العدد 4249 - الجمعة 25 أبريل 2014م الموافق 25 جمادى الآخرة 1435هـ

علماء الدين في البحرين قديماً... صنّاع ثقافتها

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

إن كان لكل مجتمع أن يفخر ويعتز بعلمائه ومثقفيه وكتابه، فعلماء البحرين القدماء هم علماء الدين الذين يحق لهذا المجتمع أن يفخر ويعتز بهم. فالدين في تلك الفترة هو مساحة العلم لمن يريد أن يكون عالماً، ومساحة الثقافة لمن يريد أن يكون مثقفاً.

في مجتمعٍ عُرف بتجارة اللؤلؤ والزراعة وصيد الأسماك وصناعة النسيج وغيرها، يبرز العالم الديني، المثقف الذي يقرأ ويدرس ويؤلف ويكتب الشعر ويسافر طلباً للعلم، ويحاضر ويؤم الناس في صلاتهم ويقضي بينهم. فهو ليس مجرد طالب علم، وإنما المثقف والقائد المجتمعي الذي يلجأ إليه الناس.

يمكن رصد ثلاث محطات يمر بها عالم الدين في تحصيله للعلم الديني آنذاك. ففي البداية، يبدأ التحصيل العلمي في المنزل حين يكون طالب العلم صغيراً في العمر والعلم، فيأتيه أحد العلماء، بطلب من والد الطالب المبتدئ عادةً، ويبدأ معه بدراسة بعض كتب اللغة العربية مثل كتاب «قطر الندى». ثم بعد فترة، ينتقل طالب العلم للمرحلة الأخرى وهي التحصيل العلمي عن طريق بعض العلماء الذين يسعى هو بنفسه للوصول إليهم. وهنا ينتقل طالب العلم للبلدة التي يسكن فيها العالم ويدرس عنده في المنزل أو في المسجد.

بعد فترة، ورغبةً في الوصول إلى مستوى تعليمي أكبر، تبدأ مرحلة ثالثة وهي السعي للتواصل مع بعض العلماء خارج البحرين، سواءً كانوا في القطيف أو العراق أو إيران أو جبل عامل أو الهند أو أي مكان آخر. خلال هذه المراحل الثلاث يدرس طالب العلم علوماً متعددة، من اللغة العربية والفقه والحديث والعلوم العقلية وغيرها، ما يؤهله للتصدي لمهام علماء الدين من تدريس وغير ذلك.

تتعدد المهام التي يقوم بها عالم الدين قديماً، فبالإضافة للتحصيل العلمي من تدريس أو دراسة، فإن بعض العلماء تشتهر إمامته لصلاة الجماعة فقط، خصوصاً في بدايات التحصيل العلمي الديني، والبعض يشتهر بإقامة صلاة الجمعة والجماعة. كما يشتهر البعض بالتأليف، ويشتهر آخرون بالحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهناك من العلماء من يتسلم بعض المهام الرسمية من قبيل رئاسة البحرين أو مشيخة الإسلام كما كان حال السيد هاشم البحراني في القرن السابع عشر الميلادي. تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض العلماء كانوا يمتهنون مهناً أخرى بالإضافة للتحصيل العلمي، مثل تجارة اللؤلؤ والفلاحة من أجل كسب لقمة العيش.

من المهام التي قد يتصدى لها طالب العلم هي التأليف. بالإضافة للكتب، يقوم العلماء بتأليف الرسائل لعدة أغراض، أحياناً تكتب الرسالة للإجابة على بعض الاستفسارات الواردة من أحد العلماء او أحد الحكام مثلاً، وأحياناً تهدف إلى الرد على بعض الآراء العلمية، فيكتب العالم رسالة يرد فيها على رسالة أخرى. وأحياناً تأتي الكتابة على شكل حواشٍ على بعض الأسئلة أو تعليقاً على بعض الآراء العلمية. كما قد تأتي الكتابة على شكل إجازات يجيز فيها العالم لعالم آخر أو أكثر نقل آرائه وما ورد في كتبه. وأحياناً يقتصر التأليف على مساحة من العلم فقط كالكتابة في مجال الحديث دون الكتابة الفقهية.

