العدد 3780 - الجمعة 11 يناير 2013م الموافق 28 صفر 1434هـ

فؤاد البنفلاح ينحت للإنسانية والسلام

منطلقاً من إيمانه بأن الإنسان قادر على بناء مجتمعٍ متحابٍّ...

وزيرة الثقافة في افتتاح المعرض
وزيرة الثقافة في افتتاح المعرض

«أتحسب أنك جرم صغير* وفيك انطوى العالم الأكبر».. بما في هذا البيت من شعر الإمام علي بن أبي طالب (ع) من دلائل عظيمة، انطلق الفنان فؤاد علي البنفلاح ينحت للإنسانية والسلام في معرضه القائم حالياً في مركز الفنون، على أساس إيمانه بأن الإنسان قادر على بناء مجتمع متحاب.

«عندما لا تلتقي النقط»، هو شعار معرضه المستمر حتى 16 يناير كانون الثاني 2013، والذي شاهد فيه نقطتين متباعدتين ولا تسيران نحو اتجاه واحد؛ فالفروق بيِّنة، والالتقاء عسير، لكن الفِكر والإبداع، المملوء بالفطرة الإنسانية السليمة، والمهووس بعواطف السلام، جعل منهما مجسماً غاية في الروعة والجمال، فمن اختلافهما شيّد بناءه، وأقام صرحه، وثبت دعائمه، حتى ترابطت أطرافه، فأصبح شعلة من الإلهام، لواقع جميل، وعاد الاختلاف رحمة، كما يجب أن يكون.

سر جمال الحياة

ويريد الفنان البنفلاح أن يجعل منحوتاته النحاسية حية! أليس الأمر صعباً أن يتحدث الجماد ويشعر؟! هو كذلك، حيث يقول إن الإنسان قادر على بناء مجتمع متحاب، متآلف، مترابط، كالبنيان المرصوص، مهما اختلفت رُؤاهم، وتشعبت طرقهم، كيف لا وقد حباهم اللهُ، بنعمة العقل، وسلامة الفطرة، ونفخ فيهم من الروح الإنسانية؛ فسرّ جمال الحياة الأخّاذ، يكمن في اختلاف أنواعها، فما كان لجمال الزهور أن يبدو، لو كان صنفاً واحداً، وما كان لعبق الطيب أن يمتاز عن غيره من العطور، لو كان برائحة واحدة، ولو كانت الحياة نوعاً واحداً لأسنت، ولو كان الفكر لوناً واحداً لما كان للإبداع مكان، ولا سكنت أرواحنا لروعة الخلق وعظمته.

الفنان فؤاد علي البنفلاح من مواليد مدينة المحرق في العام 1955، وهو عضو في جمعية البحرين للفنون التشكيلية ومتخصص في أعمال النحت، وحاصل على شهادة البكالوريس في الرياضيات، وعمل في عدد من المؤسسات المالية، وقد بدأت موهبته في التشكل بمرحلة متقدمة من عمره، وشارك في العديد من المعارض، حيث شمل ذلك معرضه الأول في يناير 2007، والذي قدم فيه مجموعة منتقاة من أعمال النحت على الخشب المأخوذ من جذوع الأشجار المحلية. كما قدم في معرضه الثاني، الذي أقيم في يناير 2008، مجموعة متميزة من أعمال النحت على الرخام، حيث كان ذلك بمثابة نقلة نوعية في مجال التعامل مع خامات أخرى.

التفاعل مع المعنى

ومع كل ذلك الجهد الإبداعي الكبير الذي بذله الفنان البنفلاح في معرضه، لابد من الإشارة إلى أنه حمل أنفاساً ومعان جميلة؛ لذا سألته: «وفقاً لوصفكم أن الإنسان قادر على بناء مجتمع متحاب، متآلف، مترابط، كالبنيان المرصوص، هل يمكنكم فعلاً إيصال هذه الدلالات عبر الفن؟ وهل يتفاعل الجمهور مع هذا المعنى؟». لم يخف صعوبة الأمر، والسبب في ذلك أن الساحة البحرينية «ليس فيها جمهور»، فمنذ يوم الافتتاح، زار المعرض ما يمكن عده على أصابع اليد الواحدة، فخلاف اليوم الأول، توقعت أن يكون تفاعل الجمهور من المواطنين والمقيمين مع التجربة باعثاً على التواصل عبر منظومة الأفكار التي هي مضامين المعرض من خلال الأعمال المعروضة. ولا أخفيك القول، إن الفنان البحريني يحتاج للتشجيع من جانب المجتمع، ولأنه معرض منحوتات، أرى أن خلفيتنا الثقافية ليست كما هي الدول الأوروبية، حيث يشجع الناس هناك الفنون ومنها النحت،. وربما تصدرت معارض الرسم لدينا المشهد، لكن بالنسبة لمعارض النحت، فهي لا تزال على مسافة بعيدة من اهتمام الجمهور. وفي معرضي هذا، ولأول مرة، أختار له شعاراً، أردت إعادة تجربة لم تكتمل حينما أقمت معرضاً في فبراير/شباط من العام 2011، ومرت البلد بالأحداث المؤلمة، فلم يكن النجاح حليفه، إلا أنني من خلال تتابع الأحداث وما تبعها من تشعبات فيها الكثير من الأسف والأسى، تبلورت فكرة هذا المعرض مؤسسة على التلاقي والتعارف والاحترام بين الناس من مختلف الأجناس، وعكفت على تنفيذ الأعمال. وأودّ أن أقول إن المعرض في ليلة افتتاحه تشرف بحضور العديد من الأصدقاء من الفنانين والزوار الذين وجدت منهم كل الدعم والتفاعل مع أفكار الأعمال والتقبل الكبير لكونها أفكاراً جديدة، لكن الطموح كان ولا يزال، أن أتشرف بحضور الجمهور من مختلف الاتجاهات، من المواطنين والمقيمين، فمهم للفنان أن يوصل أفكاره للناس، يستمعون له ويستمع لهم.

حتى تصل رسالة الفنان

ويعبّر الفنان البنفلاح عن ما يكنه الكثير من الفنانين والمبدعين والمثقفين البحرينيين، وهو أن تحظى هذه الفئة باهتمام الدولة وتشجيعها ودعمها، فبالرغم من أن المعرض مقام تحت رعاية وزارة الثقافة، إلا أن ما تم تقديمه للمعرض هي الصالة فقط. ويشير إلى أنه تقدم برسالة إلى الوزارة لتغطية جزء من كلفة الأعمال، خصوصاً وأنها من خام النحاس. وبعد ثلاثة أشهر من إرسال الرسالة استلم رداً بالاعتذار، متضمناً أن الوزارة لا تغطي مثل هذه الأنشطة؟ متسائلاً :»إذا لم تكن وزارة الثقافة هي التي تدعم وتشجع الفنان البحريني، فمن الذين يدعمه، ومن هي الجهة التي تتولى ذلك؟».

والأكثر من ذلك، أن الدول التي تشجع فنانيها، تبادر لشراء بعض الأعمال تشجيعاً للفنان، فيما لم أجد هذا الأمر في معرضي ولا على مستوى قطعة واحدة! وهذه ردة فعل سيئة بالنسبة لنا كفنانين، ولكن يكفينا أننا نقدم التجارب التي نضمّنها إبداعنا وأفكارنا، حتى أن الفنان العراقي الكبير علي نوري وصف أعمالي بالقول إنها تطرح فلسفة كبيرة، وكم هو مهم لنا كفنانين بحرينيين أن نتشرف بتقييم النخب لأعمالنا فهذا بمثابة الدافع الأول والأكبر، إلا أننا نحتاج بالطبع للدعم من كل الجهات المعنية، ومن الجمهور قطعاً.

العدد 3780 - الجمعة 11 يناير 2013م الموافق 28 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً