العدد 4242 - الجمعة 18 أبريل 2014م الموافق 18 جمادى الآخرة 1435هـ

كتاب «لؤلؤة البحرين» للشيخ يوسف العصفور... نافذة على تاريخ مضطرب

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

إن وجود بعض المناطق أو بعض أسماء المناطق غير المعروفة حاليّاً بعد مرور ما يقرب من 250 عاماً تفصل بين عصرنا وعصر الشيخ يوسف العصفور، مثل الرويس أو عزارا، يعني أن الشيخ نفسه ربما لم يتعرف على قرى أو أسماء قرى قديمة كانت موجودةً في البحرين قبل ميلاده بعقود أو مئات السنين .

يعد الشيخ يوسف العصفور الدرازي البحراني (المولود في 1695 م والمتوفى في 1772 م)، أحد أبرز علماء البحرين الذي كان له الفضل في التوفيق بين مدرستين فقهيتين، (الأخبار والأصول)، واعتبر مؤسساً لنهج فقهي معتدل لاتزال آثاره ماثلة حتى يومنا هذا.

ولقد عاش الشيخ يوسف العصفور (الذي يعرف خارج البحرين بالشيخ يوسف البحراني) في فترة شهدت الكثير من الاضطرابات السياسية التي عصفت بالبحرين في تلك الفترة.

كتابه «لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث»، الذي انتهى من كتابته قبل وفاته بأربع سنوات فقط (أي في العام 1768 م)، يسرد فيه بعضاً من سير 133 عالماً من علماء البحرين والقطيف والأحساء وجبل عامل والعراق وإيران. توفّر هذه السير، وبشكل متناثر، من المعلومات والإشارات ما يمكن جمعه وتحليله وإعادة تشكيله ليقدّم صورةً للبحرين في تلك المرحلة.

من القضايا التي بالإمكان التعرّف عليها من خلال تتبع ما كتبه الشيخ يوسف عن البحرين، التعرف على أسماء بعض القرى التي كانت عامرةً ومهمةً في تلك الفترة، والتعرف على بعض الاضطرابات السياسية التي عانت منها البحرين في تلك الفترة، وبعض أسباب الهجرة المحلية والخارجية التي عرفت عن أهل البحرين في تلك الفترات التاريخية، وبعض معالم النظام السياسي الذي كان قائماً آنذاك، والعلاقة التي كانت قائمة بين البحرين والدولة الصفوية الإيرانية، بالإضافة إلى مواضيع تعنى بدراسة كيفية تكوين شخصية عالم الدين في البحرين من خلال التعرف على كيفية تحصيلهم العلمي وبعض المعلومات عن التأليف وأنواع الكتابة، وغير ذلك.

سرد الشيخ يوسف العصفور سير العلماء وطرح بعض المعلومات والإشارات بشكل عرضي فقط، وهذه القراءة تسعى إلى تكوين صورةٍ للبحرين التي عاشها وصوّرها الشيخ يوسف العصفور (البحراني) في كتابه لؤلؤة البحرين. (النسخة المعتمدة في هذه القراءة هي تلك المطبوعة من قبل مكتبة فخراوي، 2008).

جغرافيّاً، يأتي الكتاب على ذكر البحرين باسمها الحالي (البحرين) ولكن النسبة إليها، بحسب الكتاب، كما يذكر من جزر البحرين: أوال (أكبر الجزر)، سترة، أُكُل (بضم الهمزة والكاف)، أو النبي صالح (حسب الكتاب)، كما يلمح إلى جزيرة المحرق دون ذكر اسمها بالنص. فحين يتحدث عن قرية سماهيج يصفها بأنها «قرية في جزيرة صغيرة بجنب جزيرة أوال من طرف المشرق». (ص 94). من المُلفت أن الكتاب أحياناً يذكر أسماء قرى داخل قرى. فقرية الماحوز مثلاً تتألف من ثلاث قرى، هي: الدونج وهلتا والغريفة، وهناك قرية تسمى كتكان تقع في قرية توبلي. كما يصف سترة بالقرية أحياناً، وبالتالي تكون كل قراها قرى داخل قرية.

ومن القرى التي يذكرها الكتاب أيضاً قرية تسمى «عالي معن» والنسبة إليها «المعني»، وقرية الرويس، وقرية عزارا وتقع بالقرب من سماهيج. وبشكل عام، ذكر الكتاب المناطق الآتية: البحرين، أوال، سترة (الخارجية)، سماهيج، عزارا، جزيرة النبي صالح (أُكُل)، الماحوز (الدونج، هلتا، الغريفة)، توبلي (كتكان)، عالي معن، الرويس، البلاد القديم، كرزكان، سماهيج، جدحفص، المصلى، جد الحاج، نعيم، الدراز، بني جمرة، مقابا، أبي أصبع، المقشاع، القدم، الحجر، الشاخورة.

ومن الممكن ملاحظة النقاط الآتية... أولاً: إن هذه المناطق هي التي استلزم ذكرها حين كتابة بعض سير هذا العالم أو ذاك، ولا يعني أنها المناطق الحصرية التي كانت في البحرين في تلك الفترة.

ثانياً: إن وجود بعض المناطق أو بعض أسماء المناطق غير المعروفة حاليّاً بعد مرور ما يقرب من 250 عاماً تفصل بين عصرنا وعصر الشيخ يوسف العصفور، مثل الرويس أو عزارا، يعني أن الشيخ نفسه ربما لم يتعرف على قرى أو أسماء قرى قديمة كانت موجودةً في البحرين قبل ميلاده بعقود أو مئات السنين.

ثالثاً: حين يذكر الشيخ القرى التي تتواجد داخل القرى، مثل الدونج وهلتا والغريفة في الماحوز أو كتكان في توبلي، فهذا ربما يؤشر إلى أحد أسباب الحديث عن كثرة القرى في البحرين، وخصوصاً في بعض الفترات التاريخية التي ربما وصلت فيه القرى إلى ما يزيد على 300 قرية. فعدد القرى يكبر مع تعداد القرى الصغيرة ويقل مع الاكتفاء بتعداد القرى الكبرى وتجاهل القرى الصغيرة التي بداخلها. وربما يكون أحد أسباب اندثار بعض القرى هو تعرض البحرين للكثير من الهجمات الخارجية للاستيلاء عليها وما يخلفه ذلك من هجرات ودمار وخراب.

تعرضت البحرين في فترة حياة الشيخ يوسف العصفور للعديد من الهجمات الخارجية للاستيلاء عليها. ففي العام 1700م (1112 هـ)، تعرّضت البحرين لهجوم «ووقع الحرب وانكسرت البلد إلى القلعة أكابر وأصاغر» (ص 425). بعد فترة، حاول العمانيون الاستيلاء على البحرين وقاموا بمهاجمتها ثلاث مرات. فشلت محاولتهم الأولى، وفي المحاولة الثانية، بعد سنة، «كان أهل البحرين قد استعدوا بالأسلحة للحرب وساعدهم العسكر المذكور (الذي أرسله الشاه سلطان حسين) فوقع الحرب وهم في السفن فقتل منهم جمع ورجعوا بالخيبة أيضاً» (ص 99). أما في الهجوم العماني الثالث فقد قاموا فيه بحصار «البلد لتسلطهم على البحر حيث إنها جزيرة، حتى أضعفوا أهلها، وفتحوها قهراً، وكانت واقعة عظمى، وداهية دهما، لما وقع من عظم القتل والسلب والنهب وسفك الدماء، وبعد أن أخذوها وأمنوا أهلها هربت الناس – سيما أكابر البلد – منها إلى القطيف وإلى غيرها من الأقطار، ومن جملتهم الوالد –رحمه الله– مع جملة العيال والأولاد فإنه سافر بهم إلى القطيف» (ص 426).

بعد بضع سنوات، حاول العجم استرداد البحرين ووقعت المعركة بينهم وبين العمانيين «حتى صارت الدائرة على العجم فقتلوا جميعاً وحرقت البلاد، وكان من جملة ما حرق بالنار بيتنا» (ص 427). ولكن العجم استطاعوا ردّ البحرين بعد فترةٍ صلحاً بعد أن دفعوا للعمانيين مبلغاً كبيراً للتخلّي عنها. ولكن هذا الحال لم يدم طويلاً حيث «اتفق خراب البلد ... بعد استيلاء الأفاغنة على ملك الشاه سلطان حسين وقتله» (ص 427-428).

