العدد 3774 - السبت 05 يناير 2013م الموافق 22 صفر 1434هـ

إقبال الغرب على الصمغ العربي يدعم إنتاجه وتصديره في السودان

فيما يُستخدم في المياه الغازية وصناعة الأدوية ومستحضرات التجميل

جلس معاذ آدم التاجر السوداني يعد أكواماً من البنكنوت أمام ورشته، فهو يرتب لصفقة جديدة من الصمغ الأحمر، الذي قد يجد طريقه لزجاجة مياه غازية يشربها شخص ما في بلد يبعد كثيراً عن هذه المدينة المتربة.

ويقول آدم وهو يضع أوراق البنكنوت في حقيبة ليأخذها تاجر آخر يسعى لإمدادات إضافية من الصمغ العربي من المزارعين: «اشتريت اليوم 25 جوالاً مقابل ما بين عشرة آلاف و11 ألف جنيه (نحو 1500 دولار بسعر السوق السوداء).

ويزدهر هذا العمل في بلدة النهود في غرب السودان بفضل ارتفاع الطلب العالمي على الصمغ العربي، وهو نوع من العلكة الطبيعية تستخرج من شجر الأكاسيا الذي ينمو في المنطقة.

ودفع آدم نحو 440 جنيهاً للجوال أي ثلاثة أمثال ما كان يدفعه قبل عامين. وهناك طلب كبير في العديد من الدول على الصمغ العربي الذي يستخدم كمستحلب لمنع السكر من التبلور في المياه الغازية وكمكثف في صناعة الحلويات وكمادة تتماسك بها المكونات في صناعة الأدوية ومستحضرات التجميل وطوابع البريد.

ويمثل الصمغ العربي قصة نجاح نادرة في مجال التصدير للسودان الذي يعاني من صراعات عرقية ومن الفقر وضعف البنى التحتية. وتشير تجارة الصمغ العربي إلى النمو الذي يمكن أن تحققه البلاد إذا ما وجدت سبلاً لاستغلال المزيد من أراضيها الشاسعة الصالحة للزراعة ومواردها الزراعية.

ولأن الصمغ العربي مهم للغاية في صناعة المشروبات الغازية ومنتجات أخرى أعفته الولايات المتحدة من حظر تجاري واسع النطاق فرضته واشنطن على السودان العام 1997 بسبب سجله المتعلق بحقوق الإنسان. وأتاح ذلك للسودان الاستمرار كمورد عالمي رئيسي للصمغ العربي.

وتأمل الخرطوم بأن يؤدي ارتفاع الطلب خاصة من دول آسيا سريعة النمو إلى التخفيف من تأثير أزمة اقتصادية نتجت عن فقد ثلاثة أرباع إنتاجها من النفط مع انفصال جنوب السودان في العام 2011.

ويقدر اتحاد منتجي الصمغ العربي في السودان أن المزارعين سينتجون ما يصل إلى 80 ألف طن من الصمغ العربي في موسم 2012-2013 بعد أمطار غزيرة في مناطق السافانا الجافة عادة.

وفي العام الماضي أنتج المزارعون نحو 40 ألف طن. وترجع القفزة في الأسعار جزئياً إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي في السودان الذي بلغ 46.5 في المئة في نوفمبر/ تشرين الثاني لكن المنتجين أشاروا كذلك إلى طلب إضافي من الخارج بالمقارنة مع الأعوام السابقة.

وقالت فاطمة الرملي: «لدينا أسواق جديدة... لدينا الآن أسواق في الشرق الأقصى واليابان والخليج والصين فضلاً عن أميركا وأوروبا». وينتج الصمغ العربي في حزام السافانا الممتد من الحدود الغربية مع تشاد إلى إثيوبيا شرقاً.

وتقع بلدة النهود في ولاية شمال كردفان التي تقول الرملي إن من المتوقع أن تنتج وحدها 40 ألف طن في الموسم الحالي الذي ينتهي في الربيع. وتقول الاقتصادية عابدة المهدي المقيمة بالخرطوم إن الصمغ العربي «لا يأتي بعائدات مثل ما تحققه محاصيل القطن وبذور الزيت لكن أهميته تأتي من حقيقة أنه ينتج بالكامل في حزام الفقر».

وجنى السودان 81.8 مليون دولار من تصدير 45633 طناً من الصمغ العربي في العام 2011 ارتفاعاً من 23.8 مليون دولار من 18202 طن في 2010 وفقاً لأحدث إحصاءات البنك المركزي.

وتشير ارتفاعات الأسعار والكميات إلى أن الإيرادات قد تصل إلى 200 مليون دولار هذا العام. ويظل ذلك يمثل نسمة ضئيلة من مليارات الدولارات التي خسرها السودان بسبب انفصال الجنوب.

ففي العام 2010 وهو العام السابق على الانفصال بلغت إيرادات السودان النفطية نحو خمسة مليارات دولار على الأقل. لكن ازدهار تجارة الصمغ العربي تشير إلى أن تطوير صناعات تصديرية أخرى أمر ممكن تحقيقه في السودان.

وليس هناك بيانات يعتد بها عن إنتاج الصمغ العربي إذ يجري تهريب بعضٍ منه إلى جنوب السودان وتشاد. ويقدر المسئولون الحكوميون حصة السودان من السوق العالمية بنحو 80 في المئة لكن بعض المحللين يعتقدون أن هذا التقدير مبالغ فيه.

وتمثل المنافسة المتزايدة من دول أخرى تهديداً للمزارعين السودانيين الذين ينتجون الصمغ العربي عادة في مجموعات صغيرة بكفاءة محدودة. كما أن القتال الدائر بين قوات الجيش ومتمردين في ثلاث مناطق زراعية رئيسية في السودان وهي دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان أثر كذلك على الإنتاج.

وقالت المهدي: «عدة دول أخرى دخلت السوق وأصبحت تنافس (منها) تشاد ونيجيريا..»؛ لذلك فإن نصيب السودان من السوق العالمية قد يكون تراجع إلى ما بين 20 أو 40 في المئة لكن الصمغ العربي السوداني يظل المفضل للعديد من المستهلكين بسبب جودته العالية.

والنهود هي آخر بلدة في غرب السودان قبل أن يصل المسافر إلى منطقة دارفور المضطربة وينتهي الطريق الممهد عندها بعد السفر لمدة 12 ساعة بالسيارة من الخرطوم. وتواصل شاحنات تابعة للأمم المتحدة تنقل المساعدات الغذائية طريقها إلى دارفور عبر مدقات غير ممهدة بعد أن تأخذ مرافقين مسلحين لمرافقتها.

لكن النهود التي تبدو مثل أية بلدة سودانية صغيرة أخرى تعد أغنى من غيرها بفضل الصمغ العربي. فتجتذب سوقها الكبيرة مئات المزارعين والتجار كل يوم. والمتاجر مليئة بالمنتجات المستوردة والمطاعم تزدحم بالزبائن الذين يأكلون اللحوم على الإفطار وهو ترف لا يتمتع به السودانيون الذين يتناولون الفول عادة على الإفطار.

ويقول رئيس البورصة الزراعية المحلية التي يباع فيها الصمغ العربي والفول وغيرهما من المنتجات في مزادات، هاشم امبادا: «تاجرنا في تسعة آلاف طن من الصمغ العربي العام الماضي... والأسعار آخذة في الارتفاع».

وفي العبيد عاصمة ولاية شمال كردفان تبني شركة سودانية هي واحدة من الشركات الجديدة التي دخلت السوق بعدما أنهت الحكومة احتكارها للقطاع في العام 2009 مصنعاً لتنقية وتنظيف الصمغ العربي لتتمكن من بيعه بأسعار أعلى. وفي الوقت الحالي تتولى امرأة تعمل في مخزن نفض الغبار عن الصمغ العربي قبل تعبئته في أجولة.

ويجلب الصمغ العربي المال لقطاع كبير من الناس في طريقه حيث يجري التحميل على شاحنات في النهود لرحلة طويلة حتى ميناء بورسودان حيث ينقل إلى السفن. ويكافح المزارعون الذين يقومون بالعمل الشاق للحصول على نصيبهم من خيرات الصمغ.

وتقول المهدي: «هناك العديد من الوسطاء... إنهم يشترون بأسعار رخيصة جداً. يضيفون ربحهم الكبير إليها ثم تضع الحكومة ربحها على شكل رسوم وجمارك». وفي مزرعة خارج النهود يصل إليها عبر طرق غير ممهدة يقول المزارع أحمد آدم إنه يكسب أربعة آلاف جنيه سنوياً من محصوله.

وقال آدم، وهو عضو في اتحاد منتجي الصمغ العربي في السودان الذي يضم 3000 عضو: «نود لو نكسب من الصمغ العربي كما يكسب المصدرون».

ويقدم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة والبنك الدولي المساعدات لصغار المزارعين في السودان لكن القطاع يواجه مشكلة أخرى هي نقص العمالة. فالعديد من العمال الذين كانوا يعملون لدى آدم أصبحوا يفضلون مثل نحو نصف مليون سوداني التنقيب عن الذهب في الصحراء.

العدد 3774 - السبت 05 يناير 2013م الموافق 22 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً