العدد 3605 - الجمعة 20 يوليو 2012م الموافق 01 رمضان 1433هـ

يستمتعون بالعمل الشاق وينتظرون كل مساء ضيفاً على «الإفطار»

كبار السن حين يستذكرون «أيام الشهر الفضيل زمان أول»...

الوالد خليفة دعيج يقرأ القرآن ... وأثناء الصلاة
الوالد خليفة دعيج يقرأ القرآن ... وأثناء الصلاة

لاتزال ذكريات جميلة كثيرة ماثلة في ذاكرة الوالد «بودعيج» حين يتحدث عن شهر رمضان المبارك فيما مضى من السنين... تلك الذكريات لا تغيب أو تتوارى كلما تجأوز قطار العمر محطات ومحطات... في أكثر من محطة، يغدو شهر رمضان المبارك ويروح لكي يترك أعطر الذكريات... في الماضي... وقتذاك حينما كان الناس يستمعون للأذان بصوت المؤذن مباشرة دونما مكبرات صوت... وفي زمان لم ينشغل فيه الناس بالفضائيات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات كما هو عصرنا اليوم... كان لشهر رمضان المبارك رونقاً خاصاً لدى الآباء والأجداد... ودون شك، لهذا الشهر الفضيل أيضاً رونقاً خاصاً لدى جيل اليوم.

تمر ولبن... صحة وعافية

الوالد «خليفة بن دعيج» من أهالي قرية البديع الطيبة، لم تمنعه سنوات عمره في العقد الثامن من أن يجعلنا نعيش في أجواء رمضانية مباركة مع كبار السن الذين هم أيضاً يحلو لهم الحديث عن بضع ذكريات... يختصر المسافات فيقول: «الناس في زمان أول، حينما كنا في مرحلة الصبا والشباب... ذلك في العشرينيات والثلاثينيات... كانت الحياة صعبة جداً، الناس تعمل إما في الغوص وإما في الزراعة وهناك أيضاً من يعمل في التجارة بلا شك وهذه كانت المهن الرئيسية، وكان الأهل يربون الأطفال منذ سن السابعة أو ربما حتى السادسة على استقبال الشهر الفضيل بعدة وسائل. أما بتعليمهم حسب ما يعرف أولياء الأمور من معلومات حول فريضة الصيام وأخلاقه أو من خلال الكتاتيب والمشايخ وبعض المعلمين، كما أن الوقت غير الوقت، فالأعمال كانت شاقة للغاية والأوضاع المعيشية صعبة، ولربما وجد البعض إفطاره عبارة عن رز أبيض مع بعض التمر واللبن، ولكن الحمد لله... صحة وعافية، بل بعد يوم من عمل شاق، لربما وجدت الناس في المساجد لصلاة المغرب، ثم يعودون إلى بيوتهم وينتظرون ضيفاً يشرفهم ويفطر معهم ولو بتمرة وكأس ماء».

مد يدك... إنه الشهر الكريم

وليست الصور المتبقية في ذاكرة الوالد عبدالرحمن «بويوسف» إلا واحدة من المشاهد الجميلة، فهو الذي يبلغ من العمر 79 عاماً يبدأ حديثه بإكمال ما وصل اليه (بودعيج) حيث يقرأ حديثاً نبوياً شريفاً: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، فيقول إن الناس في الغالب -من كل مناطق البحرين في ذلك الزمن الصعب والجميل في آن واحد- لا تمنعهم قلة ذات اليد والفقر الشديد وصعوبة الحياة بالنسبة للكثيرين من أن يستعدوا لشهر رمضان المبارك.. الكل كان يستعد منذ النصف الأول من شهر شعبان حيث يعمل كل واحد قدر استطاعته على توفير مستلزمات الشهر الفضيل، كما كان البعض الآخر يستعد من خلال إعداد منزله.. البيوت كانت متواضعة وصغيرة وبعضها بلا كهرباء والماء يصلها عن طريق السقائين، لكن أتذكر كيف أن والدي يعمل مع الجيران والجيران يعملون معه كل واحد يساعد الآخر في تنظيف منزله وإعداده وصيانته بما تيسير من جص (إسمنت أبيض) وطين وتسقيف المنازل بالدنجل (جدوع الأشجار القوية) وكذلك سعف النخيل، وبالنسبة للميسورين، وخصوصاً أولئك الذين دخلت لديهم الكهرباء وبيوتهم مشيدة من الطابوق أو الطين، فتجدهم يمدون سلكاً لتركيب مصباح خارج المنزل يضيء للدرب أو يصل النور لبيوت الجيران القربية، وأنا أتكلم عن هذه الصورة وكنت أعيش آنذاك في المنامة بفريج الفاضل، ويا محلى تلك الأيام.. وهناك أشياء أخرى أود أن أذكرها أيضاً.

هل هلالك... حياك الله

ويشارك في الحديث الوالد سعد مبارك (بوسالم) فيذكر الجماعة أن الاستهلال كان مسئولية الجميع.. فما أن يتحرى الناس هلال الشهر الفضيل حتى تجد الكثيرين في المناطق البرية وبالقرب من السواحل يتحرون رؤية الهلال ومن يراه يهرع على الفور لابلاغ المشايخ، فلم يكن آنذاك توجد هيئة رؤية، لكن الناس كانوا يحملون مسئولية الاستهلال بصدق، ثم كان آباؤنا وأجدادنا يأخذوننا ونحن صغاراً إلى الصلاة بالمساجد القريبة، وللعلم، في الكثير من المساجد بمناطق البحرين، ورغم ضيق الحال، إلا أنه ما إن يرتفع أذان المغرب حتى تجد البعض يوفر حِب الماء (آنية فخارية كبيرة تراثية تستخدم لحفظ الماء وتبريده) وسلة رطب فقد كان الشهر الفضيل يأتي دائماً في فصل الصيف والقيظ الشديد وليس كما هو الحال في السنوات الماضية حيث دارت دورة الزمن وعشنا الشهر الفضيل في الشتاء.. وكان الناس من المارة، من كل الطوائف، يصلون جنباً إلى جنب ويفطرون بالرطب والماء وبعض القهوة إن وجدت في المساجد الواقعة على الطرقات.. هؤلاء الناس نفوسهم طيبة ولم يكن بينهم من يفرق بين هذا وذاك ويعدد أسباباً للتفرقة وهو إنسان خبيث.. (الله يكفينه شر هالأشكال اللي تفرق بين الناس).

وفي كل ناحية من نواحي استقبال الشهر الفضيل كان هناك العديد من الفعاليات كاللقاءات بين النساء والرجال لتجاذب أطراف الحديث حول الشهر الفضيل ويسألون عن المسافر متى سيعود ليشارك أهله صوم الشهر الفضيل، وكذلك هناك أهازيج الأطفال الشعبية التي تقام في مثل هذه المناسبة: «حياك الله يا رمضان.. حياك الله يا شهر الله».. ومنها: «هل هلاك الدار دارك».. والمهم أيضاً أن هذا الشهر الفضيل هو شهر عبادة وتراحم وتكاتف وتعاضد وهذا ما بقي حتى اليوم رغم كل ما شهده العالم من تطور، فالإنسان الذي تربى وعاش على معاني الشهر الفضيل لا يمكن أن تغيره أو تؤثر فيه المتغيرات المادية حوله.. فنفسه الطيبة التي كان عليها أجداده وآباؤه تنقل إليه، فها نحن نرى الكثير من البشر يشاهدون الفضائيات ويتابعون الإنترنت ويزورون المجمعات التجارية لكنهم في الوقت ذاته تراهم يمارسون العبادات ويشاركون في صلاة التراويح ويذهبون إلى الجوامع والمساجد ويحضرون محاضرات المآتم والحسينيات، وكما قال الرسول (ص): «الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم».. مبارك عليكم الشهر وكل عام وأنتم بخير.

العدد 3605 - الجمعة 20 يوليو 2012م الموافق 01 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 1:45 م

      رحمة الله عليك

    • زائر 5 | 7:37 ص

      البديع وبني جمرة

      اي والله اخوان بس الشيطان وعمله وفتنه. الله يدوم المحبة وتصفي القلوب.

    • زائر 4 | 3:18 ص

      تحية الى اهلنا بالبديع

      انا من سكنة قرية بني جمرة يعني بالعربي الفصيح يفصلنا شارع فقط و عمري قرابة الخمسين عام
      عشنا مع اهالي البديع الكرماء منذو الصغر فلم نجد منهم الا كل خير و طيبة فسلام لكم من جيرانكم يا احلى الجيران

    • زائر 3 | 2:37 ص

      غفر الله لك

      غفر الله لك و لوالديك يبو دعيج
      نعم هذا هم أهل البحرين طيبين و عقلاء على طول ويتحدّون و يتخطّون كل الصعاب مهما كانت
      شكرا للوسط

    • زائر 2 | 2:08 ص

      الله يكفينا شرهم

      الله يكفينا شرهم
      الله يكفينا شرهم
      الله يكفينا شرهم
      الله يكفينا شرهم
      الله يكفينا شرهم
      الله يكفينا شرهم
      الله يكفينا شرهم
      الله يكفينا شرهم
      قولوا آمييييين

    • زائر 1 | 1:33 ص

      كلام جميل من بو دعيج

      صدق لما قال هذي الجمله
      .. (الله يكفينه شر هالأشكال اللي تفرق بين الناس).

اقرأ ايضاً