العدد 3832 - الإثنين 04 مارس 2013م الموافق 21 ربيع الثاني 1434هـ

التقرير السياسي لتجمع الوحدة الوطنية... هل يصلح إطاراً للحوار الوطني؟

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هناك أسباب عدة محفزة لطرح هذا السؤال بعد الجمود الذي عادة ما يسبق الموت السريري لأي حوار يحمل جينات مشابهة للحوار الدائر الآن في منتجع العرين.

لا نحبّذ الاسترسال في هذه الأسباب فهي كثيرة ومعقدة، وفضّلنا عوضاً عن ذلك استعراض بعض من مضمون التقرير الذي وفّر مساحةً واسعةً من التوافق مع مرئيات جمعيات المعارضة السياسية. والمغزى الرئيسي لهذا السؤال هو أن البديل في حال فشل الحوار لن يكون في صالح جميع من يمثلهم المتحاورون، ولن يكون قطعاً في صالح الوطن الذي يضمّنا جميعاً من دون استثناء، لكونه قد يضع الجميع بين خيارين أفضلهما مر. لهذه الأسباب يصبح البحث عن آليات للتوافق مسعى وطنياً ملزماً لابد منه.

ومع عدم إغفال ما تضمنته وثيقة المنامة من مبادئ وطنية مهمة، يعتبر تقرير التجمع وثيقةً وطنيةً لا يجب إهمالها أو تجاوزها لكي لا تصبح في طيّ النسيان وخصوصاً في الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها بلادنا العطشى لأي جهد وطني بحجم هذا التقرير. فقد تضمن التقرير مبادئ وطنية يمكن تلخيصها من أجل التسهيل على القارئ والمتحاورين لإحراز قدر معقول من التوافق في الحوار الوطني، الذي يمثّل بدوره فرصةً فريدةً لجميع القوى الوطنية لبلورة أهداف مشتركة تعكس تطلعات جميع المواطنين في رسم خارطة وطننا المستقبلية.

1 - يرفض تقرير التجمع أية مطالبات فئوية ويتبنى مطالب شعبية لإصلاح الأوضاع السياسية والمعيشية لكون الشعب، وفقاً للتقرير، يشعر بالغبن وعدم الإنصاف في تقاسم السلطة والثروة في البلاد، ما يتسبب في الأزمات المتكرّرة التي تشهدها بلادنا. وفي جرأة نادرة يقدّم التقرير توصيفاً لهذه المشكلة فيتحدث عن الاستبداد السياسي والاقتصادي المتمثل في السيطرة على جميع مفاصل الدولة وعلى أملاكها وأراضيها، وعن حالة من البذخ والإسراف في وقتٍ يعاني فيه شعب البحرين من الفقر وتردٍّ في الحالة المعيشية والاقتصادية سواءً لدى السنة أو الشيعة.

إن هذا الموقف الشجاع الذي عبّر عنه التجمع، يلاقي بلاشك، الاستحسان من القوى الوطنية الأخرى. وهو بذلك يصلح لأن يكون مرتكزاً يبني عليه المتحاورون آليات تفعله لمعالجة العيوب القائمة. فآليات تقاسم السلطة والثروة هي ما يجب على المتحاورين مناقشته لتجاوز هذه المشكلة في بلادنا، وذلك في إطار وطني يحتضن الجميع ويلغي أية وسائل أخرى قائمة للفرقة تكرس الاستبداد السياسي والاقتصادي والفئوية التي تحدث عنها التقرير وترفضها الأطراف المتحاورة.

2 - يقول التقرير إن نظام الحكم هو طرف أساسي في العملية السياسية لا يمكن التضحية به. وهنا أيضاً يصبح تواجد نظام الحكم في الحوار كطرف أساسي لا مراقب، هو نقطة تلاقي جوهرية وجب أن تحسم أي جدل حول طبيعة التمثيل الذي تطالب به المعارضة والتي ليس في أدبياتها ما يدعو للتضحية بالنظام القائم.

