العدد 1564 - الأحد 17 ديسمبر 2006م الموافق 26 ذي القعدة 1427هـ

"شاعر المليون" والموت بالإهانة!

لأعضاء لجنة تحكيم مسابقة "شاعر المليون" قدرة عجيبة على الخروج على "الأدب" بـ "شرشحة" الحالمين بالثراء، أمام الكاميرات. وكأنها مسابقة لـ "بهدلة" خلق الله وتسفيههم، والحط من قدرهم.

مطلوب من أي لجنة أن تكون صارمة في معايير نقدها وحكمها، من دون أن تعمد الى تجسيد موقف وأدوار مجانية بالفظاظة و "الجلافة" والتشفي. ثم الى الآن لم يستوعب أحد آلية تحكيم النصوص بالصورة التي نشهدها على شاشة قناة أبوظبي و"الواحة". آلية تعتمد المباشرة في إبداء حكمها ورأيها من دون منهجية تذكر. كل ما هنالك: "قصيدتك فيها كسور" من دون محاولة ذكر بحر القصيدة التي كسرت، ولا الأبيات التي نالها الكسر، عدا عن التلفظ بـ "في ذمتك هذي قصيدة؟" أو "إنت ورانا ورانا؟ في الرياض... البحرين... والحين في أبوظبي. مين دخلك الاستوديو؟" عدا عن الارتجال والسذاجة والفقر المنهجي، باستثناء الزميل سلطان العميمي، تفاجأ بغسان الحسن، عربي الجنسية، ونعرف ان امكانات الرجل وما أصدره وبحثه لا يعدو كونه تجميعا وتكراراً و"عكّاً"، يثني على النص الذي يثني عليه زملاؤه، ولا يثني على نص بحسب ثرمومتر اللجنة، ويكتفي بتعليق مكرر: "قصيدة لطيفة... جميلة" من دون أن يكلف نفسه عناء تبرير لطفها وجمالها!

دعوا الناس يموتوا بأحلام ثرائهم، من دون أن تعرضوهم الى "البهدلة" والاهانة والتشفي، وممارسة "البلطجة" عليهم. ليموتوا هما ونكدا من فائض تلك الاهانات. ولن يقصّر في أعمار أصحاب السعادة والمعالي، أعضاء اللجنة حين يتعاطون - ماداموا أمام جهاز خطير كالتلفاز - مع النصوص التي يرون أن أصحابها سيدخلون النار بسبب كسورها، بشيء من الأدب والرحمة، إذا وجدوا في أنفسهم مساحة احتياطية من الأبوّة!

الحجّة التي تلوّذ بها اللجنة بعد الملاحظات التي سجلّت ضدها، أن من شروط التأهل للمسابقة هي المقابلة الشخصية والأداء - أداء النص - لا بأس. أداء النص مهم للغاية، لكن ما الذي يمنع من أن تلجأ اللجنة ذائعة الصيت الى فرز أداء الشعراء في التسجيل، بحيث يصار الى حجب عرض من تمت "بهدلتهم" - مادامت اللجنة مصرة على "البهدلة" - ولم يتموا اجتياز المراحل الأولى، تماما كما يحدث في الكثير من لجان التحكيم، اذ تستبعد النصوص التي لم تفِ بالاشتراطات المطلوبة لبناء وتركيب النص، يضاف الى ذلك، أن التسجيل بين يدي اللجنة بملاحظاتها ومؤاخذاتها على بعض النصوص بحيث يصار اليه في حال استدعى الأمر ذلك للفصل في احتجاج هنا أو تشكيك هناك، أم أن أصحاب السعادة والمعالي أعضاء اللجنة وجدوها فرصة سانحة لمارسة أستذة فارغة؟ وبعضهم يعرف كما نعرف أن عددا من قصائدهم تحتاج الى أكثر من جراحة عظام لجبرها، هذا اذا تم جبرها بنجاح!

مبلغ كهذا - مليون درهم - يصرف على مسابقة، جدير بأن تخصص له لجنة من الباحثين أولا والشعراء ثانيا، اذ لوحظ أن اللجنة الموقرة أجازت عددا من النصوص في المراحل الأولى لمجرد أن وزنها سليم - على رغم أن بعض النصوص تلك لم تخل من فضائح وكسور بالجملة، ولكن المعرفة والعلم الذي فاض من أعضاء اللجنة جرفه في الطريق ولم يلتفت اليه. أقول بعض النصوص التي تمت اجازتها كانت فارغة ولم تحمل أدنى مسحة من جمال أو مضمون. أفيدونا أفادكم الله. هل الشعر وزن فحسب؟ الكيّالون في عالمنا بعدد الهم على القلب!

لو وصلت قيمة أي جائزة في الدنيا الى عشرة ملايين دولار، من دون آلية ومنهجية وكوادر لن تنال أي نوع من الصدقية والقيمة. القيمة ليست في الجائزة فقط، بل أيضا في اطمئنان المعنيين بها والذين وجدت من أجلهم من انها ستتحرى في آليتها ومنهجيتها ولجنة تحكيمها الأمانة والصدق، ومن دون ذلك تفقد أي جائزة قيمتها وتظل مثار شك وجدل.

نعلم انها الجائزة الأولى في هذا المجال من حيث قيمتها المادية المحددة، اذا استثنينا جائزة لغز سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، التي لم يفز بها أحد حتى يومنا هذا! وبالتالي لا خبرات أو تجارب سابقة في هذا الصدد، الا انه كان بالامكان الاستعانة بتجارب وخبرات امارتية وخليجية من حيث الآلية والمنهجية، وطبيعة الكوادر وتخصصها. وجائزة الشاعر الراحل سلطان بن علي العويس، ليست بعيدة عن هذا السياق، وكذلك جائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة عبدالعزيز بن سعود البابطين، وأخيرا جائزة يوسف بن أحمد كانو.

وذلك يرجعنا إلى حال الارتجال في تبني مشروعات لمجرد وفرة المال، من دون دراسة أو تمحيص أو منهجة، ما يدفع بتلك المشروعات الى الانهيار أو الاختفاء بصورة نهائية.

الحوافز مطلوبة ولا يرفضها أحد، على أن تأتي مدركة وواعية بأهدافها وتوجهاتها، مع تحصينها بالآليات والمنهجيات التي تضمن لها الاستمرار والبقاء?

العدد 1564 - الأحد 17 ديسمبر 2006م الموافق 26 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً