العدد 3755 - الإثنين 17 ديسمبر 2012م الموافق 03 صفر 1434هـ

حسين سلمان: مؤلم أن نجد جامعيين وأساتذة يحتقرون اللغة العربية

شدد أن تكون ضمن الاهتمامات الوطنية

حسين سلمان
حسين سلمان

في اليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف اليوم 18 ديسمبر/ كانون الأول، كان لنا لقاء مع اختصاصي اشراف تربوي بوزارة التربية والتعليم حسين أحمد سلمان، عن هموم اللغة العربية في عالمنا العربي وخصوصاً عند الأجيال الشابة، والواقع المتعايش بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث قال: «من لم يحترم نفسه لا يحترمه الغير» هذه العبارة الشهيرة تلخص حال اللغة العربية في عالمنا اليوم، فكيف ننتظر الازدهار والسيادة للغة العربية في أوطانها، ونحن نضعها في المرتبة الأخيرة من اهتماماتنا الوطنية، فنجد من يعتبر اللغة (قومية أو غير قومية) مجرد وسيلة للتفاهم، وإذا حصل التفاهم والتعلم بين الأفراد بغيرها فقد ثبت المطلوب في نظرهم، وبالتالي يكون من قبل «التعصب» المطالبة القومية بأن تكون لغة التفاهم بين أفراد المجتمع العربي، وكذلك لغة التعليم بجميع مراحله وتخصصاته هي العربية.

ويضيف «كيف ينتظر العرب أن تنتشر لغتهم في العالم، وتكون لها قيمة عملية تذكر، وهم يحتقرونها في بلدانهم، ويفضّلون عليها اللغات الأجنبية، كما من المؤلم جداً أن نجد الجامعيين (طلاباً وأساتذةً) ومثقفين يبدون احتقاراً للغة العربية، أو التهوين من قيمة التحدّث بها في مؤسسات العلم المختلفة».

وعن سؤالنا له عن التحديات التي تواجه اللغة العربية، قال: «الحديث عن التحدّيات التي تواجه اللّغة العربيّة، والحدّ من انتشارها ومواكبتها للحياة المعاصرة، كثيرة، ومتعددة، ومن الصّعوبة حصرها في طرْف واحد، أو جانب معيّن بل هناك جوانب مختلفة، وقد نظمت لهذه الندوات وعقدت المؤتمرات، وسارع العلماء والمفكرون والغيورون للدفاع عن اللّغة وإعلاء مكانتها وقيمتها وأبرزوا مزاياها، ووقفوا صداً منيعاً في وجه مَنْ اتخذ مُحاربة اللغة العربية باباً لتقزيم الذات العربية، وطمس الشخصية العروبية القومية الإسلامية، وهذا مع الأسف الشديد صادر ممن ينتسبون للأمّة العربية والمحسوبين عليها الذين انسلخوا من ذواتهم فساعدوا الغرب في فرض لغاته علينا في بلادنا، وصوّرها على أنها لغة التقدم، وليس معنى هذا أننا ننكر إنجازات الغرب وأهمية الاستفادة منها، وضرورة إتقان لغاته وإجادتها، ولكن ليس على حساب لغتنا الأم».

وأضاف «لذا كان على أبناء اللّغة العربية أن ينهضوا لنجدتها، ويتفاعلوا مع مُشكلاتها، ويستشرفوا مستقبلها بآمال وخطط واعدة مستقبلية كفيلة بمواجهة الصّعوبات والمعوقات كافة، وكذلك العمل على تعزيز الثقة باللّغة، والاعتزاز بها حفاظاً على كيان الأمّة، واعتبار التفريط في اللسان العربي تفريطاً في الهوية الثقافية للأمّة، وعلى المساهمة في نشرها بمختلف الوسائل، ومساندة الجهود التي تبذل في هذا السبيل على مستوى الدول والمؤسسات، والأفراد ودعمها».

