العدد 4249 - الجمعة 25 أبريل 2014م الموافق 25 جمادى الآخرة 1435هـ

القاص إبراهيم سند: لا يمكن التعامل بفوقية مع أدب الطفل

يمعن الأديب البحريني والقاص المهجوس دائماً بأدب الطفل إبراهيم سند في إتحافنا في كل مرة من إصداراته المتعددة للأطفال بفكرة جديدة يبدعها ظريفة، فمرة يحادث نجمة الأماني ويتتبع لصوص الأوطان، ومرة يعبر للجزيرة الخضراء، ليبحث عن وطن النخلة، ومرة يسأل النملة ماذا تمنت أنت تكون، وأخرى يتساءل ما الذي جعل سامي يجري، متتبعاً الطيور الزرقاء، بأجمل إحساس، متنقلاً في العوالم السحرية بين العمالقة والأقزام، وذات الريش الناعم والأشباح، بخيال متأهب دائماً للحظة الإبداع الطفولية الجميلة بما جعله يكون متألقاً حين موعد الاحتفاء بالكتاب البحريني.

المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي احتفت بسند وكرمته في يوم الكتاب العالمي، وذلك عن أعماله الأدبية الموجهة للأطفال. فضاءات «الوسط» التقته على هامش هذا التكريم.

ماذا يمثل لك هذا التكريم وخصوصاً أنه يقترن بيوم الكتاب العالمي؟

- التكريم يمثل محطة ثقافية مهمة تعني لي الكثير ككاتب، وهو تكريم لكل كتّاب أدب الطفل في البحرين. ويوم الكتاب العالمي الذي يصادف 23 أبريل/ نيسان مناسبة مهمة، وشيء جميل أن تحتفي البحرين بها لتؤكد أنها لا تختلف عن بقية العالم في اهتمامها بالكتاب والمبدعين، وجيد أن يخصص هذا اليوم لتكريم أدب الطفل. هذه التفاتة مهمة وثمينة، تأتي من قبل مؤسسة ثقافية نشطة في البحرين، وهي المكتبة الوطنية في مركز عيسى الثقافي.

بعد الإصدارات العديدة للطفل، كيف تجد طبيعية التعاطي مع هذا الأدب في البحرين ومع ما تكتبه سواء من قبل الأطفال أو من قبل المؤسسة الرسمية؟

- أدب الطفل أدب جميل وممتع، يستطيع الكاتب عبره توصيل العديد من القيم والرسائل الثقافية إلى عموم الأطفال. الكتابة للطفل ليست بسيطة، وحين يتبسطها البعض يصطدم بأن الطفل لا يتقبل، فالطفل كائن اجتماعي مفكر، ويدرك الأدب ويستمتع به حين يتذوقه، فيجب أن نتعامل معه بروح عصرية، وليس بروح أبوية، أو بنظرة فوقية من أبراج عاجية بما يخلق فجوة بين الكاتب وجمهور الصغار المتلقي لهذا الأدب الجميل.

أدب الطفل مهم؛ لأنه يغرس القيم والثقافة التي يحتاج إليها المجتمع، وهو أدب فردي، لكن هناك مجموعة يعملون مع بعض ويؤسسون هذا الأدب، ثم يأتي دور المؤسسة الرسمية كداعم ومعزز لهذه الثقافة. ليس هناك أجمل ولا أروع من اجتماع الإبداع الفردي مع جهود المؤسسة الرسمية، بما يكوٍّن لدينا أدباً راقياً ومتميزاً جداً.

كيف تجد تعاطي الكَّتاب والنقاد في البحرين مع أدب الطفل هل أنصفوه كأحد الفنون والأجناس الأدبية التي لها مبدعوها أمثالكم؟

- أدب الطفل في البحرين متقدم كثيراً، على مستوى الوطن العربي كتابياً وإبداعياً، ويسبق النقد بخطوات متقدمة، فالنقد مازال يحبو وهو قليل ونادر، وما يلقاه الكاتب والمبدع هو كلمات التشجيع والمساندة والإشادة، بينما نحتاج إلى التصويب والتوجيه، والناقد المتخصص في أدب الطفل. كل الذين يعملون في النقد متخصصون في أدب الكبار، ولذا نتمنى أن يدرس أدب الأطفال في الجامعات والمدارس، وتكون هناك مادة تلتفت للكاتب البحريني وإبداعه، ضمن المناهج المدرسية والجامعية.