ومن الملاحظ هنا أن البحرين في فترة حياة الشيخ يوسف العصفور كانت تابعة إلى بلاد العجم (إيران) لكنهم لم يكونوا في أوج قوتهم حينذاك. وأن البحرين كانت مطمعاً للعديد من القوى المحيطة بها، وعلى رغم مقاومتهم الذاتية وحملهم السلاح دفاعاً عن بلادهم فإنه لم يكن بمقدور أهل البحرين لوحدهم الدفاع عنها. كما أن الهجمات الخارجية التي كانت تؤدي إلى خراب البلاد، ولجوء أهل البحرين للقلعة أو للهروب من البلاد، لم يكن ليمنع من معاناتهم وقتلهم وحرق منازلهم.

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4242 - الجمعة 18 أبريل 2014م الموافق 18 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • ام محمد1971 | 12:53 ص

      شكرا

      ممكن استاذ تطرح لنا فروقات الطبعتين للاستفادة

    • زائر 12 | 8:40 م

      احسنت

      ايه زين سويتو اكتبو ليهم في التاريخ خل يعرفون اصولنا من متى.. مو يقولون عنا من برا

    • زائر 9 | 3:28 ص

      تنويه عن كلمة مفقودة

      شكرآ على الالفاتة الجميلة. ذكر الكاتب في الفقرة السابعة: جغرافيا...النسبة إلى البحرين. وصمت!! الظاهر أن الكلمة المفقودة النسبة للبحرين بحراني..وهو شي طبيعي لا اعرف لم استخدم الكاتب قبله كلمة ( غير) لانها النسبة السماعية الاصل عند العرب وليست من صياغة الشيخ رحمه الله.

    • زائر 7 | 2:02 ص

      هدهد

      على هذا فمخطئ من سماها ام المليون نخلة فهي ام المليون شهيد وكفى بها فخرى

    • زائر 6 | 12:35 ص

      نصف الحقيقة !!!

      من الجيد أن نعيد قراءة التاريخ ، ولكن الأهم من ذلك هو ذكر الحقائق دون خوف من سياسة تكميم الأفواه ، فأنا شخصياً قرأت الكتاب ولكن بنسخة قديمة غير التي طبعتها مكتبة فخراوي وفيها من النقص ما لا يمكن التسامح فيه -

    • زائر 8 زائر 6 | 2:51 ص

      أأحسنت

      بارك الله فيك. أطلب من الأخ الإكثار من هذه المواضيع حتى نتعرف على تاريخنا.

    • زائر 5 | 11:34 م

      يتبع ... هجرة البحارنة الى الخارج

      آثار البحارنة ضاربة في القدم في الجزيرة و تقديسهم لعلمائهم جعل قبورهم تأخذ القدسية كما كانوا احياء فيعتنى بالقبور و يرث التقديس جيل بعد جيل حتى بعضهم ينسى تاريخه او يندثر معظمه و لا يعرف عنه الا اسمه كالشيخ عزيز و النبيه صالح و بقى بعضهم معروف لوجود نراثه العلمي وكالشيخ ميثم اليحراني

    • زائر 4 | 11:33 م

      هجرة البحارنة الى الخارج

      البحارنة النسبة اللغوبة الصحيحة لسكان البحرين و قبل الاستقلال كان الفرز المجتمعي واضح البحارنة و هم سكان البحرين الاصليون و العجم وهم الشيعة الاي الايرانيون و الهولة وهم الايرانيون السنة و العرب وهم الذين دخلوا البحرين من ازاحة ال مذكور اما العجم و الهولة فوجودهم يسبق وجود العرب بالمصطلح المحلي ويبدو من ابتكر التقسيمات هم البحارنة. يتبع

    • زائر 2 | 9:47 م

      الله يرحمه ..

      احسنتم ..

اقرأ ايضاً