العدد 3596 - الأربعاء 11 يوليو 2012م الموافق 21 شعبان 1433هـ

ضياع أكثر من عشرة ملايين كتاب من الأمة العربية الإسلامية خلال 13 قرناً

منصور محمد سرحان comments [at] alwasatnews.com

توصلت من خلال دراسة اعتمدت فيها على العشرات من المصادر العربية والأجنبية والتي من بينها أمهات كتب التاريخ العربي، وكتب بعض المستشرقين والأجانب الذين أنصب اهتمامهم على التاريخ العربي الإسلامي وتعرضوا بشكل خاص إلى مسألة حرق الكتب وإتلافها... توصلت إلى أن الأمة العربية الإسلامية فقدت زهاء عشرة ملايين كتاب على أقل تقدير من القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي وحتى يومنا هذا. وقد أدى ذلك إلى ضياع ثمرة جهود العلماء والفلاسفة ورجال الطب والفكر والأدب والفقه واللغة الذين أثروا المكتبات آنذاك بنتاج فكري إنساني متنوع شمل آلاف الكتب التي تمت ترجمتها من لغاتها الأصلية إلى اللغة العربية.

وتوصلت الدراسة إلى المحن التي واجهها الكتاب في الوطن العربي عبر العصور المختلفة والمتمثلة في حرقه وتدبير مراكز تواجده، وملاحقة مؤلفيه ومضايقتهم والتنكيل بهم وقتلهم. وقد تعددت وسائل القضاء على الكتب من خلال نهبها أو حرقها أو دفنها أو رميها في المياه. وهناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ضياع الكتب في العالم العربي عبر عصوره المختلفة، منها أسباب نفسية بحته، وأخرى الخوف من اقتناء الكتب في بعض العصور باعتبارها محرمة وممنوعة وخاصة كتب الفلسفة والكتب العلمية التي يلاحق أو يسجن أو يقتل من كان يقتنيها.

ويضاف إلى ذلك أسباب أخرى مصدرها الحقد والتعصب الأعمى والجهل القاتل، والأسباب الخارجية المتمثلة في غزو البلدان العربية واحتلالها من قبل الأجنبي، وتدمير مكتباتها وحرق ما فيها من كتب أو سرقتها... أدت جميع تلك الأسباب إلى ضياع زهاء عشرة ملايين كتاب.

وتؤكد المصادر التاريخية أن بداية ضياع الكتب في العالم العربي الإسلامي كانت على أيدي المتنسكين حيث لعبت عوامل نفسية في قيام بعضهم بالتخلص من كتبهم. فقد أحرق أبوحيان التوحيدي كتبه بنفسه لأنه لم ينل من التقدير والاحترام في حياته ما كان يرجوه. وتخلص أحمد بن أبي الجواري من كتبه التي كان يقتنيها برميها في مياه النهر. وأحرق عمرو بن العلاء كتباً ملأت بيته حتى السقف بعد تنسكه.

أما أغرب حوادث دفن الكتب التي مرت على التاريخ العربي الإسلامي فقد جسدها أبوكريب الهمداني المتوفى سنة 243هـ /857م، وكان من محدثي الكوفة الأجلاء. فقد أوصى قبل وفاته بأن تدفن كتبه معه، فدفنت.

ومن الفواجع التي لحقت بالمكتبات الخاصة في العصور الإسلامية مكتبة بني عمار في القرن العاشر الميلادي في طرابلس بسورية والذي قدر شوشتري في كتابه «مختصر الثقافة الإسلامية» مقتنياتها بثلاثة ملايين كتاب. ويعود سبب حرقها إلى توهم الصليبيين أن جميع محتويات المكتبة هي نسخ من القرآن الكريم. فعند احتلال طرابلس كان يرافق الحملة الصليبية أحد القساوسة الذي تجول في القاعة المخصصة للقرآن الكريم، فاعتقد أن المكتبة بجميع قاعاتها مخصصة للقرآن الكريم، فأعطى أوامره بحرقها.

من بين المكتبات الخاصة التي تم حرقها على أيدي بعض الحكام العرب المسلمين آنذاك ثلاث مكتبات احتوت كل منها على أكثر من عشرة آلاف كتاب هي: مكتبة ابن حزم الأندلسي، ومكتبة سابور نسبة إلى مؤسسها أبونصير سابور وزير بهاء الدولة البويهي، ومكتبة عبدالسلام بن عبدالقادر البغدادي المدعو بالركن.