3 - ينصّ التقرير على ضرورة السعي لتحقيق الإصلاح والشراكة في السلطة والثروة، ويعتبر غياب هذه المشاركة أساس المشكلة ولبّها، ما يتطلب توافقاً وطنياً إزاءها من خلال مبادرةٍ لحل سياسي حقيقية وجادة وصادقة في قبول جميع الأطراف لحوار توافق وطني ينتج الحل للأزمة.

لا توجد في التقرير أفضل من هذه الفقرة التي يمكن أن يتوافق المتحاورون عليها ويسعوا لوضع آليات لتفعيلها بعد أن تمكنوا من تحقيق جزء كبير من أهدافها المتمثل في قبول الأطراف لحوار توافق وطني يبحث عن حل للأزمة. إن طريق الإصلاح والشراكة في السلطة والثروة التي ذكرها التقرير لا يمكن أن تخطئه كل عين بصيرة. ومهما بلغ حجم الاختلاف بين الأطراف المتحاورة حول آلية الوصول لهذا الهدف فإن التوافق على الحد الأدنى من شأنه أن يمهّد الطريق لمراجعة وتقييم مستمر للآليات التي يتم التوافق عليها، وهذا النوع من التوافق هو البديل الأفضل للمراوحة في دائرة مفرغة تفشل في استثمار الوقت والفرص المتاحة.

4 - ينتقد التقرير المعارضة بسبب سقفها العالي الذي لا يمثل حالة من الإجماع الوطني، كما ينتقد النظام بسبب عدم استعداده لقبول إصلاحات جوهرية تتعلق بالشراكة في السلطة وبسبب تنصله أو التأخير قدر الإمكان من الاستحقاقات الديمقراطية. كما يعبّر عن حالة من النقد الذاتي تمثلت في عجز التجمع عن بلورة موقف واضح من هذا وذاك، ما أفرغ الساحة من أية مبادرة سياسية جادة. كما وجّه لنفسه نقداً أشد قساوةً حينما اعتبر تحركه نوعاً من الفزعة لحفظ كيان الطائفة لم ترقَ لقيادة الأمر بمبادرة سياسية وطنية تحفظ للجميع حقوقهم وتنهي الأزمة.

إن الغرض من الحوار هو تسهيل الوصول إلى تسويةٍ تجمع الأطراف المتحاورة في منتصف الطريق، وهذا يتطلب اتفاق هذه الأطراف على مبدأ الأخذ والعطاء، لكون أي سقف عالٍ يرفعه أي طرف سيكون خاضعاً للمراجعة. فبدون استعدادٍ كهذا لا يصبح للحوار أي جدوى. إن القدرة على إقناع النظام بقبول إصلاحات جوهرية يتطلب مواقف موحدة تجاه تلك الشكوى المريرة التي عبّر عنها التجمع في تقريره. كما أن قدرة التجمع على أخذ زمام المبادرة لبلورة مشروع وطني تنشله من محيط الطائفة إلى رحاب الوطن الأوسع وتحفظ للجميع حقوقهم يتطلب اقتناص فرصة الحوار القائم لإثبات ذاته بالتعاون الإيجابي مع شركاء الوطن لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والانقسام المجتمعي، وتجنب إقحامه في لعبة التناقضات التي شخّصها في تأليب النظام لشارعه على كل من يحاول التواصل مع المعارضة أو أي وسطاء.

إن هذا التواصل، الذي تحقق الآن في الحوار الوطني، يمثّل فرصةً للتغلب على عقدة الخوف المصطنعة التي وردت في التقرير، وذلك باستغلال فسحة التقارب والتعاون مع الآخر لبلورة موقف موحد حول أمور جامعة كثيرة تضمنها التقرير.

5 - يقول التجمع في تقريره إن النظام عمل جاهداً على ألا يكون هناك تماسك في موقف المكوّن الذي يستخدمه رادعاً للمكوّن الآخر. كما اعترف بفشل الحلول الأمنية وأقرّ بضرورة بلورة مبادرة سياسية لتوافق وطني لحل الأزمة.