تبرز ظاهرة الهجرة الداخلية والخارجية، بأسبابها المتعددة، عند الحديث عن علماء الدين في تلك الفترة، حيث يضطر بعضهم للهجرة الداخلية أحياناً، فيغادرون قراهم للسكن في قرية عالم الدين الذي يرغبون في حضور درسه. فهناك علماء وُلدوا في الدراز مثلاً، ولكنهم سكنوا البلاد القديم أو الماحوز للتحصيل العلمي على أساتذتهم من تلك القرى. كما قد يضطر العلماء للهجرة إلى القطيف أو العراق أو ايران للتدريس أو للتحصيل هناك، كما حصل للكثير من علماء البحرين الذين قصدوا شيراز مثلاً، حيث كانت إحدى المدن المشهورة بالتطور العلمي الديني حينها. كما يهاجر العلماء أحياناً، حالهم حال بقية المواطنين، نتيجة للهجمات الخارجية على البحرين. وهذا ما حصل حين هوجمت البحرين في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي عدة مرات فهاجر الكثيرون إلى القطيف والى بلدان اخرى.

من أسباب الهجرة أيضاً، ضيق الحال، حتى وصل بعضهم إلى حيدر آباد في الهند. كما آثر بعض العلماء الهجرة الدائمة نتيجة لعدم استقرار الوضع في البحرين، كما حصل للشيخ يوسف العصفور البحراني حين قرر الهجرة إلى كربلاء والمكوث فيها حتى وفاته في 1772 م، نتيجة لما أصاب البحرين من هجمات متكررة. وبعض العلماء يقررون الهجرة مؤقتاً، انتظاراً لاستقرار الوضع السياسي أو رغبة في التحصيل العلمي لفترة وجيزة فقط. كما يسافر العلماء أحياناً لزيارة مكة المكرمة أو المدينة المنورة أو النجف أو كربلاء في العراق أو مشهد في إيران. ويحصل أن تشتمل بعض هذه الزيارات الدينية على الالتقاء ببعض العلماء هناك والاستفادة من النقاش معهم.

من الملفت في تلك المرحلة العلاقة التي كانت تجمع بين علماء البحرين والقطيف والإحساء وجبل عامل وإيران والعراق. فعلماء هذه المناطق كانوا روافد العلم الديني الذي تطور في تلك الفترة. فبعد أن تم اعتماد المذهب الشيعي من قبل الصفويين في إيران مطلع القرن السادس عشر، كانت إيران بحاجة ماسة لعلماء هذا المذهب، فاستقطبتهم من مختلف المناطق، ما جعلها مركزاً للعلماء باختلاف أصولهم، ووفر فرصة لتلاقي الأفكار التي طورت من الأساس الفكري وخصوصاً الفقهي لعلماء المناطق المتعددة. لذلك، كان علماء البحرين يفيدون ويستفيدون من علماء هذه البلدان. من هنا، ساهم هذا الارتباط العلمي في خلق ثقافة دينية متقاربة في مجتمعات هذه المناطق.

ويتجلى تأثير علماء الدين على ثقافة المجتمع في البحرين في تأثير فكر المدرسة الأخبارية على المجتمع البحريني على سبيل المثال. فانتساب بعض كبار علماء البحرين للمدرسة الأخبارية المحافظة أدى لانتشار فقه هذه المدرسة فيها، وما تبع ذلك من أفكار وسلوكيات محافظة كانت، ولازالت ربما، تسود المجتمع. في المقابل، كان انفتاح المجتمع البحريني على علماء من الخارج مؤخراً، مساهماً في تغيير بعض الأفكار والسلوكيات المجتمعية. وعليه يبدو علماء الدين، بدورهم العلمي والثقافي والقيادي في المجتمع، من القوى المؤثرة في صناعة ثقافة المجتمع.

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4249 - الجمعة 25 أبريل 2014م الموافق 25 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:06 م

      احسنت

      و يبقى علماؤنا قادتنا.. و صناع ثقافتنا

    • زائر 3 | 11:09 ص

      و اين علماء السنه من كل ذلك ؟!

      لكأن البحرين قد حوت المذهب الشيعي فقط و من خلال ذكره توجه علماء الدين للعراق و ايران ما يحدد المذهب الشيعي السؤال :الا وجود لشركاء الوطن من المذهب الاخر ؟! اتمنى ان تكون هذا النوع من الكتابات يشمل تاريخ البحرين بشكل شامل حتى نشعر بالمصداقيه من حيث سرد )تاريخ( يمس شعب في فتره من الزمان و لا يقتصر بطرف دون اخر فهذا ليس راي شخصي حتى اقتصر على ما يعجبني ذكره!

اقرأ ايضاً