العدد 4181 - الأحد 16 فبراير 2014م الموافق 16 ربيع الثاني 1435هـ

المصالح الاقتصادية الأميركية في البحرين

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

في قصة مشهورة، أن مواطناً بلجيكياً دأب طوال 20 عاماً على عبور الحدود نحو ألمانيا بشكل يومي على دراجته الهوائية حاملاً على ظهره حقيبةً مملوءةً بالتراب، وكان رجال الحدود الألمان على يقين أنه «يهرّب» شيئاً ما ولكنهم في كل مرة لا يجدون معه غير التراب.

السر الحقيقي لم يكشف إلا بعد وفاة البلجيكي حين وجدت في مذكراته الجملة التالية: «حتى زوجتي لم تعلم أنني بنيت ثروتي على تهريب الدراجات إلى ألمانيا».

فالعبرة من القصة هو ذرّ الرماد في العيون، وتحويل أنظار الناس عن هدفك الحقيقي، مثلما فعل البلجيكي حينما وضع التراب في الحقيبة لتحويل أنظار رجال الحدود عن هدفه الحقيقي في تهريب الدراجات. وهذا بالضبط ينطبق عند الحديث عن المصالح الاقتصادية الأميركية في البحرين كأرقام بملايين ومليارات الدولارات والأطماع في ثروات النفط في الخليج. وهذا النوع من الحديث هو وهمٌ في عقول الاقتصاديين والسياسيين المستهلكين للمعرفة، يتم تسويقه على عامة الناس.

البحرين كأرقام مالية لا تساوي شيئاً أمام الاقتصاد الأميركي، فالاقتصاد البحريني يساوي 0.2 في المئة (نسبة صفرية) أمام الاقتصاد الأميركي.

تخيل أن شركة أميركية واحدة مثل أبل، التي تبيع هواتف الآيفون، تبلغ أرباحها الصافية 44 مليار دولار في سنة واحدة، بينما الناتج المحلي للبحرين (الحكومة وكل الشركات) لا يتعدى 30 مليار دولار. (شركة أميركية واحدة أكبر من اقتصاد البحرين).

والحديث عن حجم التبادل التجاري مليار أو ملياري دولار في السنة بين البحرين وأميركا، فهو رقم بمثابة تقديم حبّة رز بحجم نملةٍ إلى فيل ضخم جائع، فلا توجد أية أهمية للبحرين كأرقام مالية.

وأما بالنسبة للأطماع الأميركية في النفط الخليجي، هو الآخر وهمٌ في العقول، فأميركا بقدراتها العلمية والتقنية والتكنولوجية، تستطيع خلال فترة وجيزة أن تستخرج النفط من أراضيها بما يغنيها عن استيراد برميل واحد من أية دولة أخرى في العالم، بل يمكنها أن تصدّر النفط لو أرادت.

والسؤال المطروح: لماذا أميركا مهتمة بالبحرين اهتماماً كبيراً؟ ولماذا أميركا لم تقم باستخراج النفط من أراضيها وتحقّق الأمن الذاتي، بدلاً من أن تهدّدها إيران بين فينة وأخرى بغلق مضيق هرمز، وقطع إمدادات النفط من الخليج؟

اهتمام أميركا بالبحرين هو بمثابة محطة تمر عليها أميركا ضمن رحلتها في وضع قواعد تحكم الحياة البشرية على وجه الكرة الأرضية، على رأسها تحويل الدولار إلى عملة عالمية، ليكون «الذهب الأخضر» الذي يحل محل الذهب الأصفر انطلاقاً من اللعبة العقلية الكبرى لحياة الإنسان.