إن رفض التجمع محاولات استخدامه كرادعٍ للطرف الآخر، واعترافه بفشل الحل الأمني وبضرورة التوافق الوطني حول مبادرة سياسية جامعة، يشكّل محوراً أساسياً للحوار الوطني يختصر الطريق الذي يقرّب المتحاورين لكونهم بهذا قد فطنوا خطورة ما يُدبّر لهم. كما أن عقدة الخوف التي زُرعت، تتطلب من الطرف الآخر المعارض أن يبذل جهوداً مضاعفةً لخلق حالةٍ من الثقة والطمأنينة عند الطرف الآخر المأخوذ بهذه الظاهرة. لهذه الأسباب على الأطراف المتحاورة ألا تجهد نفسها وتركب عناء مشقة البحث عن وسيلة جامعة لكون تقرير التجمع قد وضع النقاط على الحروف، ما لا يتيح مبرراً مقنعاً لأي طرف للتهرب من مسئولية الخروج بالوطن إلى بر الأمان.

بعد كل ما تقدّم... ألا يمكن اعتماد التقرير السياسي لتجمع الوحدة الوطنية إطاراً للحوار الوطني؟

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3832 - الإثنين 04 مارس 2013م الموافق 21 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:52 ص

      في الصميم

      فعلا مقال في الصميم كما يقال، انا اضم صوتي الى صوتك واقول
      "الزموهم بما الزموا به انفسهم"،
      ولكن يا اخي العزيز لماذا تقرير التجمع او ميثاق المنامة؟! عزيزي حتى الميثاق الوطني الذي يطبل له الجميع ليل نهار لو التزمو به لكنا في خير.
      المشكلة ان الحكم والموالاة سواء لا يلزموا انفسهم باي شيئ يمكن ان يسحب السلطة من ايديهم او ان يجعل "الشعب مصدر السلطات"
      اخي العزيز محاولة ممتازة بس سؤسفني ان اقول لك العب غيرها
      على مين تلعب

    • زائر 5 | 5:15 ص

      اول مره

      صراحتا مقال سياسي بحت
      لم ارى لهو مثيل يجب ان تستخدمه الجمعيات الست
      كبدايه لالقاء الحجه ولاقناع جمعيات الائتلاف بان الحل لتساؤلاتكم في تقريركم
      ليس بان تكونوا ريموت كنترول بل ان تكونوا مبرمجين الستليت كككككككك
      شكرا لك اخي الكاتب نفتخر انك بحريني مقال رائع

    • زائر 4 | 3:41 ص

      مقال يتطلب التمعن به

      كل كتاب الاعمدة وفي كل يوم وحتى اليوم الاخت مريم الشروقي تسئل تجمع الفاتح عن 80% الذي يتفقون عليها مع المعارضه وهم يرفضون الحكومه المنتخبه والاستفتاء الشعبي على مايتوصل اليه هذا الحوار, وانت ياأستاذنا العزيز قد فتحت الباب على مصرعه بهذا المقال ولذا لوسمحت بأن توضح الى الناس بما انت تعرفه وحتى الشارع الذي يدعي تجمع الفاتح لايعرفونه وجزاك الله خير الجزاء.

    • زائر 2 | 11:10 م

      اساس قوي يبنى عليه لكنهم تنكروا عنه

      الظاهر من كتبه ونشره بدون الرجوع للبوس ورط التجمع وانعكس هذا على تقديم روءاهم حتى الان واقول كل النقاط التي ذكرتها وذكروها بتشابه مطالبهم واقصد تجمع الفاتح والمعارضة بنسبة 80% هي حبر على الورق انت تعرف ونحن ومحزبيهم نعرف بان القرار ليس بيدهم ولم ياتهم الامر من البوس والله اعلم من يكون القيت الحجة عليهم.

    • زائر 1 | 9:51 م

      نعم

      نعم وكفاك احراج لهم وهم لن يقبلو كلامك

اقرأ ايضاً