وأوضح «أعتقد جازماً أن تدريس العلوم والطب والهندسة وأشباهها باللغة العربية يؤدي لا محالة إلى تعزيز اللغة العربية وإغنائها، وتطويرها، وإقدارها على مواجهة متطلبات الحياة المتجددة. والعكس صحيح، إذ إن الاعتماد على غيرها في هذه المجالات يُضمرها، ويزري بمكانتها، ويُشعر أهلها بضعف أهليتها للتعبير الشامل المتنوع من دون وجه حق، وعليه فإن إعزاز اللغة العربية، الذي لا يختلف على أهميته عربيان، يقتضي استعمالها لا إهمالها».

وذكر حسين سلمان في مجمل حديثه عن أبرز الأسباب في عدم الإقبال على اللغة العربية واستخدامها وإهمال شبابنا لها يمكن إيجازها:

- عزوف الشباب عن اللغة العربية إلى لغة الحياة والمناصب، حيث أصبح المستقبل المضمون للشاب يراه في الهندسة، والطب، والإلكترونيات، والطيران... أكثر مما هو في الآداب والعلوم الإنسانية، وما سيتبع ذلك من تعلم لغة الإدارة، والإعلام، والصحافة... وهي مفارقة محزنة في واقعنا المعاصر، حيث يتواصل الشباب فيما بينهم عبر «الشبكية العالمية» باللغات الأجنبية، تماماً مثلما يتواصلون مع الشباب الأجنبي في أي بلد في العالم.

- ومن بين أسباب العزوف أيضاً طرائق تدريس اللغة العربية بالمدارس، وتقليدية الأداء ورتابته، وحصر تدريسها في استخراج أفكار رئيسة، وأفكار جزئية أو فرعية، ومعاني مفردات، وجمع، ومضاد، ومرادف، وإعراب... وهكذا من الأمور السطحية أو التعامل مع النصوص بعمليات حسابية إحصائية كم مرة وردت هذه اللفظة أو هذه العبارة من دون الإشارة إلى الوظيفة المعنوية أو غرض تكرار هذه اللفظة في النص، وما شاكل ذلك.

اللغة العربية تركيب ومعنى

ويضيف، الزّملاء والزّميلات المتخصصون في اللّغة العربيّة «يعرفون تماماً ويدركون أنّ اللغة تركيب ومعنى، وليست مجرد كلمات مفردة مصفوفة إلى بعضها؛ ومن ثم ينبغي أن تُقدَّم في سياقات لغوية كاملة ذات دلالة ومعنى. كما أنّه ينبغي أنْ يُلتَفت في ذلك الخصائص التي تميز اللّغة العربيّة نحو: الاشتقاق، والترادف، والنحت، الاقتراض... وكذلك الالتفات إلى الكلمات الوظيفية فهي مهمّة جداً بالنسبة إلى معنى الجملة، ولو أنّها في ذاتها لا تأخذ إلاّ معنى قليلاً ولذلك فهي صعبة التعلم إذا كانت مفردة، ولذا يفضل استعمالها بكثرة في المادة الأساسية، كما ينبغي الإكثار من التدريب عليها».

ويذكر أن من منطلق أنّ اللغة تركيب ولا يمكن تقديمها من خلال كلمات مفردة أصبح للتركيب اللغوي دور مهم في المادة التعليمية. لذا لابدّ من تطوير أساليب تعليم اللّغة العربيّة، وتحديثها حتى يساهم ذلك في الإقبال على تعلّمها ونشرها أسوة باللغات الأخرى.

- ومن بين الأسباب كذلك أنّ اللغة العربية لم تعد لغة الخطاب في البيت، أو في الشارع، ولا في المدرسة، فقد استحكمت اللهجات الدّارجة على أبنائها بمن فيهم المتخصصون فيها، وزاحمتها اللغات الأجنبية في المدارس والجامعات، ومعاهد البحث فاستأثرت بتدريس التخصصات العلمية والتقنية ووضع المصطلحات العلمية، بالإضافة إلى الواقع العملي؛ إذ ليس لها في سوق العمل مكان إلا في نطاق ضيق جداً ومحدود، ومن هذه الأسباب أيضاً ما يعود إلى النظرة الدونية للغة من قبل شريحة واسعة من الشباب والشابات على أنها لغة ميتة لا تواكب الحياة والعصر وكثيراً ما تواجهني هذه الأسئلة من قبل طلبتي بالجامعة لماذا ندرس اللغة العربية؟، متناسين أنه «لا توجد في هذه الدنيا لغات ميّتة ولغات حيّة، إنما كلّ اللغات يمكن أن تصبح حية إذا ظلّ أبناؤها أحياءً وأصرّوا على ذلك، مثل بقية الأمم والعكس صحيح!».

- ويمكننا أنْ نضيف إلى الأسباب أيضاً غياب الإمتاع والتشويق في النصوص المدرسية، وفي طريقة تناولها وتعليمها، فالإمتاع والتشويق وجهان لعملية واحدة ترمي إلى هدف تربوي مزدوج وهو جعل التعلُّم مريحاً أثناء التلقي وداعياً إلى التطلّع إلى مزيد من المعرفة، وليس من شك أن تعليم اللغة العربية يحتاج إليها في الدّروس العادية التي يتلقاها طلبتنا بالمدارس، وفي تأليف الكتاب المدرسي.

ويضيف، «أكاد أزعم أن هناك علاقة وثيقة جداً بين إتقان الأبناء لغة سليمة، ومسئولية الوالدين التربوية فقد لوحظ أنّ للوالدين تأثيراً كبيراً في شخصية أبنائهم سلباً أو إيجاباً فحرص الآباء على اللغة الأم يؤدي بدوره إلى إقبال الأبناء عليها أما إذا كان الآباء أنفسهم لا يعيرون اللغة العربية أدنى اهتمام وينظرون إليها نظرة دونية قياساً باللغات الأخرى فالأبناء يأخذون التوجه ذاته بحكم التنشئة الأسرية على حساب اللغة العربية الأم من دون إدراك لخطورة ذلك مستقبلاً حيث يسندون عملية التربية إلى مربيات لا يجدن الحديث باللغة العربية ما يؤثر على لغة الطفل مستقبلاً، فالأطفال هم رجال المستقبل، وهن نسائه. وفي هذا تهاون لا يمكن القبول به في مجتمعاتنا، والمرء مطالب بالعناية بلغته ولغة أطفاله والاعتزاز بها والإعلاء من شأنها، مع مواكبة اللغات الأخرى والاستزادة منها».

واقع اللغة العربية في التواصل الاجتماعي

يقول حسين سلمان: «ما يؤسف إليه في حياتنا المعاصرة أن أغلب شبابنا يتحدثون مع بعضهم باللغة الأجنبية (الإنجليزية أو الفرنسية) باعتبارهما الأكثر انتشاراً؛ فنجد شابين أو فتاتين من بلدين عربيين أو من البلد نفسه وهما يتحدّثان باللغة الأجنبية أو يتحدثان بالعربية ولكن بالحروف اللاتينية فنطقها عربي، وكتابتها إملائياً إنجليزياً وفي هذه الظاهرة خطورة على اللغة العربية، وهنا يأتي دور الإعلاميين، ووسائل الإعلام المختلفة للقيام بدورها ومسئولياتها التوعوية وتدرك أهمية اللغة العربية، وتعلن انحيازها لها فيما تمارسه من أفعال وما تتبناه من خطاب. نعم إنّ ثمة دولاً دافعت عن لغاتها بما أصدرته من قوانين، كما حدث في فرنسا مثلاً، وهذه خطوة مهمة لا ريب، يكملها أن تبادر سلطة الإدارة باحترام اللغة الوطنية وإظهار التمسك بها. نعني أن تقدم النموذج الذي يحتذيه الناس ومن ثم يربى عليه المجتمع. أما حين يخطب رئيس دولة عربية باللغة الأجنبية، فإن تصرفاً من ذلك القبيل يهدم كل جهد آخر يبذل أو دعوات تطلق للدفاع عن الفصحى في المجتمع».

العدد 3755 - الإثنين 17 ديسمبر 2012م الموافق 03 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:46 م

      كلمة حق

      والله انك صدقت يا استاذ بكلمة احتقار العربيه لاننا نرى تصنع في اي حوار بين المذيع والضيف اذا ادرج في حواره كلمات انجلينزيه او مذيعه او مذيع يمزج العربيه بالانجلينزيه هذا هو قمة التصنع في ( انني اعرف اتكلم الانجلينزية) وشكراااا

اقرأ ايضاً