فالحياة لعبة عقلية، قواعدها تصورات في العقل، مثلاً الدولة تطبع نقوداً دنانير، هذه الدنانير في الحقيقة ورق وبالعامية «قراطيس»، وقيمتها في التصوّر العقلي للإنسان مع وجود حاكمية تجعل الإنسان يقبلها، فإذا طبعت الحكومة دنانير فإنها تكون مقبولةً وتستطيع أن تشتري بها في السوق، لأن لها حاكمية يرعاها المصرف المركزي باستخدام قوة القانون، بينما لو قام شخص بطباعة مليون دينار فإنها غير مقبولة ولا تستطيع بها شراء علبة دخان، لأنه لا توجد لها حاكمية تجعل الناس تقبل بها. مع أنه لا فرق مادياً بين الدينار الذي طبعته الحكومة والمليون الذي طبعه الشخص، كلاهما ورق أو «قراطيس».

وكي تعطي أميركا الدولار حاكمية في اللعبة العقلية الكبرى لحياة ألإنسان، لابد أن توجد منتجات وخدمات حيوية تغطّي الدولار، بحيث تجعل الآخرين يقبلون بالدولار. والمثال، الصين عندما تريد أن تشتري نفطاً من السعودية، فإن السعودية تطلب من الصين أن تدفع بالدولار، وحتى تتمكن الصين من توفير الدولار، فإنها تصدر منتجاتها إلى أميركا التي تطبع الدولار وتعطيه للصين. فأميركا لم تفعل أو تنتج شيئاً سوى طباعة ورقة اسمها الدولار، للحصول على منتجات من الصين التي تحتاج إلى هذه الورقة لشراء النفط من السعودية.

فأميركا وضعت قاعدةً للدولار تتحكم بشكل كبير في حياة البشر في عمليات البيع والشراء، فيمكنها أن تطبع الدولار لشراء النفط من السعودية، وتطبع الدولار لشراء الذهب والألماس والمعادن من إفريقيا...الخ؛ لأن هذه المواد مقوّمةٌ بالدولار.

وإذا تحويل الدولار إلى عملة عالمية، أصبحت أميركا تسيطر على العالم، لأن النقود في حقيقتها هي عمل وجهد بذله الإنسان، تم تعليبه في محول اسمه «نقود». وقيمة النقود ليست في ذاتها، وإنّما بما تحويه من عمل وجهد بذله الإنسان، فالأصل هو الجهد والعمل. مثلاً، إذا كنت تملك مليون دولار، فأن تستطيع أن تجعل 100 عامل يعملون في مزرعتك، أو يصنعون لك ما تريد. أي أصبح الدولار أداةً للتحكم في البشر.

الخلاصة، أن أمن البحرين من أمن الخليج، وأمن الخليج من أمن الدولار كعملة عالمية، وأمن الدولار هو من أهم وأقوى الأعمدة التي يرتكز عليها الأمن الأعلى لأميركا وازدهار اقتصادها.

ولهذا، أميركا لا تريد أن تحقق الاكتفاء الذاتي من استخراج النفط من أراضيها ولن تفعل، وإنما تستمر في الاستيراد، للاستمرار في بيع النفط بعملة الدولار.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 4181 - الأحد 16 فبراير 2014م الموافق 16 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:36 ص

      المصالح الأميركية

      المصالح الأميركية انها لعبة الامم بالنسخة الجديده- مطوره التناسب لاأمن و اقتصاد أميركا

    • زائر 2 | 2:15 ص

      من المقولات لكنها واقع تهريب غاز وبترول و سرقة سيارات وبيعها

      خوش تجاره عالميه حره يقال كيف للبحرين مصالح في أمريكا بينما لا مصالح للشركات الأجنبيه في البحرين؟ هنا أي في البحرين يقال من المناطق الغنيه بالبترول والغاز الطبيعي ومعادن إخرى ومن غباوة أمريكا إستولت على مصادر الطاقة وتصدرها الى خارج الحرين وتبيعها لكن السؤال هنا ليش ما توصل قيمة مبيعات الغاز والبترول الى الفقراء واليتامى والأرامل في البحرين منها شيء؟ ويش يعني فضيحه القرن الحادي والعشرون في البحرين تجارة حره عالميه كلها سرقات وبوايقه؟

    • زائر 1 | 10:53 م

      Nice analysis

      This is great article Many thanks

اقرأ ايضاً