ويذكر ابن خلدون أن السلطان محمود الغزنوي لما فتح الري وغيرها سنة 420 هـ قام بقتل الباطنة ونفى المعتزلة وأحرق كتب الفلاسفة والاعتزال، واستخرج كتب علوم الأوائل وعلم الكلام من مكتبة الصاحب بن عباد وأمر بإحراقها.

وفي زمن الموحدين جرى اضطهاد المؤلفين ممن كتبوا في علم المذهب والفقه وأحرقت كتبهم، حيث يروي صاحب «المعجب» باعتباره شاهد عيان على حرق الكتب بقوله: «وفي أيامه – أي أيام محمد بن تومرت – انقطع علم الفروع وخافه الفقهاء، وأمر بإحراق كتب المذهب، فأحرق منها جملة في سائر البلاد، وقد شهدت ذلك وأنا بمدينة فاس يؤتي منها بالأحمال فتوضع ويطلق فيها النار».

وتعهد المنصور الموحدي (في القرن السادس الهجري) ألا يترك شيئاً من كتب المنطق والحكمة باقياً في بلاده، وأباد كثيراً منها بإحراقها بالنار. وقد أدى اضطهاد الفلاسفة والعلماء وملاحقة المجموعات المتنورة من المعتزلة وغيرهم، وحرق كتبهم وتدمير مكتباتهم إلى تدني مستوى الإنتاج الفكري العربي الإسلامي من كتب الفلسفة والعلوم، ما حرم الأمة آنذاك من أهم مصادر المعرفة التي تنشط الفكر وتغذي العقل.

أما الطامة الكبرى فتتمثل في تدمير المكتبات الرئيسية التي تأسست في العصور العباسية والفاطمية والأندلسية بشكل مفجع أدى إلى ضياع الملايين من الكتب وبالتالي أدى إلى أفول تلك الحضارات الشامخة وتخلف الأمة العربية عن النهضة العلمية وجعلها نهباً للمستعمر الأجنبي.

لقد دمر المغول أثناء اجتياحهم بغداد مكتبة بيت الحكمة التي كانت تضم أكثر من 300 ألف كتاب، كما دمروا 36 مكتبة في بغداد تضم مئات الآلاف من الكتب، وتم إلقاء جميع تلك الكتب في نهر دجلة. وقد وصف ول ديورانت في كتابه «قصة الحضارة» مكتبة بيت الحكمة بأنها مجمع علمي، ومرصد فلكي ومكتبة عامة.

لم يكن مصير «دار العلم» بالقاهرة أفضل من مصير «بيت الحكمة» في بغداد، وكانت تعد أضخم مكتبة عرفها التاريخ الإسلامي. وقد ذكرت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب» مقتنيات المكتبة بقولها: «وفي القاهرة رتب مئات العمال والفنيين في مكتبتي الخليفة مليونين ومئتي ألف من المجلدات». وقدر شوشتري مقتنيات المكتبة في كتابه «مختصر الثقافة الإسلامية» بثلاثة ملاين مجلد، وقد قضي على هذه المكتبة وضاعت كتبها في عهد صلاح الدين الأيوبي حيث تذكر ذلك العديد من المصادر ومن بينها ما ذكره القلقشندي وأكده المقريزي بقوله: «في عهد صلاح الدين قضي على خزائن مكتبات الفاطميين وتشتت ما تبقى من كتبها بيعاً على تجار الكتب وعطاء لبعض العلماء والقضاة فضلاً عما أهداه صلاح الدين للمقربين إليه. وحدد لبيع الكتب يومين كل أسبوع واستمر عشر سنوات تولى تجار الكتب والدلالون مهمة البيع تحت أمرة قراقوش».

أما المكتبة الرئيسية الثالثة التي دمرت فهي مكتبة قرطبة التي اهتم بها الحكم الثاني وبذل الأموال في جمع الكتب وزودها بأنفس الكتب والإصدارات التي كانت تؤلف حينذاك. وبلغ عدد الكتب التي ضمتها المكتبة قرابة أربعمئة ألف كتاب. فقد تعرضت هذه المكتبة للحرق والتخريب والدمار بعد وفاة الحكم الثاني. وقد نعتها رينهارت دوزي في كتابه «تاريخ المسلمين في إسبانيا» بقوله: «لم يسبق أن تولى حكم إسبانيا حاكم عالم بهذه الدرجة، على رغم أن جميع أسلافه كانوا رجالاً مثقفين، وأحبوا أن يغنوا مكتباتهم، فإن أحداً منهم لم يبحث بشفق ونهم عن الكتب النادرة والثمينة كما فعل الحكم».

لقد خسر العرب ما يزيد على مليون كتاب في الأندلس حين شن الأسبان حرباً شعواء على العرب المسلمين هناك مستهدفين بحقد أعمى الكتب، فعملوا فيها حرقاً وتدميراً من أجل القضاء على التراث العربي والثقافة الإسلامية.

ففي العام 1499م أمر رئيس أساقفة غرناطة بحرق كل ما يمكن حرقه من الكتب العربية. وفي العام 1511م تولى خوان كسيمانيز أمور الأسقفية في مدينة غرناطة وكان متعصباً حاقداً على المسلمين فصب جام غضبه على ما تبقى من كتب بالمدينة فأمر بجمعها وحرقها في ميدان باب الرحلة.

وتؤكد زيغريد هونكه المستشرقة الألمانية في كتابها «شمس العرب تستطع على الغرب» خسارة العرب في الأندلس من الكتب بقولها: «وهكذا حرقت يد التعصب مليوناً وخمسة آلاف من المجلدات، هي مجهود العرب في الأندلس وثمرة نهضتهم في ثمانية قرون».

وعندما انتزع العثمانيون مصر من يد المماليك قاموا بسلب، ونهب، وتدمير، وحرق المكتبات، وقد وثق المؤرخ ابن أياس المتوفى سنة 930هـ / 1523م الذي عاصر الفتح العثماني الكثير من أحداث التخريب والتدمير وحرق الكتب. وقد نهبت مكتبة السلطان حسن، وأحرقت مكتبة جامع الأمير شيخو عن بكرة أبيها وغيرها من المكتبات، ونقلت الآلاف من المخطوطات العربية إلى إسطنبول.

ساهم الاستعمار الفرنسي في نهب الكتب العربية وحرقها. فعند خروج الحملة الفرنسية من مصر العام 1801م تم نقل العديد من المخطوطات من مصر بل عمد إلى حرق الكتب والمكتبات بالجزائر. فقد أشار الفرد بتلر في كتابه «فتح العرب لمصر» قيام الفرنسيين بحرق مكتبة جامعة الجزائر وكانت تضم نصف مليون كتاب.

لم تكن البحرين بعيدة عن تلك الأحداث، فقد حدث أن استولى العمانيون على البحرين في القرن التاسع عشر الميلادي وبالتحديد في العام 1800م إلا أنهم لم يستطيعوا البقاء بها مدة طويلة، فأعادوا الكرة مرة أخرى العام 1802م واستولى على البحرين وبقوا بها ست سنوات.

وقد نهت بعض المكتبات أثناء الغزو العماني. ففي الغزوة الأولى تعرضت مكتبة آل عصفور إلى النهب حيث يذكر الشيخ يوسف في كتابه «لؤلؤة البحرين» إلى نهب جزء من مكتبة والده. وفي الغزوة الثانية أي العام 1802م تم دخولهم جزيرة «النبيه صالح» وكانت جزيرة معروفة بكثرة علمائها ومدارسها الدينية كمدرسة الشيخ داود وغيرها، وكان علماء البحرين يودعون كتبهم في هذه الجزيرة باعتبارها جزيرة نائية عن الأحداث، إلا أنه حدث ما لم يكن في الحسبان بعد استيلاء عمان على البحرين... فقد نهبت المكتبات في جزيرة النبيه صالح وتم رمي الكثير من الكتب والمخطوطات في عرض البحر، وقتل 74 عالماً وطالباً كما ذكر الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي في كتابه «أنوار البدرين» فسميت بكربلاء الثانية. وقد خسرت البحرين بضعة آلاف من الكتب في الفقه واللغة والأدب والفلسفة والتاريخ والتراجم.

وفي مجال آخر أمر عبدالله الزايد بحرق ملفه السياسي، وهو الملف الذي جمع فيه بعض الوثائق وقصاصات صحافية ومذكراته الخاصة المتعلقة بالشأن السياسي. ويذكر المؤرخ البحريني مبارك الخاطر في كتابه «نابغة البحرين عبدالله الزايد» أن الملف كان يحتفظ به صديق الزايد راشد الجلاهمة، وعندما تدهورت صحته في آخر حياته طلب من صديقه الجلاهمة حرق الملف، فنفذ الجلاهمة رغبة صديقه وحرق الملف وغادر في الحال إلى القطيف ليمارس عمله هناك.

لقد استمر مسلسل حرق الكتب وتدميرها حتى نهاية القرن العشرين وفي العقد الأول من القرن الحالي. فبعد احتلال العراق دولة الكويت العام 1990م نهبت المكتبة الوطنية بالكويت وبعد دخول قوات التحالف بغداد العام 2003 نهبت المكتبات الكبيرة ومنها المكتبة الوطنية، وضاعت الآلاف من الكتب والمراجع النادرة، والمخطوطات والوثائق والكثير من النتاج الفكري الإنساني. وتم في شهر مارس/ آذار من العام 2007 تدمير شارع المتنبي وبالتالي تدمير وحرق المكتبات التجارية على الشارع في حادث إرهابي. ومن بين أشهر مكتبات هذا الشارع: القاموسية، القانونية، عدنان، أبناء حياوي.

كما تم تدمير المقهى الثقافي المشهور والمعروف باسم مقهى «الشاهبندر» وبهذا ضاعت عشرات الآلاف من الكتب المتنوعة. وعمدت إسرائيل في عدوانها على لبنان في الفترة من 12 يوليو/ تموز إلى 14 أغسطس/ آب العام 2006 إلى حرق وتدمير المطابع المنتشرة في جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية، ما أدى إلى حرق عشرات الآلاف من الكتب الورقية والكتب الإلكترونية، وقد دمر ما نسبته 70 في المئة من المطابع ودور النشر اللبنانية المتوافرة في الضاحية الجنوبية.

تلك الأحداث حقائق تاريخية مؤلمة، كنا نتوقعها نهاية المطاف للكوارث التي حلت بالأمة العربية الإسلامية في مجال نهب، وحرق، وتدمير الكتب والمكتبات في الوطن العربي، وأن تكون فعلاً من التاريخ وحدثاً مظلماً من الماضي... وإذا بنا نشهد مأساة نهب الكتب وحرقها وتدمير المكتبات في الوطن العربي مرة أخرى في العقد الأخير من الألفية الثانية وفي العقد الأول من الألفية الثالثة!

إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"

العدد 3596 - الأربعاء 11 يوليو 2012م الموافق 21 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 3:27 م

      استفسار

      كيف تم استعادة الكتب اللي اغرقت في نهر دغلة

    • زائر 8 | 6:02 ص

      الخبر

      لأفض فوك يادكتور

    • زائر 7 | 10:25 ص

      حزن و اسي

      جزاك الله خيرا على جهودك ولكن والله ان القلب ليحزن وان العين لتدمع على ضياع الامة وتأخرها بسبب افعالها

    • زائر 6 | 1:27 م

      رد على الملحدين

      هذا يعتبر رد على الملحدين الي يقولون لماذا المسلمون لم يكتشفون المعجزات العلمية في القران , واكتشفها غيرهم قبلهم. انظر إلى التاريخ وتعرف.

    • زائر 5 | 4:38 م

      .

      مقال عظيم

    • زائر 4 | 6:10 ص

      اغتيال حضرتنا :(

      لهذا لم يصلنا ولم يبقى بايدينا من الكتب الا ماهو هابط وساقط ومترجم . يبدوا ان الغرب لم يغزونا فكريا ولكن نحن من غزونا افكارنا بقتل كل ماهو جيد منها . مقال وبحث ذو فائده وبه معلومات تاريخيه تفسر ما يحصل لنا اليوم . شكرا

    • زائر 2 | 4:48 ص

      مقال رائع

      شكرا شكرا يا أستاذ على هذا المقال الرائع .. أرجو أن لا تبخل علينا بمثل هذه المقالات ..

    • زائر 1 | 3:36 ص

      جميل

      مقال جميل يادكتور .. ومؤلم

اقرأ ايضاً