ظاهرة أدب الطفل تحتاج إلى تسوير فمن أهم منتجيها ومتليها ونقادها ومؤسساتها، في البحرين؟

- حاول الفرنسيون الاهتمام بأدب الطفل كلون فني موجه للصغار، وبعدها انتقل هذا الاهتمام إلى ألمانيا والدنمارك ووصلنا عربياً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع الترجمات في مصر والعالم العربي. في البحرين تعاملنا مع أدب الطفل في السبعينيات في سياق الحركة الأدبية الجديدة النشطة. هذه التجربة بدأت تتأثر بما يكتب للصغار، وكان أول من كتب للصغار ليس في البحرين وحسب، بل على مستوى الخليج العربي، القاص عبدالقادر عقيل العام 1977 مع قصة «من سرق قلم ندى». كانت بداية جميلة ومشجعة جداً، بعدها كتب خلف أحمد خلف، وإبراهيم بشمي، وعلي الشرقاوي، ويوسف النشابة.

وماذا عن تجربتك في الكتابة للصغار؟

- تجربتي بدأت مع الصغار، واستمرت كذلك في الكتابة القصصية والمسرحية للطفل، والبعض يتساءل إلى متى ستبقى تكتب للطفل، وأقول: إني كتبت للطفل، وسأبقى؛ لأنه العالم الذي استطعت التعبير فيه عن أفكاري، وجمهوري هم الصغار، هم الذين يشكلون المستقبل، وهم ثلث المجتمع البحريني.

اكتشفت هذا الطفل الموجود في الأعماق، ومن خلاله استطعت أن أغوص بعيداً وأفتش عن الكنوز والتعابير والقصص والحكايات التي تصلح للطفل. أنا في نوع من التوحد مع الطفل. في داخلي طفل صغير؛ ولذلك حين أكتب أنطلق مستمتعاً لأني أتذوق ما أكتبه.

يحاول الأديب الإمساك بزمام اللغة على رغم الواقع المعولم والصور المتلاحقة والتطور المتسارع في الاختراعات العديدة ذات الأسلوب التفاعلي في التلقي، ما طبيعة اللغة التي تمكنك من الاستمرار في التواصل مع الطفل في ظل هذه التحولات.

- هذا سؤال مهم من خلاله نستطيع أن نتعرف إلى عالم الطفل عبر اللغة البسيطة المعبرة المشحونة بالأحاسيس والمشاعر التي تحتوي على جانب كبير من التشويق، بجمل صغيرة وشاعرية تصب في قوالب متناسقة وتتواكب مع الواقع ومستوى الأطفال وقاموسهم اللغوي. الأطفال ليسوا فئة واحدة، هناك مراحل عدة ولها لغات مختلفة، وكل كاتب له قاموسه الذي كونه باجتهاده وبحثه وقربه من الطفل.

اللغة هي التي تجعل الكاتب يستطيع النفاذ إلى عالم الطفل، فيجب أن تحتوي على التشويق، واستخدام الكلمات التي يفهمها مع تضمين الكلمات الجديدة باحتراس شديد جداً، ويبقى الإيقاع الشعري في الكتابة أكثر تأثيراً، من الكتابة الإنشائية ومن العبارات التقريرية الطويلة.

كل أديب لديه لحظة هي المفجرة لإبداعه والتي من خلالها يكتشف إمكاناته وقدراته الأدبية، كيف ومتى اكتشفت الكاتب الطفل في داخلك والنداء الداخلي الذي استدعاك للكتابة للطفل.

- تأثري بأدب الطفل جاء بسبب طبيعة تكويني النفسي، ولتأثري بمن سبقني من كتاب الطفل وتقديري لهم، ولتخصصي في جمع التراث الشعبي ونزولي للميدان وجمعي للأمثال والحكايات الشعبية والقصص. حبب إليَّ ذلك الكثير من القصص التي كانت تروى عن طريق الجدات والأمهات، وكأن نافذة فتحت وأرتني سعة الخيال، وكيف كانت تصنع الحكاية بعوالمها الرحبة. اشتغلت على كيفية تحويل المادة الموجودة في الميدان إلى أدب يصلح للأطفال، لذلك بدأت في الكتابة قريباً من الحكاية الشعبية، ثم غادرت هذه المنطقة فلم أعد مسجوناً في الحكاية الشعبية وانطلقت بالاطلاع والبحث والتفكير باقتناص أفكار جديدة وموضوعات غير مسبوقة، وفكرة مصاغة بشكل جميل، ناظراً كيف يتفاعل معها الطفل. بعض القصص أعيد كتابتها من جديد، حيث لم يستجب لها الصغار، حتى تكون قصة ناجحة، فالناقد الصغير لا يكذب ولا يعترف بالمجاملة، فإذا أعجبته الفكرة يعبر بكل صدق وقوة عما يشعر به، لذلك فأنا أستفيد كثيراً من الصغار حينما أجلس وأروي لهم الحكاية، فأرصد إشاراتهم التي تنطلق وتعابير عيونهم التي تعكس التقبل أو الرفض.

العدد 4249 - الجمعة 25 أبريل 2014م الموافق 25 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً