العدد 3831 - الأحد 03 مارس 2013م الموافق 20 ربيع الثاني 1434هـ

حقوق الإنسان والفهم الخاطئ

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

ضخّ الماء لساعات طويلة، ولم يمتلئ خزان الماء، حتى عجز، وبعد فترةٍ اكتشف وجود ثقب في الخزان، فكلما ضخّ الماء خرج من الثقب، وبالتالي النتيجة لا شيء.

هذا توضيحٌ لوضع حقوق الإنسان محليّاً، فكلما تم استحداث جهة رسمية ومؤسسة ومكاتب ولجان، زاد اللغط وشكاوى الناس، وازدياد التقارير عن تدني مستوى حقوق الإنسان.

فكرة استحداث جهات رسمية أو أهلية لملء الفراغ لا تؤدي الغرض، مادامت منظومة القيم فيها ثقوب، فحقوق الإنسان ليست مجرد مؤسسات وجمعيات ومكاتب ولجان، بل طريقة تفكير ومنظومة تصورات.

وحقوق الإنسان وكرامته ليست جسداً ماديّاً، فعندما نقول «كرامة»، فهل لهذه الكرامة جسد؟ لا وجود ماديّاً لها، بل هي مفهومٌ وتصوّرٌ في العقل البشري ضمن اللعبة الكبرى للحياة الإنسانية.

مثلاً، لو استحدثنا جمعيةً لحقوق الإنسان لها مكاتب رسمية، فهل هذه الجمعية تحل المشاكل؟ هي مجرد مكاتب أو كراسي وطاولات وموظفين، فالجمعية في الحقيقة جسدٌ بلا روح.

الحياة تكمن في الروح، وروح الجمعية هي ثقافة حقوق الإنسان، ومن دون هذه الثقافة تكون مجرد جسد. والعاملون في الجمعية من رئيس وموظفين لا يمكن أن يغيّروا للأفضل إذا كانوا ينظرون لأنفسهم على أنهم موظفون، ولكن إذا كانوا يمتلكون ثقافةً وطريقة تفكير متقدمة؛ فإن هذه الثقافة ستدفعهم إلى التحرّك وصيانة الحقوق وعدم القبول بما يهين الكرامة، وبذلك يحقّقون خطواتٍ متقدمةً في هذا المجال.

فلابد من إعادة النظر في منظومة القيم الأخلاقية لحقوق الإنسان وترسيخها كثقافة سائدة، حتى تكون هناك روح حقيقية في جسد الجهات المعنية بصيانة حقوق الإنسان وكرامته.

ربما في البحرين توجد قنوات لصيانة حقوق الإنسان تفوق التي في أميركا وأوروبا من حيث الشكل، لكن الروح فيها تعيش غربة، بسبب التفكير خارج العصر، فطريقة التفكير والمفاهيم والتصورات بعيدة عن الواقع، وهذا ما لمسته في تجربتي مع جميع الجهات والقنوات، إذ قدّمت أكثر من 100 شكوى مكتوبة، وأكثر من 300 مراجعة يومية من دون نتيجة.

المشكلة ليست في الجهة كجهة، لكن في الثقافة وطريقة التفكير ومنظومة التصورات عن حقوق الإنسان، فإذا وجد خلل فيها، فإنه ينعكس سلباً، ويكرّس لنسقٍ يجعل المجتمع يعيش خارج العصر، فالمسئولون والموظفون في الحقيقة هم أفراد عاشوا في المجتمع وتشرّبوا ثقافته ومنظومة القيم فيه، وبالتالي أداؤهم كمسئولين هو انعكاسٌ للثقافة التي عاشوها. فكلما تغيّر مسئول وعُيّن غيره، تكون النتيجة واحدة، لأنهم نتاج ثقافة واحدة.

لعل أبرز مثالٍ للخلل في طريقة التفكير ومنظومة التصورات لحقوق الإنسان، هو قضية العسكريين الذين تم تسريحهم في الأعوام الأخيرة، إذ لم يجدوا اهتماماً لا من الجهات الرسمية ولا من الجهات الأهلية، لا السياسية ولا المهنية ولا الحقوقية، وكأنهم ليسوا بشراً، مع أن جوهر المشكلة الأخلاقية لا تتركز في فصلهم عن العمل فحسب، بل في إعاقة الرزق عن أسرهم التي قد يكون فيها رُضّعٌ وأطفالٌ صغار. فهل منظومة الأخلاق الإنسانية تقول إن العسكريين إذا تم تسريحهم ليست لهم حقوق أو كرامة.

وضع القطار على السكة، يتطلب إعادة النظر في طريقة التفكير وتصحيح المفاهيم والتصورات عن حقوق الإنسان وكرامته، حتى نخطو خطوةً إلى الأمام، فحقوق الإنسان ليست جهات ومؤسسات وجمعيات بل طريقة تفكير ومنظومة مفاهيم وتصورات، وثقافة مؤثرة في سلوك الإنسان ووجدانه.

في الأفق لا توجد مؤشرات لحدوث نقلة نوعية في حقوق الإنسان، لا على المستوى الرسمي ولا على المستوى الأهلي، وبالتالي استمرار محركات الدوافع الكامنة في النفس البشرية للاحتجاجات بأشكال وصور مختلفة، وهو ما يعني عمليّاً استمرار الاضطرابات السياسية والأمنية، حتى وأن هدأت 5 سنوات، فإنها سرعان ما ستعود من جديد، ولن تتوقف إلا إذ حدثت نقلة نوعية في حقوق الإنسان وكرامته.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3831 - الأحد 03 مارس 2013م الموافق 20 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:35 ص

      المشكلة

      المشكلة تكمن انهم لا يريدون لنا الكرامة بل يريدوننا نطبل ونصفق للظلم

    • زائر 3 | 3:55 ص

      مقال في الصميم

      لقد وضعت النقاط على الحروف. شكرا لهذا القلم الصادق

اقرأ ايضاً