكشاف أمرها للناس؟! أليس من الجهل أن تنسب كل الجرائم على مدى التاريخ إلى مخلوقات غير الذين يعرفهم البشر بشخوصهم الحقيقية والمسجلة أسماؤهم على صفحات الكتب وعلى مواقع الإنترنت؟ ماذا يريد الكاتب؟ هل يشيح البشر أنظارهم عن المجرمين الحقيقيين والثابتة أسماؤهم على العلن ويلقون بالتهم جزافاً على مخلوقات مستترة لم يشر الكاتب حتى إلى فرضية البحث عن سيرهم في سجل «دعيدع» أو «أم حمار»!

العدد 3591 - الجمعة 06 يوليو 2012م الموافق 16 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً