العدد 3637 - الثلثاء 21 أغسطس 2012م الموافق 03 شوال 1433هـ

بلدة بوسي الفرنسية ملتقى لثلاث ديانات

من نافذة في الطابق الأول تطل أبيس مانشين شيه من معبدها البوذي على راهبات حليقات الرأس أثناء استعدادهن للصلاة وهن يطهين الأرز لتقديمه قربانا إلى بوذا. قالت وهي تشير إلى مبنيين تحت الإنشاء في بوسي سان جورج على بعد 30 كيلومترا شرقي باريس "انظروا.. يمكن رؤية المسجد والمعبد البوذي."

ومثل الكثير من البلدات الجديدة التي أنشئت منذ الستينات لتخفيف التكدس السكاني في الحضر فان أكثر من نصف سكان بوسي ومجموعهم 25 ألفا من المهاجرين. ويقول هيوز رونديو رئيس بلدية بوسي إن نحو 40 بالمئة من سكان البلدة من الآسيويين. وفرنسا الدولة العلمانية ذات التاريخ الكاثوليكي القديم تكافح للتأقلم مع ثقافاتها التي تزداد تعددا ويعتقد رونديو أن بوسي يمكن أن تكون مثالا يحتذى به. ولشعوره بالقلق من قلة الأماكن المخصصة للصلاة لغير الكاثوليك يعمل رونديو على بناء معبد يهودي ومسجد ومعبدين بوذيين جنبا لجنب في محاولة لاذابة الحواجز بين الديانات. وتوجد كنيسة كاثوليكية بالفعل في بوسي. وقال رونديو -وهو كاثوليكي ملتزم- لرويترز "أخشى أننا إذا لم ننظم أمر أماكن العبادة بشكل أفضل أن ينتهي بنا الأمر إلى فوضى ويصلي الناس في الشوارع." وفرنسا التي يبلغ عدد سكانها 60 مليون نسمة تضم أكبر الأقليات المسلمة واليهودية في أوروبا إذ يقدر عدد المسلمين بخمسة ملايين وعدد اليهود بنصف المليون. وهم يعيشون جنبا إلى جنب مع نحو مليون بوذي كثير منهم مهاجرون من مستعمرات فرنسية سابقة في شرق آسيا. وأثار ذلك توترات إذ تشير تقارير إلى حدوث أكثر من 100 هجوم على مسلمين وما يصل إلى 400 هجوم على اليهود كل عام. وتتراوح الهجمات من تهديدات ونبش قبور إلى أعمال عنف. وأدت واقعة قتل محمد مراح البالغ من العمر 23 عاما لثلاثة أطفال يهود وأربعة بالغين بالرصاص في مارس آذار إلى دعوات لمزيد من الحوار بين أصحاب الديانات المختلفة. ورغم أن سجل بوسي يخلو من أعمال العنف يخشى رونديو ألا يبقى الوضع كذلك وهو يدرك أن مشروعه حيث يقف المسجد في مواجهة المعبد اليهودي ما هو إلا مقامرة. ويقول "إذا اغتال الحاخام غدا الإمام أو العكس بسبب الاضطرابات في الشرق الأوسط فسأكون أنا المسؤول قطعا. ولكني سأكون المسؤول أيضا إذا قرروا اجراء محادثات سلمية معا."

وهذه أول واقعة من نوعها في فرنسا إذ أن قانونا صارما صدر عام 1905 وينص على الفصل بين الدين والدولة جعل المسؤولين عازفين عن التدخل في الأمور الدينية. ويقول رونديو إنه طلب من السلطات تخصيص قطعة أرض قرب وسط المدينة من أجل المشروع إلا أن الطوائف الدينية المتحمسة له هي التي تمول البناء بالكامل. وفي يوليو تموز افتتح معبد أبيس شيه وهو المقر الأوروبي لمذهب فو قوانغ شان البوذي الذي ترجع أصوله إلى تايوان. ومن المقرر أن ينتهي بناء المعبد والمسجد بحلول ديسمبر كانون الأول أما المعبد اليهودي فسينتهي العمل به في نفس الموقع عام 2014 . وتقول شيه "معلمنا الكبير يطلب منا العيش في وئام مع النفس ومع الآخرين والمجتمع والعالم ولهذا جميل أن نعيش كلنا جيرانا." ويأمل الشيوخ المسلمون أن يعزز هذا المشروع مشاعر التآلف بعد التوترات التي اندلعت في سبتمبر أيلول عندما حظرت الحكومة المحافظة السابقة الصلاة في الشوارع. وكان مشهد مئات المسلمين وهم يصلون في الشوارع بشمال باريس قد أثار توترا في بلد لا يستساغ فيه اظهار المعتقدات الدينية علنا الأمر الذي دفع مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتشدد إلى وصف الأمر بأنه "غزو" لكن المسلمين يشكون من عدم وجود مساجد كافية. وقال عبد الله زكري رئيس مرصد الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) التابع للمجلس الإسلامي الفرنسي "هذه مبادرة رائعة... يمكنها أن تعزز من روح التعايش. أرى ذلك إيجابيا." ويقول رونديو إن تركيبة سكان بوسي المهاجرين تجعل المنطقة مكانا نموذجيا للترويج للتآلف بين أصحاب الديانات المختلفة ولكنه يعترف بأن الكثير من السكان ما زالوا معارضين للفكرة. وتابع "الأمر ليس سهلا دائما نظرا لصورة الاسلام في أوروبا وخاصة في فرنسا... يصعب دائما على الناس فهم أن المشهد الثقافي وحتى العرقي في أوروبا يتغير." ويقول مهدي (23 عاما) الذي يقيم في بوسي ويعمل في مجال تسليم البضائع "يوصم المسلمون منذ فترة طويلة... هذا المشروع لن يغير الأمر ولكننا على الأقل سنصلي في مناخ أفضل." ويشعر كثير من الفرنسيين بالقلق جراء تغير هوية بلادهم. وحصل حزب الجهبة الوطنية على 18 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت في ابريل نيسان معتمدا في حملته على احباط الفرنسيين جراء ارتفاع معدلات البطالة والهجرة الوافدة. وأبدى بعض سكان بوسي مخاوف من أن يؤدي دعم الأقليات الدينية إلى زيادة عدد الأحياء الخاصة بكل طائفة في البلدة. وقال ديفيد مورو المسيحي البالغ من العمر 41 عاما وهو يدخن سيجارة أثناء فترة الاستراحة من عمله في مجال التأمينات "هذا أمر ديمقراطي جدا ولكني لا أريد أن يتباهى الناس بوضعهم وأن يسيروا في البلدة بالجلباب... أنا لا أتجول وأنا أضع الصليب على رقبتي." ولتبديد المخاوف طلب رونديو من أبناء كل طائفة اقامة مبان عصرية لا تبدو غريبة على شكل المباني في البلدة الجديدة.

مئذنة المسجد على سبيل المثال صممت بحيث تكون رمزية وغير ملصقة تماما بالمبنى الرئيسي. ويأمل رئيس البلدية أن يضم الموقع في نهاية الأمر مركزا ثقافيا أرمينيا وكنيسة انجيلية صينية وفصول دراسة ومكتبات بحيث يمكن للناس التعرف على مختلف العقائد. وكل مبنى ستكون له منطقته الثقافية.. فزوار المعبد البوذي التايواني سيتمكنون من دراسة لغة الماندرين أو حضور حفل شاي أما المسجد فسينظم دروسا لتعليم الحضارة الإسلامية واللغة العربية. وقال جاك ميران النائب عن حزب الاتحاد من اجل الحركة الشعبية المعارض الذي حظر ارتداء النقاب في أماكن العمل "هذا المشروع يبدو جديرا بالثناء ولكنه أشبه بالمدينة الفاضلة... القرب الجغرافي لن يحدث تقاربا ثقافيا ومن ثم فهو وهم كبير." ولا يرى أودون فاليه المؤرخ المتخصص في الديانات أن هناك فرصة كبيرة لأن تؤدي اقامة أماكن للعبادة جنبا إلى جنب إلى تعزيز تلقائي للحوار الذي تراجع بالفعل جراء الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدل البطالة. ويبدي بعض السكان قدرا أكبر من التشاؤم ويخشون أن يثير هذا القرب توترات. تقول كلود تشيلومبو وهي ممرضة عمرها 42 عاما "في البداية ظننت أن الأمر ممتع... ولكني أعتقد الآن أنه قنبلة موقوتة."





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً